ماذا تعرف عن أربعيينة التكامل التي تبدأ في عاشوراء؟

بسم الله الرحمن الرحيم

استثمار الأيام الأربعين بلياليها

من الأمور التي يهتم بها المؤمنون بعد العاشر من شهر محرم؛ استثمار الأيام الأربعين بلياليها حتى يوم زيارة الأربعين، وهي أربعينية من الأربعينات يحاول فيها المؤمن التقرب إلى الله سبحانه والتكامل. لابد وأن تكون الأيام العشرة الأولى من شهر محرم أيام التهيئة والاستعداد لهذه الأربعينة وينبغي أن يُترجم المؤمن ما تعلم في هذه الليالي إلى عمل في الخارج؛ فلا يكفي الحب وحده لقوله تعإلى: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِيمࣱ)[١].

آفة الركون إلى الدعة والراحة

إن الإنسان بطبعه يميل إلى الكسل والدعة وهو كما وصفه القرآن الكريم هلوع ظلوم جهول. إذا أراد الإنسان أن يلتزم سنة كاملة لما طاوعته نفسه ولتمردت عليه. ولذلك لم يكلفنا رب العالمين الصيام أكثر من شهر واحد ولو فعل؛ لأعرض الكثير عن الصيام، وكذلك الأمر في الحج الذي هو أيام معدودات والصلاة التي هي دقائق قليلة صبحا وظهرا ومغربا. وقد روي: (إِنَّ هَذَا اَلدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ وَلاَ تُبَغِّضْ إلى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ)[٢].

لماذا لا تخدع الشيطان؟

ولذلك يحاول المؤمن خداع الشيطان في هذه الأربعينية. وقد يسأل سائل قائلا: وهل يُخدع الشيطان؟ نعم، إنه يُخدع وقد قال تعإلى: (إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا)[٣]، فخاطبته بكنيته المعروفة قائلا: يا أبا مرة، أعطنا إجازة أربعين يوما ثم افعل بنا بعد ذلك ما شئت، فهو يأتيك بعد الأربعين ليرى الأبواب مقفلة أمامه، لأنك تكون قد دخلت الحصن الإلهي وقد روي: (لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اَللّٰهُ  حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَهُ أَمِنَ عَذَابِي)[٤].

من يتجرأ على أن يدخل هذا الحصن؟ هل بإمكان الشيطان أن يدخل من الباب أو يكسره أو يتسلق جدرانه؟ لقد قال سبحانه عن الشياطين التي حاولت استراق السمع: (وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابࣰا رَّصَدࣰا)[٥]. إننا في هذه الأربعينية ندخل القلعة ونغلق الباب على أنفسنا، ونكون مصداق قول الله عز وجل: (أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ)[٦]. فإذا صرت لله ولياً؛ فقد دخلت القلعة وبذلك ينفي الله عنك جنس الخوف والحزن.

حقق الشروط الثلاثة في هذه الأربعينية

وزيارة عاشوراء من الأعمال المهمة في هذه الأربعينية وهي بمثابة القادح للجهاز المهيئ للاحتراق الذي لابد أن تهيئه أنت. والزيارات إلى المشاهد والقراءات كلها هي مادة تساعدك على أن تشعل المادة القابلة. لو أخذت عودا أخضر ووضعته في نار لما احترق ذلك العود ما دام رطبا، وكما يُقال في علم المنطق: لابد من رفع المانع وإيجاد المقتضي، وتحقيق الشروط. أما المقتضي النار والمانع الرطوبة والشرط المجاورة.

التقزز من المعاصي…!

ومن الشروط التي ينبغي أن يحققها المؤمن في هذه الأربعينية ليس ترك الذنوب فحسب؛ بل الوصول إلى درجة التقزز من الذنب. ألا تمد يدك إلى كأس الخمر فهذا عمل جوارجي ولكن ينبغي أن تكره الخمر وتشمئز منها. فإذا وصلت إلى هذه المرحلة الباطنية من كره الحرام؛ فلا تحتاج عند ذلك إلى من ينهاك عن المعصية ولا تحتاج إلى مجاهدة، فلن تميل نفسك إليها أبدا. تذكر الرسالة العملية من المحرمات لحم الخنزير والميتة ولكنها لا تذكر حرمة أكل الحشرات لأن الناس يتقززون منها ولا يقتربون منها. ولهذا نتقزز عند رؤيتنا من يأكل الحشرات أو الأفاعي في الصين مثلا أو في بعض دول العالم.

لابد وأن يصل المؤمن إلى درجة يستقبح فيها الحرام ويشهر بالنظرة إلى الأجنبية على أنها سهم من سهام إبليس، والغيبة أكل ميتة. لو جيء بدفان نبس قبر ميت دُفن البارحة واقتطع منها لحما وأكل، لانتشر خبره في العالم ولكننا نفعل ذلك كل يوم من دون أن نبالي. أليست الغيبة أكل لحم أخيك ميتا، فلماذا لا تردعنا هذه الصورة عن الغيبة؟ سل الله عز وجل فيما تسأله؛ أن يُريك ملكوت الحرام كما ذكر لنا البعض منها في كتابه الكريم كقوله سبحانه: (وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ)[٧]. لم صار إبراهيم (ع) لله خليلاً؟ لأن الله سبحانه أراع ملكوت السماوات والأرض.

الأمثلة على الملكوت

ومن الأمثلة على الملكوت والتي ذكرها لنا القرآن الكريم ما يتعلق بأكل أموإلى اليتامى، فقد قال سبحانه: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارࣰاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرࣰا)[٨]. قد تنتقل إليك أموال ابن أخيك اليتيم فتأكلها بارتياح وأنت لا تعلم أنها نار تتوقد في أحشائك. إنك تأكل الحلوى بأمواله ولا تعلم أنها نار لا حلوى.

أو تصور من يذهب إلى المصرف ليقدم على قرض ربوي بربح بسيط؛ فيخرج فرحا بالموافقة على طلبه ولكن القرآن الكريم يصور لنا حقيقة هذا المشهد: (ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ)[٩]؛ فهذا ممسوس بالجن وبالشياطين وإن كان ظاهره مستثمر فرح.

مشكلة الشباب اليوم وعلاجها

قد لا يكون الشباب اليوم يتعاملون بالربا أو لا يكونون معرضين لارتكاب جرائم كالقتل إلا أن جلهم يعانون من فتنة النظر. والنظر على قسمين: مجازي من خلال الحاسوب والهاتف وحقيقي. وعلاجه بسيط جداً. أولا: إن الصور في الحاسوب أو في هذا الهاتف هي مجرد صور يتخيلها الإنسان والعاقل لا يعلق قلبه على أمر موهوم. إذا انقطعت الكهرباء تختفي هذه الصور ويرى الشاب عندها أنها وهم في وهم. هل رأيت انساناً جائعا ينظر إلى صور الطعام الشهي الذي يسيل له اللعاب؟ لماذا يفتح الإنسان شهيته على أمر لا يُمنكنه الحصول عليه؟ هل العاقل يفتح شهيته وهو لا يمكنه الزواج والاقتران بالفتيات اللواتي يشاهد صورهن؟ والمؤسف أن نسمع عمن تعلق بإحدى الصور ويراسل صاحبتها فترة من الزمن ويتبين له في نهاية المطاف أنه كان يتحدث مع رجل، فيبتزه ابتزازا.

تأتينا رسائل من بعض الشباب يتمنى الموت وخاصة الفتيات، يقولون: ابتزنا فلان وهو يهددنا بالفضيحة. نستطيع أن نصف هذا الحرام بالسخيف، إذا كيف يُمكن أن يعلق الإنسان قلبه على صورة وهمية لإحداهن في أقصى بلاد العالم لا يمكنه الوصول إليها؟ أو تنظر إلى فتيات الجامعة وأنت تعلم أنك تعاني وتعذب نفسك، وقد روي: (مَنْ غَضَّ طَرْفَهُ أَرَاحَ قَلْبَهُ)[١٠]. ليست الفتيات التي تشاهدن في الجامعة رزقك كلهن، ولذلك نقول في تعقيبات صلاة العشاء: ولا تعنني بطلب ما لم تقدر لي فيه رزقا، فإنك غني عن عذابي. إنك تعذب نفسك في النظر إليهن كل يوم، وأنت تتمنى أن تحوزهن جميعهن وهذا أمر لا يكون.

أهم ما تقوم به في أربعينيتك

والصلاة في أول الوقت من أهم الأمور التي تقربك إلى الله سبحانه والتي ينبغي أن تلتظم بها في هذه الأربعينية. سأل أحدهم أستاذه وكان من كبار العلماء ومن المراجع الكبار ومن أساتذة الأخلاق: ما هو ملخص الكلام في الطريق إلى الله؟ إننا نماكس صاحب البضاعة على ثمن البضاعة ثم نقول في نهاية الأمر: ما هو الكلام الأخير عندك؟ وقد سأل صاحبنا أستاذه ذلك فقال له: عليكم بصلاة أول الوقت، ولم يذكر له إن كانت بتوجه أم بغير توجه. ولكن ينبغي أن نلتفت إلى أن صلاة الصبح من هذه الصلوات. من الطبيعي أن تصلي الظهرين والعشائين وأنت فارغ في المنزل، ولكن الاختبار الحقيقي في قوله تعإلى: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفࣰا وَطَمَعࣰا)[١١] إن صلاة الصبح هي اختبار الذين يحافظون على صلواتهم.

أهمية دعاء العهد في الأربعينية

وما أجدر بمن يحافظ على صلاة الصبح أن يتبعها بدعاء العهد بما فيه من المضامين العالية كهذه العبارة التي وردت فيه والذي يبايع المؤمن من خلالها إمام زمانه (عج): (اَللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لاَ أَحُولُ عَنْهَا وَلاَ أَزُولُ أَبَداً)[١٢]. ولابد أن نستشعر هموم الأمة خصوصا ما يجري في فلسطين المحتلة ونقول: اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة؛ فإن جرت دمعتك فأنت مسلم لما روي عن النبي الأكرم (ص): (مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[١٣]. ليس لك مال تدفعه، وليس لك سلاح تحمله، ولكن تملك الدعاء؛ فهو سلاح المؤمن. فلو دعوت في كل صبيحة لنصرة الإسلام والمسلمين، لأذن الله سبحانه بالفتح.

أهمية هذه الزيارة في الأربعينية

ثم إنني لست ممن يحث على الأذكار والأوراد في الأربعينية وإنما أدعو إلى العمل بالتقوى والالتزام بالصلاة والمراقبة والمحاسبة، ولكن لا يعني ذلك أن نغفل عن بعض المأثورات المهمة كزيارة عاشوراء. إن هذه الزيارة ماركة مسجلة بتعبير اليوم وهي عملة مشتركة يتدوالها الأولياء جميعهم…! لا تشغل نفسك بالأبحاث الجانبية كصحة سند الزيارة، فإن الفقهاء يطمئنون إلى هذه الزيارة لمضامينها العالية. هل دعاء كميل أو دعاء الصباح أو دعاء أبي حمزة الثمالي بحاجة إلى سند؟ لا تحرم نفسك التوفيق بحجة ضعف الأسانيد. إنها من أهم المستحبات وقد ورد عن بعض العلماء طوال تاريخ أنها من المجربات.

قوام زيارة عاشوراء

إن قوام هذه الزيارة أمران، كما أن قوام الكهرباء سلكان: التولي والتبري المتمثلين في السلام واللعن. أما السلام فهو قوله سبحانه: (وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا)[١٤]، وأما اللعن فهو تأس بالقرآن في لعن الظالمين: (أَن لَّعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ). فما هو الغريب في هذه المضامين التي هي مطابقة للقرآن والسنة؟ إن أفضل وقت لهذه الزيارة في هذه الأربعينية التي تبدأ من يوم عاشوراء لتنتهي في يوم الأربعين وأنت قد وصلت للتو بعد تعب إلى كربلاء برجلين متورمتين ووجه مغبر لتسجد السجدة الأخيرة في يوم الأربعين وأنت تقول: اللهم لك الحمد حمد الشاكرين. كم من الجميل أن تلهج بهذه الزيارة أثناء سيرك في الطريق إلى الحسين (ع) في أيام الأربعين؟

كم مرة نكرر اللعن والسلام؟

واحرص على أن تأتي باللعن والسلام مائة مرة. بإمكانك أن تفعل ذلك في اليوم بأكمله، ثم قبل الأذان تسجد لله عز وجل ولعل هذا أفضل من أن تأتي بهما في جلسة واحدة وأنت متململ؛ وبذلك تكون قد لهجت بذكر الحسين (ع) من الصباح إلى العصر. ولا ضير أن تكتفي بهما مرة واحدة ولكن إن كان لك مزاج فالأفضل المائة، ولا تكلف نفسك ما لا تطيق، وإن كان من علمائنا من التزم بهذه الزيارة طول عمره. ولتكن زيارتك بتوجه ورقة القلب قدر الإماكن. فعندما تقول: الحمدالله على عظيم رزيتي؛ تعني أنك مفجوع ومبتلى بمصيبة عظيمة فلابد وأن يناسب الحال المقال. فإذا رق قلبك وجرت دمعتك، فهذه الزيارة من أكمل الزيارات.

هل تأملت هذه المعاني في الزيارة؟

ولا بأس أن نقف على شيء من عبارات هذه الزيارة. أولا: ما معنى: السلام عليك يا أباعبدالله؟ يعني أريد أن أبلغك السلام من الله عز وجل أبداً. ثم ما معنى قولك: ما بقيت وبقي الليل والنهار؟ يعني يا رب، إنني سأموت في يوم من الأيام؛ ولكن أريد منك أن تبلغ الحسين (ع) سلامي ما بقيت الليل والنهار.

إن لبعض كبار الصالحين عبارة جميلة في تفسير هذا المعنى، وهو: كأننا نسأل الله سبحانه بوجهه الكريم وبالأقسام المغلظة أن يخلق بكرمه ملكا يسلم على الإمام (ع) بالنيابة عنا بعد موتنا وحين نومنا حتى، ويقول: عليك مني سلام الله؛ لا سلامنا نحن الذي لا يساوي فلسا. إن أثرى الأثرياء من استجاب له الله هذا الطلب.

ثار الله وابن ثاره

ومن الأمور التي قرأناها عمرا ولم نلتفت إلى معناها قولنا: يا ثار الله وابن ثاره، وفيه معنى يوجب الرقة في القلب. إن الثائر هو الذي يطلب الدم والله سبحانه هو الذي يطلب دم الحسين (ع). يُقال: فلان قُتل ولده، فثأر لدمه أي طالب بالدم. إن الله يطالب بهذا الدم من خلال الإمام المنصور من أهل بيت محمد (ص). ونحن نطلب من الله سبحانه أن يرزقنا طلب ثار الحسين (ع) مع المهدي المنتظر (عج). أي أنت الذي تطلب الثأر يا رب، وأنا المنفذ.

ومن المعاني: أن الحسين (ع) قد ثأر لله سبحانه؛ أي لدينه. إن دينه هُتك، فخرج الحسين (ع) لطلب الإصلاح في أمة جده ولمواجهة من قال: لا خبر جاء ولا وحي نزل؛ فكيف يتربع على رأس هرم الأمة شخص كيزيد قائل هذه الأبيات؟ المرجع في الضمير تارة هو الرب وتارة هو العبد.

الوتر الموتور

ومن المعاني: الوتر الموتور. الوتر هو الفرد ولذلك ورد في صفات الله سبحانه: يا فرد يا وتر. ولكن ما هو معنى الوتر في زيارة الحسين (ع)؟ أي أنه لا نظير له؛ فهو وتر في كل الصفات: في الشجاعة، وفي العلم اللدني، وما شابه ذلك. ولهذا عظمت المصيبة في السماوات والأرض أن تُداس بالخيول الشخصية الأولى على وجه الأرض.

ومن معاني الموتور: الذي وُتر بأهل بيته. يقال: فلان موتور؛ أي قتل ولده وله الحق أن يثأر، ولهذا ورد في الزيارة: (أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي اَلْخُلْدِ وَاِقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ اَلْعَرْشِ)[١٥]وما زال هذا الدم يفور. ولعل البعض قد كُشف له الغطاء وسمع عند الحسين (ع) نحيباً وبكاء وعويلاً من الملائكة التي نزلت في يوم عاشوراء أو من غيرهم وهم شعث غبر يبكون الحسين إلى آخر أيام الدنيا. وقد سمعت من أحد علمائنا الكبار بواسطة واحدة: أنه رأى الجن في حرم سيد الشهداء (ع) يبكون وينتحبون منذ استشهاده. لقد بكى عليه الإنس والجن والحور في جنان، لأن مصيبته لا تشبه أي مصيبة.

أحمى من حامي الجراد

لقد قامت في الجاهلية حرب من أجل جرادة دخلت خيمة أحدهم فنزى عليه جيرانه، واستمرت تلك الحرب سنوات وأريقت الدماء حتى قيل: أحمى من حامي الجراد. إنه لم يتحمل أن يُعتدى على جرادة في خيمته؛ فكيف برب العالمين يصبر على هذا الاعتداء على حجته؟ ولهذا حق لإمامنا عندما يظهر أن يثأر أولا لهذا الدم ثم يبسط العدل في العالم.

جذور عاشوراء

إننا نذكر في هذه الزيارة السبب الذي من أجله وقعت حادثة عاشوراء: (وَلَعَنَ اَللَّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقَامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمُ اَلَّتِي رَتَّبَكُمُ اَللَّهُ فِيهَا). إن اللعنة تتوجه لمن وضع الحجر الأول لظلم أهل البيت (ع) وسار عليه من بعده. ولذلك أنصح المؤمنين بألا يناقشوا المخالفين في التربة وما شابه ذلك من المسائل الفرعية؛ بل ناقشوا في حديث الاثني عشر.

اتصل ببحر الحسين (عليه السلام)

ثم نقول: (فَأَسْأَلُ اَللَّهَ اَلَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ وَأَكْرَمَنِي بِكَ)، وهذا يعني أن توصل نفسك بالحسين (ع). ضع يدك الملوثة بالدم في طشت كبير أو في حوض دون الكر، فإن هذا الماء يتنجس؛ ولكن افتح الحنفية التي هي كر على فنجان قهوة وضع يدك فيه، فإنها تطهر. إن هذا الماء القليل متصل بالبحر عبر وسائط ولذلك أصبح مطهرا. إن قلبك صغير كهذا الفنجان؛ فأوصله ببحر الحسين (ع) لتصبح كراً لا ينجسك شيء. من أراد الحصانة والرقي والكمال؛ فهي في حضور هذه المجالس وفي خدمة هذه المجالس وفي زيارة الحسين (ع).