- ThePlus Audio
لا ينجح المبلغ إلا بهذا الشرط…!
بسم الله الرحمن الرحيم
من هم المبلغون؟
عندما نتحدث عن الخطابة والدعوة إلى الله عز وجل، يتبادر إلى الأذهان، الخطباء المنبريون، وهذا خطأ شائع. إن الدعوة إلى الله عز وجل والخطابة دور الجميع من أكبر مرجع إلى أصغر طالب في الحوزة العلمية. كيف لا يكون ذلك والدعوة إلى الله عز وجل من مقامات الأنبياء. فلا ينبغي أن نجعل حداً فاصلاً بين الاجتهاد وبين الخطابة والدعوة إلى الله عز وجل؛ فهل الاجتهاد أرقى من النبوة والرسالة؟ ألم يكن الأنبياء كلهم خطباء ومبلغين؟
لماذا قال موسى (ع): (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي)[١]؟ لأنه بحسب بعض الروايات كانت له مشكلة في البيان وكان هارون أفصح منه لسانا لا أعلم منه؛ فقد كان موسى (ع) من أنبياء أولي العزم ولكن للفصاحة دور لا يُنكر في التبليغ. ويتبين من هذه الآية الشريفة؛ أهمية الفصاحة ودورها في التبليغ والدعوة إلى الله. ويُقال: في مقام العمل كان موسى (ع) هو الأفصح وهو الذي واجه فرعون وتحدث معه ولم يكن بحاجة إلى هارون في ذلك المقام. فقد كان موسى (ع) كليم الله وهارون دون ذلك المقام.
الخطابة نهج الأنبياء
وهذا الحديث؛ حديث عن الخطابة بالمعنى الأنبيائي بشقيه الإنذاري والتبشيري، لا بالمعنى المنبري، وإن كان المنبر أعظم شرف لمن انتسب إليه. إلا أن المنبر سبيل من سبل الدعوة إلى الله عز وجل. ولذا يحرص علمائنا الحاضرين حفظهم الله وكذا كان علمائنا الماضين رحم الله؛ على أن يخصصوا في المناسبات وقتا للوعظ البليغ المؤثر المبكي في ختام بحث الخارج. لأن الواحد منهم مع عظيم مكانته وكبير مقامه، يتمنى أن يكون في عداد الخطباء الواعظين.
ولابد من وجود خصال تجتمع في الخطيب والخطاب، لكي ينجح العمل ويكون مؤثرا. أولا: انتساب العمل والعامل إلى الله عز وجل. لا يُشترط في الطب أن يكون الطبيب الذي نرجع إليه مسلما بالضرورة؛ فقد يراجع المرجع طبيبا في بلاد الغرب ويكون يهوديا أو نصرانيا ويخضع للعلاج تحت يديه. وهناك الكثير من الأطباء في مختلف الفروع الطبية من الديانات الأخرى ومن الملحدين حتى، ولكن لا يمنع ذلك من الرجوع إليهم والاستفادة من تخصصهم. ولذا لا معنى لقول القائل: لا تذهب إلى الطبيب الفلاني، لأنه يهودي أو نصراني، فنحن لسنا في مقام الصلاة خلفه. وكذلك الأمور في سائر التخصصات كالهندسة وغيرها.
من أين يكتسب العمل قيمته؟
إلا أن الأمر يختلف في التبليغ الديني والدعوة إلى الله عز وجل. إذ لا يرضى الرب، أن ينتشر دينه على يد الأجانب. ولا أعني بالأجانب من هم في مقابل المواطنين؛ بل أعني الأجنبي عن الله عز وجل. انظر إلى كتب المستشرقين الذين يهتمون بدراسة الإسلام ويؤلفون الكتب القيمة أحيانا في هذا المجال مع ملاحظتنا الكثيرة عليها، كالذي ألف المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم بالاستناد إلى كتب المستشرقين. وهو كتاب قيم نقرأه ونستفيد منه.
ولكن أعمالهم لا تنتسب إلى الله عز وجل ولن يكون لها قيمة. نعم، قد يؤلف أحدهم كتابا ويلقى قبولا في أوساط العلماء والباحثين ولكن هل يكون مجتهداً أو مقلداً أو خطيباً ناجحاً أو مصلحاً موفقاً أو داعياً إلى الله عز وجل أو أمام جماعة مقبول عند الله؟ بالطبع لا يُمكنه أن يصل إلى أي مقام من هذه المقامات التي تحتاج إلى تأييد رباني.
هل تبحث عن النجاح في العمل التبليغي؟
إن النبي الأكرم (ص) على عظمته وعظمة ملكاته الذاتية وأنه على خلق عظيم كما وصفه سبحانه ومع عظيم المعجزات الخارجية، كان يحتاج إلى الإذن من الله عز وجل في الدعوة، فقال عز من قائل: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ)[٢]. أي كن نبيا وكن خلوقا وصاحب معجزات وكن شاهدا ومبشرا ونذيرا؛ فلن تكون داعيا إلى الله وسراجا منيرا إلا بإذنه. فإذا أراد الخطيب تأسيا برسول الله (ص) أن يكون سراجا منيرا، فلن يصل إلى بغيته بالدراسة وما شابه ذلك وإنما يحتاج إلى الإذن. ومن موجبات هذا الإذن؛ قيام الليل. إن المقام المحمود بحاجة إلى قيام الليل، ومن المقام المحمود أن تكون داعياً مؤثراً وواعظاً مؤثراً في النفوس. هل يُمكن أن يُصلح الناس والمأمومين الذين يقومون الليل، إمام يغط في النوم عميق كل لليلة؟ هل يؤثر خطابه في نفوس هؤلاء؟
لن يدوم عمل هؤلاء طويلا
قد يقول قائل: لبعض الحكام مشاريع دينية وتوعوية، فكيف يكون ذلك والعامل يريد به غير وجه الله؟ أقول: إن هذه الأعمال تندثر مع الأيام. وطالمنا تأسست مؤسسات بأوامر الفسقة والفجرة وذوي المال والسلطة، فكانت في مقام العمل كالزبد يذهب جفاءً. للزبد حجم كبير، وإذا نظرت ظننت البحر كله زبد ولكن سرعان ما يختفي ويظهر الماء. وكما روي: (لاَ تُعْجِبْكَ طَنْطَنَةُ اَلرَّجُلِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ)[٣]؛ فقد ترى الرجل صالح في ظاهره، طالحا في باطنه، يذهب كل ما عمله هباء. وقد ترى الرجل كالشهيدين الأول والثاني، لا زال طلاب العلم عيال على لمعتيهما؛ الأصل والشرح. لقد أعدمهما الظالمون، ولكن بقيت آثارهما إلى يومنا هذا، لإخلاصهما في أعمالهما.
إن الإخلاص، أفضل خصال المبلغ، فكما روي: (مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ اَلْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ.)[٤] وقد عرفت رجلا عمل بهذه الرواية إجمالا لا تفصيلا، فقال لي: إنني في الكثير من الأحايين، أرتقي المنبر من دون تحضير – لا أدعو إلى ذلك بالطبع – وأقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وأصل إلى حرف الميم وليس في بالي موضوع محدد، وإذا بي أجد نفسي قد شرعت في الحديث وتأتيني الكلمات من كل جانب.
إنني لا أدعوا لهذا الأمر، فالخطابة بحاجة إلى تحضير وتحقيق؛ ولكن رب العالمين له قدرته وله ملائكته الملهمة وله توفيقاته وإلقاءه في الروع. وهذا الباب مفتوح أمام الجميع. وقد رأيت منبره ناجحا ويشهد بذلك له الحضور؛ فقد جمع بين المنبر والتحقيق ولذا ارتقى من بين الخطباء، وجرت ينابيع الحكمة من قلبه.
كن خطيبا في أهلك وأسرتك
قد يقول قائل: إنني لست خطيبا لكي أخلص لله أربعين صباحا فتجري على لساني ينابيع الحكمة، فأقول له: كن موظفا أو عاملا أو ما شئت، أفلا تكون واعظا في أهلك وأسرتك وأرحامك؟ كل واحد منا مشروع واعظ ولو في دائرة ضيقة من حوله. فإذا كان بالأمكان الوصول إلى مقام الوعظ والتبليغ من دون أن يكون الرجل منا من أهل العلم، فكيف إذا كان متصديا لذلك؟ فأنت بطريق أولى تحتاج إلى هذا الدعم الإلهي.
فلابد أن يربط الخطيب عمله، بالباقي. ماذا يفعل المؤمن إذا تنجست يده؟ يغمسها في النهر أو البحر فتخرج طاهرة. ولكن ماذا لو كان النهر أو البحر بعيدا؟ تفتح ماء الكر وتملأ به كوبا صغيرا، فمادام الكوب متصلا بالكر، يصبح في حكم الكر وإن كان قليلا. أي يصبح الكوب في حكم البحر المتوسط أو البحر الأحمر…! إن مائنا قليل، فلنصله بالبحر ونكون مطهرين على قلتنا.
متى يخلص أحدنا؟
إن قوام الإخلاص؛ المعرفة والمحبة. متى تخلص لأحدهم؟ إذا كنت تعرفه. إذا قلت لك: أخلص لفلان، تسألني: من هو؟ ما اسمه؟ ما هو نسبه؟ أين هي صورته؟ وهلم جرا. فلا يُمكن أن نُخلص لمجهول في مجهول. إن المعرفة هي انكشاف الحجب الباطنية. وبعد ذلك تحتاج إلى محبة؛ فلا تُخلص لمن لا تحب. قد يكون لأحدنا موقف من مرجع من المراجع ولا يقلده ولا يحبه، فلا يُمكن في هذه الحالة أن يخلص له بالتأكيد، بخلاف والديك الذين تحبهما وتخلص لهما. وبعبارة أخرى مبسطة: الحب زائداً العلم، يساوي الإخلاص. وهي وإنا كانت معادلة بسيطة جداً، إلا أن تحقيق طرفيها، بحاجة إلى شغل وتعب كثير.
خلاصة المحاضرة
- عندما نتحدث عن الخطابة والدعوة إلى الله عز وجل، يتبادر إلى الأذهان، الخطباء المنبريون، وهذا خطأ شائع. إن الدعوة إلى الله عز وجل والخطابة دور الجميع من أكبر مرجع إلى أصغر طالب في الحوزة العلمية. كيف لا يكون ذلك والدعوة إلى الله عز وجل من مقامات الأنبياء؟
- قد يقول قائل: لبعض الحكام مشاريع دينية وتوعوية، فكيف يكون ذلك والعامل يريد به غير وجه الله؟ أقول: إن هذه الأعمال تندثر مع الأيام. وطالمنا تأسست مؤسسات بأوامر الفسقة والفجرة وذوي المال والسلطة، فكانت في مقام العمل كالزبد يذهب جفاءً.