- ThePlus Audio
لمحات من سيرة الإمام العسكري (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
قصر أعمار الأئمة الثلاثة؛ الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)
إن الملفت في حياة الإمام الجواد (ع) والإمام الهادي (ع) والإمام العسكري (ع) قصر أعمارهم الشريفة. فقد استشهد الإمام الجواد (ع) وكان عمره الشريف خمسة وعشرين عاما واستشهد الهادي (ع) وعمره أربعين عاما واستشهد الإمام العسكري (ع) وهو في التاسعة والعشرين في من عمره المبارك؛ فقد عاش الأئمة (ع) الثلاثة هؤلاء دون الأربعين عاما.
لماذا لم يصل إلينا الكثير من أقوال وأفعال الأئمة (عليهم السلام)؟
وهناك سؤال مهم وهو: لماذا لم يصل إلينا الكثير من أقوالهم وأفعالهم؟ والإجابة على ذلك؛ هو أن الجهاز الإعلامي وأصحاب السير وكتاب التاريخ ومدوني الأحاديث على امتداد حياة الأئمة (ع) منذ رحيل رسول الله (ص) وحتى يومنا هذا كانوا يميلون إلى السلطة المخالفة لأهل البيت (ع). ولذلك كان الحظر الإعلامي عليهم شديدا. والغريب أن الذي وصل إلينا منهم رغم هذا التعتيم الشديد يفوق مائة مجلد وهو ما جمعه العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار وهي ثروة يعتد بها. واليوم نرى أن شريطا واحدا يتضمن أكثر من ألف كتاب وصل إلينا من علومهم؛ حديثا وتاريخا وفقها وسيرة وإلى آخر ذلك.
والحقيقة أن مائة عام عاشها هؤلاء الأئمة الثلاثة لا يمكن تلخيصه في مجلد واحد تحت عنوان حياة الجواد والعسكريين (ع) وهو لا يعكس بالطبع قرنا من الزمان. ونحن نقرأ في سيرتهم الكثير من المعجزات والكرامات التي صدرت منهم وباعتقادي أن ذلك تعويض عن قلة النقل عنهم.
سر كثرة الكرامات التي صدرت عن الأئمة الثلاثة؛ الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام)
وهذه ملاحظة مهمة؛ أن الإمامين الصادق والباقر (ع) الذين أتيحت لهم فرصة نشر العلوم الفقهية وغير الفقهية قد لم يكونا بحاجة إلى الكرامات كحاجة هؤلاء الأئمة (ع) الذين ظهرت على أيديهم الكثير منها؛ فيمكن القول: أن الله سبحانه أراد أن يثبت وجودهم في الأمة من خلال هذه الكرامات والمعاجز وينقل عن أبي هاشم الجعفري والذي يبدو من الروايات أن قد اعتاد على كرامات الإمام العسكري (ع) أنه قال: (أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنٰا) ثُمَّ ذَكَرَ اَلْجَوَابَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَجَعَلْتُ أُفَكِّرُ فِي نَفْسِي عِظَمَ مَا أَعْطَى اَللَّهُ آلَ مُحَمَّدٍ وَبَكَيْتُ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ: اَلْأَمْرُ أَعْظَمُ مِمَّا تَحَدَّثْتَ بِهِ فِي نَفْسِكَ مِنْ عِظَمِ شَأْنِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)[١]؛ والإمام (ع) يبين له أنه لم يفهم مقاماتهم كما يليق بشأنهم.
من آداب زيارة المعصومين (عليهم السلام)
وينبغي للذي يتشرف بزيارة الأئمة في سامراء أن يعلم أولا؛ أن مرقد الإمام (ع) هو بيته والذي يدخل على الإمام (ع) وهو غير راض عنه فكأنه دخل دارا مغصوبة. وثانيا؛ أن عمر الأئمة (ع) ليست هذه الأعوام القليلة التي قضاها في هذه الدنيا وإنما الإمام حقيقة ملكوتية لها وزنها عند الله عز وجل. ولذلك نقول في الزيارة الجامعة المروية عن الإمام الهادي (ع) والتي هي من أعظم الزيارات التي وصلت إلينا منهم: (خَلَقَكُمُ اَللَّهُ أَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ حَتَّى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اَللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ)[٢]. وإنما كان نزولهم إلى هذه الدنيا محطة من المحطات ولن يغير من ماهية الإمام طول مكوثه في هذه الدنيا أو قصره فهو حقيقة ثابتة قبل الخلق وحين الخلق وبعد الخلق. إنهم كانوا أنوارا توسل بهم آدم (ع) للنجاة وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ بَيْنَ اَلْمَاءِ وَاَلطِّينِ)[٣].
فعندما يقف الموالي في مشاهدهم ويزورهم ينبغي له أن يعلم؛ أن كون الإمام (ع) معه بجسده أو كونه داخل الضريح أو خارجه أو في الأرض أو في السماء – إذا قبلنا الروايات التي تبين؛ أن جسد الإمام يرفع إلى السماء ولا تتحمل الأرض أبدانهم الطاهرة – أو في أي مكان آخر هو شيء لا يهمه بقدر أن يعلم أن الإمام يشهد مقامه ويسمع كلامه؛ فللأسف الشديد هناك من يقف في أضرحتهم هو ساه لاه ولا يلتفت إلى أنه بين يدي المعصوم. ولذلك من الآيات التي تنطبق على حياة النبي (ص) ومماته قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[٤].
الاعتقاد بالرجعة
ونحن نعتقد أن الله سبحانه قد عوض قصر حياة الأئمة (ع) جميعا. وإلا هل يكفي لوجود معطاء كرسول الله (ص) أن يعيش هذه الأعوام القليلة وهي ثلاثة وعشرون عاما بدءا من مبعثه الشريف وحتى آخر يوم من عمره؟ فالله سبحانه يهيئ نبيه (ص) في غار حراء أربعين سنة من أجل هذه السنوات القليلة التي قضاها بين تعذيب وحرب وهجرة ومعاناة ومقاطعة وما شابه ذلك. وكذلك ما لاقاه أمير المؤمنين (ع) وهو حبيس منزله لعدة سنوات ثم ما لقيه من الخوارج ومعاوية، وما عاناه الإمام الحسن (ع) مع معاوية وكذلك سائر الأئمة الذين منعوا من تأدية دورهم في هذه الحياة كما أراد الله سبحانه.
لقد عاش الأئمة لمائتين وستين سنة ولكن في حكومة الظلمة والطغاة أمثال حجاج والمنصور وهارون ومأمون وأمثالهم من الحثالات التي لا داعي لذكر سيرهم على هذه المنابر المقدسة. وسيعوض الله سبحانه قصر حياتهم في هذه الدنيا بالرجعة التي يقول عنها العلامة المجلسي: (وإذا لم يكن مثل هذا متواترا ففي أي شئ يمكن دعوى التواتر، مع ما روته كافة الشيعة خلفا عن سلف)[٥]. ونحن نقرأ في زيارة الجامعة الكبيرة: (مُؤْمِنٌ بِإِيَابِكُمْ مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ)[٦]؛ فهم يرجعون بعد قيام قائمهم (عج) إلى هذه الدنيا ليكملوا مسيرة الإمام (عج).
تشابه الأئمة (عليهم السلام) في السيرة والمسيرة
ومن الملفت في حياة الأئمة (ع) أن كل إمام منهم ينص بشكل واضح ومسجل في التاريخ على الإمام من بعده. وهل من الصدفة أن يأتي أربعة عشر وجودا مقدسا واثني عشر إماما واحدا تلو الآخر وينسجم اللاحق مع السابق وأحدهم ينص على الذي من بعده من دون أن يكون ذلك مرتبطا بالله سبحانه وبخطة وتدبير منه؟ وقد رأينا الخلفاء قد ينسجم معه ولي العهد سنة أو سنتين أو عشرة أو عشرين لا قرنان ونصف القرن من الزمان. ولو وضعت أحاديثهم الشريفة إلى جانب بعضها البعض لما استطعت تشخيص القائل هل هو الحسن المجتبى (ع) أم الحسن العسكري (ع) رغم بعد الزمان بينهما غير نهج البلاغة التي له خصوصيته وخطب النبي (ص) وأما غير ذلك فهو كلام منسجم وتراث متشابه.
وقد جاء الواقع مطابقا للحديث النبوي الشريف: (يَكُونُ بَعْدِي مِنَ اَلْخُلَفَاءِ عِدَّةَ نُقَبَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ)[٧]. وقد من الله على الأمة أن جعل فيها هذا العدد من الأئمة (ع) وكان بإمكانه أن يكتفي بالخمسة الطيبة ويغلق هذا الملف. ولم يؤاخذ الله سبحانه الأمة بما جرى للأئمة (ع) والذي نقرأ جانبا منه في دعاء الندبة: (فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ، وَسُبِيَ مَنْ سُبِيَ، وَأُقْصِيَ مَنْ أُقْصِيَ)[٨].
كيفية التعامل مع مناقبهم وفضائلهم
لقد روي: (عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ. قَالَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): «كُلُّهُمْ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وَاَلظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: اَلَّذِي لاَ يُقِرُّ بِالْإِمَامِ، وَاَلْمُقْتَصِدُ: اَلْعَارِفُ بِالْإِمَامِ، وَاَلسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ: اَلْإِمَامُ»)[٩]؛ ولم يبك الجعفري إلا شوقا وسرورا بما من الله عليه وبما سمع من منقبة وفضيلة تختص بإمامه وهو أمر لا يتقنه الكثير؛ فالبكاء على مصائبهم – خاصة الإمام الحسين (ع) – قد يفعله حتى غير المسلم. فينبغي أن يشكر المؤمن أنه لا زال يجتمع على حبهم ولاستماع مناقبهم بعد مئات السنين التي مرت على الشيعة من القتل والتهجير والتحريف والتأليب عليهم.
رفق الإمام (عليه السلام) بشيعته
وتأمل في هذه الرواية رفق الإمام (ع) وحنوه على شيعته يقول محمد بن الحسن بن ميمون: (كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَشْكُو اَلْفَقْرَ ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي أَ لَيْسَ قَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ اَلْفَقْرُ مَعَنَا خَيْرٌ مِنَ اَلْغِنَى مَعَ غَيْرِنَا وَاَلْقَتْلُ مَعَنَا خَيْرٌ مِنَ اَلْحَيَاةِ مَعَ عَدُوِّنَا فَرَجَعَ اَلْجَوَابُ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَخُصُّ أَوْلِيَاءَنَا إِذَا تَكَاثَفَتْ ذُنُوبُهُمْ بِالْفَقْرِ وَقَدْ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ اَلْفَقْرُ مَعَنَا خَيْرٌ مِنَ اَلْغِنَى مَعَ عَدُوِّنَا وَنَحْنُ كَهْفٌ لِمَنِ اِلْتَجَأَ إِلَيْنَا وَنُورٌ لِمَنِ اِسْتَبْصَرَ بِنَا وَعِصْمَةٌ لِمَنِ اِعْتَصَمَ بِنَا مَنْ أَحَبَّنَا كَانَ مَعَنَا فِي اَلسَّنَامِ اَلْأَعْلَى وَمَنِ اِنْحَرَفَ عَنَّا فَإِلَى اَلنَّارِ)[١٠].
والإمام (ع) يُشتكى إليه الفقر والمرض والابتلاء بالمعاصي وسعادة الدارين. ويجيبه الإمام (ع) في هذه الرواية عن علة الفقر ويبين له أن الله سبحانه قد يبتلي عباده المؤمنين بالفقر والمرض كالسكر والضغط وأمثال ذلك لا لذنب أو ذنبين وإنما إذا كثرت هذه الذنوب وتكاثفت حتى يوازن بين ذنوب العبد وبين موالاته؛ فالله سبحانه كما قال في محكم كتابه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر)[١١]. وينبغي للمؤمن أن يراجع نفسه إذا وجد ضيقا في الحياة أو مشكلة مالية أو عائلية وما شابه ذلك ليجد منشأ ما ابتلي به. ويقال: (إِذَا رَأَيْتَ قَسَاوَةً فِي قَلْبِكَ وَوَهْناً فِي بَدَنِكَ وَحِرْمَاناً فِي رِزْقِكَ فَاعْلَمْ أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ)[١٢] فكيف إذا خاض الإنسان في المحرمات؟ وكأن الإمام (ع) يصبره بأن فقره في هذه الدنيا يعقبه مرافقة الأولياء في السنام الأعلى.
انتظار الفرج في كلام الإمام (عليه السلام)
ولقد روي عن الإمام العسكري (ع) رواية لم يفهمها الكثير فقد قال يوصي أحد أصحابه: (عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَاِنْتِظَارِ اَلْفَرَجِ قَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي اِنْتِظَارُ اَلْفَرَجِ وَلاَ يَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزْنٍ حَتَّى يَظْهَرَ وَلَدِي اَلَّذِي بَشَّرَ بِهِ اَلنَّبِيُّ يَمْلَأُ اَلْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً)[١٣]. ولا بد أن يكون هنالك ضيقا حتى يكون منه فرجا. فالذي لا يعيش في ضيق في زمان الغيبة ولا يكتوي بنارها ولا يحزن على فراق إمامه (عج) هل ينتظر الفرج؟
شدة زمانه (عليه السلام) وخوف الشيعة
وتنقل الروايات شدة الزمان الذي كان فيه الإمام العسكري (ع) حتى أخفى مولد الحجة (عج). تقول الرواية أن الإمام العسكري (ع): (كَانَ قَدْ أَخْفَى مَوْلِدَهُ وَسَتَرَ أَمْرَهُ، لِصُعُوبَةِ اَلْوَقْتِ، وَشِدَّةِ طَلَبِ سُلْطَانِ اَلزَّمَانِ لَهُ، وَاِجْتِهَادِهِ فِي اَلْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ… وَتَوَلَّى جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخُو أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَخْذَ تَرِكَتِهِ، وَسَعَى فِي حَبْسِ جَوَارِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَاِعْتِقَالِ حَلاَئِلِهِ، وَشَنَّعَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِانْتِظَارِهِمْ وَلَدَهُ وَقَطْعِهِمْ بِوُجُودِهِ وَاَلْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ، وَأَغْرَى بِالْقَوْمِ حَتَّى أَخَافَهُمْ وَشَرَّدَهُمْ، وَجَرَى عَلَى مُخَلَّفِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ كُلُّ عَظِيمَةٍ مِنِ اِعْتِقَالٍ، وَحَبْسٍ، وَتَهْدِيدٍ، وَتَصْغِيرٍ، وَاِسْتِخْفَافٍ، وَذُلٍّ، وَلَمْ يَظْفَرِ اَلسُّلْطَانُ مِنْهُمْ بِطَائِلٍ)[١٤]. فكان الإمام المنتظر صغيرا فبادر عمه إلى أخذ تركته وقد حبس حتى السيدة نرجس (س) مدة من الزمن وعانى الشيعة الأمرين في تلك البرهة ولهؤلاء يقال: إنتظار الفرج أفضل الأعمال لا الذي تمر عليه مناسبات استشهاد أبيه العسكري (ع) وهو لا يعلم أو يعلم ولا يحرك ساكنا.
سوء العاقبة
ومما يحذره المؤمن على نفسه سوء العاقبة. فالمؤمن ليس ابن يومه وإنما أمامه عشرات السنين التي لا يعلم فيها تقلبات الزمان ولا يكاد يقطع بحسن عاقبته والخروج من هذه الدنيا موحدا فضلا عن خروجه مواليا. ومن الأحاديث المخيفة ما كتب الحجة (عج) لبعض أصحابه في لعن أحمد بن هلال وقد كان من كبار الأصحاب، تقول الرواية: (وَرَدَ عَلَى اَلْقَاسِمِ بْنِ اَلْعَلاَءِ نُسْخَةُ مَا كَانَ خَرَجَ مِنْ لَعْنِ اِبْنِ هِلاَلٍ وَكَانَ اِبْتِدَاءُ ذَلِكَ أَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى قُوَّامِهِ بِالْعِرَاقِ اِحْذَرُوا اَلصُّوفِيَّ اَلْمُتَصَنِّعَ قَالَ وَ كَانَ مِنْ شَأْنِ أَحْمَدَ بْنِ هِلاَلٍ أَنَّهُ قَدْ كَانَ حَجَّ أَرْبَعاً وَ خَمْسِينَ حَجَّةً عِشْرُونَ مِنْهَا عَلَى قَدَمَيْهِ قَالَ وَكَانَ رُوَاةُ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ لَقُوهُ وَكَتَبُوا مِنْهُ فَأَنْكَرُوا مَا وَرَدَ فِي مَذَمَّتِهِ فَحَمَلُوا اَلْقَاسِمَ بْنَ اَلْعَلاَءِ عَلَى أَنْ يُرَاجِعُ فِي أَمْرِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ قَدْ كَانَ أَمْرُنَا نَفَذَ إِلَيْكَ فِي اَلْمُتَصَنِّعِ اِبْنِ هِلاَلٍ لاَ رَحِمَهُ اَللَّهُ بِمَا قَدْ عَلِمْتَ لاَ غَفَرَ اَللَّهُ لَهُ ذَنْبَهُ وَلاَ أَقَالَهُ عَثْرَتَهُ دَخَلَ فِي أَمْرِنَا بِلاَ إِذْنٍ مِنَّا وَلاَ رِضًى لِيَسْتَبِدَّ بِرَأْيِهِ فَيُحَامِيَ مِنْ ذُنُوبِهِ لاَ يُمْضِي مِنْ أَمْرِنَا إِيَّاهُ إِلاَّ بِمَا يَهْوَاهُ وَيُرِيدُ أَرْدَاهُ اَللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَصَبَرْنَا عَلَيْهِ حَتَّى بَتَرَ اَللَّهُ عُمُرَهُ بِدَعْوَتِنَا وَكُنَّا قَدْ عَرَّفَنَا خَبَرَهُ قَوْماً مِنْ مُوَالِينَا أَيَّامَهُ لاَ رَحِمَهُ اَللَّهُ وَأَمَرْنَاهُمْ بِإِلْقَاءِ ذَلِكَ إِلَى اَلْخَاصِّ مِنْ مَوَالِينَا وَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلَى اَللَّهِ مِنِ اِبْنِ هِلاَلٍ لاَ رَحِمَهُ اَللَّهُ وَمِمَّنْ لاَ يَبْرَأُ مِنْهُ)[١٥].
وسوء العاقبة من الأمور التي كانت تخيف كبار الأولياء. وعلى المؤمن أن لا يعتمد على رصيده المعنوي السابق وكما يقول في دعاء كميل: (وَسَكَنْتُ إِلَى قَدِيمِ ذِكْرِكَ لِي)[١٦]؛ فالشيطان لا يذكر الإنسان بليلة القدر التي أحياها قبل عامين أو قبل أربع سنوات فحسب؛ بل يذكره بالحج وما شابه من الأعمال التي قضاها منذ أمد بعيد. وتلك الأعمال ذهبت لسبيلها وعليك أن تقوم في كل يوم بعمله، ويؤاخذ نفسه وكما يروى: (مَنِ اِعْتَدَلَ يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ)[١٧].
الخروج من روتين الأعمال اليومية
وللأسف لو راجع المؤمن نفسه لرأى مرور الأيام وتعاقب السنين وهو على ما عليه لم يتقدم في السلوك والإيمان والتقوى قيد أنملة وهو يراوح مكانه. إن الذي لا يقوم بثورة على واقعه سيكون مستقبله كماضيه شاء أم أبى. وتصبح حياته كجهاز الاستنساخ الذي تجعل فيه الورقة فيظل يستنسخها ما لم تسحبها وتجعل مكانها أخرى. فنحن صباحا في العمل ثم نرجع لنجلس مع الأهل والعيال ونتناول الغداء والعشاء ثم ننام وقد نحضر في المسجد لعشر دقائق يوميا ونستمع إلى خطبة الجمعة ساعة أو ساعتين كل أسبوع وانتهى الأمر. فأين الطفرة وأين الخروج عن الواقع المألوف فيما ذكرناه؟
وما العواقب السيئة إلا ثمرة الحاضر. والذي لا يستمر في مراقبة نفسه ليلا ونهارا، وصيفا وشتاء وفي المواسم العبادية وفي شهري محرم وصفر ولا يستفيد من هذه الأشهر عبادة وعلما سوف تنقضي الأيام والشهور وسيبقى على ما هو عليه من دون أن يحدث تغييرا جذريا في حياته.
[٢] من لا یحضره الفقیه ج٢ ص٦٠٩.
[٣] مفتاح الفلاح ج١ ص٤١.
[٤] سورة النساء: ٦٤.
[٥] بحار الأنوار ج٥٣ ص١٢٣.
[٦] من لا یحضره الفقیه ج٢ ص٦٠٩.
[٧] إعلام الوری ج٢ ص١٦٠.
[٨] مصباح الزائر ج١ ص٤٤٦.
[٩] تفسیر البرهان ج٣ ص٥٥٦.
[١٠] كشف الغمة ج٢ ص٤٢١.
[١١] سورة البقرة: ١٨٥.
[١٢] مجموعة ورّام ج٢ ص١٣.
[١٣] المناقب ج٤ ص٤٢٥.
[١٤] الإرشاد ج٢ ص٣٣٦.
[١٥] مستدرك الوسائل ج١٢ ص٣١٨.
[١٦] مصباح الزائر ج١ ص٣١٧.
[١٧] مجموعة ورّام ج٢ ص١٧٣.
خلاصة المحاضرة
- ينبغي للذي يتشرف بزيارة الأئمة في سامراء أن يعلم أولا؛ أن مرقد الإمام (ع) هو بيته والذي يدخل على الإمام (ع) وهو غير راض عنه فكأنه دخل دارا مغصوبة. وثانيا؛ أن عمر الأئمة (ع) ليست هذه الأعوام القليلة التي قضاها في هذه الدنيا وإنما الإمام حقيقة ملكوتية لها وزنها عند الله عز وجل.
- وما العواقب السيئة إلا ثمرة الحاضر. والذي لا يستمر في مراقبة نفسه ليلا ونهارا، وصيفا وشتاء وفي المواسم العبادية وفي شهري محرم وصفر ولا يستفيد من هذه الأشهر عبادة وعلما سوف تنقضي الأيام والشهور وسيبقى على ما هو عليه من دون أن يحدث تغييرا جذريا في حياته.