Search
Close this search box.
  • لماذا لا تسأل الله ذرية طيبة؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لماذا لا تسأل الله ذرية طيبة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة بين ثوبين أبيضين…!

من الضروري أن يربي الإنسان لنفسه ذريةً تبقى له صدقة جارية إلى أبد الأبدين. فمهما جمع من مال الدنيا، وبنى من ناطحات السحاب، وكسب من هذه الدنيا؛ فمآل ذلك كله إلى الفناء ولا يسعفه هذا المتاع إلى لحين وضعه في قبره. إن الإنسان يخرج من هذه الدنيا بثوب أشبه شيء بالقماط. هناك شبه بين الثوب الأبيض الذي يلف به الطفل عند ولادته، والثوب الأبيض الذي يلف به عند مماته. وهناك موقف بينهما يشبههما في الثياب وهو عندما يلبس ثوبي الإحرام. القماط في الأول والكفن في الأخير، وثوبي الإحرام بينهما.

لا ينفعك إلا العمل ولا ينفع العمل إلا بهذا الشرط

فالإنسان يخرج من هذه الدنيا صفر اليدين من متاع الدنيا، ومنفصلاً عنها. وكما يقال في الفقه: هناك نماء متصل، ونماء منفصل. أما النماء المنفصل هو ترقيه في الدنيا والذي ينفصل عنه ساعة الموت. وهناك نماء متصل يتمثل في أمرين يأنس بهما الإنسان في البرزخ والفيامة. أحدهما: عمله. وليس كل عمل ينفع الإنسان، فقد روي: (الناس كلهم هلكى ألا العالمون، والعالمون، كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم)[١]. إنما ينفعه هو العمل الذي يقترن معه الإخلاص. ومن جمع بين العلم والعمل والإخلاص؛ يُرجى أن يكون من غير الهالكين.

الأمر الثاني: ما ينفع الإنسان بعد موته. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِذَا مَاتَ اِبْنُ آدَمَ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ عَنْ ثَلاَثٍ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[٢]. إن الإنسان بمجرد أن يموت تقوم قيامته، وفي القيامة جزاء ولا عمل. فلا ينفع الإنسان في ذلك اليوم إلا ما قدم من الأعمال أو ما أخر من الصدقات الجارية التي تجري له بعد موته.

ويُمكن أن يكون هذا الولد الصالح مؤمناً يصلي ويصوم، ويعمل الواجب ويترك الحرام؛ ويُمكن أن يكون إمام للمتقين، والأخير هو ما ينبغي أن نعمل عليه، ونطلبه. ذكر سبحانه في آخر سورة الفرقان بعض صفات عباد الرحمن التي منها، أنهم يبيتون لربهم سجداً وقياما، ثم يذكر سبحانه أن هؤلاء يقولون في الأخير: (وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا)[٣]. لا تقل: لقد كُتب في اللوح المحفوظ عن ولدي؛ أنه لا يكون مميزاً. لا تيأس، وقل دائما: يا رب، إن لم تكرمني بولدي هذا؛ أكرمني بأحفادي.

الصدقات الجارية أنواع مختلفة

هناك الكثير من الصدقات الجارية التي يستطيع أن يقوم بها الإنسان؛ إلا أن الولد الصالح له ميزته وخاصيته. أما العلم النافع المتمثل في الكتب؛ فقد تفنى أو قد لا تجد طريقها إلى الطباعة، وقد تندثر وخاصة في الأزمنة القديمة عندما كانوا يعتمدون على المخطوطات. فبعض كبار علمائنا ذابت كتبهم في الماء. أما المسجد فقد يندثر كما اندرث الكثير من المساجد وعفى عليها الدهر والزمان، ولا يُعلم لها أثر؛ فالكثير من القرى التي اندثرت بما فيها مساجدها.

أما الولد الصالح فيستمر عطائه جيلا بعد جيل. بعض الأجداد أصبح لهم اليوم الآلاف من الذراري المتفرقين في أنحاء العالم كإبراهيم المجاب (ع) المدفون عند الحسين (ع) والد الكثير من هؤلاء السادة الكرام. إن رب العالمين الذي يعطيك بستين سنة من الطاعة؛ الحياة الأبدية في الجنة، بل في مقابل ساعة من الطاعة يعطيك الأبدية كمن يسلم فيموت بعد ساعة؛ ما المانع الذي اعتدنا عليه من الكرم الإلهي أن يسجل أعمال هذه الذرية الكثيرة إلى يوم القيامة في ديوان جدهم؟

إن هذا الولد قد خرج من صلبه؛ فاحتضنه وأغدق عليه عليه من عطائه. وقد يصل الأمر ببعض الآباء أن ينفق على ولده أربعين سنة؛ فهل يُستبعد أن يعطيه الله مثل ثواب ما يقوم به هذا الولد من الأعمال؟  وهكذا الأمر يكون في الأحفاد. إن من صفات القيامة أنها خافضة رافعة. فقد يُفاجئ الإنسان ببعض المزايا التي لم تكن تخطر بباله.

لنحاول أن نقدم لله عز وجل ما تقر به عين المصطفى (ص) الذي يباهي الأمم يوم القيامة بمن أثقل الأرض بكلمة لا إله إلا الله ولو كان سقطاً. بالطبع إن النبي (ص) سيباهي بالصالحين من أمته. ومن حمل في قلبه هذا الهم؛ يسعى للاقتران بزوجة صالحة. إن المرأة الصالحة مصنع الذرية الطيبة. فلا تكتفي بالنظر إلى جمال المرأة التي تريد أن تتزوجها، وإلى شكلها، ولكن انظر إلى دينها. لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه رأى رجلاً يريد أن يتزوج فقال له: (اُنْظُرْ أَيْنَ تَضَعُ نَفْسَكَ)[٤]. فأنت بهذه الزيجة تصبح أسيراً لهذه الحياة الزوجية ولأسرتك؛ فانظر من تعطيه زمام أمرك، وبيد من تضع رقبتك.

[١] جامع السعادات ج ١ ص ٢٢٠.
[٢] جامع الأخبار  ج١ ص١٠٥.
[٣] سورة الفرقان: ٧٤.
[٤] تفسير نور الثقلين  ج٣ ص٥٩٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الولد الصالح يستمر عطائه جيلا بعد جيل. إن بعض الأجداد أصبح لهم اليوم الآلاف من الذراري المتفرقين في أنحاء العالم كإبراهيم المجاب (ع) المدفون عند الحسين (ع) والد الكثير من هؤلاء السادة الكرام.
Layer-5.png