إن من المسائل التي يحتاجها المؤمن دائماً، وخاصةً في الأشهر المباركة -أشهر الإقبال على الله سبحانه وتعالى-، هي معرفة قواعد الدعاء المستجاب.. فمن منا ليست له حاجة؟.. ومن منا لا يريد أن تستجاب أدعيته في نفسه وفي أهله، وفي دنياه وفي آخرته، وفي قلبه وفي قالبه؟..
الدعاء: عبارة عن عملية ارتباط بمصدر القرار في العرش.. إن رب العالمين يقدر مقدرات الخلق في ذلك العالم، فهو صاحب القرار الأول والأخير، يفعل ما يشاء، ويختار ما يريد، و{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.. ولكن الله عزوجل جعل ارتباطاً بيننا وبين مصدر القرارات الكبرى في العرش، عن طريق الدعاء.. فإذا أردت أن تغير من مجرى الأمور، فاتصل بالله تعالى في العرش، لكي يكتب ما فيه صلاح أمرك.. ومن المعلوم أنه حتى تلك المشيئة التي تجاوزت لوح الكتابة والقضاء، بل وصلت إلى مرحلة الإبرام، فإن الله عزوجل يمكن أن يغيرها: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}.. ومن هنا تتجلى عظمة الدعاء، فإن الإنسان في جوف الليل بدمعة واحدة وبدقائق محدودة، أو بقنوت واحد في صلاة الليل، وإذا به يغيّر مجرى حياته، لا بل مجرى حياة أمة، كما ورد: (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج!.. فإنّ ذلك فرجكم).
فإذن، إن القضية على مستوى من الأهمية.. ولكن كيف ندعو؟.. وما هي القوانين؟.. فإن كل شيء في هذا الوجود محكوم بسلسلة من القوانين، سواء في عالم الكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات.. والدعاء مظهر من مظاهر الوجود أيضاًً، فله أحكامه وآدابه.
من قواعد الدعاء:
– عدم اليأس والالتجاء إلى الله عزوجل في الشدائد: إن صاحب الكتابة هو صاحب المحو، الذي كتب البلاء هو الذي يمحو البلاء.. فعلينا عدم اليأس مهما كان الأمر، وأن نعلم بأن الأمور ليست مسدودة.. فإذا رأيت أن المقادير وسبل الرزق انسدت أمامك، أو إذا ابتليت بمرض لا علاج له، أو إذا وقعت في أزمة لا حل لها بحسب نظرة البشر؛ فلا يأخذك القلق، وتكلم مع من كتب هذه الأمور، مع من كتب هذه القوانين.
فها هو إبراهيم الخليل يلقى في النار -ولك أن تتصور حالة كهذه الحالة!..- ومع ذلك نلاحظ أنه كان يعيش منتهى الاطمئنان والثبات النفسي، والذي يصوره موقفه عندما أتى إليه الملك وسأله: هل لك من حاجة، ولكن نبي الله الخليل إبراهيم أوكل الأمر إلى ربه، فيقول: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل.. حسبي من سؤالي علمه بحالي.. وإذا بالله عزوجل يقلب قوانين الطبيعة، وهذه النار المحرقة ليس أنها لم تحرق إبراهيم فحسب، وإنما صارت برداً وسلاما!.. نعم، الله سبحانه وتعالى إذا شاء غيّر طبيعة الأشياء، حتى وإن لم يدع العبد بدعوة، فيكفي لسان حاله كإبراهيم (ع).. لما رمي إبراهيم (ع) بالمنجنيق تلقاه جبرئيل في الهواء فقال: هل لك من حاجة؟.. فقال: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل.. فاستقبله ميكائيل فقال: إن أردت أخمدت النار، فإنّ خزائن الأمطار والمياه بيدي، فقال: لا أريد.. وأتاه ملك الريح، فقال: لو شئت طيّرت النار، قال: لا أريد.. فقال جبرئيل: فاسأل الله !.. فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي.
وهذا موسى (ع) يحاصر أمام العدو، البحر من أمامه وفرعون وجنوده من خلفه، فأين المهرب؟.. فبحسب قوانين الطبيعة لا مهرب.. نعم، إذا كان في هذا العصر، فإنه تأتي الطائرات لتنتشل موسى (ع) إلى الفضاء، ولكن لم تكن هناك طائرات في تلك العصور.. فجاء المدد من عالم الغيب، أن يضرب بعصاه البحر، وإذا بالطريق اليابسة في ذلك اليم المتلاطم.. وعليه، فإن الذي يسمع هذه الأمور، هل ينتابه اليأس؟..
– الذنب من موانع الإجابة: ولكن المشكلة في الموانع التي تحجب الدعاء.. إن المؤمن مدفوع إلى التوفيق دفعاً.. المؤمن الذي هو على سلامة في العقيدة، وعلى سلامة في الطريقة، فإن الموانع هي التي تحجبه عن أهدافه.. ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع): (إنّ الدعاء يردّ القضاء، وإنّ المؤمن ليذنب فيُحرم بذنبه الرزق).. فهو يدعو لزيادة الرزق، ويقرأ في تعقيب صلاة العشاء دعاء الرزق المعروف، ويلتزم بسورة الواقعة ليلاً، ويستيقظ بين الطلوعين طلباً للرزق.. كل هذه مقتضيات- دوافع-، ولكن يأتي المانع ليبطل أثر هذه الدوافع، ومنها الرزق.
– سؤال الله تعالى من فضله: علينا ألا نعتقد أن عطايا الله عزوجل عطايا متناهية، فإن له من الفضل ما لا يمر على بال بشر.. قال رسول الله (ص) : (إنّ الرزق لينزل من السماء إلى الأرض على عدد قطر المطر إلى كلّ نفسٍ بما قدّر لها، ولكن لله فضول فاسألوا الله من فضله).. هناك رزق مقدر سواء في عالم المادة، أو في عالم المعنى: في عالم التوفيق العبادي، أو في عالم التسديد الفكري؛ ولكنّ لله عزوجل فضولا أي زيادة، وهذه الزيادة لا تعطى من غير سؤال، فاسألوا الله من فضله.
– الدعاء قبل نزول البلاء: إن طبيعة الإنسان أنه يميل إلى الغفلة والالتهاء في حال الرخاء، وأنه لا يدعو إلا إذا كان في ضائقة.. والحال أن الإنسان عليه أن يستبق الأحداث، فقبل أن تنزل به الواقعة عليه أن يدعو، فإن الدعاء قبل نزول الواقعة أبلغ من الدعاء بعد النزول.. قال أمير المؤمنين (ع): (ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء، فو الّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لَلبلاء أسرع إلى المؤمن من انحدار السيل من أعلى التِّلعة إلى أسفلها، و من ركض البراذين).. ويبدو من خطاب الإمام أن هنالك أمواج بلاء للمؤمن، وهذه الأمواج تأتي بين فترة وأخرى.. والخوف أن تأتي هذه الأمواج العاتية فتغرق المؤمن، وإذا به ينتكس انتكاساً ذريعاً، يسلب معه حتى الدعاء!.. ولقد رأينا بعض المرضى وهم على سرير المرض والبعض في حال الاحتضار، ولسانه لا يدور بالدعاء، ويصلي وهو ملقى على فراش المستشفى أو الموت صلاة لا إقبال فيها أبداً، وهو أحوج ما يكون إلى الدعاء في تلك الحالة!..
ويقول علي (ع) في نص آخر: (فمازالت نعمةٌ ولا نضارة عيش إلا بذنوب اجترحوا، إنّ الله ليس بظلاّم للعبيد، ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والإنابة لما تنزل، ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم، فزعوا إلى الله عزوجل بصدق من نيّاتهم، ولم يهنوا ولم يسرفوا لأصلح الله لهم كل فاسد، ولردّ عليهم كل صالح).. فلو أن الإنسان يستقبل أمواج البلاء بالدعاء والإنابة، فإن هذه الأمواج المقدرة لن تنزل.. ولهذا فإن المؤمن يوم القيامة يسجد لله شكراً، عندما يرى في صحيفة عمله كم من البلاء دفع عنه وهو لا يدري.. فعلينا أن نشكر ربنا على النعم الإيجابية، وعلى البلايا التي دفعت ونحن لا ندري بذلك.. فمن أين علمت ما هي أنواع البلاء التي رفعت عنك ببركة ذلك؟..
– ذكر الله عزوجل في الخلوات: إن ذكر الله عزوجل في الخلوات يقوي العلاقة بين الإنسان وربه، فيكون محبوباً، والمحب مستجيب لحبيبه.. فما هذه العلاقة المتميزة بين إبراهيم الخليل (ع) وبين رب العالمين؟.. نلاحظ أن زوجته هاجر تهرول في قطعة من الأرض بين الصفا والمروة، فتخلد هذه الحركة إلى يوم القيامة، حيث من المستحب للرجال أن يهرولوا هرولة؛ تأسياً بهذه المرأة.. وهذا الوليد العطشان كان من الممكن أن يأتي غيم، ليسقيه هو وأمه هاجر عندما أصابهم العطش، ولكن الرب الشكور الودود أبى إلا أن يفجر نبعاً في الأرض باسم زمزم، وإذا بالحجاج يتهافتون على هذا الماء.. وهذا الماء لم ينضب ولن ينضب إلى قيام الساعة؛ إحياء لهذا الإنسان الذي صدق الوفاء مع الرب.
ومن أغرب المواقف في حياة إبراهيم (ع) هو تسليمه لأمر رب العالمين في ذبح ابنه، لرؤيا رآها في المنام أنه يذبح ابنه.. إذ لم يأت إليه ملك، ولم يكلمه الله عزوجل كما كلم موسى (ع) في وادي طور.. ويا له من منام!.. أب يرى أنه يذبح ابنه!.. قال تعالى مشيراً إلى هذه القصة: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.. فمن أين وصل إلى هذا المقام؟..
ورد في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}، عن الباقر (ع): (الأوّاه المتضرّع إلى الله في صلاته، و إذا خلا في قفرةٍ من الأرض وفي الخلوات).. الأواه المتضرع إلى الله سبحانه وتعالى لا في الصلاة فحسب، وإنما إذا خلا في أرض خالية، أو في صحراء قاحلة، حيث لا يراه أحد، يناجي ربه بفنون الدعاء؛ فهذا هو الأواه الحليم.. وهذا كان ديدن إبراهيم (ع): فعند البيت وفي الوديان وفي الخلوات وفي الصحاري، دائماً هو في حديث مع الرب المتعال، ولهذا يقول تعالى عنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}.. ويبدو أن هذا هو سر عظمة هذا النبي، وسر هذا المقام الذي وصل إليه.
– تعود السؤال في الصغائر والكبائر: قال النبيّ (ص): (ما مَن عبدٍ يسلك وادياً، فيبسط كفّيه فيذكر الله ويدعو، إلاّ ملأ الله ذلك الوادي حسنات، فليعظم ذلك الوادي أو ليصغر).. مادام هذا الوادي يحتمل الأجر، فإن الله عزوجل يملأه حسنات لهذا الإنسان الذي يدعو في ذلك المكان.. إن الله عزوجل هو الغني، هو الذي لا يفتقر إلى شيء، ليس له ولي من الذل، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولكنه يحب من عباده أن يسألوه في قضاء حوائجهم، كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): (إنّ الله عزوجل يحبّ أن يُسأل ويُطلب ما عنده).. وبعض النصوص تشير إلى أن الله عزوجل يريد منا أن نسأله في كل صغيرة وكبيرة، كما ورد في الحديث القدسي: (يا موسى!.. سلني كلّ ما تحتاج إليه حتّى علف شاتك، وملح عجينك).. فإذا لم يكن عندك ملح عجين، فقل: يا ربي!.. أعطني ملحاً.. اللهم!.. هذه دابتي بحاجة إلى علف، فأعطني علفاً.. ويريد بذلك، أن يتعود الإنسان على أن يذكر لله عزوجل في كل صغيرة وكبيرة، ويقوي علاقته به.. قال الصادق (ع): (عليكم بالدّعاء!.. فإنكم لا تتقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تسألوها؛ فإنَّ صاحب الصغائر هو صاحب الكبائر).. المراد هنا بالصغائر والكبائر: الحاجات الصغيرة والكبيرة.
– الإجابة من حيث لا يحتسب المؤمن: من سبل تعامل الله عزوجل مع العباد، أن الله عزوجل إذا أحب عبداً، فإنه يدفعه للدعاء دفعاً.. قال الصادق (ع): (إن الله عزوجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه).. فترى الإنسان المؤمن يسعى في هذا المجال فلا يجد رزقاً، ويسعى في مجال آخر الذي لا أمل فيه، وإذا بأبواب السماء تفتح عليه.. وذلك أنه مادام يعلم بأن الله عزوجل يتعامل معه بهذه المعاملة، أي لا يجري رزقه من حيث يتوقع، فإنه دائماً يكون في حال دعاء مع رب العالمين.
– الاستجداء والمسكنة في الدعاء: ينبغي أن يعيش الإنسان حالة الاستجداء أثناء الدعاء.. كما نقرأ في دعاء شهر رجب أن الإنسان يلوذ بسبابته، ويقبض على لحيته.. يقول الإمام الحسين (ع) في وصف النبي (ص) عندما كان يسأل رب العالمين: (كان رسول الله (ص) يرفع يديه إذا ابتهل ودعا، كما يستطعم المسكين).. إن النبي (ص) يتكلم مع الله عزوجل ببدنه وبلسانه وبقلبه.. نعم، هكذا كان النبي (ص) في علاقته مع ربه في الدعاء.
– من أسباب تأخر الاستجابة شوق الله تعالى لدعاء المؤمن: إن بعض الحوائج وبعض الأرزاق وبعض العطايا عُبر عنها في النصوص بأنها كالقنديل، معلقة بين السماء والأرض، فإذا العبد سأل الله عزوجل قضيت حاجته.. فإذن، لا تقصّر في الدعاء أبداً.. ومن روائع الحديث في باب استجابة الدعاء حديث غريب ويكشف عن الرقة في العلاقة بين الخالق والمخلوق.. إن الإنسان يدعو ربه، فيرى تعالى الله الصلاح في الاستجابة.. فمثلاً: إنسان يطلب من الله قرباً معنوياً، أو يطلب من الله فتحاً ربانياً، أو يطلب من الله ذريةً صالحة، أو توفيقاً لصدقة جارية.. فهل هناك شك في رجحان هذه الحوائج؟.. ولكن للنظر إلى رب العزة والجلال ماذا يقول: (إذا دعا المؤمن يقول الله عزوجل: صوتٌ أُحبُّ أن أسمعه اقضوا حاجته واجعلوها معلّقة بين السماء والأرض حتى يكثر دعاؤه شوقا مني إليه.. وإذا دعا الكافر يقول الله عزوجل: صوتٌ أكره سماعه اقضوا حاجته وعجّلوها له حتى لا أسمع صوته، ويشتغل بما طلبه عن خشوعه).
إن الله عزوجل ليؤخر إجابة المؤمن، شوقاً إلى سماع دعائه؛ لأنه إذا أعطاه الحاجة، فإنه يسكت ويهدأ ويفتر، ولهذا فإن الله عزوجل يجعل الحاجة معلقة بين الاستجابة وعدمها.. ويعجل إجابة الدعاء للمنافق، لأنه يكره سماع صوته، فيعطيه حاجته، لئلا يتكلم معه مرة أخرى!.. فإذن، إذا تأخرت الإجابة لا تقلق، فلعلك من هذا الصنف، وقل: يا ربي!.. إن كان التأخير في الإجابة لأنك تحب أن تسمع صوتي، فلا حاجة لي في حاجتي، أخّر حاجتي ما شئت، ما دمت تحب أن تسمع هذا الصوت.
– الإكثار من الدعاء في ساعات الفراغ: إن من اللازم للإنسان أن يقوي علاقته بربه، ولا يكون ذلك إلا بكثرة ذكره تعالى واستغلال أوقات الفراغ.. فكم من الساعات التي تضيع هباء من عمر الإنسان بلا فائدة لدنيا ولا آخرة!.. عندما تجلس في مجلس ساعة أو ساعتين، هل ذكرت النبي (ص) بالصلوات بينك وبين نفسك؟.. هل ذكرت ربك بسيد الأذكار، ألا وهو عبارة لا إله إلا الله؟.. قال النبيّ (ص): (أكسل الناس عبدٌ صحيحٌ فارغٌ، لا يذكر الله بشفةٍ ولا لسانٍ).. ومن مصاديق ذلك: عبد صحيح فارغ ينتظر دوره في طابور ما، أو يسوق دابته في طريق ما، أو جالس ينتظر أحداً في الشارع؛ وهو يسرح بذهنه يميناً وشمالاً، وقد يفكر تفكيراً حراماً.. فلماذا لا تستغل هذا الوقت بذكر الله عزوجل، لئلا ينطبق عليك حديث النبي (ص)، فتكون أكسل الناس؟!..
– توقع الاستجابة: إن المؤمن إذا دعا ربه، فإن عليه أن يحسن الظن بربه، وألا يرى الاستجابة بعيدة.. فالبعض يرى الحاجة كبيرة، ويرى كأن الحاجة في عداد المستحيلات.. ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (ع): (إذا دعوت فأقبل بقلبك، وظن أن حاجتك بالباب).. فليس بينك وبين الحاجة إلا فتحة الباب، فإذا أعطيت المفتاح انتهت المشكلة، فليس هنالك شيء يعجز رب العالمين، قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.. فإن كنت تريد المال فخزائنه عند الرب، وإن كنت تريد الذرية الصالحة فخزائنها عند الرب.
– العمل الصالح: ومن المناسب أن يدفع الإنسان صدقة قبل الدعاء.. يقول النبي (ص): (يكفي من الدعاء مع البر إذا كنتَ بارا، ما يكفي الطعام من الملح).. نعم، إذا كنتَ باراً صالحاً، فإن كلمة واحدة من الأدعية القصيرة التي تعطى بها الحاجة، إذا كنت صادقاً – كقولك: (يا رب!.. قد تعلم ما أنا فيه، ففرج عني ما أنا فيه)-؛ تغير بها المقدرات التي كتبت في العرش.
– الطهارة والنظافة: إن الدعاء حديث مع الرب.. فإذا أردت أن تدعو ربك في المنزل، فلا تدعو ربك بثياب رثة، ولا برائحة كريهة.. بل اجلس على المصلى، والبس أفضل ثيابك، وخذ شيئاً من الطيب، وكن على طهارة، واذهب إلى بيت من بيوت الله عزوجل، واستقبل القبلة، وأحسن ظنك بالله عزوجل، وأقبل عليه بقلبك.. فهذه آداب ينبغي مراعاتها قبل الدعاء.
– عدم الاستعجال: وهنالك آداب حين الدعاء، كترك العجلة فيه.. أنت بدأت الآن بدعوة، لأجل مال أو لإصلاح ذات بين، أو لأداء دين…؛ فرأيت في نفسك إقبالاً، فلا تقطع الدعاء بل أكمله بدعاء أبي حمزة، أو أكمله بالمناجاة الشعبانية -ولو كنت في غير شعبان-، فلا تترك الدعاء بمجرد أن ذكرت حاجتك.. فينبغي ترك العجلة فيه، والإصرار به.. واجعل حديثك مع الرب سراً.
– التعميم: ما الفرق بين الدعاء الخاص والدعاء العام إلا حرف في اللغة العربية؟.. غير أنك تقول بدلاً من: اللهم أعطني، اللهم أعطنا؟.. ما الذي يكلفك لو جعلت الياء ألفا؟.. وانو بذلك جميع المؤمنين والمؤمنات، واجعل على رأس القائمة الآباء والأمهات وذوي الحقوق والإخوان الذين أوصوك بالدعاء، والله عزوجل إذا أبدلت الياء ألفاً، يعاملك معاملة الألف، ولا يعاملك معاملة الياء.
– تسمية الحاجة: إن الله عزوجل لا يخفى عليه حال الإنسان، ولكن يستحب تسمية الحاجة، إظهاراً للتذلل والافتقار.. ومن سبل الإستجابة في الدعاء، أن يعترف الإنسان بذنبه عند تسمية الحاجة.. فمثلاً: فإذا كنت مقصراً في إعطاء حق الله عزوجل، فقل: يا ربي!.. أنا مقصر في الخمس والزكاة، اغفر لي، وأعطني شيئاً من المال.. لتكن الدعوة متناسبة مع الحاجة، وليكن الاستغفار متناسباً مع الحاجة.. فإن كنت تطلب ذريةً طيبة، وأنت تعلم سوء تعاملك مع والديك، فقبل أن تطلب الذرية الصالحة، قل: يا ربي!.. اغفر لي ما بدر مني اتجاه والدي، وأعطني ذرية طيبة.. وإن كنت تطلب من الله تعالى الشفاء، فاستغفر ربك من المعاصي التي عملتها بهذه الجوارح.. ولو كنت مصاباً بوجع في العين، فقل: يا ربي!.. أستغفرك من هذا النظرات الساهية اللاهية المحرمة اللغوية، ثم تقول: يا ربي!.. أسألك الشفاء في عيني.. ولو عندك مرض في جهاز هضمك، فقل: يا ربي!.. أستغفرك مما أكلته من الحرام والشبهات طوال حياتي، وأسألك من عافيتك.. وهكذا، من المناسب في كل دعوة أن يستغفر الإنسان ربه عن تقصيره في حقه جل وعلا.
– الإلحاح في الدعاء: ينبغي للمؤمن أن يعاود في ذكر حاجته، ولا يكتف فقط بذكرها مرة واحدة.. ومن هنا فإن بعض العلماء يوصي بالالتزام بالدعاء أربعين يوماً.. وفي عشرة ذي الحجة الحجاج يلتزمون بما ورد من الصلوات أو الدعاء.. فحاول أن تكرر ذكر الحاجة.. ومن المعلوم أن موسى (ع) في أول بعثته بُشِّر بأنه قد أجيبت دعوتهما، وتأخرت الاستجابة لعلها عشرات السنين، ومع ذلك فقد كان موسى (ع) يدعو دائماً.
– الثقة بالله عزوجل: إن من اللازم للإنسان أن يثق بربه في الدعاء.. وخاصة في السفرات النوارنية: في الحج والعمرة، حيث خصوصية هذه الأماكن.. ومن المناسب عندما تقف عند الحطيم، وعندما تعلّق يدك بأستار الكعبة، وعندما تمد يديك إلى عتبة الله عزوجل على باب الكعبة، أن تتذكر هذا الحديث عن الباقر (ع): (ما بسط عبدٌ يده إلى الله عزوجل إلاّ استحيى الله أن يردّها صفراً، حتّى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يردُّ يده حتّى يمسح بها على رأسه ووجهه).. إن يداً تمد إلى مالك الملوك، إلى رب العزة والجلال، إلى من بيده خزائن كل شيء، حاشا أن يردها صفرا، حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء.. ثم يمسح على رأسه ووجهه؛ لأن هذه اليد لامست يد الرحمة الإلهية.. هذه اليد عندما مدت، تلقت عطاء الله عزوجل، فامسح بهذه اليد على الوجه.
– الصلاة على النبي (ص) في البدء والختام: يقول الإمام علي (ع): (كل دعاء محجوب عن السماء، حتى يصلى على محمد وآل محمد).. وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (من كانت له حاجة إلى الله، فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط، إذا كانت الصلاة على محمد لا تحجب عنه).
– اغتنام دعوة المستضعفين وضعاف الناس: إن الله عزوجل عند المنكسرة قلوبهم، فمن المناسب طلب الدعاء من المستضعفين والمرضى.. قال الصادق (ع): (كان أبي (ع) إذا حزنه أمرٌ جمع النساء والصبيان ثمّ دعا وأمّنوا).. فإذا أراد الإنسان أن تستجاب له دعوة، فليعتمد على دعاء زوجته وأولاده.
– الدعاء بظهر الغيب: من الأمور التي يحبها الله تعالى أن يدعو المؤمن لأخيه في ظهر الغيب، وقد ورد أنه من الأدعية المستجابة قطعاً.. قال الباقر (ع): (أسرع الدعاء نجاحاً للإجابة، دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب يبدأ بالدعاء لأخيه، فيقول له ملَك موكّل: آمين، ولك مثلاه).
– اغتنام الدعاء في الاجتماع: على المؤمن أن يغتنم مجالس المؤمنين بالدعاء.. فإن الحالة العامة عند الناس هي إضاعة الوقت في كل لغو وسهو، وكل ما لا يفيد الإنسان في دنياه وآخرته.. فمثلاً: ترى الأم تتعب من الصباح إلى المساء في إعداد العدة للطعام، وإذا بالقوم يأتون ويجلسون ويأكلون، ويتفكهون ويتمتعون ويمزحون، ويذكرون كل رطب ويابس، دون أن يكون في هذا المجلس شيئاً من ذكر الله عزوجل، وهم في غفلة أن هذا المجلس وبال عليهم يوم القيامة، كما يقول النبي المصطفى (ص): (ما من قومٍ اجتمعوا في مجلسٍ، فلم يذكروا الله، ولم يصلّوا على نبيهم؛ إلا كان ذلك المجلس حسرةً ووبالاً عليهم).
– تفريغ القلب عما سوى الله عزوجل: إن البعض يسأل ما هو الاسم الأعظم الذي لا ترد به حاجة، والبعض يبحث في الكتب العتيقة، والبعض يبحث في الأوراق الصفراء، والبعض يذهب إلى الرياضات المرهقة: صياماً، وتركاً للحيوانية وما شابه.. ولكن لنلاحظ هذا الحديث: سئل النبي (ص) عن اسم الله الأعظم، فقال: (كل اسم من أسماء الله أعظم، ففرّغ قلبك من كل ما سواه، وادعه بأي اسم شئت).. فليس لله عزوجل حقيقة، أو اسم من دون اسم، بل هو الله الواحد القهار.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.