- ThePlus Audio
لماذا يتهموننا بأننا مبدعين في الدين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
البدعة بين المسلمين
البدعة هي من المفردات العقائدية التي توجب شيئا من التوتر بين المسلمين. ولكن ما هي البدعة ومتى تصبح مستنكرة ومحرمة، وما هي حدودها؟
تعريف البدعة لغويا
وينبغي أن نعرف معنى البدعة في اللغة قبل ذلك. فهي عبارة عن الإتيان بشيء لم يسبق له نظير. والبديع من أسماء الله عز وجل؛ لأنه فطر الوجود من العدم من دون مثال يحتذي به، ولهذا فهو البديع حقيقة. ويقال للذي يأتي بشعر أو قصيدة جديدة وملفتة أنه جاء ببديعة؛ لأنه قد جاء بقصيدة لم تنظم قبل ذلك مثلها. ويمكن القول: أن البدعة أو الشيء البديع لا يستبطن مدحا ولا ذما في نفسه، وإنما يرجع المدح أو الذم إلى جوهر البدعة وماهيتها.
هل هناك بدعة حسنة؟
فإذا كان الشيء البديع يوافق رضا الله سبحانه؛ فهو أمر حسن. كوجود دار للأيتام في زماننا هذا وهو أمر لم نعهده من قبل في زمن النبي وآله (ع). فلم نسمع وجود مجمع سكني أو بيت بسيط في مدينة النبي (ص) أو غيرها من المدن يأوي إليها الأيتام مثلا. فهي إذن فكرة نشأت في العصور المتأخرة وأنعم بها من فكرة. وكذلك وجود وسائل الإعلام والفضائيات والمواقع والأفلام والمسلسلات التي تعيننا على ترويج الدين ونشره ومن خلال الصور المرئية، ومن خلال وسائل كثيرة معقدة ومبتكرة. فهل هذه من البدع التي ينبغي أن تحارب؟
هل كل أمر مستحدث بدعة؟
فإذا رُوِّج الدين في مكان ما، عن طريق الاحتفال بمولد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو إذا دخلنا قلوبَ الناس من خلال ربطهم بالنبي (ص) في مولده فرحا، وفي وفاته حزنا؛ فلماذا نعتبر هذه بدعة من البدع التي ينبغي أن تحارب؟ وإذا كانت الفضائية أو الموقع يُروِج للدين في ضمن حدود الشريعة؛ كأن نذكر فيها قصيدة في المصطفى (ص) كقصيدة البوصيري، وما شابه ذلك، فإن هذا ليس مما ينبغي له أن يحارب. فمادام هناك ترويج لآية في القرآن الكريم، وهي آية المودة وهو قوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ)[١].والمودة ليست حالة قلبية محبوسة في الباطن، بل هي حالة في القلب، وممارسة في الخارج؛ فمثلا: إن الإنسان الذي يود صديقا، يأتي له بهدية في يوم مولده، ويأخذ له باقة ورد إلى المستشفى عند مرضه، ويأخذ له هدية يوم زواجه.
ويقول سبحانه في كتابه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)[٢]؛ فمن الأمثلة على هذه القوة رباط الخيل ولا يعني أن نقتصر على رباط الخيل في كل دهر وزمان وإنما ذلك مصداق من المصاديق؛ بل ينبغي للمسلمين التسلح بأحدث الأسلحة الموجودة في كل زمان. وكذلك قوله سبحانه: (ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[٣] وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم)[٤] فلهاتين الآيتين مصاديقها في كل عصر من العصور.
فليس من البدعة أن يقوم المسلمون بتطبيق كليات الشريعة من خلال أمور مستحدثة؛ لأنهم لا يدخلون شيئا في الدين باسم الدين. وإنما البدعة أن ينسب إلى شريعة ما لم يأت فيها مما لم يذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والكلمات المأثورة عن أهل البيت (ع).
بدعة صلاة التروايح
وبناء على ما تقدم، فإن الشيعة لا يعتقدون بالصلاة جماعة في المستحبات؛ كالنوافل التي يقيمها غيرهم جماعة في شهر رمضان. فلم يؤثر عن النبي (ص)، ولا الوصي، ولا أولياء الحق أن الصلاة المندوبة تصلى جماعة. ولهذا فإننا نعتقد أن هذا إدخال في الدين؛ بخلاف الممارسات اليومية التي ترمي إلى ترويج الدين وإحياء الشعائر من خلال إحياء ذكر أئمة الدين (ع) وإبراز المودة لهم؛ فإن كل ذلك أمر سائغ، لا يمت إلى البدعة بصلة.
ابتكار الأساليب الجديدة في الترويج للدين والمذهب
ولابد من بعض التوصيات إلى من يريدون ابتكار أساليب جديدة في ترويج الدين، فأولا: ينبغي ألا تكون الوسيلة المبتكرة وسيلة منفرة؛ فقد تكون بعض الأساليب مقبولة في زمان مذمومة في غيره، وهنا ينبغي للموالي تشخيص الأسلوب الأنسب في الترويج للدين والمذهب.
والأمر الآخر؛ أن يكون الأسلوب منسجما مع روح الشريعة. فقد يروج الإنسان للمذهب من خلال قصيدة مصحوبة ببعض النغمات الموسيقية والآلات التي في حليتها شبهة. ونحن نعلم أن روح الشريعة قائمة على مسألة الاحتياط، والتوقف في الشبهات، وقد ورد في الأثر: (دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ)[٥]. واجتناب الشبهات خير من تقحم الهلاك.
خلاصة المحاضرة
- ليست كل أمر مستحدث بدعة؛ وإنما البدعة إدخال ما ليس في الدين فيه. أما إذا كانت الوسيلة المستحدثة مما تساعد على ترويج الدين والدعوة إلى الإسلام فهي ليست من البدعة في شيء. ولا داعي لتكفير المسلمين، بمجرد استحداث وسيلة من وسائل تعظيم الشعائر.