- ThePlus Audio
لمن يبحث عن البركة في كل شيء في حياته
بسم الله الرحمن الرحيم
البسملة والجهر بها في الصلاة في مدرسة أهل البيت (ع)
إننا نفتتح سورة الحمد بالبسملة، ونجهر بها بخلاف غيرنا. لقد روي عن أئمة أهل البيت (ع): (سَرَقُوا أَكْرَمَ آيَةٍ فِي كِتَابِ اَللَّهِ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ)[١]؛ وسرقوها أي أخرجوها من السورة. إننا نتأسى بأئمتنا أهل البيت (ع) في الاهتمام بالبسملة؛ فهم عدل القرآن، وهم الذين خوطبوا بالقرآن، وكما روي: (إِنَّمَا يَعْرِفُ اَلْقُرْآنَ مَنْ خُوطِبَ بِهِ)[٢]. وإنني أعتقد لو لم يكن في الالتزام بالتسمية مشقة؛ لأوجبها الله علينا التسمية في كل شيء؛ كما هي واجبة عند ذبح الحيوان. فلو ذبحت حيواناً غالي الثمن ولم تسم؛ فينبغي لك أن ترميه في المزبلة.
التسمية عند أولياء الله واجبة
هذا والتسمية عند أولياء الله واجبة في كل شيء، عند الأكل والشرب، وعند فتح باب الدابة، وما شابه ذلك. لقد روي عن إمامنا الصادق (ع) أنه قال: (فَقُولُوا عِنْدَ اِفْتِتَاحِ كُلِّ أَمْرٍ صَغِيرٍ أَوْ عَظِيمٍ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ)[٣]. فشربة الماء أمر صغير مثلا؛ فلا تشرب إلا وأنت تقول: بسم الله. وبعض المستحبات فيها ملاك الوجوب لشدة تأكيد الشارع عليها. فيعتقد البعض من العلماء بوجوب غسل الجمعة كوجوب الجنابة. وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لَوْ لاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ وُضُوءِ كُلِّ صَلاَةٍ)[٤]. فهذا السواك فيه ملاك الوجوب، وهو يمنعك من المرض وغير ذلك. وكذلك الأمر في البسملة؛ فالمؤمن لا يطاوعه قلبه أن يعمل عملاً إلا بالبسلمة. لقد سمعت عن أحد العلماء السلف أنه كان يبسمل على كل لقمة طعام؛ لا على ابتداء الطعام فحسب. فقد كان يستحي من الله أن يدخل لقمة في جوفه من دون أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
قد تكون قريبا من الاسم الأعظم
ولا نستبعد ممن يلهج ببسم الله في حياته، وفي كل صغيرة وكبيرة أن يعطيه الله سبحانه بعد أربعين سنة مثلا شيئا من آثار الاسم الأعظم. يُقال أن عارفا أعطى لأحدهم ورقة استطاع أن يمشي بها على الماء. وبعد فترة أراد أن يعلم ما كتب في هذه الورقة مما فيه هذه الخاصية العظمى، ففتح الورقة وإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. وقد رأينا البعض في باب الاستشفاء يمسح يده على المريض ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، يا رب، أنت الشافي؛ فيبرئ المريض من مرضه. ولا تستبعد من لسان يلهج بالبسملة أربعين سنة أن تكون فيه خاصية الشفاء.
البركة مع البسملة
وإن كنت تطمع في المباركة؛ فالهج ببسم الله الرحمن الرحيم. ولا أستبعد من الذي يعقد على زوجته بلا بسم الله ويدخل على زوجته بلا بسمة ويبشرها بلا بسملة أن يكون ذلك سببا في انفصالهما. فمن دون التسمية، لا مباركة ليلة الزفاف. وقد تشتري محلا في ركن نادر، وتؤثثه بأغلى الأثاث على أمل جلب الزبائن؛ فلا تجد فيه ما تطمح له، وتراك منكسراً في التجارة، لأنك لم تقل: بسم الله. لقد جلس أحدهم على كرسي أمام أمير المؤمنين (ع)؛ فسقط الكرسي وأصيب بجرح في رأسه بدأ ينزف. فبين له الإمام (ع)، أنه لو قال عند جلوسه: بسم الله، لما أصابه ما أصابه. وكذلك الأمر لو ركبت دابتك وقلت: بسم الله، فقد يمنعك سبحانه من حوادث الطريق.
إن المؤمن يرتبط بمصدر البركة؛ فلا يتحايل ولا يعتمد على طاقاته وقدراته، ولا يقول: لدي هيئة استشارية أو مال وفير، أو ابن البلد وأنا صاحب العشيرة الكذائية وما شابه ذلك من هذه الأوهام. لقد جعل الله سبحانه عيسى بن مريم (ع) مباركاً، فقال: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيۡنَ مَا كُنتُ)[٥]. وقد كان مباركا في دار الدنيا؛ فقد تلقى الإنجيل من ربه، وربّى الحواريين، وهو في عالمه مبارك يتمتع بالحياة؛ لأنم ما قتلوه وما صلبوه، ولكن رب العالمين رفعه إلي، وهو مبارك في آخر الزمان حيث ينزل ليكون في ركاب إمامنا المهدي (عج). فأي بركة أعظم من أن يكون مباركا في المهد ومباركا حيث رفعه الله ومباركا حيث ينزل من السماء مع المهدي (عج)؟ هل تحايل للحصول على هذه المقامات؟ من جعله يتكلم في المهد؟ من جعله يرتفع إلى السماء؟ من سيجعله يهبط إلى الأرض؟ إنه المبارك تبارك اسمه.
أوكل أمرهم إلى الله عز وجل
فتبرأ من حولك وقوتك، قل: يا رب انا عبدك الضعيف الذليل، ذي اللسان الكليل والعمل القليل، فبارك في وجودي. لقد كنت في زيارة لأحد المؤمنين ذات يوم وكان من خواصهم، فرأيت في المنزل شبابا صالحين أتو ليسلموا علينا، فقال لي، وهو مليئ بالرضا عن ذريته: إن هؤلاء تربية السماء؛ فأنا لم أتعب على تربيتهم كثيراً، ونادى في الأصناء أحدهم وسأله أمامي: يا بني، هل تعبت عليكم كثيرا؟ فقال الولد من دون مجاملة: كلا. واستأنف الوالد قائلا: لقد أوكلت أمرهم إلى الله عز وجل. إن هذا العبد الصالح لم يكتسب مالاً إلا من حله وكان لحلية الماكل والمشرب هذا الأثر الذي رأيته. فبعد القيام ليلا والكسب الحلال نهاراً وإتيان المساجد فرضاً؛ قل: اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين. سل الله المباركة بعدما تهيئ المقدمات.
ولرب العالمين عشرات الأسماء الحسنى. إننا في الجوشن نلهج بألف من الأسماء والصفات؛ فدعاء الجوشن هو خليط بين الأسماء الحسنى وبين الأوصاف العليا. فقولنا: يا خير من خلى به وحيد، صفة من صفاته؛ ولكن يا ربنا، يا طبيبنا، وإلى آخره فيها إشارة إلى الأسماء الحسنى. ولكن لماذا اختار من بين أسمائه الحسنى، اسم الرحمن الرحيم؟ الرحمن يدل على كثرة الرحمة، والرحيم يدل على ثبات الرحمة. ومن هنا قيل: الرحمن إشارة إلى الرحمة العامة، كقوله سبحانه: (قُلۡ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَٰلَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ مَدًّا)[٦]. فالكلام في الضلالة؛ ولكن الله عز وجل عبر عن نفسه بالرحمن. وأما الرحيم إشارة إلى الرحمة الخاصة بالمؤمنين، فيقول سبحانه: (وَكَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمٗا)[٧].
ابحث عن هذه الرحمة الخاصة
إن نعمة الهواء يشترك فيها البر والفاجر، لو تأملنا النصف الشمالي من الكرة الأرضية لوجدناه أجمل البقاع، وفيه أعذب المياه، والهواء العليل والجمال في الوجوه والطبيعة، ولكنهم كافرون بأنعم الله سبحانه. فلا تكتفي بهذه الرحمة العامة. فالكفار يتمتعون في الدنيا أكثر منما تتمتع أنت؛ فمساكنهم أجمل من مسكنك، ونسائهم أجمل من امرأتك، وطبيعتهم أجمل من طبيعتك. ولكن ابحث عن الرحمة الخاصة. ابحث عن شيء ما وراء الطبيعة والهواء والجمال. وهذه الرحمة الخاصة تجدها عندما ترفع يديك إلى السماء في جوف الليل وتقول: إلهي لك في هذا الليل نفحات وجوائز وعطايا ومواهب تمن بها على من تشاء من عبادك وتمنعها من لم تسبق له العناية منك، فإلهي العفو. قل ذلك في جوف الليل فعسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا.
خلاصة المحاضرة
- إن التسمية عند أولياء الله واجبة في كل شيء. عند الأكل والشرب، وعند فتح باب الدابة، وما شابه ذلك. لقد روي عن الصادق (ع): (فَقُولُوا عِنْدَ اِفْتِتَاحِ كُلِّ أَمرٍ صغِيرٍ أَو عَظِيمٍ بِسمِ اَلله اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ). فشربة الماء أمر صغير؛ فلا تشرب إلا وأنت تقول: بسم الله.
- إن نعمة الهواء يشترك فيها البر والفاجر، لو تأملنا النصف الشمالي من الكرة الأرضية لوجدناه أجمل البقاع، وفيه أعذب المياه، والهواء العليل والجمال في الوجوه والطبيعة، ولكنهم كافرون بأنعم الله سبحانه. فابحث عن الرحمة الخاصة التي لا تجدها إلا في قيام الليل.