Search
Close this search box.
  • ماذا تعرف عن شخصية القاسم بن الحسن (عليهما السلام)؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ماذا تعرف عن شخصية القاسم بن الحسن (عليهما السلام)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

مزيتان في مجالس أبي عبد الله (عليه السلام)

إننا نجد مزيتين محسوستين في مجالس الحسين (ع). المزية الأولى: هو التزود الفكري من هذه المجالس، أو التزود الثقافي والعلمي سمه ما شئت. إن خطبائنا قديماً وحديثاً كانوا يلقون الخطب من على المنابر الحسينية، وهي أشبه بمحاضرات الجامعات من الناحية العلمية. فالخطيب يستهل خطبته بذكر آية من كتاب الله عز وجل، ثم يشبعها حديثاً وبحثاً. وهذه فائدة علمية مستقلة عن سائر الفوائد المترتبة على هذه المجالس المباركة.

ثقافة الشيعة قياسا بغيرهم

ولذلك نجد أن أتباع أهل البيت (ع) ممن تربوا على هذه المنابر والذين هم حضار المجالس في المواسم؛ هم من أكثر الناس وعياً بشريعتهم. كم يفهم النصراني من النصرانية؟ وكم يفهم اليهودي من اليهودية؟ بل كم يفهم المسلمون غير الموالين من القرآن والأحاديث النبوية؟ ولكن من تربى في مدرسة أهل البيت (ع) لهم ثقافة يُعتد بها؛ تفسيراً، وحديثاً، وسيرةً، وهلم جرا. ولهذا نجد أحيانا البعض من المستمعين يُشكل علينا مثلا، ويقول: يا شيخ، لقد تربينا تحت هذه المنابر، ونحن نميز الحديث والجديد من القديم، وهذا البحث الذي أنت بصدده الآن هو بحث قديم مثلا.

مجالس الحسين ورقة القلوب

المزية الثانية: وهي مزية غير هينة؛ أثر هذه المجالس في ترقيق القلوب. إن علامة القلب اللين جريان الدمع. والغريب أن أحدنا يُصلي صلاته ويُريد أن أخشع ويبكي ويحاول في القنوت أو في السجود أن يستدر دمعة؛ فلا يمكنه ذلك. ويذهب إلى الحج؛ فلا تأتيه العبرة في الطواف، ولا في يوم عرفة الذي هو يوم البكاء والتضرع. ولكنك تذهب إلى مجلس أبي عبدالله الحسين (ع) – وهذه من بركات أهل البيت (ع) – وما إن يستهل الخطيب مجلسه بالسلام على الإمام (ع) وإذا بالبعض تجري دمعته بعد ثواني معدودى من بداية الخطيب.

أين تجد على وجه الأرض شخصية تثير الدمعة كشخصية الحسين (ع)؟ ولكن لنعلم أنه ليس الفخر فخرنا، ولا القوة قوتنا، وإنما هذه هبة من عالم الغيب. ولهذا نحن نستغرب؛ لماذا بعض الحجاج يأتي من أقصى بلاد العالم إلى الحج وليس له ذلك الفهم، ولا ذلك التفاعل؟ والجواب نجده في القرآن الكريم: (فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِم)[١]. إن رب العالمين هو الذي تصرف في قلوب الناس فدفعهم إلى الحج، وتصرف في قلوب المؤمنين فأبكاهم على الحسين (ع). ولهذا نجد في الرواية المعروفة عن النبي الأكرم (ص): (إِنَّ لِقَتْلِ اَلْحُسَيْنِ حَرَارَةً فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ لاَ تَبْرُدُ أَبَداً)[٢].

التصرف الإلهي في قلوب الباكين على الحسين (عليه السلام)

إن هذه الحرارة مجعولة؛ كما المودة الزوجية مجعولة بين الزوجين بتصرف إلهي، وخاصة عندما يحل موسم العزاء. فخارج الموسم قد لا يعيش المؤمن هذه المشاعر؛ ولكنه بمجرد أن يرى هلال شهر محرم، ويرى السواد في المجالس، يضيق قلبه ويتفاعل. وهكذا كان أئمة أهل البيت (ع). فقد روي عن الرضا (ع) هذه الرواية التي تدعونا إلى التفائل والتفاعل: (مَنْ جَلَسَ مَجْلِساً يُحْيَا فِيهِ أُمُورُنَا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ اَلْقُلُوبُ)[٣].

إن مجرد الجلوس في مجالس أهل البيت (ع) نعمة ومزية. إن البعض يتذرع بالعمل أو بأن المجلس الفلاني لا يناسب مزاجه، أو القارئ لا يناسبه؛ فما لك وهذه الأعذار؟ إن الشيطان يسول لك. إن عنوان هذا الجلوس في هذه المجالس، هو إحياء ذكر أهل البيت (ع). ولذلك تشعر عندما تخرج من مجلس أهل البيت (ع)؛ أنك قد أخذت حماماً روحياً، حيث تخرج وأنت منشرح، وتشعر بحالة من حالات الارتياح الباطني التي لا يُمكن أن تعيشها في الأعراس ولا في أجمل الأماكن السياحة.

البطل الهاشمي قاسم بن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

إن شخصية القاسم هي من الشخصيات التي كانت لها ما لها من البطولات في يوم العاشر. إنه أحد أبطال كربلاء، وفيه مجالات للتأمل. أولا: المنبت الطيب. كم كان عمر القاسم عندما استشهد الإمام المجتبى (ع) والده؟ كان عمره على أكثر التقادير عشر سنوات، إن لم يكن أقل. أي لم يكن في سن الرشد المتعارف حتى؛ بل كان في عمر دون البلوغ. إلا أن المنبت الصالح والتربية في حضن أبيه الإمام الحسن (ع) أوصله إلى هذه الدرجة العالية التي كان يرى الموت فيها أحلى من العسل. وإذا أردت أن تتزوج امرأة؛ ابحث عن منبتها؛ كما بحث أمير المؤمنين (ع) عن امرأة ولدتها الفحولة من العرب، فرُزق العباس (ع).

مفاد رسالة القاسم التي حملها من أبيه (عليهما السلام)

لقد كانت عين الإمام المجتبى (ع) على الرسالة؛ تلك الرسالة التي كانت مع القاسم ساعة الاحتضار. ولعل الإمام المجتبى (ع) ألبسه هذه الرسالة أو هذا البيان الذي أبكى الحسين يوم عاشوراء عندما علم أن أخاه؛ هو الذي أوصى بأن يقدم القاسم نفسه رخيصة بين يدي الحسين (ع).

إن ما نستفيده من الدروس من هذه الشخصية، وهو: أن هناك عمر بشري، وعمر روحي. حاول أن تكبر في العمر الروحي سريعا. إن عيسى (ع) كلم الناس في المهد، والإمام الجواد (ع) تسلم مقام الإمامة دون سن البلوغ، والقاسم (ع) كذلك كان غلاما لم يبلغ الحلم. إن هذه الأرواح كانت متطورة متقدمة، وبالغة. فقد يبلغ أحدنا الثمانين من عمره ولازالت روحه في مرحلة ما قبل البلوغ، والشاهد أنه في سن متقدم، ويقوم بما يقوم به المراهقون من أعمال، وطيش. انظر إلى بلوغك الباطني فإنك بعمرك الباطني هذه تعيش مع أهل البيت (ع)، وتعيش برزخاً سعيدا. وهذا ما نستفيده من سيرة هذا الغلام الذي رأى الموت قنطرة إلى ذلك العالم.

[١] سورة إبراهيم: ٣٧.
[٢] مستدرك الوسائل  ج١٠ ص٣١٨.
[٣] مشکاة الأنوار  ج١ ص٢٥٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن مجرد الجلوس في مجالس أهل البيت (ع) نعمة ومزية. إن البعض يتذرع بالعمل أو بأن المجلس الفلاني لا يناسب مزاجه، أو القارئ لا يناسبه؛ فما لك وهذه الأعذار؟ إن الشيطان يسول لك. إن عنوان هذا الجلوس في هذه المجالس، هو إحياء ذكر أهل البيت (ع).
  • إننا نجد أن أتباع أهل البيت ممن هم حضار المجالس في المواسم الحسينية؛ من أكثر الناس وعياً بشريعتهم. كم يفهم النصراني من النصرانية؟ وكم يفهم اليهودي من اليهودية؟ بل كم يفهم المسلمون غير الموالين من القرآن والأحاديث النبوية؟ ولكن من تربى في مدرسة أهل البيت لهم ثقافة يُعتد بها.
Layer-5.png