Search
Close this search box.
  • ما هما قانوني التعويض وتقديم القرابين؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ما هما قانوني التعويض وتقديم القرابين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

القوانين الثابتة في عالم الأرواح

لا تتخلف سنة الله في خلقه؛ وكما أن هناك قوانين في عالم الطبيعة، هناك قوانين وسنن تحكم في عالم الأرواح. فمن يريد الوصول إلى بعض المقامات العليا – وهو الهدف من الخلقة – لابد وأن يسير على هذه القواعد. من هذه القواعد، والقوانين: قانون تقديم القربان، وقانون التعويض.

ما هو قانون تقديم القربان؟

أولا: قانون تقديم القربان. إن من سنن الله عز وجل في أوليائه وأنبيائه وأوصياء أنبيائه على جميعهم السلام؛ أن المقامات العلى لا تُعطى لهم إلا من بعد تقديم قربان يُعتد به. وأعني بالقربان إنجاز من الإنجازات التي يُعتد بها. مثاله الواضح من الأنبياء السلف: خليل الله إبراهيم (ع). يقول سبحانه: (وإذا وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا)[١]؛ فقد كان من قبل نبياً ورسولاً ولكنه لم يكن إماماً؛ فأتم له الكلمات، فجعله للناس إماماً، وجعله جداً لخاتم الأنبياء والأئمة (ع). إننا نجد أن الإمام الحسين (ع) يشير إلى إلى انتسابه لإبراهيم (ع) في دعاء عرفة.

كيف عوض الله النبي إبراهيم (عليه وعلى نبينا وآله السلام)؟

ثم إن الحج؛ حج نبوي، وهو حج الإسلام، ولكن المعالم معالم إبراهيمية. فتجد أن الحجر هو حجر إسماعيل (ع) وزمزم هو زمزم إسماعيل، والجمرات هي ذكرى لإبراهيم، ومسجد الخيف، وعرفة، ومزدلفة أكثرها معالم مرتبطة بإبراهيم الخليل. لقد آتاه الله كل ذلك في مقابل ذبحه ولده، فقد كان إنجازا يُعتد به. فمنذ أن خلق الله آدم إلى يوم القيامة لم يتفق أن يؤمر إنساناً بقتل ولده. فقد يقتل الأب ولده عدواناً؛ ولكن أن يتم ذلك بأمر السماء؛ فهذا أمر لا نظير له، كخلقة عيسى (ع) الذي وقع ولن يقع مثله. إن هذا الأمر هو مختص بإبراهيم (ع) ومن الأمر التي اختص بها؛ تحطيمه للأصنام.

القربان الموسوي

والمثال الآخر موسى (ع). لقد قال سبحانه: (وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدۡيَنَ وَجَدَ عَلَيۡهِ أُمَّةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَيۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِي حَتَّىٰ يُصۡدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيۡخٞ كَبِيرٞ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِير)[٢]؛ لقد أذهب غم ابنتين عاجزتين، وكان خائفا؛ فآمنه الله، وكان أيما؛ فزوجه، وكان مشرداً، فجعله صهراً لنبي الله شعيب (ع).

فمن يريد المقامات العليا، لابد وأن يقدم قرباناً. والقربان على قسمين: قربان اختياري، كمحاولة إبراهيم (ع) ذبح ولده إسماعيل (ع)، وقربان غير اختياري. فمن منا يحب فقد ولده؟ ولكن إن فقد ولده وصبر وكان ممن قال عنهم سبحانه: (ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ * أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ)[٣]. ولهذا نرى عند أهل المصيبة أنهم يشعرون بنفحة في حياتهم ما دامت المصيبة قائمة. والمريض في المستشفى يرى شيئا من القرب إلى الله عز وجل في أيام المرض.

ما هو قانون التعويض؟

أما القانون الآخر هو قانون التعويض، وهو قانون مرتبط بسيد الشهداء (ع). إن الله سبحانه وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين؛ إذا أصاب عبده شيء من المكروه في سبيله؛ عجل له الجائزة في الدنيا قبل الآخرة. كم هتك النبي (ص) في سبيل الله، وكم قرفوه بالسحر والجنون والكذب وأنه شاعر وما شابه ذلك من التهم الباطلة التي حاولوا إلصاقها به؛ ولكنه تهم لم تضره شيئا والله عز وجل يقول: (وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ)[٤]. فانظر في ساعة الأذان شرق الأرض وغربها واستمع إلى ملايين الأصوات التي تنادي بنبوته.

كيف عوض الله الحسين (عليه السلام)؟

إن من مصاديق التعويض ما جرى لإمامنا الشهيد سيد الشهداء (ع). إنني أقول دائما: اربطوا بين يوم عرفة وبين يوم عاشوارء. ففي يوم عرفة تذكر الحسين (ع)، وفي يوم عاشوراء اقرأ دعاء عرفة، وقل: يا رب، لقد صنعوا بمن لهج بهذا الدعاء هذا الصنع في يوم عاشوراء، وعندها تجري دمعتك. ماذا جرى على هذا الثغر الذي لهج بهذه المناجاة في مجلس يزيد؟ تذكر في يوم عاشوراء عندما تبكي على الحسين (ع) وأنت تستمع إلى الخطيب وهو يقرأ المقتل؛ يوم عرفة. والعم أن الذي قُتل هذه القتلة هو صاحب المعرفة العظمى برب العالمين.

مصيبة لم تحدث لأحد في التاريخ

إن المصيبة التي تعرض لها الإمام الحسين (ع) هي مصيبة لا نظير لها، ولم نعهد في تأريخ الأنبياء من قدم أهله وعياله وبدنه وحريمه وكل شيء في سبيل رب العالمين كما فعل ذلك الحسين (ع). ولذلك عوضه الله سبحانه تعويضا كبيرا في هذه الدنيا فكانت النتيجة ما روي: (إِنَّ اَلْإِجَابَةَ تَحْتَ قُبَّتِهِ وَاَلشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَاَلْأَئِمَّةَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ)[٥]. إن الإمام الحسن (ع) هو سيد شباب أهل الجنة، وهو ريحانة رسول الله وله من المزايا ما للإمام الحسين (ع) وزيادة؛ حيث كان للإمام المجتبى مأموم كالحسين (ع)؛ ولكن شاء رب العالمين أن يجعل الأئمة التسعة من ذرية الحسين (ع)، ولهذا عندما نزوره نقول: السلام على الحسين وعلى الأئمة التسعة من ذرية الحسين (ع).

السر في تربة الحسين (عليه السلام)

وثانيا: الشفاء في تربته. إن تربة الحسين (ع) تعادل ماء زمزم في الشفاء. فكما أن خاصية الشفاء لا نجدها في ماء سوى زمزم؛ فكذلك لا نجد لتربة خاصية الشفاء كما هو الأمر في هذه التربة. ولهذا معروف عند أهله؛ إن كان بك مرض فاجمع بينهما؛ بين ماء زمزم وتربة الحسين (ع)، واقرأ عليهما سورة الفاتحة التي هي من السور الشافية.

الحائر يطلب الدعاء تحت الحائر…!

ثالثا: الإجابة تحت قبته. إن إمامنا الهادي (ع) يصيبه مرض؛ فيقول لأحدهم: اذهب إلى الحائر وادع لي. يقول الراوي: (مَا كَانَ يَصْنَعُ بِالْحَائِرِ وَهُوَاَلْحَائِرُ)[٦]؛ أي أنت تمثل كربلاء فكيف تطلب مني أن أذهب إلى كربلاء؟ فيقول: (إِنَّمَا هِيَ مَوَاطِنُ يُحِبُّ اَللَّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُدْعَى لِي حَيْثُ يُحِبُّ اَللَّهُ أَنْ يُدْعَى فِيهَا وَاَلْحَائِرُ [اَلْحَيْرُ] مِنْ تِلْكَ اَلْمَوَاضِعِ)[٧]. إن الإمام الهادي (ع) يعلمنا درساً، هو: أن الأمور إذا ضاقت بك؛ فاذهب إلى زيارة الحسين (ع) وثق بالإجابة تحت قبته. ثق بالإجابة عاجلاً أو آجلاً. قد لا يعطيك الإمام عاجلاً ولا آجلاً؛ فيأتيك يوم القيامة، ويقول لك مثلا: لقد دعوت تحت قبتي فما استجبت لك في الدنيا والآن ادخل معي الجنة. أليس هذا خير لك من تلك الحاجة الفانية؟

[١] سورة البقرة: ١٢٤.
[٢] سورة القصص: ٢٣-٢٤.
[٣] سورة البقرة: ١٥٦-١٥٧.
[٤] سورة الشرح: ٤.
[٥] الصراط المستقيم  ج٢ ص١٤٥.
[٦] كامل الزيارات  ج١ ص٢٧٣.
[٧] كامل الزيارات  ج١ ص٢٧٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن إمامنا الهادي (ع) يصيبه مرض؛ فيقول لأحدهم: اذهب إلى الحائر وادع لي. يقول الراوي: (مَا كَانَ يَصْنَعُ بِالْحَائِرِ وَهُوَاَلْحَائِرُ)؛ أي أنت تمثل كربلاء فكيف تطلب مني أن أذهب إلى كربلاء؟ فيقول: (إِنَّمَا هِيَ مَوَاطِنُ يُحِبُّ اَللَّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا)
Layer-5.png