Search
Close this search box.
  • ما لا تتصوره من العطاء في زيارة الحسين (عليه السلام)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ما لا تتصوره من العطاء في زيارة الحسين (عليه السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

شهرا المصيبة على النبي وآله (صلوات الله عليهم)

إن شهري محرم وصفر؛ هما شهرا الشهادة والمصيبة على عيال الإمام (ع) وما جرى عليهم. إن أيام المصائب وذكرياتها متوالية إلى أواخر شهر صفر الذي فيه كانت وفاة النبي الأعظم (ص). إن المؤمن يحاول أن يتشبه بأئمته (ع) في إظهار الحزن والبكاء على مصائبهم (ع). وهناك روايات مذهلة في فضل البكاء على سيد الشهداء (ع) لا بأس أن يراجعها من لم يكن له قلب ممتحن أو عقيدة صافية. فهناك البعض ممن لا يستوعب هذه المعاني.

لماذا نبكي على الحسين (عليه السلام)؟

إن البكاء على مصيبة الإمام (ع)؛ إعلان موقف. إن هذه الدموع التي نذرفها هي بحسب الظاهر سائل مالح يخرج من العين؛ ولكن باطنها تبيين موقف ضد الباطل. عندما يخرج الإنسان متظاهراً مؤيداً لجهة أو مخالفاً لجهة يرفع قبضته. ولهذه القبضة قيمة؛ فباجتماع هذه القبضات قد تأتي دول وتذهب أخرى. عندما ترتفع القبضة محتجةً؛ فهي تُعرب عن موقف باطني. وباستطاعة الإنسان أن يوقع على بيان – هذا البيان فيه ما فيه – يغير أمة، بتوقيع واحد. إن هذه الحركة لا وزن لها في عالم الحركات البدنية؛ ولكن الكلام في المضمون والنتيجة.

ويشبه البكاء على الحسين (ع) النطق بالشهادتين. كم يستغرق النطق بالشهادتين من الوقت؟ إنها جملة مختصرة لا تستغرق إلا ثواني معدودة؛ ولكنها تُخرج الإنسان من أسفل سافلين إلى أعلى عليين. وكأن الواحد منا بالبكاء على سيد الشهداء (ع) يقول: يا رب، اشهد علي بأني متبرئ من قتلة الحسين (ع) وممن أسس أساس الجور على أهل البيت (ع)، وما شابه ذلك من المضامين المتكررة في زيارة يوم عاشوراء.

ولهذا ورد عن الرضا (ع) أنه قال: (مَنْ تَذَكَّرَ مُصَابَنَا وَبَكَى لِمَا اُرْتُكِبَ مِنَّا كَانَ مَعَنَا فِي دَرَجَتِنَا يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[١]. ألا تتمنى أن تعيش أبد الآبدين في جوار النبي وآله (ص)؟ إن ثواب البكاء هذا يعدل ثواب تكفل اليتيم والذي وعد النبي (ص) أيضا كافله بأن يكون معه في درجته. هناك من يسألنا: ماذا نصنع أيام المصيبة؟ أقول بغض النظر عن حضور المجالس، وزيارة الحسين (ع) في أرض كربلاء، وخدمة المواكب والمجالس؛ اعمل بهذه الرواية الرضوية. فإذا ما رجعت إلى المنزل من العمل أو حتى من المجلس في جوف اللي؛ تذكر الحسين (ع) وابك لمصيبته. فتارة يقرأ عليك أحدهم المصيبة، وتارة تتذكر المصيبة عندما ترى مثلا طفلاً رضيعاً يبكي أو يشتكي العطش.

ما هو جزاء من أبكى على الحسين (عليه السلام)؟

ثم يذكر الإمام الرضا (ع) جزاء من أبكى فيقول: (وَمَنْ ذُكِّرَ بِمُصَابِنَا فَبَكَى وَأَبْكَى لَمْ تَبْكِ عَيْنُهُ يَوْمَ تَبْكِي اَلْعُيُونُ)[٢]. إن يوم القيامة هو يوم حسرة وكل العيون باكية في ذلك اليوم بكاء الحسرة، لما قاله عز وجل: (وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡر)[٣]. فلو أن أحدهم قيل له: إن أتيت في الساعة الفلانية إلى مجلسنا؛ لأعطيناك آلاف الدنانير؛ فغلب عليه النوم ولم يحضر؛ كم سيتحسر عندما يستيقظ، وكم سيبكي حسرةً؟ هكذا هم أهل الدنيا؛ بكائهم لأتفه شيء. ولكن البكاء يوم القيامة له وجه؛ فهم يبكون لما فرط منهم في دار الدنيا.

حسرة أهل الجنة…!

ثم إنني لا أستبعد – والله العالم – أن يبكي حتى أهل الجنة حسرة لما فرط منهم. فيقول أحدهم: لو عملت أكثر مما عملت؛ لكنت في درجة أعلى. ولو صليت صلاة خاشعة لكنت اليوم في درجة النبي وآله (ص)؛ وهذا يحق له أن يبكي. ولهذا رب العالمين يزيل الهم والغم من قلوب أهل الجنة؛ لأن هذا الحسرة لو بقيت في قلوبهم لما تنعموا بالنعيم. ولعله ينسي البعض ما كانوا عليه في دار الدنيا؛ لئلا يتحسروا. فإذا كان أهل الجنة يتحسرون في لحظة من اللحظات؛ فكيف بأهل النار؟ ولكن من بين من هم في الجمع يوم القيامة؛ قوم عيونهم قريرة، وهم الباكون على الحسين (ع). إن الجزاء من جنس العمل؛ فالعين التي بكيت في الدنيا؛ لا تبكي يوم القيامة.

أحياء أمرهم (عليهم السلام) بالحضور في مجالس جدهم (عليه السلام)

ثم قال (ع): (وَمَنْ جَلَسَ مَجْلِساً يُحْيَا فِيهِ أَمْرُنَا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ اَلْقُلُوبُ)[٤]. فليحاول كل واحد منا أن يحضر بنفسه في المجالس ولا يتابعها من خلل التلفاز إلا من كان عاجزا من النساء والرجال والمرضى. إن الله سبحانه يعبر عن صلاة الجمعة بذكر الله، ويقول: (فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ)[٥]، والسعى إلى مجالس ذكر الحسين (ع) هو كذلك. اقطع مسافة حتى تكون في خيمة الحسين (ع). ولا تقل: ذهبت إلى المجلس الفلاني بمشقة؛ فلم أستفد منه كثيرا؛ لأن الفائدة العلمية شيء وإحياء أمرهم بهذه الحركة شيء آخر. هب أن ذلك الخطيب ما أتى بما يُرضيك أو قال كلاماً تعرفه؛ فإن مجرد ذهابك إلى هذه المجالس إحياء لأمرهم (ع).

لقد روي عن إمامنا الصادق (ع) أنه قال: (نَفَسُ اَلْمَهْمُومِ لِظُلْمِنَا تَسْبِيحٌ وَهَمُّهُ لَنَا عِبَادَةٌ،)[٦]، وإننا لنجد شبيه هذه العبارة في شهر رمضان وفي ثواب نفس الصائم الذي يكون تسبيحا؛ لأن الصائم في ضيافة الله عز وجل، ومن حضر مجلس الحسين (ع) – بمعنى من المعاني – ضيف الله؛ لأن المقتول ثار الله وابن ثاره. إن هذا الذي قتل في يوم عاشوراء؛ هو الذي كان يناجي ربه في لحظاته الأخيرة، وهو حبيب الله هذا الذي أريق دمه في سبيله. إن المجلس الذي تجلس فيه وإن لم يكن مسجداً؛ فما دام يُذكر فيه أهل البيت (ع) والحسين (ع)، فهذا المجلس مسجدك.

سر السرور في زيارة سيد الشهداء (عليه السلام)

لقد بُشر الإمام (ع) باستشهاده منذ صغر سنه، وهو في أحضان جده المصطفى (ص). وقد وردت في الكتاب الشريف كامل الزيارات الذي يتضمن أسرار العزاء والزيارة وأسرار أرض نينوى رواية عن الحسين (ع) يقول: (أَنَا قَتِيلُ اَلْعَبْرَةِ قُتِلْتُ مَكْرُوباً وَ حَقِيقٌ عَلَيَّ أَنْ لاَ يَأْتِيَنِي مَكْرُوبٌ قَطُّ إِلاَّ رَدَّهُ اَللَّهُ وَ أَقْلَبَهُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً)[٧]. لماذا هذا التهافت على قبر أبي عبدالله الحسين (ع)؟ لماذا هذا الزحف في يوم الأربعين؟ إن البعض من الزوار يقول: ذهبت لزيارة الحسين (ع) ولي حاجة عظيمة؛ فلما وصلت وأصبحت تحت القبة نسيت حاجتي أو لم يطاوعني لساني أن أذكرها وأنا أبكي على مصيبته. فإن كانت لك حاجة عظمى وزرت الإمام (ع) ولم يعطك الإمام (ع) الحاجة لمصلحة؛ كأن تريد زوجة غير صالحة؛ قد يُزهدك فيها، وترجع وأنت لا تريدها، لأن المهم أن ترجع مسرورا.

[١] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٧٣.
[٢] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٧٣.
[٣] سورة مريم: ٣٩.
[٤] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٧٣.
[٥] سورة الجمعة: ٩.
[٦] الأمالي (للطوسی)  ج١ ص١١٥.
[٧] كامل الزيارات  ج١ ص١٠٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن البكاء على مصيبة الإمام (ع)؛ إعلان موقف. إن هذه الدموع التي نذرفها هي بحسب الظاهر سائل مالح يخرج من العين؛ ولكن باطنها تبيين موقف ضد الباطل. عندما يخرج الإنسان متظاهراً مؤيداً لجهة أو مخالفاً لجهة يرفع قبضته. ولهذه القبضة قيمة؛ فباجتماع هذه القبضات قد تأتي دول وتذهب أخرى.
  • يشبه البكاء على الحسين (ع) النطق بالشهادتين. إن الشهادتين جملة مختصرة لا تستغرق إلا ثواني معدودة؛ ولكنها تُخرج الإنسان من أسفل سافلين إلى أعلى عليين. وكأن الواحد منا بالبكاء على سيد الشهداء (ع) يقول: يا رب، اشهد علي بأني متبرئ من قتلة الحسين وممن أسس أساس الجور على أهل البيت.
Layer-5.png