- ThePlus Audio
ماذا تعرف عن أهمية تعقيبات الصلاة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هنا تجد متعة الحياة
إن المؤمن إذا ترقى وسما وتخلى عن الدنيا؛ فستكون متعته في الحياة أوراده وأذكاره وتعقيباته بعد كل صلاة واجبة. إن المؤمن الذي عرجت روحه إلى السماء؛ لا يطاوعه قلبه عندما ينزل إلى الأرض أن يقوم من مصلاه. لهذا رأينا بعض الأولياء لا يقوم من مصلاه إلا بعد الصلاة بساعة، ناهيك عن تعقيباته بين الطلوعين. إنه بعد الظهرين ينسى طعامه وغدائه؛ لأنه يأكل في المصلى ويشرب فيها. وذكر البعض: أن موسى (ع) عندما ذهب إلى لقاء ربه؛ لم يأكل طيلة تلك الفترة ولم يشرب شيئا شوقاً إلى الله عز وجل.
كيف وصف صاحب العروة الوثقى تعقيبات الصلاة؟
إن صاحب العروة يصف لنا التعقيبات بعد الصلاة بكلمة تستحق التأمل وهي كلمة لم أرها عند غيره. يقول هذا النحرير العملاق في عالم الفقاهة[١]: (وهو الاشتغال عقيب الصلاة بالدعاء أو الذكر أو التلاوة أو غيرها من الأفعال الحسنة: مثل التفكر في عظمة الله ونحوه، ومثل البكاء لخشية الله أو للرغبة إليه وغير ذلك، وهو من السنن الأكيدة، ومنافعه في الدين والدنيا كثيرة – ولا يُعتبر فيه كون الأذكار والدعاء بالعربية وإن كان هو الأفضل). فبإمكان أي مؤمن من مختلف بلدان العالم أن يُعقب بعد الصلاة بلغة قومه؛ كما يُمكن ذلك في قنوت الصلاة.
اجمع بين أنواع التعقيبات
ويبنغي أن يكون المنشغل بالتعقيب في هيئة الصلاة؛ فمن خرج من المسجد واشتغل بالدعاء والذكر في الطريق، قد لا يعد معقباً، وإنما المتيقن من ذلك الجلوس مشتغلاً بما ذُكر. فاجلس في المصلى ولا تقل شيئا؛ ولكن تفكر في عظمة الله، وتفكر في ذنوبك؛ فاذهب إلى العرش تارة وانزل إلى الفرش تارة أخرى، وهاجر من النفس إلى الله عز وجل. فإذا كنت قد شاهدت قبل الصلاة فيلماً وثائقياً عن الكون أو عالم البحار مثلا؛ فلا بأس أن تستذكره بعد الفراغ من الصلاة وتفكر في عظمة الله. وما أجدر بالمؤمن أن يجمع بينها كلها؛ فيكبر الله ثلاثاً، ويأتي بتسبيحات فاطمة (ع) بتأن، وينشغل بالأدعية المأثورة كـ (إلهي هذه صلاتي) و(سبحان من لا يعتدي على أهل مملكته) وغير ذلك، ثم يسجد، ويجلس بعدها يتفكر في عظمة الله تارة فيخشع، ويتذكر ذنوبه مرة، فيبكي.
فإذا كانت هذه حاله؛ فما الذي يستهويه عندها خارج الصلاة؟ هل يستهويه طعام الغداء؟ هل يسارع إلى الاجتماع الوزاري أو الرئاسي أو الاقتصادي؟ كلا. هذا والبعض يستعجل للانتهاء من التعقيبات؛ لأنه يريد أن يلعب مع أولاده أو يذهب بهم إلى دار الملاهي. نعم، قد يؤجر على فعله هذا؛ إن كان صادقا في قصد القربة، ولكن ماذا نقول عمن يريد أن يلهو فيتخذ أولاده ذريعة ويصلي مسرعا من غير أن يعقب من أجل ذلك؟
من منا لا يحب المال الوفير في خير وعافية؟
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (اَلتَّعْقِيبُ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ اَلرِّزْقِ مِنَ اَلضَّرْبِ فِي اَلْبِلاَدِ)[٢]. قد يسأل سائل فيقول: إنني عقبت؛ ولكن مالي لم ينم؟ قد لا ينمو مالك ولكن يرزقك الله سبحانه ولدا مطيعا؛ يكون رأس مالك، وقد يحسن لك أخلاق زوجتك سيئة الخلق، أو كنت ممن لا يُنجب، فتصبح لك ذرية، أو كنت يائسا من سفر الحج والعمرة والزيارة، فيأتيك أخوك، ويقول لك: اركب الدابة واذهب معي لنزور الحسين (ع). لا ينحصر الرزق في الأموال فحسب؛ بل إن كل عطاء إلهي كالزوجة والذرية والمال رزق من الله سبحانه. فمن يبحث عن الرزق بالمعنى الأعم؛ فعليه بالتعقيب.
أتعب نفسك بالتعقيبات…!
وقد أكدت الروايات خصوصا على التعقيب بُعيد صلاة الفجر. لقد ورد في الحديث القدسي: (يَا اِبْنَ آدَمَ اُذْكُرْنِي بَعْدَ اَلْفَجْرِ سَاعَةً وَاُذْكُرْنِي بَعْدَ اَلْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِكَ مَا أَهَمَّكَ)[٣]، ولا تعني الرواية بالساعة؛ ستون دقيقة، وإنما تعني قطعة من الزمن بين الطلوعين وبعد العصر. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَبِي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:« فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ `وَإِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ » إِذَا قَضَيْتَ اَلصَّلاَةَ بَعْدَ أَنْ تُسَلِّمَ وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَانْصَبْ فِي اَلدُّعَاءِ مِنْ أَمْرِ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ. وَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ اَلدُّعَاءِ فَارْغَبْ إِلَى اَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَهَا مِنْكَ)[٤]. إن البعض عندما يصلي صلاة خاشعة؛ يسترخي بعدها قليلا ويشعر بشيء من الرضا عن نفسه؛ فيشاهد كل ما هب ودب، والحال أن القرآن يقول: (فَإِذٰا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ)[٥] أي أتعب نفسك بالعبادة.
سل الله القبول
ثم هل أنت واثق من أن الله سبحانه قد قبل صلاتك؟ حتى وإن جئت المسجد وصليت خلف المقام أو تحت القبة الحسينية؛ لا تثق بالإجابة واطلب من الله سبحانه أن يتقبل منك. إن إبراهيم (ع) بنى الكعبة بأمر الله في وادي غير ذي زرع ومع ذلك قال: (رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ)[٦]. ولعل هنالك مظلوما يدعو عليك؛ قد حجب صلاتك من أن تُرفع.
الدعاء مستجاب في مثل هذه الحالات
لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَنْ أَدَّى لِلَّهِ مَكْتُوبَةً فَلَهُ فِي أَثَرِهَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ)[٧]. إن لكل واحد منا بعد كل فريضة؛ صك مفتوح موقع عليه من قبل رب العالمين، وما عليك إلا أن تكتب حاجتك ويسأتيك الجواب عاجلا أو آجلا. ثم يقول رواي هذه الرواية: (رَأَيْتُ وَاَللَّهِ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلنَّوَمِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ اَلْخَبَرِ فَقَالَ صَحِيحٌ إِذَا فَرَغْتَ مِنَ اَلْمَكْتُوَبَةِ فَقُلْ وَأَنْتَ سَاجِدٌ – اَللَّهُمَّ بِحَقِّ مَنْ رَوَاهُ وَبِحَقِّ مَنْ رُوَيَ عَنْهُ صَلِّ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ وَاِفْعَلْ بِي كَيْتَ وَكَيْتَ)[٨]. فالراوي هو أمير المؤمنين (ع) والمروي عنه رسول الله (ص).
خلاصة المحاضرة
- هل أنت واثق من أن الله قد قبل صلاتك؟ حتى وإن جئت المسجد وصليت خلف المقام أو تحت القبة الحسينية؛ لا تثق بالإجابة واطلب من الله أن يتقبل منك. إن إبراهيم (ع) بنى الكعبة بأمر الله في وادي غير ذي زرع ومع ذلك قال: (رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ).
- اجلس في المصلى ولا تقل شيئا؛ ولكن تفكر في عظمة الله، وتفكر في ذنوبك؛ فاذهب إلى العرش تارة وانزل إلى الفرش تارة أخرى، وهاجر من النفس إلى الله. فإذا كنت قد شاهدت قبل الصلاة فيلماً وثائقياً عن الكون أو عالم البحار مثلا؛ فلا بأس أن تستذكره بعد الفراغ من الصلاة وتفكر في عظمة الله.