Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ماذا تعرف عن تسبيح الموجودات؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لمن يبحث عن المقامات العُلى

إن الصلاة هي محور قبول الأعمال وقد ورد في الروايات الشريفة أن: (أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ اَلْعَبْدُ اَلصَّلاَةُ فَإِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا وَإِنْ رُدَّتْ رُدَّ مَا سِوَاهَا)[١]. وإن أهم فقرة من فقرات الصلاة هي السجدة؛ لأن العبد بسجدته يصل إلى أعلى الدرجات عند الله عز وجل. ولكن الذي لا يملك الهمة ولا يريد هذه المقامات؛ أنى له بالوصول؟ الذي يريد تلك المقامات ويبحث عنها ويسعى لها سعيها؛ فيُرجى أن يصل. إن الله سبحانه يتحدث عن آثار الصوم فيقول: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)[٢]؛ أي أن لذي يصوم صوماً صحيحا مرضياً ينال هذا التقوى ولكن الذي لا يصوم كيف يصل إلى هذا المقام؟

راجع حساباتك من اليوم

وينبغي للمؤمن أن يراجع نفسه بين وقت وآخر وخاصة من اكتملت دنياه، وحاز ما يريد منها. فتارة يكون الإنسان مشغولا بالكد على عياله، وعليه مع ذلك دين مثقل، وله مرض قد أصنى جسمه، وهو قد فقد الأمن في وطنه؛ فهذا يُعذر إن قصر في العمل على بلوغ هذه المقامات. ولكن تصور إنساناً معافى في بدنه، وله قوت يومه؛ بل سنته كيف يُقصر عن هذه المقامات؟ بل البعض له قوت عمره؛ فلو نام قرير العين له من المال ما يكفيه إلى ساعة الموت، ولا لنفسه فحسب؛ بل لذريته ولأحفاده، كما هو الحال في بعض كبار التجار. فلو أكل الورثة من ماله أجيالاً، لكفاهم ذلك المال.

فهذا الإنسان المعافى والمقتدر الغني الآمن في وطنه؛ هل من الجدير به ألا يُفكر إلا في دائرة الطعام والشراب والنساء والمسكن وما شابه ذلك؟ أليس هذا حرمان ما بعده حرمان؟ أو قد يكون الرجل قد بلغ من العمر ما بلغ، وفي عرفنا أصبح متقاعدا لا عمل له، وله راتب يأتيه من دون كد، وقد زوج أولاده، وأصبح في المنزل وحيدا مع زوجته ولكنه لا يفكر في شيء من درجات الكمال، ويأتيه الموت بغتةً وهو فقير أشد الفقر.

سجود التلاوة

وهذه السجدة تكون على أنواع منها سجدة التلاوة. إن آيات السجدة الواجبة أربع، والمستحبة منها إحدى عشرة ومن أراد أن يطلع عايها يُراجع آيات السجدة في القرآن الكريم. وقد كان لأئمة أهل البيت (ع) سلوك مختلف عند الاستماع أو عند قراءة آيات السجدة. فإمامنا زين العابدين (ع) مثلا كان يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة. والحقيقية إن الذي يقرأ قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَيُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ يَسۡجُدُونَۤ)[٣]، لا يملك إلا السجود من فوره. وكذلك قوله عز من قائل: (وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن دَآبَّةٖ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ)[٤]. وأنت أيضا ممن في السماوات والأرض؛ فاسجد بين يدي الله عز وجل. والمؤمن يتأسى بأئمته (ع) ويسجد لله عز وجل عند كل آية فيها سجود واجب أو مستحب.

وهناك سجود تكويني وآخر تشريعي. إن هدهد، هذا الطير الذي قد نحبسه في القفص، يقف أمام سليمان ويقول عن قوم سبأ: (أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ)[٥]. لقد أدرك الهدهد هذه الحقيقة، أن الله سبحانه هو الذي يُخرج ما خفي في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. ثم عرف الله عز وجل هذا الطير الصغير قائلاً: (ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ)[٦].

هل يضر الله سبحانه إعراض الناس عن تسبيحه؟

هب أن أهل الأرض كفروا جميعا، فما عسى أن يبلغ مقدارهم مَن عند الله عز وجل؟ إن هؤلاء الذين وصفتهم الآية بـ (عِندَ رَبِّكَ)؛ القدر المتيقن أن الملائكة المسبحة منهم. ولا نستبعد أن المراد منها أرواح الأنبياء والمرسلين الذين هم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وهؤلاء يسبحون بحمدالله عز وجل وله يسجدون.

ما هو معنى السجود في قوله تعالى: (وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ)[٧]؟ إن هذه الكلمة (وظلالهم) لم يُفكر فيها أحد إلا كبار المفسرين. لقد جعل سبحانه في قبال سجود الكائنات: (وظلالهم). ولكن ما قيمة هذا الظل لكي يسجد لله سبحانه؟

أنت شيء والنور شيء؛ ولكن الظل ليس بشيء. إننا إذا وقفنا أمام النور نرى ظلاً على الأرض، والقرآن يقول لنا أن ظلنا هذا يسجد له سبحانه. ويا له من تعبير غريب…! وأخذ البعض يوجهون هذه الكلمة ويقولون مثلا: إن الظل أمر عدمي لا يأتي في البال؛ ومع ذلك يسجد لله. وذهب آخرون إلى أن في ذلك إشارة إلى قوانين الضوء في هذا الوجود. وقوانين الضوء من القوانين المذهلة؛ فلولا الضوء والشمس وحركة الضوء لما وجد ظل.

السجود الكُرهي…!

ثم يتحدث القرآن عن أن هذا السجود يكون طوعا وكرها. سجودك أنت يكون باختيارك، ولكن هناك سجود كُرهي وهو السجود التكويني. إن الشمس والقمر في مقام العمل؛ خاضعين لله عز وجل، وهذه الأرض تدور حول نفسها ولها مدار ثابت وهي بدئوبها في هذا المدار تسجد لله، والشمس والقمر دائبان في عبادة الله عز وجل ومطيعان لا يخالفان الله طرفة عين منذ نشأتهما. وقد فُسر السجود هنا بالطاعة. لو أن الشمس خالفت أمر ربها ثانية واحدة واقتربت من الأرض أو التصقت بها؛ هل يبقى شيء من هذا الوجود؟ وأنت لو لم تطع الله عز وجل وكنت مخالفاً؛ كنت أقل من الحجر والمدر.

العالم كله يُسبح لله حتى سيارتك…!

والبحار مطيعة أيضا؛ فلو أن هذا التسونامي الذي يخيف البشرية أصاب الأرض لم يبقى حياة على وجهها. وأنت لو خالفت الله عز وجل طوال العمر مرة واحدة؛ كنت أقل من المريخ وعطارد وزهرة وغيرها من المخلوقات. ثم إن خالفتت ارجع تائباً لتكون على الأقل في مستوى البهائم والجمادات…! ولهذا أحدهم كان يغني على دابته فرآه الإمام على (ع) وعلق على فعله تعليقاً بليغاً فقال له: (أَ مَا يَسْتَحِي أَحَدُكُمْ أَنْ يُغَنِّيَ عَلَى دَابَّتِهِ وَ هِيَ تُسَبِّحُ)[٨]. ومن يرفع صوت الغناء في دابته الحديد ينطبق الأمر عليه، وهو أقل من الحديد، لأنه يسبح كرهاً وتكويناً وأنت لا تسبح.

علم الطيور بخالق الطيور

وهناك وجه آخر لهذا التسبيح قد لا يقبله البعض ولكننا نقول: كلما قرع سمعك من العجائب فذره في بقعة الإمكان. يقول سبحانه: (كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُ)[٩]. إن أسراب الطيور في السماء تسبح، كهذا الطير الذي كان يعلم أن الله سبحانه هو الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم؛ أعني الهدهد. فما المانع من أن الحمام والطير والنسر وغيرها من الطيور تعلم حقائق الوجود ولكنها كالأخرس الذي يصلي في المسجد مثلا، وهو يبكي في صلاته ولكنه لا يتكلم، وهو خير من الناطقين ممن لا يُسبحون الله سبحانه. وينبغي أن يتذكر المؤمن هذه المعاني عندما يُسبح الله عز وجل في سجوده.

[١] فلاح السائل  ج١ ص١٢٧.
[٢] سورة البقرة: ١٨٣.
[٣] سورة الأعراف: ٢٠٦.
[٤] سورة النحل: ٤٩.
[٥] سورة النمل: ٢٥
[٦] سورة النمل: ٢٦.
[٧] سورة الرعد: ١٥.
[٨] بحار الأنوار  ج٧٦ ص٢٤٥.
[٩] سورة النور: ٤١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • قد يكون الرجل قد بلغ من العمر ما بلغ، وفي عرفنا أصبح متقاعدا لا عمل له، وله راتب يأتيه من دون كد، وقد زوج أولاده، وأصبح في المنزل وحيدا مع زوجته ولكنه لا يفكر في شيء من درجات الكمال، ويأتيه الموت بغتةً وهو فقير أشد الفقر.
Layer-5.png