Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ما هو الفرق بين صفتي الرحمن والرحيم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية البسملة في إتمام العمل

كما أن الحيوان عندما يُذبح على غير اسم الله عز وجل يكون ميتة ولا قيمة له؛ فالعمل أو المشروع أو أي شيء آخر لم يفتتحه الإنسان باسم الله سبحانه، هو في حكم هذه الذبيحة لا يبارك الله عز وجل فيه. وقد تقول: طالما تاجرنا، وبعنا واشترينا وربحنا من دون تسمية. وأقول: لو كشف لك الغطاء لرأيت أنك قد خسرت خسراناً مبينا. إن بعض الأموال عندما تتكدس تكون كما ورد في بعض الروايات كدودة القز التي كلما كثر نسيجها؛ زادت اختناقاً داخل شرنقتها. إن البسملة هي شعار المؤمن في الصلاة خصوصا وفي غير الصلاة في سائر الأعمال. ولقد اختار الرب من بين أسمائه وصف الرحمة.

حذار من التفسير بالرأي

وما نبينه ونذكره من التفسير هو ما نحوم نحن حوله من المعاني، ولا ننسبه إلى الله سبحانه؛ بل نقول: هذا ما نفهمه من الآيات الشريفة. فمن أراد أن يفسر القرآن لغيره؛ لابد أن يُلاحظ ذلك. إذا ما تأمل الإنسان بنفسه؛ فلا مسئولية عليه ما لم ينقل هذه المعاني إلى الآخرين تحت عنوان التفسير. ينبغي أن يحذر المؤمن من أن يقع في بئر تفسير القرآن بالرأي. لا تذهب يميناً ولا شمالا، بل خذ ظاهر اللفظ، وراجع كلمات الأعلام في التفسير، وكذلك من أمضى عمره في تفسير كتاب الله عز وجل، من الممكن أن يُؤخذ بكلامه.

وحتى عندما تنقل كلام المفسرين؛ انسب الكلام إلى صاحبه وقل: يقول المفسر الفلاني مثلا، وهذا مقتضى الاحتياط. فلا تقل: رب العالمين هكذا يريد إلا في الواضحات كقوله سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ)[١]. أما في الآيات المتشابهة وعلى رأسها آية النور ينبغي أن تحتاط أشد الاحتياط، فهذه الآية لا يعرف كنهها إلا من خوطب بالقرآن الكريم.

لقد خلقنا الله للرحمة

لماذا كرر رب العالمين اشتقاق الرحمة أربع مرات في البسملة وفي سورة الحمد؟ إنه سبحانه يصف نفسه، بأنه رحمن رحيم في البسملة وفي الآية الثانية من سورة الفاتحة. أولا: الرحمة الإلهية هي التي أوجدت هذا الوجود، وبعد ذلك تم إنزال الكتب وإرسال الأنبياء. لقد ورد في الحديث القدسي: (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف)[٢]. وجائزة المعرفة الحياة الأبدية، والجلوس في مقعد صدق عنده. لقد خلقنا رب العالمين للرحمة، ومن حاد عن الطريق ووقع في ما وقع فيه، فهو المقصر. ومثال ذلك إنسان يدعو جماعة إلى بيته، والطريق إلى بيته طريق وعر، وفي الطريق منحدرات ومزالق وما شابه ذلك. أما الذي يمشي في وسط الجادة يصل إلى المائدة، والذي يمشي على حافة الطريق يسقط. وعندما يسقط، لا يحق له أن يقول لصاحب البيت: أنت الذي أهلكتني بدعوتك لي إلى بيتك؟

إن رحمة الله عز وجل لا تنافي أن يدخل البعض النار. والمصيبة أن أكثر الناس سقطوا في الوادي، ولكن رب العالمين لا يبالي؛ فالمهم أن يصل من يريد الوصول. وكما نقرأ في الأدعية: (وَ أَعْدَاءَ رَسُولِكَ وَ أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوَانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ وَ لاَ تُهِنِّي بِكَرَامَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ)[٣]؛ فالطائعون يدخلون الجنة وإن كان دخولهم على حساب خلقة البعض من البشر الذين يدخلون النار ويهلكون عن بينة.

رحمة إرسال الأنبياء (على نبينا وآله وعليهم السلام)

أما الرحمة الثانية؛ إرسال الرسل. وقد قال سبحانه: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا)[٤]. إن الله سبحانه أرسل الرسل تترا، ولم يمنعه ما فعل المجرمون برسلهم أن يستمر في إرسالهم، وإنزال الكتب. فيحيى (ع) قُطع رأسه، وقد أوذي عيسى (ع) واتهموه بأنواع التهم، وكانوا يسخرون من نوح (ع) كلما مروا عليه لأنه كان يبني سفينة في الصحراء، وعلى رأس من أوذي نبينا (ص)؛ فما أوذي أحد قبله مثل ما أوذي هو (ص). وقد قالوا أنه ساحر كذاب وشاعر ومجنون حاشاه.

إنني عندما اقرأ القرآن الكريم وأرى إصرار رب العالمين على دعوة الناس إليه؛ أضع المصحف في بعض الأوقات جانبا وأبكي رقة وحبا وشوقا إلى الله عز وجل. ما هي حاجة رب العالمين إلي وإلى أمثالي؟ من هذه الآيات قوله سبحانه: (هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم)[٥]، وقوله عز وجل: (مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا)[٦]. كالوالد يجعل في جيب ولده مالا وفيرا ثم يقول له بعد ساعة: أقرضني ديناراً. ما هذه الرأفة وهذا اللطف؟! كم يتحبب إلينا وكم نتبغض إليه؟ وكما نقرأ في دعاء الافتتاح: (إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ وَ تَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ وَ تَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلاَ أَقْبَلُ مِنْكَ)[٧]. هل فكرت في سر هذا الدلال الذي يُتحفنا به رب العالمين؟ إنه يدللنا من دون سؤال، فهو لم يقل: هل تسمحون لي أدلكم على تجارة؟ إنه يُبين لنا الطريق ويُهيئ لنا الأسباب من دون سؤال. وهو مع ذلك يغفر لعباده كلما أسرفوا على أنفسهم: (قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِ)[٨]، ثم هو يُجيبهم كلما نادوه وسألوه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[٩]. لو كان لأحدنا خادم؛ فنصحه مرة أو مرتين؛ فلم يستجب له طرده من المنزل. ولكن تأمل في الحلم الإلهي؛ كم يطيل باله علينا[١٠]؟ ولهذا إن وصلت إلى مقام الإيمان الشامخ وقدمت لله قرباناً يتحظى من هذا الحب بأضعافه؛ فإذا كان سبحانه يتودد للعاصين، فكيف فعله بالطائعين؟

فاتحة الكتاب أم فاتحة الموتى؟!

ثالثاً: إن هذه الرحمة منشأ العناية الخاصة بك أيها المؤمن. كلما قرأت سورة الحمد تذكر هذه المعاني، واعلم أن علاقتك بالبسملة علاقة أبدية. مع الأسف الشديد قرأنا الفواتح على قبور الموتى، وفي مجالس العزاء ولم نتأمل في مضامين هذه السورة العظيمة. إنها فاتحة الكتاب لا فاتحة الموتى. إن كل الإنسان عندما يؤلف كتاباً يكتب مقدمة لذلك الكتاب، ومقدمة القرآن الكريم سورة الفاتحة.

[١] سورة البقرة: ١٨٣.
[٢] بحار الأنوار ج ٨٤ ص ١٩٩.
[٣] المصباح (للکفعمی)  ج١ ص٦١٦.
[٤] سورة الإسراء: ١٥.
[٥] سورة الصف: ١٠.
[٦] سورة الحديد: ١١.
[٧] زاد المعاد  ج١ ص٨٦.
[٨] سورة الزمر: ٥٣.
[٩] سورة البقرة: ١٨٦.
[١٠] كم يحلم عنا.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • كما أن الحيوان عندما يُذبح على غير اسم الله يكون ميتة فالعمل أو المشروع أو أي شيء آخر لم يفتتحه الإنسان باسم الله هو في حكم هذه الذبيحة لا يبارك الله عز وجل فيه. وقد تقول: طالما تاجرنا، وبعنا واشترينا وربحنا من دون تسمية. وأقول: لو كشف لك الغطاء لرأيت أنك قد خسرت خسراناً مبينا.
Layer-5.png