إن هناك تأكيدا في روايات أهل البيت (ع) على صفتين، إذا لم يقترنا ببعضهما البعض، يبدو أن هاتين المزيتين لا قيمة لهما.. ألا وهما: العلم، والحلم!..
إن الإنسان الحليم، هو الذي له حالة من سعة الصدر.. مثلا: عندما نرمي بحجر في حوض صغير، الماء ينقلب رأسا على عقب، فالترسبات التي في القاع: من الطحالب، والتراب، وغيرها؛ تصعد إلى السطح.. أما هذه الحجر إذا رميت في البحر، فإنها لا تحرك ساكنا، فقط تحدث أمواجا بسيطة وتختفي.. البعض صدره ونفسه مثل البحر، لا تزعزعه العواصف؛ كالجبل الراسخ.. (المؤمن كالجبل الراسخ، لا تحركه العواصف).
إن أحد الصالحين كان يمشي، وإذا بأحدهم يصب الرماد على رأسه؛ فشكر الله -عز وجل- على هذه النعمة، قال: أنا أستحق النار، ولكن رب العالمين صالحني بالرماد.. وقيل لأحد العلماء: أن هناك لغطا حولك، قال: الكلام عبارة عن أمواج في الهواء لا تؤذي؛ أما الذي يؤذي حقيقة، فهو الضرب.. انظروا إلى سعة صدر المؤمن!..
إن الذين عندهم خدم في البيوت، فليتدبروا في هذه الرواية: (بعث الصادق (ع) غلاماً له في حاجة، فأبطأ.. فخرج الصادق (ع) على أثره لمّا أبطأ، فوجده نائماً؛ فجلس عند رأسه يروّحه حتى انتبه.. فلمّا انتبه قال له الصادق (ع): يا فلان!.. والله ما ذلك لك، تنام الليل والنهار!.. لك الليل، ولنا منك النهار).. هذا أسلوب أئمتنا (ع)، ونحن منتسبون إلى جعفر الصادق (ع)، فيجب أن نقتدي به (ع).
وعليه، فإن الإنسان الذي لا يكون حليما، علاجه أن يتحلم؛ أي يتظاهر بالحلم.. فتكلف الملكة بعد فترة، يثمر الملكة نفسها.. هذه الرواية من غرائب روايات أهل البيت (ع)، -إذا رأى الإنسان رواية غريبة على عقله، لا يسارع إلى تكذيبها، ردوا علمه إلى أهله-!.
قال الصادق (عليه السلام): (إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان، فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت، وأنت أهل لما قلت، ستجزى بما قلت.. ويقولان للحليم منهما: صبرت وحلمت، سيغفر الله لك، إن أتممت ذلك.. قال: فإن رد الحليم عليه، ارتفع الملكان).. والدليل على ذلك، أن الإنسان المذنب وهو يرتكب الذنب، يشعر بتأنيب الضمير، وتجري دموعه.. فالذي أجرى الدمع حركة الباطن، ولا يستبعد وجود ملك من هذا القبيل.
فإذن، إن رب العالمين يقوي المؤمن في اجتياز المنازعة.. قد يقول قائل: أنا رأيت أمامي منكرا كيف أسكت؟.. عليه أن يعلم أن هناك فرقا بين أن تكون النصيحة لله محضا، وبين أن تكون انتقاما للنفس!.. نحن بعض الأوقات نخلط بين الأمرين، وإن كانت النصيحة صحيحة؛ ولكنها تكون طلبا للذاتية والإنية.. وفرق بين العالمين!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.