- ThePlus Audio
كيف يجب أن تكون علاقتي بالحسين (عليه السلام)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
نعيم الدنيا أم نعيم الآخرة؟
لو تأملنا ما ورد من الروايات الشريفة حول النعيم في الآخرة، وجدنا أن النعيم درجات؛ من النعيم الحور والقصور والغلمان ولحم الطير والأنهار المطردة بالخمر والمياه غير الآسنة وما شابه ذلك من المتع الحسية المادية التي هي فرش النعيم وأقل حظ المؤمن فيها. وطبيعة الإنسان في الدنيا أو الآخرة أنه منجذب إلى هذه النعم المادية ومستمتع بهذه الملاذ، فالزوجة في الدنيا تُستبدل بالحور العين والخمر المحرم يُستبدل بما أحل الله من أنهار الخمر هناك وبالعسل واللبن وغيره. وثمة فواكه من ثمار الدنيا قد أشار إليها القرآن الكريم كالعنب والرمان تتجدد له هناك، ولذا يقول سبحانه: (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةࣲ رِّزۡقࣰاۙ قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهࣰا)[١].
ارفع من مستوى طموحك…!
ولا ينبغي أن يُنزّل المؤمن من مستوى طموحه ويكتفي من التلذذ بهذه المتع التي ذكرناها؛ بل ينبغي أن يعلي سقف الطموح ويطلب القرب من الله عز وجل. ترى الشاب في الدنيا يعمل عشر سنوات ليشتري أرضا ثم يبني عليها منزلا ويؤثث ذلك المنزل ليعيش بعدها عشرين سنة في هذه الدنيا. هذا وقد يستغرق ذلك منه عشرين سنة، فهو يعمل من سن العشرين حتى الأربعين لكي يهيئ منزلا يسكن فيه إلى الستين. فأول عشرين سنة من عمره تضيع من دون طائل ثم يعمل في عشرين سنة للعيش، وعشرون سنة هي سنوات استثمار هذا السعي، وإذا بالمنادي ينادي للرحيل.
ستكون حيا قيوما ذات يوم…!
أما لو كان هذا الشاب مشغولا في التفكير في أمر آخرته وفي الباقي بدل الفاني، لاختلف الأمر تماما. إن الإنسان بحسب الروايات الشريفة ينادى يوم القيامة بالحي القيوم. فقد روي في حديث قدسي أن الله عز وجل يخاطب أهل الجنة قائلا: (من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت)[٢]. بالطبع إن الله سبحانه حي قيوم بالذات والإنسان يُصبح حيا قيوما بفضل من الله عز وجل، وقد قال عز من قائل: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)[٣]؛ فهو سبحانه متى ما شاء قطع الخلود ولكنه بكرمه وبوعده الذي قطعه على نفسه، يبقينا خالدين فيها. فكيف يترك الإنسان هذا الخلود فينشغل بالفاني من اللذات؟
ماذا أطلب عند الحسين (عليه السلام)؟
لماذا لا يفكر أحدنا في هذا النعيم الذي سنبقى فيه أبد الآبدين؟ لماذا لا نسعى لكي يكون هذا النعيم مميزاً؟ عندما تزور الحسين (ع) وتُصبح تحت قبته الشريفة، فاطلب أولا: فكاك رقبتك من النار، ولكن ليس هذا هو المطلب الأخير. إن فكاك الرقبة من النار هو أول خطوة في هذا الطريق. ثانيا: اطلب الجنة، فإذا ضمنت دخول الجنة فقد أصبحت في منتصف الطريق…! ثالثا: اطلب مقام القرب الربوبي، فغاية المنى أن تكون يوم القيامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر وأن تحرز مقام الدخول في عباد الله الذي وصفه سبحانه بقوله: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[٤]. إن هذا القرب يعني أن تكون في منزلة النبي وآله (ص) وهو أفضل جوار يُمكن أن تكسبه في هذه السنوات القليلة التي تقضيها في هذه الدنيا.
تصور أن يُقال لك يوم القيامة: ادخل الجنة لتكون مع النبي وآله (ص)، لا أن تكون في قصورهم بالضرورة بل في قصور موازية لقصورهم. فلكما اشتهيت زيارتهم، دخلت عليهم وتنعمت بذلك. فالناس أصناف في الجنة، منهم من يكون في حي بني هاشم، يُقدم طلب زيارتهم، فيحظى برؤيتهم متى ما شاء ذلك، وقد لا يوفق البعض لزيارتهم ورؤيتهم ويكون نصيبه في الجنان الحور وما شابه ذلك.
لذة النظر إلى جهة الربوبية…!
وهذه مرتبة لا تُنال إلا في الدنيا. فقدم من الأعمال ما تُحرز بها يوم القيامة أن تكون من الوجوه الناضرة التي وصفها سبحانه بقوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[٥]. إن هذه الوجوه فيها من النضارة والبهجة الشيء الكثير وهي لا تنظر إلى ربها، فحاشا أن تراه العيون، فكما روي: (لَمْ تَرَهُ اَلْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ اَلْأَبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ اَلْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ)[٦]. إن ما يراه الولي في هذه الدنيا بقلبه، تتضاعف في ذلك العالم، فأين حرارة النار من حرارة الشمس؟! وبعبارة أخرى: إن هذا الذي يستعشره ولي الله في جوف الليل من النظر إلى المقامات ومن الأنس بعالم الغيب، يتضاعف أضعافاً متضاعفة عندما ينظر إلى جهة الربوبية يوم القيامة.
ولقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَا مِنْ عَبْدٍ يُحْشَرُ إِلاَّ وَعَيْنَاهُ بَاكِيَةٌ إِلاَّ اَلْبَاكِينَ عَلَى جَدِّيَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَإِنَّهُ يُحْشَرُ وَعَيْنُهُ قَرِيرَةٌ وَاَلْبِشَارَةُ تِلْقَاهُ وَاَلسُّرُورُ بَيِّنٌ عَلَى وَجْهِهِ وَاَلْخَلْقُ فِي اَلْفَزَعِ وَهُمْ آمِنُونَ وَاَلْخَلْقُ يُعْرَضُونَ وَهُمْ حُدَّاثُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَحْتَ اَلْعَرْشِ)[٧]. فمن أراد أن يصل إلى مقام الحديث مع الحسين (ع) والحديث مع رب العالمين، فليعلم أن الصلاة هي من الطرق التي توصله إلى ذلك؛ فهي قربان كل تقي، ومعراج المؤمن. فمن الطبيعي عندما يطير الإنسان على متن الطائرة، أن يرى في السماء ما لا يراه في الأرض.
كن في العلاقة مع إمامك كحبيب بن مظاهر
والعلاقة بالله سبحانه وبأوليائه على درجات مختلفة. فمن الصحابة من كان يسلم على النبي (ص) عند الذهاب إلى عمله ولكن سرعان ما كان يعود به الشوق إلى النبي (ص) ليجدد به العهد مرة أخرى. فهل كان الصحابة كلهم كذلك؟ هل كان كلهم يجلس مع زوجته وأولاده وقلبه مع النبي (ص)؟ كلا، هؤلاء هم صنف خاص كما كان لعلي (ع) حواريوه من الخواص كأبي ذر والمقداد وغيرهم، وكما كان للحسين (ع) حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه. عندما تزور الحسين (ع) تجد الشهداء كلهم في جانب وحبيب بن مظاهر في جانب آخر منفردا عنهم. ولذا قال البعض: حبيب بن مظاهر بواب الحسين (ع). فإن وجدت في قلبك إدباراً عند ضريح المولى، تحول عنه إلى قبر حبيب شيخ الأنصار، وسله أن يستأذن الحسين (ع) لك، ليستقبلك ويُقبل عليك.
إقبال سُلب منك خوفا عليك…!
إن من الزوار من يأتي مشياً من مئات الأميال، ويتجشم الكثير من العناء في طريقه ويتحمل صنوف الآلام إلى أن يصل إلى كربلاء، فيدخل الحرم ويُصبح تحت القبة الشريفة، فلا يرى في قلبه تفاعلاً، ويشتكي البعض منهم لنا ذلك فيقول: لقد جئت من مسافة شاسعة ومن بلاد بعيدة، وتوقعت إذا أصبحت تحت القبة مثلا أن أتفاعل في نفسي تفاعلا كبيرا، وإذا بي أستدر الدمعة فلا تطاوعني. قد يرق القلب أحيانا من دون دمعة، لوجود خلل في الغدة الدمعية ولا بأس في ذلك ما دام القلب مقبلا خاشعا.
أو قد يلقي عليك ربك إدبارا دفعا للعجب. فقد يرق قلبك وتبكي بكاء شديدا، فتقول في نفسك: لقد بلغت مرتبة عالية من التميز…! الأمر ذاته في صلاة الليل حيث يلقي عليك سبحانه نعاسا وقد لا تقوم أحيانا لصلاة الفجر من أجل السبب ذاته. وقد تأتي إلى الضريح مقبلا نسبيا، فتصاب ثمة بالإدبار فتزور قبور الشهداء وتأتي إلى العباس (ع) وتشتكي عنده وتصلي ركعتين، فيمنحك الله عز وجل عالما مميزا وإذا بك تعود إلى الحسين (ع) منفجرا بالبكاء.
كيف نحول العلاقة الرتيبة المتعارفة إلى علاقة لطيفة رقيقة؟
أولا: المعرفة النظرية. كلما زدت معرفة بمقام المعصوم، زدت أدباً وتوقيراً لهم. لقد التقيت ذات يوم بأحد المؤمنين، فقال لي: إنني لم أزر الحسين (ع) منذ فترة طويلة لا إعراضا بل تهيباً. فمن المؤمنين من يقف في الصحن فترة لا يتجرأ فيها على الدخول على الضريح، ويقول: هذا مقام الملائكة الشعث الغبر. ولو كشف لأحدنا الغطاء، لسمع بكاء يقطع نياط القلب. كيف لا، وآلاف الملائكة تبكي الحسين (ع) صباحاً ومساءً إلى يوم القيامة. أين هؤلاء ممن يأتي عند الضريح يمازح صديقه ولا يستشعر عظمة المكان وأنه تحت هذه القبة السامية وعند قبر ليس في السماء ملك إلا ويسأل الله زيارته، وينزل كل يوم سبعون ألف ملك لا يزورنه إلا مرة واحدة إلى يوم القيامة لكثرة الملائكة التي تنتظر دورها.
فلابد من أن يطلع زائر الحسين (ع) على هذه مقامات الحسين (ع) وفضل الزيارة وما يجري في هذا الحرم الشريف من خلال الكتب المتخصصة في هذا المجال وعلى رأسها كتاب كامل الزيارات الذي يتضمن روايات مدهشة. وإذا أردت المزيد من المعرفة، فزر كل إمام بالزيارة الخاصة به، فزيارة الجامعة عند العسكريين (ع) وزيارة عاشوراء عند الحسين (ع) وزيارة أمين الله عند أمير المؤمنين (ع) لها طعم مميز. خاطب كل إمام بعد الزيارة الجامعة، قائلا: إن لساني يلهج بالألفاظ، فاجعل المعاني في قلبي وأرجعني من عندك وقد انكشفت عني بعض الحجب. ومثال ذلك: الإبرة التي توصل الدواء إلى الوريد، فلو أدخلت الإبرة في الوريد من دون دواء، لما انتفعت بها. إن هذه المعاني لا ينتفع بها من لم يوصلها إلى قلبه.
التامين في محبة الله عز وجل
من الأوصاف التي وردت في الزيارة الجامعة حول المعصومين (ع): (اَلتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اَللَّهِ)[٨]. ليسأل كل واحد منا نفسه: كم يحب الحسين (ع)؟ لو كنت مكان أصحابه هل كنت لتتلقى لسهام بصدرك كما فعلوا؟ أم كنت تنحني لكيلا يصيبك سهم؟ إن البعض منا يصاب بأذى في سبيل زيارة الحسين (ع) في الأربعين كأن يتعرض لحادث سير، فيقول: ليتني لم آت إلى الزيارة…! أي حب هذا؟ وقد يتحدث الخطيب عن قضية حسينية حقة، فيُسجن ظلما فيقول: ليتني لم أرت المنبر…!
أتحبنا يا أبتاه؟!
لماذا عز على رب العالمين ما وقع على السبايا؟ لأن فيهم عقيلة الهاشميين، وعابدتهم التي كانت خير مثال على هذه الفقرة من زيارة الجامعة: (التامين في محبة الله). فقد روي أنها كانت صغيرة فقالت لأبيها أمير المؤمنين (ع) ذات يوم: (يَا أَبَتَاهْ، أَ تُحِبُّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ، أَوْلاَدُنَا أَكْبَادُنَا فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ حُبَّانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ اَلْمُؤْمِنِ حُبُّ اَللَّهِ وَحُبُّ اَلْأَوْلاَدِ وَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ لَنَا فَالشَّفَقَةُ لَنَا وَاَلْحُبُّ لِلَّهِ خَالِصاً)[٩]. وإن قلب المعصوم ممتلئ حباً لله عز وجل، وكل حب لغير الله عز وجل هو حب ترشحي طولي اندكاكي سرياني أو ما شئت فعبر. ولذا نقول: اللهم ارزقني حبك وحبك من يحبك وحبك كل عمل يوصلني إلى قربك.
لماذا نبالغ في البكاء على الحسين (عليه السلام)؟
ويستغرب بعض الجهلة ويتسائل عن سر مبالغتنا في البكاء على الحسين (ع) أكثر من ألف قرن، والحال أنه قد قتل أصحاب الأخدود وسحرة فرعون والبدريون وأمثالهم الكثير في سبيل الله عز وجل. وكم من المعذبين في السجون إلى حد الموت في سبيل الله. فما مزية هؤلاء؟ إن مزية الحسين (ع) أنه كان حجة الله على الأرض وكان التام في محبة الله عز وجل، وشتان بينه وبين السحرة الذين آمنوا لحظات ثم استشهدوا بعدها. ولهذا عز على العرش أن يُقتل ولي الله عز وجل بهذه القتلة.
خلاصة المحاضرة
- عندما تزور الحسين (ع) اطلب أولا: فكاك رقبتك من النار، ولكن اعلم ليس هذا هو المطلب الأخير. ثانيا: اطلب الجنة، فإذا ضمنت دخول الجنة فقد أصبحت في منتصف الطريق…! ثالثا: اطلب مقام القرب الربوبي، فغاية المنى أن تكون يوم القيامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر وفي عباد الله الصالحين.
- يستغرب بعض الجهلة من مبالغتنا في البكاء على الحسين (ع) أكثر من ألف قرن، والحال أنه قد قتل أصحاب الأخدود وسحرة فرعون والبدريون وأمثالهم الكثير في سبيل الله عز وجل. فما مزية هؤلاء؟ إن مزية الحسين (ع) أنه كان حجة الله على الأرض وكان تاما في محبة الله عز وجل.
- إن من الزوار من يأتي مشياً من مئات الأميال، ويتجشم الكثير من العناء في طريقه فيدخل الحرم فلا يرى في قلبه تفاعلاً. قد يرق القلب أحيانا من دون دمعة، لوجود خلل في الغدة الدمعية ولا بأس في ذلك ما دام القلب مقبلا خاشعا. أو قد يلقي عليك ربك إدبارا دفعا للعجب عنك.