س١/ ماذا بعد عاشوراء، مفاسد ثابتة أم مؤقتة.. ما هو السبيل لإبقاء هذا المكاسب العظيمة.. وما هو الحل للحفاظ على إقبال القلب وعدم إدباره؟..
إن الإدبار الذي يكون سببه عضوي أو بدني، مثل الإرهاقات البدنية أو النفسية لا ضير فيها، فهي حركة مؤقتة.. ولكن المشكل والمقلق هو ذلك الذي سببه المعصية والذنوب التي رانت على القلب؛ فأضحت قلوبا قاسية.. إن الألطاف الإلهية لابد لها من موارد صالحة كامنة في نفس الإنسان المؤمن، وهذه الذنوب تقتل تلك الجذور.. حيث أنه إذا ارتفعت القابلية، ارتفعت الفاعلية والتأثير مهما بلغت شدتها.. ولهذا نلاحظ بأن القرآن الكريم يصف المؤمنين بأنهم يزدادون إيماناً إذا تليت عليهم آيات الله سبحانه وتعالى، أما غيرهم فلا تزيدهم إلا ضلالا.. وبالتالي، فإن الذي يشتكي من جمود العين وقلة التفاعل؛ عليه أن يبحث في أعماق نفسه، ويشتكي إلى الله تعالى؛ فهو مقلب القلوب والأحوال.
س٢/ للمرأة دور في حركة الوعي الرسالي، فهل ممن الممكن إعطاؤنا نماذج عملية خاصة ممن كانوا في ركاب الحسين (ع)؟..
إن مولاتنا زينب (ع) ضربت أروع المثل لدور المرأة الرسالي، بما قامت به في واقعة الطف الأليمة، وبما تحملته من المصائب العظام، الذي تنوء عن حملها الجبال الرواسي.. نلاحظ فيها (ع) أنها جمعت بين خصلتين رائعتين، يقول الراوي عنها: (لم أر خفرة أنطق منها).. نعم، فقد جمعت بين عنصري الحياء والعفة، والعمل الرسالي.. ويصف ذلك الذي استمع إلى خطبتها، بأنها كأنما تسكب عن كلام أمير المؤمنين (ع)، حتى ظن بأن علياً قد خرج من قبره.. ونلفت هنا إلى هذه النقطة المهمة: بأن السيدة زينب (ع) ما وصلت إليه من التكامل والرقي الروحي، كان حصلية جهودها واجتهادها في سنوات طويلة، منذ استشهاد أمها الزهراء (ع)، وهي تعمل على إكمال نفسها: علماً، وعملاً، والتفاتاً إلى مولاها رب العالمين.
س٣/ نرجو من سماحتكم إخبارنا بحادثة معبرة متعلقة بالمجالس الحسينية نلتمس فيها العِبرة؟..
هذه الحادثة وقعت في أرض خراسان، وقد سمعتها من صاحبها شخصياً، والذي كان من الخطباء المتميزين بقوة التأثير وإثارة المشاعر، حتى لو أنه تكلم بأبيات بسيطة، يستنزل الدمعة من كل مستمع.. ذلك الخطيب يعزي تلك القدرة، إلى أنها كانت أمنية في أيام شبابه، فقصد إلى كربلاء -مع فيها تلك الأيام من المشقة- وسأل أبا عبد الله (ع) بأن يعطيه القدرة في التأثير في النفوس، بحيث لو أن شمراً (لع) كان من المستمعين يمكنه أن يؤثر في قلبه.. وبالفعل أعطاه رب العالمين بجاه الحسين (ع) تلك الموهبة.. وفي إحدى السنوات طلبت منه امرأة عجوز، بأن يقيم لها العزاء مع نسوة يجتمعن معها في الليل، فوافق على كراهة -بسبب الإرهاق والتعب من كثرة المجالس- بأن يأتيها آخر الليل.. ولكنه في تلك الليلة قد غلبه التعب فنام ولم يذهب؛ فرأى في عالم الرؤيا الإمام الرضا (ع) يعاتبه على ترك مجلس تلك العجوز.. فاستيقط حالاً وكان الوقت متأخراً، وذهب إلى المرأة التي كانت تنتظره جالسة وحدها، بعد أن انفض من كان معها من النسوة، فأحيا ذلك المجلس لهذه العجوز المسكينة، ولقد كان من أميز المجالس التي أقيمت في حياته تفاعلاً وبكاءً.. وهنا إشارة إلى عدم انتقاص أي مجلس يعقد فيه ذكر أهل البيت (ع).
س٤/ ما سبب جفاف الدموع، وعدم التفاعل في مجالس سيد الشهداء (ع)؟..
إن مجالس أبي عبد الله الحسين (ع) لا تقتصر على مسألة الدمعة، فهنالك عنصر الاستفادة العلمية، والتأثر الفكري بما يقوله الخطيب، واستيعاب الدروس من هذه الثورة المباركة.. وبالنسبة لحالة الرقة القلبية، ينبغي التفريق بين مسألة الرقة، ومسألة الدمعة.. فالإنسان من الممكن أن يرق قلبه، وينكسر فؤاده.. ولكن لعوامل صحية، يعيش حالة من حالات الجفاف الدمعي.. وعليه، فإنه يكفي في هذه الحالة الرقة الباطنية والتباكي.. أما إذا كان السبب هي الذنوب والمعاصي، فعليه أن يعاهد رب العالمين، بأن يكون من خريجي المدرسة العاشورائية، بالإقلاع عن كل ذلك.. ولنعلم أن من علامات قبول العزاء هو الخروج بهذه الثمرة.
س٥/ هل تنصحون بحضور المجالس، لمن لا يعتقد بإمامة الأئمة (ع) من المسلمين؟..
إن المجالس الحسينية هي مجالس مفتوحة لكل المسلمين، وهي أرضية ثرية خصبة للثقافة الدينية في مختلف حقولها: تفسيراً، وسيرة، وفقهاً، وعرفاناً، وغير ذلك من حقول المعرفة.. إن الإمام الحسين (ع) هو حفيد النبي (ص)، ومصادر المسلمين ثرية بما ورد في فضل البكاء عليه (ع).. فلماذا نجد هذا التأثر من غير المسلم الذي لا يعتقد بالدين، في حين أنهم أولى بذلك؟!.. لنحاول إيصال هذا الفكر للطرف المقابل، بأسلوب هادئ موضوعي، بعيداً عن الجدال العقيم.. وعلى كلٍّ فإن هذه الوسائل التثقيفية الهائلة اليوم، أكملت الحجة على جميع المتصدين لعالم التثقف والفهم في هذا المجال.
س٦/ هل لكم من مقترحات في تطوير عملية إقامة العزاء الحسيني؟..
نعم، نحن نعتقد بضرورة مواكبة العصر في عملية إحياء الشعائر الدينية، كما هو الموضوع في مسألة إعداد القوة، لا أعتقد بأنه هناك عاقل يرى بأنه لابد من التمسك برباط الخيل.. وكذلك بالنسبة إلى إحياء مجالس الحسين (ع) فبالإضافة إلى المراسم التقليدية، لابد من إدخال بعض العناصر التطويرية المتناسبة مع حالة ووعي المجتمع وحاجته.. ولنحاول أيضاً أن نبتدع قصائد بليغة ومؤثرة، من أجل إثارة العواطف في المواكب الحسينية، وإعطائها حالة شعارية لاشعورية فقط.
س٧/ من النماذج الإيمانية في الثورة الحسينية، هو ارتباط الحسين (ع) بالله عز وجل في كل المراحل والظروف، التي مر عليها من المدينة إلى مكة إلى كربلاء.. ما هو تعليقكم على ذلك؟..
إن أئمتنا (ع) هم حملة لواء التوحيد، والحسين (ع) كان يعيش في يوم عاشوراء أجواء الشهادة.. ومن يعيش هذه الأجواء، لابد وأن يكون في حالة المناجاة مع رب العالمين.. ولكن صلة الحسين (ع) بالدعاء هي صلة قديمة.. لذا نلاحظ في يوم عرفة، والناس بإحرامهم على صعيد عرفة، لا يمكنهم التخلي عن معلمين مهمين هما: دعاء عرفة للإمام الحسين (ع)، وزيارة الحسين (ع) في يوم عرفة.. وهذا حقيقة من موجبات خلود ذكر الحسين (ع).
س٨/ أربعون يوماً من عاشوراء الحسين إلى حين أربعينية الإمام (ع)، هي فترة من الممكن أن يعمق الإنسان صلته بالإمام الحسين (ع)، فهل لكم من مقترحات في هذا الشأن؟..
في هذه الأربعينية، بإمكان الإنسان أن يقوم بحركة فكرية: فيقرأ السيرة العملية لسيد الشهداء (ع) كيف كانت حياته، وكيف كان سلوكه مع الناس، وتعامله مع الفقراء، وسماحته، وعفوه.. وأخرى عاطفية: وذلك بالالتزام بزيارة عاشوراء.. فنحن نقرأ في زيارته: (اللهم اجعلني وجيهاً عندك بالحسين(ع))!.. فلو أن أحدنا استجيبت في حقه هذه الدعوة، كم كان محظوظاً دنيا وآخرة!..
س٩/ ماذا تفسرون الشعور الذي يراود الإنسان بعد الانتهاء من هذه المجالس والمواسم العظيمة؟..
على الرغم من أن مجالس الحسين (ع)، مجالس نحيب وبكاء، ولا يخلو الأمر من تأذي باطني.. إلا أننا نلاحظ هذا الشعور الذي ينتاب المعزي بعد المجلس، وهو نفسه الذي يجده الصائم ساعة إفطاره، وفي عيد الفطر، وبعد انتهاء الحج.. إن هذه الحالة من السرور، والارتياح الباطني، والأنس الشديد؛ سببها نظرة رب العالمين، والتفاته إلى عباده.. ومع ذلك لا ينبغي المبالغة في هذا الأمر، بل إن عليه السيطرة على هذه المشاعر؛ كيلا يتحول الأمر إلى هرج ومرج، فنغفل بأننا قبل قليل كنا من المعزين، وأن هذا الشهر هو شهر أحزان أهل البيت (ع).
س١٠/ ماذا تقترحون لإضفاء البعد التوحيدي للمجالس الحسينية؟..
إن على المؤمن قصد القربة الواضحة المركزة، عند حضور مجالس الحسين(ع).. وصلاة ركعتين تحية المسجد، إذا كان المجلس مقام في مسجد.. ثم السجود لله شكراً، بعد الانتهاء من المجلس.. واسغلال ساعة الإقبال بعد انتهاء المجلس -حيث الدموع الجارية – بالمناجاة مع رب الأرباب، فهذه فرصة ذهبية، وليس من المعلوم أن تتكرر مرة أخرى.
س١١/ ماذا تنصحون الأخوة المقيمين في المهجر في مجال الارتباط بالحسين (ع) ومجالس عزائه؟..
إن الذاكر الله سبحانه وتعالى بين الغافلين، هو كالمقاتل بين الفارين.. إن إقامة عزاء أهل البيت (ع) في تلك البلاد النائية، لها وزنها عند الله تعالى.. وهي من الصدقات الجارية البليغة، في دفع البلاء عن الإنسان.. وقد نقل لي أحدهم بأنه أقام ذكر الحسين (ع) في جزيرة من الجزر النائية، حيث اصطحب معه مسجلاً، وأخذ يسمع عزاء الحسين (ع) بين الأدغال الموحشة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.