- ThePlus Audio
مجاهدة النفس وطرق الوقاية من المعاصي
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة السير في درب العبودية والتكامل
إن أئمتنا (ع) هم مظهر العبودية التامة. إن رب العالمين قد خلق الإنسان ليعبده، وعلى رأس العابدين النبي وآله (ص). إن المطلوب منا جميعا أن نسير في درب العبودية والتكامل. إن حياتنا تشبه المسطرة ولكن لا نهاية لهذه المسطرة. تخيل مسطرة طويلة إلى ما لا نهاية وهذه هي حياتك في الدنيا بمثابة قطعة صغيرة في أول المسطرة؛ سمها ميلي متراً واحداً، وهذا المقدار البسيط سيحدد البقية إلى أبد الآبدين. إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وكم هذه المعاملة مذهلة؟ أي أن مساحة صغيرة لا تكاد تذكر نصبغ من خلاها ما تبقى من المسطرة باللون المناسب.
منذ أن خلق الله آدم وإلى يومنا هذا ما عاشت البشرية هذه الرفاهية التي نعيشها اليوم في كل مناحي الحياة. ولم تكن المعلومة ميسرة قبل يومنا هذا، وقبل مئات السنين كان الذي يقتني قرآناً مخطوطا في قرية ما يعتبر إنساناً مميزاً. ولعل في تلك الأزمنة لم يكن للجميع القدرة على أن يشتري قرآناً مخطوطاً كاملاً؛ خصوصا الفقير الذي لا يملك قوت يومه. ففي تلك الأزمنة كان نقل المعلومة في غاية التعسر. إن الملوك وكبار العلماء كانت لهم مكتباتهم وإلا عامة الناس كانوا يفكرون في أدنى القوت. ولكن في زماننا هذا في جيبك جهاز محمول فيه آلاف الكتب. يكفي أن تكبس زراً واحداً لتصل إلى ما تريد من مصادر المعرفة. وهذه الرفاهية سلاح ذو حدين.
آفات الرفاهية في المعيشة
إن أحدنا يتأذى من الحر والبرد، ولهذا موسى (ع) تولى إلى الظل ليدعو ربه – فلم يدع في الشمس – وكأنه كان يبحث عن مكان مريح يدعو فيه، وهو قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[١]. ولذلك أن تصلي في مكان هوائه ملائم، والمكيف في الدرجة المناسبة، وتحتك فرش وثير وما شابه ذلك قد يكون عوناً لك على العبادة، ولكن في الوقت نفسه هذا السلاح سلاح خطير. فالإنسان الذي يعيش حياة مخملية ويعيش حياة حريرية وفراشه كذا ودابته كذا؛ يخشى عليه من التبلد الباطني. ويصف سبحانه الطريق؛ ذات الشوكة. أما الذي ينام على سطح المنزل كما في الأزمنة الغابرة أو القريبة في وقت الصيف ويستنشق الهواء الطبيعي فهو عند ساعة السحر من الممكن أن يقوم من فراشه أسهل من غيره وأذا طلعت الشمس عليه يهرب من ذلك المكان متأذياً منها.
ولكن من ينام هذه الأيام على هذا الفراش الوثير فمن الطبيعي أن يثقل عليه قوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)[٢]. والذي قد تعود على تناول الأطعمة اللذيذة يثقل عليه الصيام المستحب؛ فأما الواجب فهو يقوم به خوفا من نار جهنم. ولكن ماذا عن صيام يومي الاثنين والخميس؟ إنه يرى الصوم ثقيلاً عليه لأنه تعود على الأكل الطيب وقس على ذلك. ثم إن الذي أمامه تلفاز يعرض مسلسلاً فكاهياً أو ما شابهه وإلى جانبه القرآن الكريم فهل ستطاوعه نفسه أن يقرأ القرآن؟ إن البعض يضع القرآن الكريم وبعض الطتب النافعة على التلفاز لينظر إليها فقط. إن من يستلذ بالأسهل وبالألذ فمن الطبيعي أن لا يتوجه إلى دون ذلك.
الخيانة الإلكترونية
إن حديثنا عن مواقع التواصل أيضا ونحن نريد أن نتحدث حديثاً ميدانياً عما نحن مبتلون به. لقد التقيت بأحدهم كان يعمل في المحكمة وكان شغله إصلاح الأسر قبل أن يوقع القاضي على الطلاق؛ فهم يحيلون الزوجين المتخاصمين إلى خبير أسري لعله يصلح بينهما. قلت له: دمت تعمل في هذه الأجواء؛ قل لي ما هو سبب الانفصال في أيامنا هذه؟ فقال لي: إن السبب الأول للانفصال بين الزوجين هي الخيانة الإلكترونية. فالزوجة تحادث غير زوجها والزوج يتواصل مع غير زوجته حتى لو كانت متزوجة. ولم تعد القضية شعاراً تخويفياً وإنما هو الواقع. وللأسف الشديد إننا نسمع عن إحصائيات مهولة ولا ندري إن كان فيها مبالغة ولكن الزواج أصبح على كف عفريت كما يقال.
ماذا نعمل في خضم هذا الجو الذي ذكرناه؟
أولا؛ علينا أن ننبه شبابنا وأبنائنا وبناتنا إلى الإثارة الكاذبة. إن ما في مواقع التواصل هذه الأيام لا يعدو كونه سرابا. ومثاله إنسان جائع في شهر رمضان، وقبيل المغرب وهو في قمة الجوع والعطش يفتح الجهاز لينظر إلى منظر طعام فيسيل لعابه بلا فائدة. إن الذي يشبعك واقع الخبز لا صورة الخبز. إن الإنسان بحاجة إلى زوجة تؤنسه، وإلى زوجة تدب على الأرض لها حنانها ولها أنسها ويكون بينهما مودة ورحمة. إلا أن البعض يلهي نفسه بما لا واقع له. يلهي نفسه بصورة في جهاز لعل صاحبتها ماتت قبل سنوات ولكنه يتعلق بهذا السراب الكاذب.
دور المسجد في تعقيم الشباب
إن الشاب يعاني ما يعاني في الجامعة وفي العمل وفي الأسواق. والمسجد هو الفضاء المعقم الذي ينبغي للشباب أن يقصدوه. إنك تشتري سلعة أو ماء للشرب فيقال: إنه معقم بالغاز الفلاني؛ ذلك الغاز الذي لا يرى ولكنه يعقم. وكذلك الذي هو مصاب بورم خبيث يعالج بجهاز تصدر منه أشعة غير مرئية ولكنها تنقذ المريض من الموت؛ وقد مكن رب العالمين البشر من هذه الأجهزة ليعلمهم أن هناك أجهزة فيها أشعة لا ترى وكنها تنقذ من الموت.
إنك قد تدخل في بيت من بيوت الله فتخرج منه وما رأيت شيئا؛ ولكن التفاعلات وقعت وروحك تعقمت وتأثرت. ولهذا إنك تأتي المسجد منقبضاً مظلماً مكدراً فتخرج منه المسجد فرحاً مرتاحا، فمن أين أتاك هذا الارتياح؟ إن رب العالمين يعمل إما مباشرة وإما عبر الملائكة الموكلة بالمساجد؛ فهناك تأثير من عالم الغيب.
ظهور آثار الحرام في الحياة الدنيا
فليقل كل واحد منا لأخيه لمن هو متورط بهذا العالم؛ أن لرب العالمين حاسوبه وأجهزته. وثق وتأكد؛ أن كل حرام أو مخالفة ولو صغيرة يظهر أثرها في حياتك. وكمثال من قصص الأنبياء – وهذه القصص ليست موثقة كلها إلا ما روي عن الأئمة (ع) بسند صحيح – أن بني إسرائيل عندما جمعوا حليهم وذهبهم وألقوها إلى السامري الذي حولها إلى عجل بدوره يعبد من دون الله عزوجل؛ كان ذهباً مسروقاً من مصر عندما هربوا من فرعون؛ فالبعض منهم سرق الذهب وهو الذي تحول إلى عجل يعبد من دون الله. إن صح هذا النقل يعني؛ أن الحرام في يوم من الأيام سسظهر أثره. إن رب العالمين يمهل ولا يهمل؛ وسيجمع المخالفات والطاعات ويعطيك بعدها جائزة.
مجاهدة يوسفية وجائزة ربانية
لقد قال لي أحد المؤمنين: ذهبت إلى بلاد الغرب في السن الثامنة عشر بعد التخرج. وكن أذهب إلى تلك البلاد لأول مرة ولم أكن قد رأيت هذه المناظر وأشباهها. ذهبت إلى تلك المنطقة النائية وإذا بي قد وقعت في امتحان يوسفي. فقد دعتني إحداهن إلى منزلها لأمر علمي كانت تدعيه. فغلقت الأبواب وقالت هيت لك. فهربت من المنزل وإذا بي وعلى باب المنزل شعرت بانشراح في قلبي فعلمت أشياء كثيرة، وفي السنوات الست التي مكذت فيها هناك؛ استغنيت عن النساء. وعندما صار وقت الزواج طلبت من أمي وأختي أن يبحثا لي عن مورد صالح فلم يفلحا – إن عيون بعض الأمهات والأخوات على المظهر الخارجي فقط – فقلت: يا رب أنت زوجني، فأنت ولي أمري. إنني أريد منك زوجة صالحة. ألسنا نقرأ في الكتاب الكريم: (إِنَّ الله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[٣]؟
فقلت له: يا رب سق لي أمة من إمائك. فمرت الليالي والأيام بطريقة ذكر هو تفاصيلها وبطريقة شبه غيبية حتى اقترن بفتاة صالحة صارت له نعم المعين على أمر دنياه وآخرته. لقد كتبت له هذه الزيجة المباركة في الثامنة عشر لأنه جاهد نفسه، وهنيئا لمن حول حياته الدنيا إلى جنة من جنات السعادة.
خلاصة المحاضرة
- إنك قد تدخل في المسجد فتخرج منه وما رأيت شيئا؛ ولكن التفاعلات وقعت وروحك تعقمت. ولهذا إنك تأتي المسجد منقبضاً مظلماً مكدراً فتخرج منه المسجد فرحاً مرتاحا، فمن أين أتاك هذا الارتياح؟ إن رب العالمين يعمل إما مباشرة وإما عبر الملائكة الموكلة بالمساجد؛ فهناك تأثير من عالم الغيب.
- إن الإنسان بحاجة إلى زوجة تؤنسه، وإلى زوجة تدب على الأرض لها حنانها ولها أنسها ويكون بينهما مودة ورحمة؛ إلا أن البعض يلهي نفسه بما لا واقع له. يلهي نفسه بصورة في جهاز لعل صاحبتها ماتت قبل سنوات ولكنه يتعلق بهذا السراب الكاذب.
- إن من ينام على هذا الفراش الوثير يثقل عليه قوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ). والذي قد تعود على تناول الأطعمة اللذيذة يثقل عليه الصيام المستحب؛ كصيام يومي الاثنين والخميس. إنه يرى الصوم ثقيلاً عليه لأنه تعود على الأكل الطيب وقس على ذلك.
- إن الرفاهية سلاح ذو حدين. فقد يعينك على العبادة فراش وثير تصلي عليه وهواء مكيف يبرد لك المكان الذي أنت فيه ولكن قد يعيقك هذا الفراش الوثير عن القيام لصلاة الليل والوقوف بين يدي الرب.