- ThePlus Audio
لمن يبحث عن المحبة الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
استثمار ليالي الجمع والاستعداد فيها لليلة القدر
إن ليلة الجمعة في شهر رمضان هي ليلة قدرٍ مصغرة، وإن كانت لليلة القدر مزيتها وخصائصها التي لا تضاهيها فيها ليلة من الليالي الأخر. فمن يريد أن تكون له ليلة قدر متميزة فلابد أن يتهيئ لها ويستثمر جميع الليالي التي تسبق تلك الليلة خاصة ليالي الجمع.
ما الذي يضمن لك الاستمرارية في طريق الهدى؟
إن المحبة إذا وجدت طريقها إلى قلب المؤمن، قام بالأعمال من دون تكلف وهو الذي يجعله يستمر فيها ويدوام عليها. إن المحبة هي التي تهبك صلاة خاشعة، وهي التي تدعوك إلى القيام في الليل، وتجعلك تحتاط في الدين. هل رأيتم أماً تتحدث عن أنها سهرت وأرضعت وعملت ما عملت لولدها؟ كلا، إنها تقوم بكل ذلك بدافع الأمومة، وهي لا ترائي بأمومتها لأنها نابعة من ذاتها. إنني أقول: لو أن جبرئيل أتانا مثلا في هذا الشهر الكريم، وقال لنا: إن الأبواب قد فُتحت لكم، ولكم دعوة واحدة مستجابة؛ ماذا يجدر بنا أن نطلبه من الله عز وجل؟ إن ما يجدر بنا طلبه بعد فرج إمام زماننا (عج) هو أن يستشعر كل واحد منا في باطنه المحبة الالهية. فقل: يا رب، ارزقني حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يوصلني إلى قربك. وهذا هو الدعاء الجامع المانع.
طريق الخالق يمر من المخلوقين…!
هذا وقد نجد من المؤمنين من يسير شيئا قليلا في طريق التقرب إلى الله عز وجل أو فيما يسمى بالسير والسلوك؛ فسرعان ما تعتريه حالة الوحشة من الخلق، وقد كان قبل ذلك إنساناً اجتماعياً أو خادماً يهتم بالأيتام ويرعى المستضعفين. إن صاحبنا هذا قد قرأ كتاباً في هذا المجال، فأصبح يستثقل الخلق بدعوى الهيمان أو الذوبان أو ما شئت فعبر. يقول: الخلق غافلون والعيش معهم يقسي القلب؛ فهو يترك خدمة الناس بهذه الذريعة، والحال أنها دعوة باطلة.
الحب في الله والبغض في الله
وهناك فقرة من الفقرات التي قل نظيرها في تراث أهل البيت (ع) وهي عبارة وردت في أدعية الزهراء (س) تقول فيها: (اَللَّهُمَّ وَ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ أَخْلَصَ لَكَ بِعَمَلِهِ وَ أَحَبَّكَ فِي جَمِيعِ خَلْقِكَ)[١]؛ أي يا رب، إنني أحبك، وأحب زوجتي لأنك أمرتني ببرها، وأحب والدي لأنك قلت في كتابك: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ)[٢]، وأحب كل الناس لأنهم منتسبون إليك. فإن استشعرت هذا المعنى في قلبك، صبرت على ما تتعرض له من الأذى من هؤلاء الناس.
إن زوجتك اليوم لم يكن مزاجها على ما يُرام وتكلمت عليك، فقل: اللهم إني أحبها لوجهك وأصبر على أذاها؛ لأنها أمتك وهي زوجتي بما شرعت في كتابك. وما دامت زوجتك تصبر عليها، فإن انفصلت عنها فذاك شأن آخر. يُقال في عرف الأخلاق: حب سرياني. فأنت ترى ابن المرجع وهو ابن من تحبه؛ فتسلم عليه وتوقره احتراما لأبيه ومحبة منك له. وكما يُقال: حبيب حبيبي، حبيبي، وصديق صديقي، صديقي. فواهم من ادعى أنه يحب الله عز وجل ويكره الخلق أو لا يبالي؛ كيف يكون ذلك وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[٣].
كيف نصل لهذا الحب الإلهي؟
إن معرفتنا بأن الله سبحانه هو المحسن الأعظم؛ بل هو المحسن المنعم على الاطلاق؛ يجعل الواحد منا يستحي منه. وينبغي أن نعلم أن هذا الحب غال جداً، وله ثمن عظيم لا يُعطى للعبد إلا إذا شاء الله عز وجل ذلك. إنه هو الذي يلقي محبته في قلوب من أحب من المؤمنين، وهذا سر المعادلة. فمهما تحدثنا عن الحب والمحبة، فلن ينفعنا الحديث ما دام سبحانه لم يأذن لنا بالحب.
القرآن قد وصف لك من يُحبهم الله
من الأمور التي تساعدنا على الوصول إلى هذه المحبة الرجوع إلى القرآن الكريم. لقد بين سبحانه في كتابه صفات عباده الذين يُحبهم، فمن هذه الصفات قوله عز من قائل: (إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّـٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ)[٤]. يصل المؤمن إلى درجة من الكمال، لا ينسجم عندها مزاجه مع القاذورات. إن الغيبة قذارة تدخل الأذن، والمتطهر إذا رأى من يغتاب أمامه قال له: لا تجعل القاذورة في أذني، فإن مزاجي لا يتحمل. إنني أعرف من إذا أكل طعاماً مشتبهاً ثم قيل له: إن هذا الطعام كان حراماً، فإن معدته ترفض ذلك الطعام ويتقيء؛ فحتى جسمه لا يقبل الطعام غير الذكي.
يصل الحال بعد المراقبة إلى درجة يرى الشاب في الجامعة وهو في قمة الشهوة والغريزة امرأة فاتنة، وكأنه يرى وجعاً في عينيه. إنه يعلم أن النظرة هي سهم من سهام إبليس، ولذلك يُعرض عنها. تخيل إنسانا ضربت عينه بحجر؛ فهل ينظر إليك مرة أخرى؟ يقول في نفسه: إن هذه النظرة كلفتني؛ فهو متطهر والله يحب المتطهرين. هل هذا الشاب يحتاج إلى خطبة في غض البصر؟ هل هذا الشاب يقول: إن جامعاتنا هي كذا وكذا؟ أم أنه يقول: إنني لا أرى شيئا؟
قد تجد الرجل في بلاد الغرب لا تغريه منظر الجميلات؛ بل لا يرى شيئا سوى الله سبحانه وما يرضي ربه، وفي المقابلب تجد الرجل في الطواف أو على باب الحسين (ع) ينظر بريبة. أين هذا المتطهر من ذاك؟ ولذلك نرى البعض من المؤمنين يعترض على صاحب الدابة التي يشغل فيها غناء، ويقول له: إن أتوتر عند الاستماع إلى الأغاني، والحال أن الكثير يطربون بسماعها، لأنه ببساطة متطهر، وكل جوارحه تعيش هذه الحالة من الطهارة الباطنية.
الصبر طريقك إلى المحبة التي تنشدها
وممن يُحبهم الله سبحانه الصابرين. يقول عز وجل: (وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ)[٥]. والصبر على شعب ثلاث: الصبر على الطاعة، والصبر على المعصية والصبر على المصيبة. إن أحدنا لا يخلو من المصائب إلى أن يموت، وكلما تقدم بك العمر ازدادت مصائبك، وكثرت الأمراض البدنية، وكثر أولادك وأحفادك وما يترتب على ذلك من المشاكل والهموم؛ فلا تتوقع أن تهنأ في هذه الدنيا. إنك في كل يوم في مشكلة أو مصيبة من طفل مريض يحتاج إلى معالجة أو شاب تريد أن تزوجه خوفا من انحرافه أو تبحث له عن منزل تسكنه فيه أو ما شابه ذلك. فلابد أن تهيئ نفسك لتحمل المصائب، ولا تجزع فالجزع مصيبة أخرى.
ما هو صبر الشاكرين؟
وقد يصبر الرجل لأنه لا خيار له إلا الصبر، وهذا الصبر هو صبر العوام. إن أفضل الصبر هو الصبر الزينبي. إنه صبر من قالت: ما رأيت إلا جميلاً. فإذا وصلت في الصبر إلى هذه الدرجة أحبك الله سبحانه. إن رب العالمين يُحبك فيبتليك ليُوفر لك عذاب البرزخ. إن حمى ليلة أو مرض ليلة أو أسبوع؛ يرفع عنك عذاب القبر مئات السنين؛ فكن شاكراً لله عز وجل على تلك المصائب.
المصيبة ودورها في ترقيق القلب
فقد تأتي إلى الحرم وأمورك تسير على أفضل ما يكون، والمال في جيبك، والزوجة والأولاد من حولك؛ فتزور زيارة غير متقنة. أما إذا وقعت في بلية، بمجرد أن تدخل الباب، تنفجر بالبكاء. إن البلية ترقق القلب، وتسرع نزول الدمع؛ فاغتنم هذه الفرصة بدل أن تندب حظك وتجزع. واجعل هذه البلية مقدمة للوصول إلى درجات من الكمال. لماذا نبكي على الحسين (ع) في يوم عاشوراء؟ لأنه المحب الأعظم والمحب الأكمل؟ لقد جرى ما جرى عليه يوم عاشوراء فلم ينقطع لسانه عن ذكر محبوبه.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لو أن جبرئيل أتانا مثلا في هذا الشهر الكريم، وقال لنا: إن الأبواب قد فُتحت لكم، ولكم دعوة واحدة مستجابة؛ ماذا يجدر بنا أن نطلبه من الله عز وجل؟ إن ما يجدر بنا طلبه بعد فرج إمام زماننا (عج) هو أن يستشعر كل واحد منا في باطنه المحبة الالهية.
- وقد يصبر الرجل لأنه لا خيار له إلا الصبر، وهذا الصبر هو صبر العوام. إن أفضل الصبر هو الصبر الزينبي. إنه صبر من قالت: ما رأيت إلا جميلاً. فإذا وصلت في الصبر إلى هذه الدرجة أحبك الله سبحانه. إن رب العالمين يُحبك فيبتليك ليُوفر لك عذاب البرزخ.
- قد تأتي إلى الحرم وأمورك تسير على أفضل ما يكون، والمال في جيبك، والزوجة والأولاد من حولك؛ فتزور زيارة غير متقنة. أما إذا وقعت في بلية، بمجرد أن تدخل الباب، تنفجر بالبكاء. إن البلية ترقق القلب، وتسرع نزول الدمع؛ فاغتنم هذه الفرصة بدل أن تندب حظك وتجزع.