- ThePlus Audio
ما لا تعرفه عن الأذان والإقامة…!
بسم الله الرحمن الرحيم
ثمرة الصلاة وقيمتها الحقيقية
لا شك في أن قيمة الصلاة بمقدار إقبال العبد فيها، ولذلك روي عن أئمة أهل البيت (ع): (وَإِنَّمَا لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاَتِهِ مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا بِقَلْبِهِ)[١]. إن الحركات الظاهرية إنما هي مسقطة للتكليف؛ أما الصلاة فهي حقيقة ما وراء هذه الحركة البدنية، وهي حركة للقلب، ولذلك سميت بمعراج المؤمن. وكما يريد منا رب العالمين أن نتقن الأعمال البدنية؛ مذلم يريد منا روح الصلاة، وروح الحج والصيام وما شابه ذلك. ولكل هذه الأعمال ثمرات هي التي يبحث عنها المؤمن عند قيامه بها. فثمرة الحج لقاء الله عز وجل، وثمرة الصيام التقوى، وثمرة الصلاة المعراج إلى الله. ولهذا تشتد حسرتنا في القبر ليلة الوحشة؛ فمن موجبات الحسرة أنك صليت ستين أو سبعين عاماً وتفاجئت أنها لم ترتفع إلى الله عز وجل. نعم، إنك لن تُعاقب عقاب تارك الصلاة؛ ولكنك خسرت المغنم الأعظم.
الاهتمام بالأذان والإقامة
ومن الأمور التي ينبغي الاهتمام بها عند الصلاة؛ إقامة الأذان والإقامة. للأسف الشديد أننا نجد الكثير من المؤمنين يختصر صلاته؛ فلا يؤذن ولا يقيم ولا يأتي بتسبيحات الزهراء (ع)، ولا يعقب، لأنه يريد أن يوفر الدقيقة والدقيقتين. وهو نفسه الذي يتناول طعام الغداء أو العشاء بكل اطمئنان مراعيا كل التفاصيل. لقد روي عن إمامنا الصادق (ع) أنه قال: (إِذَا أَذَّنْتَ وَ أَقَمْتَ صَلَّى خَلْفَكَ صَفَّانِ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ إِذَا أَقَمْتَ صَلَّى خَلْفَكَ صَفٌّ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ)[٢]. ولكننا لا ندري: هل هذه الرواية ناظرة إلى كل المصلين أو إلى المصلي الذي يؤذن ويقيم حق الأذان والإقامة؟ إن القدر المتيقن، هو: من أذن وأقام بالكيفية التي يريدها الشارع.
هل تريد أن يصلي خلفك صفان من الملائكة؟
وكم يكون الإنسان محظوظا حتى يُصلي خلفه صفان من الملائكة لا ندري أن ينتهي حد هذين الصفين؛ فقد يكون الصف بين المشرق والمغرب. وإذا كانت الملائكة حريصة على الصلاة خلف المؤمن؛ فكيف إذا أقامها جماعة؟ ولهذا من يأتي إلى المسجد ليصلي جماعة؛ يرى روحاً في صلاته لا أستبعد أن تكون من بركات تواجد الملائكة في المسجد. فالأذان والإقامة بوابتي الصلاة.
ثم نكبر التكبيرات الست الافتتاحية، ثم نكبر تكبيرة الإحرام التي تذكرنا بمواقيت الإحرام في الحج والعمرة. إنك تتخذ من مسجد الشجرة مثلا نقطة انطلاق. ولذلك نرى أن خواص الحجاج والمعتمرين الذين يتقنون الإحرام في الميقات توجهاً، وخضوعاً، وتلبية مؤثرة، ومناجاة بين يدي الله عز وجل؛ يكون حجهم أو عمرتهم مباركة؛ لأن ابتدائهما كان ابتداء مباركا. وكما تتقن أعمال الميقات في إحرام الحج والعمرة؛ لابد وأن تُتقن تكبيرة الإحرام.
لماذا بكى أمير المؤمنين (عليه السلام) عند استمع إلى الأذان؟
لقد روي عن الإمام الحسين (ع) أنه قال: (كُنَّا جُلُوساً فِي اَلْمَسْجِدِ إِذْ صَعِدَ اَلْمُؤَذِّنُ اَلْمَنَارَةَ فَقَالَ اَللَّهُ أَكْبَرُ اَللَّهُ أَكْبَرُ فَبَكَى أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ بَكَيْنَا لِبُكَائِهِ)[٣]. فيبدو أن هذا البكاء كان بحرقة كافية لإبكاء من كان حول علي (ع). ولما فرغ المؤذن قال أمير المؤمنين (ع): (أَ تَدْرُونَ مَا يَقُولُ اَلْمُؤَذِّنُ قُلْنَا اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ وَصِيُّهُ أَعْلَمُ قَالَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا يَقُولُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً)[٤]؛ أي أن أذان المؤذن كاف لكي يبكي أحدنا بين يدي الله عز وجل.
ما هو معنى التكبير؟
ثم أخذ أمير المؤمنين (ع) يشرح التكبير، ويذكر معانيه العظيمة، والتي منها: (اَللَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُدْرِكَ اَلْوَاصِفُونَ قَدْرَ وَصْفِهِ اَلَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ وَ إِنَّمَا يَصِفُهُ اَلْوَاصِفُونَ عَلَى قَدْرِهِمْ لاَ عَلَى قَدْرِ عَظَمَتِهِ وَ جَلاَلِهِ تَعَالَى اَللَّهُ عَنْ أَنْ يُدْرِكَ اَلْوَاصِفُونَ صِفَتَهُ عُلُوّاً كَبِيراً)[٥]. هذا التكبير الذي أصبح شعارا يهتف به المعترضون ضد أحد أو تأييدا لأحد، والذي أصبح مقدمة لقتل الأبرياء.
وكأننا عند التكبير نقول: يا رب، ماذا أقول؟ إنني أفتتح أذاني وإقامتي بالعجز، وأفتتح صلاتي بالإقرار بهذا العجز؛ فأنا عاجز عن وصفك، ومن أنا لأكون واصفاً لك. إن من يستوعب حقيقة الأذان والإقامة؛ يُرجى له أن يصلي صلاة خاشعة.
الإقرار بالتوحيد وبالنبوة وبالولاية
أما قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فهو يعني أنه لا معبود سواه. وهذا الذي ناجى به إمامنا سيد الشهداء (ع) في يوم عاشوراء. ولا معبود سواك، يعني: أنه لا مطاع سواك. والذي يتشهد بهذه الشهادة يعني أنه ملتزم بهذه الشهادة. إن الرجل عندما يقف أمام القاضي ويقول له: يا جناب القاضي، إنني لا أطيع إلا فلانا؛ ثم يتبين أنه كاذباً في الدعوة تلك؛ كم تكون هذه الشهادة قبيحة؟
إننا نشهد بالولاية وبالنبوة وبالتوحيد؛ ولكن لا ننسى أننا نشهد بذلك في محكمة الله عز وجل. فإن كنت صادقا ولم تكن عابدا للهوى فقد فُزت. أما أن يأمرك الهوى فتأتمر ويأمرك الهدى فتعصيه، فأنك كاذب في شهاداتك هذه، فالمقايس هو الإطاعة والنقياد. إنك إن قلت لأحدهم: إنني أحبك حباً جما، ثم طلب منك كأس ماء، فم تستجب له، لقال لك: أي حب هذا الذي تدعيه؟
هل أنت صادق في تكبيرتك هذه؟
وهناك رواية مروية عن الإمام الصادق (ع) تفضحنا جميعا، وفيها مع ذلك تهديد بليغ. لقد روي عنه (ع) أنه قال: (فَإِذَا كَبَّرْتَ فَاسْتَصْغِرْ مَا بَيْنَ اَلسَّمَاوَاتِ اَلْعُلَى وَ اَلثَّرَى دُونَ كِبْرِيَائِهِ)[٦]. وأئمتنا (ع) هم الدعاة إلى التوحيد، ومن يتاجر بالتوحيد، ومن يدعي التوحيد الحق سوى أهل بيت النبي (ع) وعلى رأسهم الحبيب المصطفى محمد (ص) فهو كاذب فيما يدعيه.
كيف تقول: الله أكبر، وفكرك مشغول بتوافه الأمور؟ فإذن أنت لست صادقا في تكبيرتك هذه؟ أما التهديد الذي ذكرناه هو: (فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى إِذَا اِطَّلَعَ عَلَى قَلْبِ اَلْعَبْدِ وَ هُوَ يُكَبِّرُ وَ فِي قَلْبِهِ عَارِضٌ عَنْ حَقِيقَةِ تَكْبِيرِهِ قَالَ يَا كَاذِبُ أَ تَخْدَعُنِي وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي لَأَحْرِمَنَّكَ حَلاَوَةَ ذِكْرِي وَ لَأَحْجُبَنَّكَ عَنْ قُرْبِي وَ اَلْمُسَارَّةِ بِمُنَاجَاتِي)[٧]. كيف يقول الرجل: الله أكبر، وقلبه مشغول بماله وبزوجته وبتجارته وبمسكنه؟ هل تقول: الله أكبر، وكل شيء عندك كبير إلا رب العزة والجلال؟!
إنم عندما تقول: أشهد أن لا إله إلا الله؛ فاعلم أنك تشهد بأنه هو المعبود، فإن لم تكن صادقا فاستشعر الخجل. قل: يا رب، إنني في طريق التكامل؛ فلا تؤدبني ولا تؤاخذني فلست بكذاب وإنما عاجز مسكين. فقل: لا إله إلا الله وأنت وجل؛ لا أن تقولها وأنت تعبث بشعر رأسك ولحيتك. فمن استشعر هذا المعنى؛ بدأت عنده عملية العروج.
خلاصة المحاضرة
- عندما يقيم الإنسان صلاته بأذان وإقامة يصلي خلفه صفان من الملائكة. كم يكون الإنسان محظوظا حتى يُصلي خلفه صفان من الملائكة لا ندري أن ينتهي حد هذين الصفين؛ فقد يكون الصف بين المشرق والمغرب. وإذا كانت الملائكة حريصة على الصلاة خلف المؤمن؛ فكيف إذا أقامها جماعة؟
- كيف تقول: الله أكبر، وفكرك مشغول بتوافه الأمور؟ فإذن أنت لست صادقا في تكبيرتك هذه؟ كيف يقول الرجل: الله أكبر، وقلبه مشغول بماله وبزوجته وبتجارته وبمسكنه؟ هل تقول: الله أكبر، وكل شيء عندك كبير إلا رب العزة والجلال؟!