- ThePlus Audio
لماذا يُبتلى البعض منا بقسوة القلب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس هنالك من لا يشتكي من قسوة القلب وخصوصاً بعد أشهر العبادة كشهر رمضان المبارك ومن الطبيعي أن تكون هذه القسوة بمعنى فقدان الأجواء الروحانية وهذا أمر عام للجميع، ولكن الإنسان في بعض الحالات لا تفوته نفحات شهر رمضان فحسب وإنما يتنزل إلى مستوىً أقل باختياره، إذ ليس الأمر مجرد فقدان مكاسب شهر رمضان وإنما يصيب الإنسان نوع من أنواع التثاقل والهبوط إلى درجة بعيدة، إذن ماذا نعمل مع هذه الغفلة؟ وقبل الدخول في موضوع الغفلة نحاول أن نتناول بشكل موجز المصطلحات في هذا المجال لأني أعتقد أنها تعين على استيعاب أهداف الموضوع فهنالك أربع مراحل في التعامل مع ربّ العالمين ذكرا ونسياناً:
المرحلة الأولى: الجحود
فمثلاً إنسان مادي لا يرى من هذا الوجود إلا المادة المجردة إذ يقول لا يهلكنا إلا الدهر فهذا إنسانٌ جاحد.
المرحلة الثانية: الإيمان
هي الخروج من الجحود إلى الإيمان، ولكن بعد الإيمان ينسى ذكر ربه، وهذه حالة بشرية طبيعية، إذن ممكن أنْ يجتمع الإيمان مع النسيان، والقرآن يقول: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)[١].
المرحلة الثالثة: الذاكر
وهنا الإنسان يتجاوز مرحلة النسيان، فيكون ذاكراً لله (عزّ وجلّ) ولكنه ذكرٌ يشوبه الالتفات إلى الغير فهو يعيش حالة المد والجزر ينظر إلى الدنيا فينسى ربه ثم يعود على رشده.
المرحلة الرابعة: الغفلة
يكون الإنسان فيها غافلاً ليس بناسٍ يتذكر الله سبحانه وتعالى ولكن هنالك بعض المزاحمات في هذا المجال تصدّه عن ذكر الله، العبد يترقى لئلا يصبح من الغافلين.
المرحلة الرابعة: السهو
قد يكون الإنسان ملتفتاً ومنتبهاً لكن ممكن أن يسهو قال (تعالى): (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[٢].
إذن هنالك الجاحد وعكسه المؤمن وهنالك الناسي وعكسه المتذكر وهنالك الغافل وعكسه اليقظان أو اليقظ وهنالك الساهي وعكسه الملتفت، والمطلوب منا الإيمان والتذكر واليقظة والالتفات فإذا وصلنا إلى مرحلة الالتفات الدائم فقد عبرنا هذه العقبات التي ذكرناها.
ونحن المسلمون بحسب الواقع عبرنا مرحلة الجحود بالشهادتين، لكن كيف ننتقل من مرحلة النسيان ونعبر الغفلة ونعبر السهو لنكون من العباد المتذكرين؟
على الإنسان أن يستوعب الإنسان هدف الوجود
قد صرح القرآن الكريم بأنَّ الله (عزّ وجلّ)، لم يخلق الخلق عبثاً، فإذا كنا نعتقد بوجود مبدأٍ للفيض لهذا الوجود ونعتقد بنهايةٍ في أنّ ربنا يوم القيامة يبعثنا فرادى كما خلقنا أول مرة بتعبيرٍ قرآنيٍ مختصر وجامع (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[٣]، أي نحن مخلوقين ومحاسبون فما بينهما ما هو البرنامج الذي يجب أن يُتبع؟ إنسانٌ مملوكُ ويساق به إلى نهاية معينة عليه أن يكون مستوعب هذا الدرس العظيم وأنه موجودٌ ذو روح يراد به هدفاً معيناً وما أجمل هذان البيتان من الشعر يحاول الشاعر أن يذكر فيهما فلسفة الوجود:
يا متعب الروح لم تسعَ لراحته
أتعبتَ جسمك لما فيه خسران
أقبلْ على الروح واستكملْ مقاصدها
فأنتَ بالروح لا بالجسم إنسان
كلمة جامعة فأنتَ بالروح لا بالجسم إنسان، فإذا قيل لأحدهم جئني بإنسان آنس به وجاء له بتابوت ميت، حتماً سيعترض عليه؛ لأنَّه جاء له بإنسان ميت، فإذن الميت من ليس في عداد بني آدم وهو الذي لا روح له (فأنتَ بالروح لا بالجسم إنسان).
الحياة صحراء قاحلة بدون ذكر الله (تعالى)
علينا أنْ نعلم أنّ قيمة الحياة في ساعاتها البسيطة التي نقف بها أمام ربنا؛ بل الحياة صحراء قاحلة من دونها، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة)[٤]، من الواضح أنَّ كلام النبي (صلى الله عليه وآله) فيه إشارة إلى ساعة معينة وقد يراد بها التي تقع بين المغرب والعشاء، ولكن من الممكن أنْ نستفيد من روح هذا الحديث أنّ الإنسان يطعّم ساعات غفلته بوقفات قصيرة، فالإنسان المؤمن في ساعات ولو غير مناسبة كأن يكون في المكتب، في أول الدوام، في وسط الدوام، في الطائرة، في الحديقة، في عاصمةٍ أجنبية، في أيّ مكان، على شاطئ البحر ولم يكن في وقت صلاة فريضة لكنه يشتاق إلى الحديث مع ربّ العالمين، ومن المعلوم بأنّ النافلة ما أسهلها؟ فيمكن تصليها راكباً أو ماشياً بلا سورةٍ وبلا تسليماتٍ كثيرة وبلا آذان وبلا إقامة، فالإنسان يشتاق إلى الحديث مع ربّه يصلي، ويشتاق الحديث من ربه يقرأ القرآن الكريم.
الحذر من أن يتحول الإنسان إلى آلة صماء
إنَّ الخطوة الأولى في هذا المجال هي أن نعلم فلسفة الوجود وأن نخرج من عالم السطحية لكن مع الأسف ربما يتحول الإنسان إلى آلة صماء وأذكر مثالاً لتقريب الفكرة؛ المحققون في المختبرات وراء المجهر وكذلك الفلكيون في المراصد وراء المقراب يستعينون بأجهزة مكبرة تعينهم في رؤية ما لا يمكن أن تراه العين المجردة، فما هو الفرق إذن بين المجهر والإنسان، فالمجهر يرى وهو يرى، من الواضح جداً هناك فرق فإنّ المجهر لا يحلل وهو يحلل، وحقيقةً الإنسان يتحول في بعض الحالات إلى آلةٍ صماء هو والمجهر على حدٍّ سواء، والقرآن أشار إلى هذه السطحية إذ يقول: ماذا (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[٥]، لم ينتقل من هذه الدنيا من الحيوانات المجهرية من المجرات الفضائية لم ينتقلوا إلى عالم الموجد وأنّ هذا الموجد له دار حسابٍ وعقاب، المفروض أن ننتقل من المعلول إلى العلة ومن العلة إلى مقاصد العلة وما أراده العلة منّا ولهذا يقول القرآن الكريم: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[٦]، أي لم يربطوا بين هذا الظاهر وبين ذلك الباطن.
الغافل كالسكران الذي فقد عقله
القرآن الكريم عندما يريد أن يصف الغافلين عن ذكر الله (عزّ وجلّ) كأنه يجعل هذه الغفلة في حكم المسكر، فالذي يشرب الخمر ولو كان في أعلى درجات الشهادات الجامعية إنسان لا قيمة له في عالم التخصص، وهو والبهيمة على حدٍّ سواء وهذا شيء واضح، قد تذهبون إلى الغرب عندما يخرج الجراح من العملية الجراحية المعقدة كجراحة المخ أو القلب، ثم يأتي إلى الحانة، ليشرب كأساً من الخمر، وخاصةً القسم المركز منه، عندئذٍ يتحول إلى بهيمة يمشي يميناً وشمالاً يترنح لا شعور ولا عقل له، الغفلة بالنسبة للإنسان، لو كان مؤمناً يتحول إلى حالة من حالات السكر، والقرآن في لفتة جميلة يقسم بحياة النبي (صلى الله عليه وآله) ويقول: ( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[٧]، هؤلاء في حال سكر.
نظام السنن الإلهية جاري في مسألة الغفلة
نحن أيضاً قد نبتلي بدرجة من درجات السكر الخفيف؛ لهذا نرى المؤمن عندما يغفل عن ذكر الله، قد يغضب ويفعل ما يفعل، ثم يستفيق من سكره على واقعه بعد دقائق وإذا به قد قام بما لا يليق به أبداً!
من موجبات الخروج من الغفلة أن نعلم أنَّ الله (سبحانه وتعالى) جعل سنةً في هذه الحياة من السنن التي لا تنخرم أبداً، فمثلاً في عالم الماديات عند اتحاد جزيئات من الهيدروجين مع جزيء من الأوكسجين يتكون هنالك الماء لا محالة ففي عالم الطبيعة لم نرَ تخلّفاً لا في قاعدةٍ فيزيائية ولا في قاعدةٍ كيميائية والذي درس علم الفلك يعلم أنَّ الكواكب والأقمار لو أنها اقتربت مسافات قصيرة لاصطدمت بعضها ببعض.
كذلك هناك سنن في عالم الحياة الاجتماعية وفي عالم الأنفس، فالقرآن يقول إنَّ الذي أعرض عن ذكر الله (عزّ وجلّ)، نتيجته هي حياة الضنك والضيق والتبرم قال (تعالى): (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[٨]، وهذا الذي نشاهده في حياة البعض تدخل منزله وإذا به قصرٌ من القصور تنظر إلى وظيفته فإذا هو في أعلى درجات السلم الوظيفي تراجع رصيده في البنوك لو تقاعد من يومه لأمكنه أنْ يعيش هو وولده وحفيده من ذلك المال تنظر إلى عافيته وإذا هو من رأسه إلى قدمه في صحة وعافية تنظر إلى زوجته تجدها مطيعة وجميلة تنظر إلى دآبته وإذا بها فارهة سريعة، لكنه يأتيك ويقول: يا فلان هل عندك شيء ينفع في رفع الضيق والكآبة؟ أنا مبتلى بالكآبة المزمنة العميقة لا أرى شيئاً يسرني في هذا الحياة، ما الذي جرى ما الذي أوجب لك هذه الكآبة؟ تجيب عن هذا السؤال (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[٩]، وفي المقابل ربما ترى في بعض الصور في بعض دول الظالمين إنسانٌ مؤمن حكم عليه بالقتل يتوجه إلى مشنقته تراه يمشي بخطوات واثقة وقد لم يخلُ من ابتسامةٍ؛ لأنَّ هنا الذكر الإلهي الذي دخل قلبه أنساه كلّ شيء في هذا الوجود، نعم (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[١٠].
الغفلة ربما تستمر إلى ما بعد الدنيا
ويا ليت الأمر يتوقف عند مرحلة الضيق في الدنيا فالكآبة والحزن ربما تستمر إلى ما بعد ذلك والمشكلة تكمن بأنَّ المؤمن لا يدري ماذا يفعل؟ فكيف بالأعمى بأهوال القيامة يمشي وهو لا يعلم إلى أين؟ قال (تعالى): (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[١١]، تصور للحظات الإنسان في يوم القيامة يريد أن يبحث عن شفيع على الخصوص من موالي محمد وآل محمد وهو وقتئذ أعمى لا يرى أحداً حتى يتشبث به، وهنالك قسمٌ من الناس أعطاهم الله البصر في عرصات يوم القيامة لا للبصر فحسب، وإنما نورهم يمشي ويسعى بين أيديهم وأرجلهم، ففرقٌ بين هذا الأعمى وبين ذلك الذي يمشي بصيراً والنور أمامه قال (تعالى): (قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا)[١٢]، أنتم تعلمون الإنسان يوم القيامة لا يتجاسر، لا يخرج عن طوره، ولكن شدة المصيبة، تجعل الإنسان يسأل؛ لمَ حشرتني أعمى، من العبد ويجيبه الله (تعالى): (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)[١٣]، فما حال إنسان أعمى وقد نسي أمره في منطقةٍ في وسط الناس ترقّ عليه مشكلة هينة ولكنه أعمى ومنسي!
الوصول إلى درجة الذاكرين والمستغرقين في جلال الله (تعالى)
لا أتوقع من نفسي ولا من أمثالي أن نصل إلى درجة الذاكرين إلى درجة المستغرقين في جلال الله وجماله كما يقول الإمام علي (عليه السلام)، وكلمهم في ذات عقولهم أو كلمهم في عقولهم فهذه درجة عالية ولكن لنبدأ من الخطوة الأولى فالإنسان سمي إنساناً ومن موجبات هذه التسمية حالة النسيان عند بني آدم وفي تلك الآية الكريمة يسند النسيان إلى الشيطان وما أنسانيه إلا الشيطان أنْ أذكر، إذن الإنسان يعيش حالة الكرّ والفرّ والإقدام والإحجام إلى أنْ يصل إلى درجة الثبات، الإمام علي (عليه السلام) يقول: عبارة جميلة وهو أهلٌ لهذه المقولة: (ربِّ وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤلاً)[١٤]، هذه هبة من الله (عزّ وجلّ)، أنْ أعطاني قلباً عقولاً والعقل والقلب إذ اجتمعا فعلا العجائب القلب فإذا اجتمع مع العقل هذا القلب سيكون نوراني لا يمكن أن يوصف بشيء، الإمام علي (عليه السلام) كذلك لكن انظروا إلى تعبيره وهب لي إذن يعني هنالك هبة هنالك عطاء إلهي ولهذا العطاء أسبابه وأرضيته.
العشرة السيئة توجب الغفلة
من موجبات الغفلة العيش في لذة مع غير المؤمن، يعاشر بعض الناس من المجتمع في هذه الأيام يقال فلان قرين فلان، لا يرى إلا مع فلان في سفره، في حضره، في مناسباته نرى بعض المؤمنين يتخذوا بطانةً من دون المؤمنينّ فما الذي نستفيده من هذه العلاقة؟ إنسان فاسق أو إنسان مؤمن بحسب الظاهر ولكن يمارس المنكر لا يقف عند الحرام لا تذكّر بالله رؤيته ولا يزيدك في العلم منطقه ما الداعي لمعاشرة هذه الطبقة من الغافلين؟! ابتعد عن هؤلاء فإنهم لا يزيدونك إلا خسارة وإما وبالاً.
إذن الغافلون في المجتمع ينبغي التحرز عنهم تماماً، والمشكلة أنَّ الغفلة ليست دائماَ لأسباب عمدية، قد يكون الإنسان غافلاً بطبيعته بشهواته وإن لم يصل إلى درجة الحرام، لكن القرآن الكريم يطلق الغفلة ولو في موارد العذر، إنسان معذور ولكن مع عذره يسمى غافلاً، قال (تعالى): (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)[١٥]، المقاتل في الحرب لا يغفل عن سلاحه عن عمد، المقاتل حتى لو كان في جبهة الباطل يحبّ أن يكون يقظاً منتبهاً حاملاً سلاحه، لأنَّ حياته بذلك، ولكن القرآن الكريم يقول (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ)[١٦]، والمقصود منها الغفلة غير المقصودة إذ من الممكن للإنسان المؤمن في مواجهته للشياطين ولأعدائه أنْ يعيش هذه الغفلة فينسى سلاحه، وعندئذٍ يهجم عليه العدو ولهذا رأيتُ تعبيراً جميلاً في تفسير الغفلة في أحد كتب اللغة يقول: (حالةٌ تعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ) فمن الممكن أنْ يكون الإنسان من الذين قصروا في ذلك فلم يتحفظ ولم يُذكر نفسه فيقع فيها.
ومن موجبات رفع الغفلة البسملة، فالإنسان يبسمل ويسمي عند كلّ عمل صباحاً ومساءً وبحسب نشاطاتك اليومية دخولاً إلى المنزل وخروجاً منه معاملةً بيعاً شراءً سفراً إلى آخره…، فعندما يطعّم الإنسان حياته اليومية بمحطات من التسمية، وكما ورد عنهم (عليهم السلام) نحن مأمورون أن نسمي على كلّ ذي أمرٍ ذي بال، وإلا كان ذلك الأمر هو أبتر، فعند ما نشيع ذلك في حياتنا اليومية من الطبيعي أنْ يعطي حالة من حالات الذكر الدائم وكما قلنا قبل قليل الأمر هبةٌ من الله (عزّ وجلّ).
ذات النبي (صلى الله عليه وآله) ميسرة للخيرات
أحدهم تكلم بكلام جميل وإن كان حتما يحتاج إلى التحقيق، فهو قد أستعمل كلمة التيسير تارةً بإسنادها للشخص وتارةً أسندها للفعل، قال (تعالى): (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي)[١٧]، يعني يا رب اجعل فعلي فعلاً ميسراً ولكن عندما يصل الأمر إلى النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه القرآن: (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)[١٨]، التيسير متوجه لذات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فذاته يسرناها لليسر، فهو موفق للخير، ذاته ذات ميسرة، لا أنَّ الفعل يسّر لك موسى (عليه السلام) يقول: (ربِّ يسّر لي أمري)، والله (عزّ وجلّ)، جعل ذات النبي (صلى الله عليه وآله)، ذات ميسرة للخيرات والبركات، نعم على المؤمن أنْ يطلب من الله (عزّ وجلّ)، ألا يجعل فعله ميسراً فحسب؛ بل أنْ يجعل ذاته ذاتاً ميسرةً.
تعرضوا لنفحات الله (تعالى)
الدنيا والآخرة ضرتان الذي يقف بين طريقين، بين مفترقين، يقدّم الدنيا على الآخرة، ماذا جزآؤه؟! اسمعوا إلى كلام الله (سبحانه) -وقد قلنا قبل قليل هذه سنة في عالم الوجود- ( أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[١٩]، هؤلاء الذين استحبوا الدنيا على الآخرة (اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)[٢٠]، أولئك هم الغافلون، ربُّ العالمين يرسل عليك رياح رحمته رياح اليقظة والذكر في ليلة جمعةٍ في ليلة قدرٍ في حجةٍ في عمرةٍ في زيارةٍ ولكن إذا لم تلتقط هذه النفحات ولم تستثمرها ولم تخرج من حالة الغفلة المطبقة إلى حالة الذكر ولو المتقطعة فمن الممكن أن يصل العبد إلى درجةٍ ينطبق عليه قوله (تعالى): (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)[٢١]، وفي آية أخرى يقول (تعالى): (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[٢٢]، هذه الغفلة تحولت لديهم مع شديد الأسف إلى ملكة جعلت من هؤلاء يتحولون إلى أضل من الأنعام، عندئذٍ ختم الله على قلبه وطرده من دائرة الانجذاب إليه.
المواظبة على ذكر عناصر ثلاثة توجب الفوز للإنسان
كما هو معلوم فذكر الله في القلب فالذكر الخفي؛ هو أن تقول (لا إله إلا الله) في قلبك هذا الذكر لا ينعكس على الشفتين لأنّ طبيعة حروف التهليل طبيعة لا تستدعي أن تفتح فمك بإمكانك أن تكون في عرسٍ محرم وأنت مجبور في حالة تقية أو مدارة، ولكن تقول (لا إله إلا الله) فتخرج من ذلك الجو تعيش معهم ببدنك وروحك معلّقة بالملأ الأعلى وعلينا أن لا نغفل عن ذكر الإمام المهدي (عليه السلام)، فهنالك عناصر ثلاثة إذا تذكرناها كنّا من الفائزين؛ ذكر الله (سبحانه وتعالى)، وذكر الآخرة وأهوال القبر والقيامة، وذكر أوليائه، على الخصوص الإمام (عليه السلام) الذي نحشر تحت لوائه يوم القيامة، فهذه الحقول الثلاثة من الذكر حاولْ أن تعطيها حقها أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار، ذكر الدار وذكر القيامة والقبر والجنة وما شابه ذلك، هذه خالصة من الأمور التي يهبها الله (عزّ وجلّ) لعباده المؤمنين.
[٢] سورة الأعراف ٢٠١.
[٣] سورة البقرة ١٥٦.
[٤] الأمالی (للصدوق) ج١ ص٥٥٤.
[٥] سورة الروم ٧.
[٦] سورة الروم ٧.
[٧] سورة الحجر ٧٢.
[٨] سورة طه ١٢٤.
[٩] سورة طه ١٢٤.
[١٠] سورة طه ١٢٤.
[١١] سورة طه ١٢٤.
[١٢] سورة طه ١٢٥.
[١٣] سورة طه ١٢٦.
[١٤] انساب الاشراف ج٢ ص٩٨.
[١٥] سورة النساء ١٠٢.
[١٦] سورة النساء ١٠٢.
[١٧] سورة طه ٢٨-٢٥.
[١٨] سورة الأعلى ٨.
[١٩] سورة النحل ١٠٨.
[٢٠] سورة النحل ١٠٧.
[٢١] سورة الأعراف ١٤٦.
[٢٢] سورة الأعراف ١٧٩.
خلاصة المحاضرة
- ليس هنالك من لا يشتكي من قسوة القلب وخصوصاً بعد أشهر العبادة كشهر رمضان المبارك ومن الطبيعي أن تكون هذه القسوة بمعنى فقدان الأجواء الروحانية وهذا أمر عام للجميع، ولكن الإنسان في بعض الحالات لا تفوته نفحات شهر رمضان فحسب وإنما يتنزل إلى مستوىً أقل باختياره، إذ ليس الأمر مجرد فقدان مكاسب شهر رمضان وإنمايصيب الإنسان نوع من أنواع التثاقل والهبوط إلى درجة بعيدة، إذن ماذا نعمل مع هذه الغفلة؟ أربع مراحل في التعامل مع ربّ العالمين ذكرا ونسياناً:
- (الجحود، الإيمان، الذاكر، الغفلة، السهو)
- قد صرح القرآن الكريم بأنَّ الله عزّ وجلّ لم يخلق الخلق عبثاً وأنه موجودٌ ذو روح يراد به هدفاً معيناً
- علينا أن نعلم أنّ قيمة الحياة في ساعاتها البسيطة التي نقف بها أمام ربنا؛ بل الحياة صحراء قاحلة من دونها، ويجب أن نعلم فلسفة الوجود وأن نخرج من عالم السطحية
- المؤمن قد يغفل عن ذكر الله قد يغضب ويفعل مايفعل، ثم يستفيق من سكره على واقعه بعد دقائق وإذا به قد قام بما لا يليق به أبداً!
- و هناك سنن في عالم الحياة الاجتماعية وفي عالم الأنفس، فالقرآن يقول بأنَّ الذي أعرض عن ذكر الله عزّ وجلّ نتيجته هي حياة الضنك والضيق والتبرم قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكا).