- ThePlus Audio
لا يُفلح المترفون…!
بسم الله الرحمن الرحيم
حياة الترف وناقوس الخطر
قد يصل الإنسان في حياته إلى درجة يألف حياة الترف ولا يتألقم إلا مع نمط محدد من حيث المأكل والملبس والمشرب وأثاث المنزل وهو أمر إن لم يكن محرما في الشرع إلا أنه يمنع الإنسان من نيل الكمالات المعنوية. إن من أخطر الأمور، إعطاء النفس مناها في كل شيء؛ فطبيعة النفس طبيعة طفولية صغيرا كان الإنسان أو كبيرا. إنك ترى الرجل قد يكون من كبار الشخصيات ولكن تنازعه نفسه إلى أكلة شهية أو ملبس جميل ولا يستطيع مقاومتها، وهو تماما كالطفل الذي تنازعه نفسه إلى قطعة من الحلوى.
إن النفس التي تحب هذه المظاهر المادية، فهي نفس غير بالغة. وقد لا تبلغ النفس في بعض الناس إلى آخر العمر ويبقى على ما هو عليه من عدم البلوغ والنزق، لأنها بقيت في دائرة مشتهيات النفس. ومن هنا نقول: إن من يريد الخروج إلى دائرة التكامل، لابد وأن تكون له قوة يمنع بها الكثير من مشتهيات النفس الأمارة. وإذا تمكن الإنسان من نفسه واستطاع أن يقول لها: لا، فقد فتحت له أبواب الترقي.
هل يتكامل الإنسان بترك المكروهات؟
إن من أهم العناصر في شهر رمضان المبارك وفي موسم الحج ما يُعرف بالتروك. فالصائم له تروك هي محللة في سائر الأيام من الانغماس في الماء مثلا والحاج له تروك من شم الطيب والنظر في المرأة والزينة وحتى قتل الهوام ولكن الله سبحانه يُحرمها عليهم لحكمة. ويُمكن القول: إن غرض الشارع تربية الإنسان على أن يتمكن من نفسه ويقول لها: لا، متى ما أراد ذلك.
وهناك تربية أخرى يقوم بها الشارع من خلال المكروهات وهي أمور لا تتعلق بحج ولا صيام. إن المكروهات أمور منهي عنها ولكن بقالب غير إلزامي كما في الحج وفي شهر رمضان المبارك. هناك ما يُسمى بالنهي التنزيهي لا يعاقب من أتاه. إنها مكروهات قد وُضعت أمام من يحب التكامل ليعلم أن الميدان مفتوح أمامه. فإذا أراد المؤمن أن يروض نفسه خارج هذين الموسمين، ويقول: يا رب، إنني قد روضت نفسي على اجتناب المحرمات – وعامة الناس في هذه الدرجة – فكيف لي أن أخطو الخطوة التالي وأحقق درجة متميزة أخرى من العبودية؟ هنا يأتي دور ترك المكروهات والعمل بالمستحبات.
لا تمش على حافة الجبل
والمؤمن لا يمشي على حافة الجبل؛ فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه. إن اجتنابك المكروهات هي مساحة الاحتياط في حياتك التي ينبغي أن تلزمها دائما في حياتك؛ لكي لا تقع في الحرام من حيث لا تدري. إن من الناس من يأكل كل ما هب ودب تحت ذريعة سوق المسلمين وهو يعلم أن من العلامات التجارية التي تُعرض في سوق المسلمين لا تكترث للحلال ولا الحرام. أين الاحتياط إذن؟ لست ملزما بالاحتياط دائما، ولكن بلا شك أن هذا الاحتياط يجنبك الوقوع في دائرة الحرام.
إذا أعطيتها مناها في الحلال، جرتك إلى الحرام
وإذا أعطى الإنسان نفسه مناها في المحللات، فيسوف يتلكئ عند نهيها عن الحرام قليلا. فعلى سبيل المثال هو يعلم أن النظر إلى النساء بلا شهوة وريبة لا إشكال فيها كما يذهب إلى ذلك البعض من الفقهاء، ولكنه يقول: ما لي وهذه النظرة؟ لماذا أنظر إلى امرأة أجنبية؟ لماذا أنظر إلى هذه المضيفة التي تمر من أمامي في الطائرة مثلا؟ فإذا استطاع الإنسان أن يسيطر على هذه النظرات في المباحات، فإنه على السيطرة عليها في المحذورات أقدر.
فإذا انقدحت في نفسه شهوة فمن الطبيعي أن يسيطر على نظرته، لأنه جرب ذلك في الحلال ورأى نفسه بطلا، فهو في كبحها عن الحرام أكثر بطولة. لقد شبه أمير المؤمنين (ع) من يتحمل خشونة الحياة ويكبح جماح النفس ولا يؤتيها سؤلها بالشجرة البرية، فقد روي عنه (ع) أنه قال: (أَلاَ وَإِنَّ اَلشَّجَرَةَ اَلْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَاَلرَّوَاتِعَ اَلْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَاَلنَّابِتَاتِ اَلْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَأَبْطَأُ خُمُوداً)[١].
المترفون أسرع انكسارا
إننا نلاحظ من حولنا من يعيش حياة الدلال والرفاهية يكون سريع الانكسار في مواجهة أزمات الحياة وتحدياتها. ولذا سرعان ما ينهار المترفون الذين اعتادوا حياة الرفاهية؛ بينما يقتحم أولاد الفقراء والمساكين الميادين كافة لوجود هذه النفسية المقاومة التي تأبى الخضوع والانكسار.
ومن الأمور التي اعتادها البعض حد الإدمان؛ تدخين السجائر. ولو ناقشنا هذه المسألة من الناحية الفقهية؛ وجدنا أن البعض من الفقهاء ممن لهم وزنهم، يقولون: ما دام الأمر في دائرة الحلال، ما المانع منها؟ إن من يمنع هو رب العالمين وبحسب الموازين الشرعية لم يرد نهي ويرجع الفقيه إلى أصالة البراءة وما شابه ذلك. ولكننا لو ناقشنا التدخين من الناحية الأخلاقية وفيما يتعلق بالتزكية.
مشكلتا التدخين
هناك مشكلتان في التدخين؛ المشكلة الأولى إيذاء البدن ولو تدريجاً. فحتى الذين يبيعون هذه المادة يحذرون المستهلك من أن استعمالها يؤدي إلى الإصابة بأمراض الرئة والسرطان. وهذا اعتراف منهم بوجود مادة مضرة في هذه المادة. وكما يقول العرب:
الفضل ما شهدت به الأعداء
المشكلة الثانية مشكلة المال الذي يتحول إلى دخان في الفضاء. فليس هو طعام ولا هو شراب ولا هو من المغذيات والمقويات ولا أي شيء من هذا القبيل. فبالتالي لا نجد وجهاً راجحاً للتدخين. إنني أعتقد، لو دخل أمام زماننا (عج) على هذا المدخن، فإن أول ما يفعله هو أن يطفئ هذه السيكارة أو يخيفها منه لكيلا يراه في هذه الحالة. بل إن من الفقهاء من يحرم التدخين الابتدائي وإن كان لا يحرم الاستمراري، ومنهم من يحرمه مطلقا. أما من الناحية الأخلاقية فالأرجح تركه.
ولمن يقول: إنني أعاني من وضع نفسي خاص والتدخين يخفف عني الكثير من الآلام النفسية، أقول: هل قال سبحانه: ألا بالتدخين تطئمن القلوب أم أنه قال عز من قائل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[٢]؟
خلاصة المحاضرة
- للصائم تروك هي محللة في سائر الأيام كالانغماس في الماء مثلا والحاج له تروك من شم الطيب والنظر في المرأة والزينة وحتى قتل الهوام ولكن الله سبحانه يُحرمها عليهم لحكمة. يُمكن القول: إن غرض الشارع تربية الإنسان على أن يتمكن من نفسه ويقول لها: لا، متى ما أراد ذلك.
- ولمن يقول: إنني أعاني من وضع نفسي خاص والتدخين يخفف عني الكثير من الآلام النفسية، أقول: هل قال سبحانه: ألا بالتدخين تطئمن القلوب أم أنه قال عز من قائل: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)؟
- إننا نلاحظ من حولنا من يعيش حياة الدلال والرفاهية يكون سريع الانكسار في مواجهة أزمات الحياة وتحدياتها. ولذا سرعان ما ينهار المترفون الذين اعتادوا حياة الرفاهية؛ بينما يقتحم أولاد الفقراء والمساكين الميادين كافة لوجود هذه النفسية المقاومة التي تأبى الخضوع والانكسار.