- ThePlus Audio
كيف يتحول النوم إلى عبادة والأنفاس إلى تسبيح وتحميد وتهليل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
خصوصيات النوم في شهر رمضان المبارك
من الأمور التي وردت في الخطبة الشعبانية عن النبي الأكرم (ص) والتي يحفظها جميع المؤمنين: (أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ)[١]. وقد يتخذ البعض هذه الكلمة ذريعة لأن يكثر من النوم في شهر رمضان المبارك. ونحن لسنا في مقام النفي أو النهي، وإنما هو أمر متروك للمكلف نفسه.
إن النوم هو الموت الأصغر، والإنسان عندما يموت ينقطع عمله، وتتفرق عنه ملائكة اليمين والشمال، وكذلك الأمر في أثناء النوم.وكما روي: (رُفِعَ اَلْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنِ اَلنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ…)[٢]، وكما يقال: يأخذ الملكان إجازة في هذه الساعات التي ينام فيها الشخص. ولعل هناك بعض الاستثناءات؛ فالنوم وإن كان لا حساب فيه؛ إلا أن الذي ينام على أرض مغصوبة مثلا، أو من نام في سفر محرم، أو نوم المرأة الناشزة مثلا وإلى آخره هو نوم مأثوم فيه الإنسان وتلحقه فيه تبعات. وهذه العبارة مطلقة؛ فحتى لو نام الإنسان بعد صلاة الفجر إلى قبيل المغرب؛ لكان نومه عبادة إذ ليس في العبارة أي تخصيص؛ فلم يقل (ص): نوماً قليلاً أو متوسطاً أو كثيراً.
الشهيق والزفير تسبيح وتهليل…!
ثم إن هذا النفس الذي هو عبارة عن شهيق وزفير – الشهيق يدخل الهواء في جوفه، والزفير يُخرج الغاز السام من رئته – يُعد في حكم سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر. لماذا يقول سبحانه عن هذا النفس ذي الراحة الكريهة: (خُلُوفُ فَمِ اَلصَّائِمِ أَفْضَلُ عِنْدَ اَللَّهِ مِنْ رَائِحَةِ اَلْمِسْكِ)[٣]؟ ولماذا يُصبح النوم في هذا الشهر عبادة؟ لأننا في ضيافة رب العالمين، وملك الملوك. فرق بين أن تنام في منزلك وبين أن تنام في قصر السلطان. إنني لا أستبعد أن الملائكة عندما تنزل من السماء لا تذهب إلى محل العطور وإنما تأتي إلى خلوف فم الصائم هذا؛ لأنن هذا التغير في رائحة الفم كان في سبيل الله عز وجل. ألا يُقسم الله بالغبار الذي تثيره الخيول التي تعدوا في ميدان الجهاد؟ كل شيء إذا ما انتسب إلى الله عز وجل صار إلهيا.
قدسية الانتساب إلى الله عز وجل
يقول سبحانه عن خيول الغزاة في سبيل الله: (وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا * فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا)[٤]. عندما تمشي الخيول على أرض صخرية يصدر من حدوة الحصان شرر يُقسم بها رب العالمين، ويقسم كذلك بالتراب الذي تثيره هذه الحوافر وكذلك يُقسم بالتراب الذي تثيره الإبل التي تحمل الحجاج. إن السامري قال: (فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ)[٥]؛ إذ لما نزل جبرئيل بدابة من الدواب أخذ من تحت حافر دابة جبرائيل تراب فقذف في تلك الحلي التي جمعها له بنو إسرائيل.
إننا نفهم من مجموع الآيات والروايات وجود أمور مقدسة لانتسابها إلى الله كتابوت موسى (ع) وقميص يوسف (ع)، وتربة سيد الشهداء (ع). تكوينياً وأرضياً لا فرق بين هذه التربة وبين سائر تراب الأرض؛ إلا أن هذه المجاورة جعلت الشفاء في تربته، وكذلك الأمر في ماء زمزم. إن هذا الماء ليس من المياه المحببة من حيث الطعم؛ ففيها ملوحة؛ ولكن قرب هذا الماء من البيت جعل فيه شفاء لمن شرب منه. ولهذا نقول للبعض: أنت ترى الشفاء في ماء زمزم لقربه من البيت؛ فما المانع من أن ترى الشفاء في تربة الحسين (ع) لقربه ممن حفظ البيت؟ لولا الحسين (ع) لما بقي من الإسلام شيء.
خلاصة المحاضرة
- كل عمل أو شيء انتسب إلى الله عز وجل حتى وإن كان في نفسه لا أهمية له يُصبح من المقدسات. إن التراب الذي تثيره الخيول بحوافرها لا قيمة له في حد ذاتها ولكنه يكون مقدسا ويُقسم به الله إذا كانت الخيل التي تثيره خيل الغزاة في سبيله. إن أنفاس المؤمن في شهر رمضان ونومه عبادة من أجل ذلك.