Search
Close this search box.
  • لنتعلم من الحسین (علیه السلام) کیف نتصرف في وقت الشدة
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لنتعلم من الحسین (علیه السلام) کیف نتصرف في وقت الشدة

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف نتحدث مع الله سبحانه؟

إن الحديث مع الله سبحانه يتم من خلال القرآن الكريم، والدعاء والمناجاة. فإذا ما أراد المؤمن أن يتحدث مع ربه أو يسمع حديث ربه عمد إلى إحدى هذه الطرق. القسم الأول: القرآن الكريم. وهنا يتخذ المؤمن من بعض السور القرآنية وردا له كما يتخذ البعض من الأذكار أورادا؛ كذكر لا إله إلا الله سيد الأذكار. فهو يدمن قراءة سورتي التوحيد والقدر مثلا لما فيهما من خواص كثيرة، ويكرر هاتين السورتين وهو أمر مطلوب. فقد أمرنا بإدمان قراءة بعض السور كهاتين السورتين والقلاقل الأربعة، وآية الكرسي؛ ولكننا لم نؤمر مثلا بإدمان سورة الهمزة وغيرها.

القسم الثاني: الدعاء. وهو أن تطلب من الله عز وجل شيئا. ثم إن بعض هذه الأدعية لا تحمل مضموناً شعورياً مثلا يثير مشاعر المؤمن فيستدر منه الدموع. فالذي يطلب النصر للمؤمنين أو تفريج كربهم عادة لا يطلب ذلك وهو يبكي إلا نادرا.

القسم الثالث: المناجاة مع رب العزة والجلال. ليس المناجاة ورد، ولا هو دعاء مجرد؛ ولكنه طلب مقرون بالعاطفة. فإذا ما كان الإنسان في شدة أو على فراش المرض ويترقب الموت في كل آن؛ لا يكون له في هذه الحالة ورد، ولا دعاء، وإنما تكون له ساعة مناجاة مع الله عز وجل. إن في المناجاة رقة باطنية، وفيها دمعة جارية، وإلى آخره. ولهذا وأنت في الطريق إلى المنزل أو إلى المسجد انشغل بورد من هذه الأوراد؛ فقد تكون المسافة كافية لقراءة سورة ياسين أو قراة التوحيد مائة مرة؛ فاستثمر هذه المسافة لهذه الأوراد بدل أن تستمع إلى كل ما هب ودب أو تنشغل بما لا طائل تحته. فكم ستجمع في سنة كاملة من الأوراد وأنت لم تشعر؟ وقد لا يلين قلبك أحيانا؛ فعليك عندها بالدعاء، وإن لم تُقبل ناج الله عز وجل. كل هذه مقدمة لومضة حسينية هكذا نريد.

مناجاة الحسين (عليه السلام) في يوم العاشر

لسيد الشهداء (ع) مناجاة في يوم عاشوراء رأيت مضامينها منسوبة أيضا إلى النبي الأكرم (ص) في معركة بدر. ما المانع من أن يأخذ الحسين (ع) من جده وهو بالتعبير النبوي من رسول الله (ص). لقد ورث الحسين (ع) صفات النبي (ص) وأخلاقه؛ فما المانع من أن يرث بعض أدعيته؟ فإن وقعت أنت في كربة أو في شدة بين وقت وآخر؛ قد لا تتفاعل إذا ما قرأت التوحيد مائة مرة مثلا؛ فعليك بمناجاة رب العالمين التي ناجى بها الحسين (ع) ربه في يوم عاشوراء.

ثم هل هذا الدعاء أو المناجاة الذي ناجى به سيد الشهداء (ع) مان في أول القتال أو حين القتال أو في ساعة الاستشهاد في المقتل؟ لا ندري، فكله محتمل. تخيل أن إمامك في ساعة الشهادة وهو ينزف دماً وقد فقد أعزته وهو يدعو بهذا الدعاء. إن هذا الدعاء لا يقف أمامه شيء، والدعاء هو: (اَللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كُرْبَةٍ وَأَنْتَ رَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ)[١]. إن هذا هو شعار من شعارات الحسين (ع) المتعددة. فقد كان من شعاراته أن يقيم دين جده، وأن يقضي على دولة الفساد، وكان من شعاراته أيضا هذه المضامين التوحيدية.

إننا عادة عندما نقع في المشاكل؛ فإن أول ما نفكر فيه، هو الأسباب البشرية. نقول: فلان وجيه في البلد لنراجعه حتى يتوسط لنا في قضيتنا هذه. وعندما نصاب بمرض ما ونذهب إلى الطبيب؛ لا ينبغي أن ننظر إلى الطبيب على أنه كل شيء. لقد قال خليل الله إبراهيم (ع): (وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَيَشۡفِينِ)[٢]. إن الله سبحانه هو الشافي، والطبيب إنما يصف لك الدواء، وكما هو شائع بينهم: الدواء عندنا والشفاء عند الله عز وجل. لا مانع من أن تراجع الأسباب الطبيعية؛ فالعالم عالم الأسباب، ولكن اجعل شعارك شعار الحسين (ع) في يوم عاشوراء: أنت ثقتي في كل كرب. إن أزمة الأمور طراً بيده، والكل مستمدة من مدده، هكذا يقول بعض الفلاسفة.

تعلم من الحسين (عليه السلام) كيف تلتجأ إلى الله في ساعة الشدة

إن الحسين (ع) قد بين لنا هذه المضامين بهذه الجمل: (كَمْ مِنْ كَرْبٍ يَضْعُفُ عَنْهُ اَلْفُؤَادُ وَتَقِلُّ فِيهِ اَلْحِيلَةُ وَيَخْذُلُ عَنْهُ اَلْقَرِيبُ وَيَشْمَتُ بِهِ اَلْعَدُوُّ)[٣]. فهب أن لك مرضا يقدر على شفائه الطبيب أو مشكلة يستطيع بعض البشر حلها؛ ولكن ماذا تفعل في الأزمات الكبرى؟ قد يتفاجئ إنسان بمرض قاتل لم يعد له العدة، أو ينزف دماً في المستشفى، ويتذكر أنه لم يوص بوصية ولم يعين وصياً، ويتذكر أنه لم يوص بصلاته وصيامه وبثلث ماله؛ فيفكر فيمن يسعفه في حل هذه الملفات العالقة وهو على فراش الموت؟ وهنا يأتي دور الالتجاء إلى الله عز وجل في الشدائد كلها. ولهذا يشير سيد الشهداء (ع) إلى هذه الحالة، وهي أن هناك بعض الحوائج لا يستطيع إنسان حلها أو قضائها.

كيف نحول الأزمة إلى فرصة؟

ثم إن وقعت في أزمة؛ حول الأزمة إلى فرصة، وهذه الجملة متعارفة هذه الأيام. فإذا كنت في السجن أو على فراش المرض أو في زاوية حرجة قد امتلأت من الهموم وكثرت مشاكلك؛ حول هذه الحالة إلى فرصة. فأتقن صلاتك، وبث همومك وأحزانك إلى الله. فإذا دخلت المسجد مهموماً، ولك ما يشغلك؛ لا تصلي كما تصلي كل يوم. أنت اليوم تملك قلبا رقيقا، ولعلك بكيت على مصيبتك؛ فلماذا لا تأتي إلى المسجد لتفرغ همك وغمك وتبثها إلى الله كما فعل يعقوب (ع): (إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ)[٤].

[١] الکافي  ج٢ ص٥٧٨.
[٢] سورة الشعراء: ٨٠.
[٣] بحار الأنوار  ج٩٥ ص١٣٦.
[٤] سورة يوسف: ٨٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ليس المناجاة ورد، ولا هو دعاء مجرد؛ ولكنه طلب مقرون بالعاطفة. فإذا ما كان الإنسان في شدة أو على فراش المرض ويترقب الموت في كل آن؛ لا يكون له في هذه الحالة ورد، ولا دعاء، وإنما تكون له ساعة مناجاة مع الله عز وجل. إن في المناجاة رقة باطنية، وفيها دمعة جارية.
  • إذا دخلت المسجد مهموماً يوما، وكان لك ما يشغلك؛ لا تصلي كما تصلي كل يوم. أنت اليوم تملك قلبا رقيقا، ولعلك بكيت على مصيبتك؛ فلماذا لا تأتي إلى المسجد لتفرغ همك وغمك وتبثها إلى الله كما فعل يعقوب (ع): (إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ).
Layer-5.png