- ThePlus Audio
لي أعمال كثيرة ولكنها لا تقربني إلى الله…!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن كنت صادقا في تقربك؛ فكيف هي صلاتك؟
إذا ما شعر الإنسان في نفسه ميلا إلى عالم المعنى؛ فأول شيء يظهر عليه هذا الميل والتغيير؛ هي الصلاة بين يدي الله عز وجل. فإنك إن عملت ما عملت، وذهبت إلى ما ذهبت إليه؛ ولكن رأيت في صلاتك إدباراً، فاعلم أن هنالك خلل لابد من معالجته. ولهذا إذا زرت المعصوم، وذهبت إلى الحج والعمرة، فأصبح ذلك سببا لكي تُعجب نفسك؛ انظر إلى الصلاة التي صليتها بين يدي المعصوم، وانظر إلى فريضتك الواجبة كيف تؤديها، فهي المقياس الذي نقيس من خلالها سائر أعمالنا.
المقتضي والمانع والشرائط
تذكر كتب المنطق مصطلح المقتضي والمانع والشرائط، وهو مصطلح يساعدنا فهمه في التقرب إلى الله عز وجل والمسير إليه. ومثال هذه المصطلحات عالم الاحتراق. إن النار محرقة، وهي المقتضي وهنالك مانع وهي الرطوبة في الخشبة، وهناك شرط وهو المجاورة. فلابد من أن تلقي هذه الخشبة في النار. فإذا كان في الخشبة رطوبة لا تحترق الخشبة إلا بعد أن تتبخر تلك الرطبة تزول. وفي كل عملية تفاعلية في الكيمياء أو في الفيزياء أو في أي شيء آخر؛ لابد من وجود المقتضي وعدم وجود المانع.
ابحث عن موانع القرب وأزلها سريعا
إن مشكلتنا نحن السائرون إلى الله عز وجل – إن كنا من السائرين حقا – هي وجود الموانع لا عدم وجود المقتضيات؛ فهي كثيرة بحمد الله. إننا أتباع أهل البيت (ع) ولذلك أوضاعنا إجمالاً جيدة؛ فليدنا مشاهدهم (ع) التي نتقرب بزيارتها إلى الله عز وجل، ولدينا مجالسهم المباركة التي نشارك فيها، والتي تقربنا إلى الله زلفى؛ إلا أننا بحاجة إلى إزالة الموانع. إن السائق إذا وضع رجلا على دواسة الوقود ورجله الأخرى على دواسة المكابح أو الفرامل لا تتحرك السيارة؛ لأن المقتضي ومانع موجودان معا. ليبحث كل واحد منا عن هذه الموانع التي تشل حركته وتمنعه من المسير.
متى يأتي التغيير الذي أنشده؟
وتأتينا دائما شكاوى على مواقع التواصل الاجتماعي ممن تجاوز الأربعين والستين؛ ولا يرى في باطنه تغيراً. يقول أحدهم: إن صلاتي منذ بلوغي هي هي، وقلقي واضطرابي هو هو؛ فأقل مزعج يشوشني ويقلب كياني. بل وصل الحال بإحداهن أن تقول لي: إن رب العالمين لم يرشحني لهذا الطريق، وكأنها تعتقد بالجبر. إنه معنى خطير. إنها تظن أنها وأمثالها مهما حاولن لا يصلن إلى درجة. وقالت لي: يا شيخ، دعني في عالمي. لو ترسخ هذا المعنى في نفس أي إنسان كان كفيلا بأن يجر إلى اليأس القاتل.
لم يرشح الله أحد بالذات
قلت لها: إن رب العالمين لم يرشح أحداً بالذات وإنما فتح الطريق أمام جميع العباد بقوله: (وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ)[١]. هناك معادلة طرفينية تتكون من شرط وجزاء؛ كما يتكون الماء قهرا من ذرتين: الهيدروجين، والأكسجين.
فليس ثمة ترشيح لشخص بعينه، ولهذا اختلف العلماء المفسرون في فاعل من يشاء في قوله تعالى: (يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ)[٢]؛ هل هو رب العالمين أم هو العبد؟ فذهب البعض إلى أنه العبد؛ فالعبد إذا شاء الهداية والنور؛ أرشده رب العالمين، وكان دليله إلى الصراط المستقيم.
الطريق أقرب مما كنا نظن…!
يقول أحد مراجعنا العظام ممن تربى على يديه مراجع وأفذاذ من العلماء: إننا اكتشفنا أن علمائنا السلف الذين كانوا يعيشون حياة الفقر في النجف مثلا، ويمضون خمسين أو ستين سنة في المجاهدة والرياضة والصوم في الشتاء والصيف وإلى آخره كانوا يجشمون أنفسهم عناء كبيرا كان بإمكانهم أن يقللوا منه؛ لأن الأمر أسهل مما كنا نظن والطريق إلى الله معبد للجميع.
لا تعقد الطريق إلى الله عز وجل؛ فالأمر ميسور، وهو القائل: (فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا)[٣]. فيكفي أن تقوم بالواجبات؛ فتصوم في السنة شهراً، وتذهب إلى الحج مرة في العمر إن كنت مستطيعا، وتخمس مالك، ثم تترك المحرمات المعروفة؛ فإذا أنت جواد قاصد. كن لله عبداً ولكن بقيد. والقيد هو أن تضيف بعض المزينات إلى عبوديتك. هل رأيت إنسانا يبني منزلاً، ويسكن فيه من غير أن يأتي بالأثاث والزينة؟ إن المراقبة، والمحاسبة، والمعاتبة، والمعاقبة مراحل تعينك على قطع هذا الطريق.
ما هي الموانع التي ينبغي أن أجتنبها في سيري إلى الله عز وجل؟
هناك موانع ثلاثة لا يخلو أحدنا من إحداهن. المانع الأول: الحالة الغضبية أو الحالة السبعية كما كانوا يُعبرون عنها العلماء في كتب الأخلاق قديماً. قد يولد الإنسان وتكون هذه الحالة مغروسة فيه. إنك قد الطفل وهو يرتضع من صدر أمه؛ إذا اقترب منه رضيع آخر ضربه بيده الصغيرة. وقد يصل هذا الطفل في الخامسة أو السادسة إلى مرحلة لا يطيقه أبواه، وينعتانه بالجني. إن بعض الأمهات تعيش الأمرين من الطفل في هذا العمر، ولا ندري هل السر في كرموسوماته الوراثية أم في جيناته؟ فلعله سبحانه أراد أن يختبرك بهذه الحالة وأنت طفل حيث رُفع عنك القلم؛ ولكن إذا بلغت وضع عليم القلم. ولعل سبحانه يريد أن يختبرك؛ فجعل فيك نقصاً أو قابلية لأمر سلبي؛ لكي تجاهد نفسك.
قد يكون الغضب علاجا؟
وليس المطلوب منك أن لا تغضب أبدا، وإنما المطلوب منك ألا تظهر الغضب. وليس كل غضب أمر باطل. إن الغضب لله عز وجل من أسمى الدرجات. ولقد كان الإمام الحسين (ع) على رأس الذين غضبوا لله عز وجل. فما الذي جاء به إلى كربلاء؟ غضبه على الوضع القائم سائقه إلى ما ساقه. وما الذي أخرج أمير المؤمنين (ع) إلى الحروب؟ غضبه لله عز وجل على القاسطين والمارقين والناكثين. إن من لا يغضب؛ لا يقوم لله.
فإذا رأيت أنك تغضب لأدنى موجب؛ فإن غضبك هذا ليس لله عز وجل. وإذا لم يكن الأمر بيدك وترى أنك تُثار في باطنك سريعا؛ فالعلاج هو ألا تُظهر هذا الغضب الباطني. إن أحدنا يُشبه الحوض المائي غير النقي الذي فيه ما فيه من الترسبات، والشيطان هو الذي بيده عصا فيحرك الماء ليثره هذه الترسبات. وقد يقوم بذلك قبل الصلاة؛ فتتذكر مشكلة كانت قد حدث منذ شهور أو سنوات عند الصلاة هناك رواية أخلاقية في كتب العامة مفادها أن الإنسان إذا قام إلى الصلاة وقف أمامه الشيطان وقال له: اذكر كذا واذكر كذا؛ حتى لا يدري الرجل كم صلى. فبدل أن يشك مثلا في الصلاة بين الركعة الثانية والثالثة أو بين الثالثة أو الرابعة؛ يشك بين الأولى والرابعة.
وللسيطرة على الباطن؛ اتبع هذه الأمور: أولا: لا تتكلم. كن أخرساً، وقل لنفسك: يا نفس، لا أريد أن تتكلمي بكلمة عند الغضب. ثانيا: لا تعاقب. إنك في ساعة قد ركبك الشيطان وكل ما تصنعه فعل شيطاني. بإمكانك أن تذهب إلى السجون وتجلس مع القتلة والمجرمين؛ لترى أن أكثرهم قاموا بعمل في ساعة الغضب جر إليهم ندامة العمر.
خلاصة المحاضرة
- ليس المطلوب منك أن لا تغضب أبدا، وإنما المطلوب منك ألا تظهر الغضب. وليس كل غضب أمر باطل. إن الغضب لله عز وجل من أسمى الدرجات. ولقد كان الإمام الحسين (ع) على رأس الذين غضبوا لله عز وجل. فما الذي جاء به إلى كربلاء؟ غضبه على الوضع القائم سائقه إلى ما ساقه.