- ThePlus Audio
ما هو جزاء من استخف بصلاته؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا أجاب الإمام الصادق (عليه السلام) أبا بصير عندما سأله عن الحور العين؟
إن أهم إنجاز في الحياة، هو إتقان هذه الصلوات، والرقي بها إلى أعلى الدرجات. إن لهذه الصلاة مكانة عظيمة عند الله سبحانه وهي وصية الأنبياء والأولياء. هناك رواية طريفة عن أبي بصير الذي كان من خواص أصحاب الإمام الصادق (ع). فقد قال للإمام (ع): (جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اَلدُّنْيَا، أَوْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اَلْجَنَّةِ)[١]؟ لقد كان أبو بصير مشغول البال بالحور، فقال له الإمام (ع): (مَا أَنْتَ وَذَاكَ! عَلَيْكَ بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ آخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَحَثَّ عَلَيْهِ اَلصَّلاَةُ)[٢]. أي يا أبا بصير، لا تشغل نفسك بالأبحاث الجانبية، وليكن همك هذه الصلاة. إن بعض الناس يفلسف، وينظر، ويتكلم في السياسة وفي الاقتصاد، ويحلل كل شيء؛ ولكن المسكين هذا غافل عن إتقان صلاته. هذا وأبو بصير لم يسأل سؤالا لغويا، فنحن سنلتقي بالحور يوما ما.
لم يتقنها في شبابه وأراد أن يتقنها عند کبر سنه فلم تُسعفه صحته…!
ثم قال (ع): (إِيَّاكُمْ أَنْ يَسْتَخِفَّ أَحَدُكُمْ بِصَلاَتِهِ، فَلاَ هُوَإِذَا كَانَ شَابّاً أَتَمَّهَا، وَلاَ هُوَإِذَا كَانَ شَيْخاً قَوِيَ عَلَيْهَا)[٣]. وهنا يذكر الإمام (ع) أمراً وجدانياً بليغاً. فأيام الشباب وفي فورة الشباب يكون الذهن مشغولا بالفانيات؛ وإذا تقدم في العمر ووعى أن الحياة كظل شجرة لا تساعده صحته على الصلاة كما ينبغي. أو يأتي موسم الحج أو يحل شهر رمضان أو يريد أن يقوم الليل فيمنعه العارض الصحي عن كل ذلك.
من هم سراق الصلاة؟
ثم يقول الإمام (ع): (وَمَا أَشَدَّ مِنْ سَرِقَةِ اَلصَّلاَةِ! فَإِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَلْيَعْتَدِلْ، وَإِذَا رَكَعَ فَلْيَتَمَكَّنْ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فَلْيَعْتَدِلْ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَنْفَرِجْ وَلْيَتَمَكَّنْ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فَلْيَعْتَدِلْ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَنْفَرِجْ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فَلْيَلْبَثْ حَتَّى يَسْكُنَ)[٤]. إن البعض يختصر الصلاة؛ فلا يؤذن ولا يقيم، ولا يصلي على النبي وآله (ص) ويكتفي بسلام واحد، وصلاته فقهيا هي صلاة صحيحة ولكن أين الإجزاء من القبول؟ ثم إذا فرغ من صلاته جلس أمام التلفاز لينظر إلى مسلسل مضحك أو محرم. أليس هذا المصلي سارقا؟ ألا يظلم نفسه بهذه الصلاة؟ أهكذا يكون لقاء الله؟
وأبو بصير هذا ينقل لنا رواية أخرى في أهمية الصلاة. يقول: (دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَمِيدَةَ أُعَزِّيهَا بِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَبَكَتْ وَبَكَيْتُ لِبُكَائِهَا ثُمَّ قَالَتْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ لَرَأَيْتَ عَجَباً فَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ اِجْمَعُوا إِلَيَّ كُلَّ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ قَالَتْ فَلَمْ نَتْرُكْ أَحَداً إِلاَّ جَمَعْنَاهُ قَالَتْ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ شَفَاعَتَنَا لاَ تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاَةِ)[٥]. يظن البعض أن الشفاعة أمر جزافي؛ فبإمكانك أن تقرأ شعراً أو تزور زيارة لتنال الشفاعة ثم افعل بعد ذلك ما تشاء.
الاستخفاف بالصلاة والحرمان من الشفاعة
ليس الأمر كذلك؛ فلا لا تكن ملكياً أكثر من الملك. من أين جئت بقواعد الشفاعة؟ لابد من أن نعيد النظر في قواعد الشفاعة؛ فالقضية عميقة وحساسة. إن المستخف بالصلاة لا يُلتفت إليه. إن من بذل مجهوده وقام بما قام في الدنيا من الأعمال ثم تفاجأ يوم القيامة بأن عبادته لم تكن صحيحة، وأنه كان قاصرا ولم يتعلم؛ سوف يأخذ الإمام بيده.
ولقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (وَاَللَّهِ إِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَى اَلرَّجُلِ خَمْسُونَ سَنَةً وَمَا قَبِلَ اَللَّهُ مِنْهُ صَلاَةً وَاحِدَةً فَأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا)[٦]. لم يكتبوا الرجل في ديوان العمل تاركاً لصلاته، وإنما كانت صلواته مجزية، ووضوئه وغسله وتيممه صحيح؛ ولكن مع ذلك لم يقبل رب العالمين منه صلاة واحدة. هل فكرنا في إتقان صلاتنا، لنجعلها مقبولة بعد أن تكون مجزية؟
هل تقبل هذه الصلاة لو صلاها أحد لك؟
ثم يقول (ع) كلمة تحرك البواطن: (وَاَللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ مِنْ جِيرَانِكُمْ وَأَصْحَابِكُمْ مَنْ لَوْ كَانَ يُصَلِّي لِبَعْضِكُمْ مَا قَبِلَهَا مِنْهُ لاِسْتِخْفَافِهِ بِهَا)[٧]. فلو أن إنساناً مشركا مثلا قال لك: أريد أن أصلي لك هذه الصلاة بهذه الكيفية التي وصفه الإمام (ع)، وبدلاً من لفظ الجلالة ذكر اسمك؛ ثم ركع لك وسجد لك؛ هل تشتري منه هذه الصلاة بفلس واحد؟
ثم قال (ع): (إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ اَلْحَسَنَ فَكَيْفَ يَقْبَلُ مَا يُسْتَخَفُّ بِهِ)[٨]؟ إن لله ملائكة حول العرش تسبح باسمه، وأرواح الأنبياء والمرسلين في عالم البرزخ تلهج بذكره، وفي كل زمان حجة الزمان يصلي بين يديه صلاة لا ترقى إليها صلاة؛ فما هي قيمة صلاتي أمام تسبيح الملائكة وأمام صلاة إمام زماننا (عج)؟ إن لم تُتقن لن يلتفت إليك رب العالمين.
الحصن الإلهي من الشياطين
وهذه الصلاة هي حصانة إلهية للإنسان في مقابل الشيطان. ما وزن أحدنا أمام الشيطان؟ نحن لسنا إلا لقمة سائغة في فمه لولا الفضل الإلهي. إن الوسواس الخناس قد وضع خرطومه على قلب بني آدم، وهذا ما نفهمه من الروايات، وهو لا يخاف منك؛ بل يبتلعك ابتلاعاً إذا لم تحافظ على صلواتك الخمس. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لاَ يَزَالُ اَلشَّيْطَانُ ذَعِراً مِنَ اَلْمُؤْمِنِ مَا حَافَظَ عَلَى مَوَاقِيتِ اَلصَّلَوَاتِ اَلْخَمْسِ فَإِذَا ضَيَّعَهُنَّ اِجْتَرَأَ عَلَيْهِ فَأَدْخَلَهُ فِي اَلْعَظَائِمِ)[٩]. فالذي يسمع صوت الأذان ولا يستجيب؛ يقول عنه الشيطان: إنه من زبائننا، وهذا المسكين أصبح في قبضتنا…!
قد يجرك الاستخفاف بالصلاة إلى الخروج من الإسلام…!
وقد شبه النبي الأكرم صلاة البعض من الناس بحركة الغراب عندما يلتقط الحب. تقول الرواية: (بَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ جَالِسٌ فِي اَلْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ نَقَرَ كَنَقْرِ اَلْغُرَابِ لَئِنْ مَاتَ هَذَا وَهَكَذَا صَلاَتُهُ لَيَمُوتَنَّ عَلَى غَيْرِ دِينِي)[١٠]. كيف أن الذي يترك الحج الواجب يقال عنه: ليمت يهودياً أو نصارياً؛ فكذلك الأمر في المستخف بصلاته. إن استوعب المؤمن موقع الصلاة في حياته لانقلب إلى موجود آخر.
استعن بالحسين (عليه السلام) على الصلاة الخاشعة
إذا رأيت أنك تتكلف الخشوع، وتُرجع طائر الخيال كلما طار، وتشعر أن حبل هذا الطائر لازال بيدك وتُجاهد نفسك في الصلاة وفي الإقبال فيها؛ فأنت على خير وإن لم تكن قد وصلت إلى الكمال المنشود بعد. إنك تصل إلى الكمال؛ عندما تقبل على الصلاة دون معاناة. وإذا زرت الحسين (ع) يوما؛ تذكر أن الإجابة مضمونة تحت قبته؛ فاطلب منه أن يرزقك صلاة خاشعة، بدل أن تتذكر الصداع ومرض الرئة وما شابه ذلك من الأمراض التي ترجو الخلاص منها؛ فهذا الدعاء مقدم على غيره.
لو تعلم ما في الصلاة…!
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لِلْمُصَلِّي ثَلاَثُ خِصَالٍ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ يَتَنَاثَرُ عَلَيْهِ اَلْبِرُّ مِنْ أَعْنَانِ اَلسَّمَاءِ إِلَى مَفْرَقِ رَأْسِهِ وَتَحُفُّ بِهِ اَلْمَلاَئِكَةُ مِنْ قَدَمَيْهِ إِلَى أَعْنَانِ اَلسَّمَاءِ وَمَلَكٌ يُنَادِي أَيُّهَا اَلْمُصَلِّي لَوْ تَعْلَمُ مَنْ تُنَاجِي مَا اِنْفَتَلْتَ)[١١]. فلو علم ما في الصلاة؛ لم يطاوعه قلبه أن يخرج من المسجد. ولولا التزامه بأمور العائلة وانتظار المنتظرين لتمنى أن يبقى في المسجد من الظهرين إلى العشائين.
شغلته صلاته عن مائدة الإفطار
رأينا بعض الصائمين قد أمضى صيام يوم بتعب ومشقة، وأمامه مائدة الإفطار ممدودة، ولكنه يصلي العشائين بكل طمأنينية ويقول: يا رب، لا أشتهي طعاما ولا شراباً، ولكنني مُجبر لكي أنتهي حتى يتناول أهل بيتي الطعام معي. ولو كان لوحده ترك الإفطار إلى منتصف الليل لما يشعر به من لذة القيام بين يدي الله عز وجل التي لا تُقاس بلذة طعام ولا امرأة ولا مقام ولا جاه. ولهذا كلما ألمت بالمؤمن الأحزان، وكلما ضاق قلبه، وكلما رأى إدباراً من الخلق أو أذىً من العباد ؛ فزع إلى الصلاة؛ أي يفزع إلى الله بالصلاة. و هذه الصلاة ذريعة للتذذ بمناجاة رب العزة والجلال.