- ThePlus Audio
ماذا تعلم عن ملكوت الوضوء؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أهم دورة في الحياة
يشارك أهل الدنيا بين الحين والآخر في دورات تدريبية؛ لتحسين معاشهم أو لصحة أبدانهم وهذا أمر مطلوب لا ضير فيه؛ فمن لا معاش له لا معاد له. وبالتأكيد نحث على هذه الدورات إن أدت إلى الكسب الحلال، لا الكسب الذي يوجب البطر والعلو في الأرض، أو يجعل الإنسان من مصاديق قوله عز وجل: (كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ * أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ)[١].
ولكن من أهم الدورات على الاطلاق؛ دورة في تصحيح العلاقة مع رب العالمين. إن هذا البدن مهما اهتم به الإنسان فمصيره إلى البلى والفناء، والذي يبقى له من هذه الدنيا ما قدمه فيها للأخرى. فمن أجل الدورات وأنفعها دورة كيف نصلي بين يدي الله عز وجل. راجعوا الرسالة العملية، واطلعوا على الأبحاث المرتبطة بالطهارة والصلاة. ولو أن أحدنا طلب من مدرس من العلماء أن يشرح له هذا المقدار؛ فلا أعتقد أن ذلك سيستغرق أكثر من عشرة أيام.
تعلم الأحكام الظاهرية
إن تعلم الأحكام الظاهرية؛ أمر يتم بالتعلم؛ فهي عملية ذهنية تبدأ فيها من أحكام الشكوك وأحكام الطهارة، وأحكام الخلل في الصلاة، ومعرفة الواجبات والشرائط والمقدمات، وإلى آخره؛ ولكن هناك أحكام باطنية ينبغي إتقانها بعيدا عن الأحكام الظاهرية، وهي التي إن قمت بها أقمت الصلاة بتمامها.
من هذه الأمور الطهور؛ وضوء كان أو غسلاً أو تيمماً. قد يُعذر الإنسان فقهيا إذا أخطأ في قراءة آية إذا لم يكن مقصرا، ولكنه لا يُعذر إن كان قد توضأ أو اغتسل بصورة غير صحيحة؛ كأن يكتشف حائلا في موضع الغسل والوضوء. ولابد في مثل هذه الحالات من إعادة الصلاة، وهو أمر ليس بالهين على المؤمن الذي قد تكون من صلواته ما أقامها في المشاهد المشرفة وفي مواطن الاستجابة. إن أحد المراجع الكبار قضى صلاته كاملة؛ فهو يأتي يوم القيامة، ويقول: يا رب، هذه صلاتي الأدائية وهذه صلاتي القضائية؛ فاختر منهما ما شئت أو لفق بين هذا وذا. وهناك من المؤمنين من لهم همة عالية؛ فقد سمعت من أحد علمائنا الأبرار أيضا أنه قضى صلاة والديه.
لماذا لا تكون على طهارة دائما؟
هناك من المؤمنين من يتوضأ فقط عند حضور أوقات الصلوات الواجبة، وهذا لا يتوضأ في اليوم إلى عدة مرات، ولكن هناك من المؤمنين من يعمل بهذا الحديث: (مَنْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَقَدْ جَفَانِي وَمَنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَلَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَدْعُنِي فَقَدْ جَفَانِي وَمَنْ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَانِي فَلَمْ أُجِبْهُ فِيمَا يَسْأَلُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَقَدْ جَفَوْتُهُ وَلَسْتُ بِرَبٍّ جَافٍ)[٢]، وكلاهما بحاجة إلى معرفة ملكوت الوضوء. ولا بأس أن يعمل المؤمن بهذه الرواية ولو مرة أو مرتين؛ فعندما يستيقظ من النوم مثلا ويذهب إلى بيت الخلاء؛ ليتوضأ وليصل ركعتين ثم ليعود إلى فراشه.
كيف نتوضأ بين يدي الله عز وجل؟
إننا قد نقرأ الكثير من الروايات أو نستمع إليها من الخطباء ولكن لا نعرف من الرواية إلا صدرها أو ذيلها، وأحيانا تكون للرواية قصة يجدر بنا معرفتها. إننا نقرأ الأدعية الواردة في الضوء كقولنا: اللهم غشني برحمتك، اللهم أعطني كتابي بيميني وما شابه ذلك. إن هذه الرواية هي رواية مروية عن الإمام الصادق (ع) يقول فيها: (بَيْنَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ مَعَ اِبْنِ اَلْحَنَفِيَّةِ إِذْ قَالَ يَا مُحَمَّدُ اِئْتِنِي بِإِنَاءِ مَاءٍ أَتَوَضَّأْ لِلصَّلاَةِ فَأَتَاهُ مُحَمَّدٌ بِإِنَاءٍ)[٣]
وضوء أمير المؤمنين (عليه السلام)
يبدو أن إمامنا (ع) لم يعلم محمدا ابنه في هذه السنوات هذه الأدعية عند الوضوء، ولعله رأى في هذا العبد الصالح قابلية فأراد أن يعلمه درساً. إن المعصوم هو الذي يختار الحالات والأشخاص المناسبين لبيان مهمات الأمور. وهنيئا لمحمد بن الحنفية الذي أصبح شريكا في ثواب من يعمل بهذه الرواية إلى يوم القيامة، كما أصبح كميل سريكا في ثواب دعاء الأمير (ع)، وكما أصبح أبو حمزة راويا لذلك الدعاء الذي نقرأه في شهر رمضان.
فقال أمير المؤمنين (ع) أول ما قال: (بِسْمِ اَللَّهِ)[٤]. ونتعلم هنا ضرورة التسمية عند الوضوء، فكما روي: (كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُذْكَرُ بِسْمِ اَللَّهِ فِيهِ فَهُوَ أَبْتَرُ)[٥]. هذا والبعض منا ينسى التسمية عند الوضوء، ويكون وضوئه مجرد عملية مائية، وهو في الأثناء يتكلم مع صاحبه على الهاتف أو تكون عينه على التلفاز. ولسنا نشكك في صحة هكذا وضوء ولكنه ليس الوضوء المطلوب. هل تريد بهذا الوضوء أن تدخل على ساحة الجلال؟
الوسوسة في الوضوء وعلاج ذلك
ثم قال الإمام (ع) بعد ذلك: (وَاَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي جَعَلَ اَلْمَاءَ طَهُوراً وَلَمْ يَجْعَلْهُ نَجِساً)[٦]. إنه مع الأسف الشديد نرى البعض يبالغ في الطهارة إلى حد الوسواس، وهؤالاء لا صلاة لهم. ترى الواحد منهم يبالغ في إيصال الماء إلى أعضائه، وقد يستغرق غسل عض أعضاء الوضوء ساعة أو أكثر. إن هذا هدر للعمر وللماء، وصاحبنا مع ذلك لا يزداد إلا بعداً عن مولاه. إنني أقول لهؤلاء: هل تتوضأ لأنك تخاف الله؟ يقول: نعم، إنني أريد أن أرضي ربي بهذا الوضوء المتقن على زعمه. فأقول له: إن ما تريده يتحقق عكسه بهذا الوضوء، فهذا العمل يبعد عن الله عز وجل. إن كنت تخالف الله؛ فاترك الوسوسة في الوضوء والصلاة وغيرهما.
ومن الطريف ألا تجد أحدا يوسوس في الخمس والزكاة مثلا؛ فيقول: لأخمس مرتين إبراء للذمة والحال أن ذلك في محله، فهو مال يصل إلى المساكين والفقراء. أما الشيطان اللعين لا يوسوس له إلا فيما فيه مضرة لنفسه، وفيه إزعاج له من تكرار الصلاة وإعادة الوضوء مرات عديدة.
طلب تحصين الفرج في بيت الخلاء
لقد بين لنا أمير المؤمنين (ع) أن الماء طاهر، والأصل في الأمور الطهارة إلا إذا ثبت العكس. فلو ذهب إلى بيوت غير المسلمين تبني على الطهارة. وهو أصل من الأصول يريح البلاد والعباد. ويبدو أن الإمام (ع) احتاج إلى الذهاب لقضاء الحاجة، لأن الرواية تذكر أنه استنجى بعد ذلك وقال: (اَللَّهُمَّ حَصِّنْ فَرْجِي وَ أَعِفَّهُ وَ اُسْتُرْ عَوْرَتِي وَ حَرِّمْنِي عَلَى اَلنَّارِ)[٧]. ومن الجدير بمن يذهب إلى بيت الخلاء أن يطلب من الله عز وجل أن يحصن فرجه؛ فهذا يحتاج إلى مدد من رب العالمين. وخاصة في عصرنا هذا عصر الشهوات والشبهات؛ حيث يُصبح الإنسان ويمسي وكل موجبات الفتنة والإثارة من حوله.
خلاصة المحاضرة
- من الطريف ألا تجد أحدا يوسوس في الخمس والزكاة مثلا؛ فيقول: لأخمس مرتين إبراء للذمة والحال أن ذلك في محله، فهو مال يصل إلى المساكين والفقراء. أما الشيطان اللعين لا يوسوس له إلا فيما فيه مضرة لنفسه، وفيه إزعاج له من تكرار الصلاة وإعادة الوضوء مرات عديدة.