– إن كل واحد منا مشروع، ومرشح ليكون من الدعاة إلى الله –سبحانه وتعالى–.. إن الإسلام انتشر في الجزر النائية في بعض القارات، على يد بعض التجار.. والإسلام في اندونيسيا والتشيع، انتشر على يد بعض اليمنيين الذين ذهبوا إلى تلك الجزر.. والبعض له مزارات معروفة في تايلاند، ومزاره يعتبر من معالم البلد، وهو من وجهاء البلد، ومحترم في تلك البلدة.. علينا أن نطلب من الله –عز وجل– أن يجري على أيدينا هذا الخير، فكل واحد منا مشروع لذلك!..
– إن الإنسان الذي لا يملك شيئا، ولا يمكنه أن يبني مسجداً، أو ما شابه ذلك.. ولكن ألا يملك القدرة على تربية ولد صالح؟!.. فالولد الصالح مشروع ضخم، قال رسول الله (ص): (إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)، فكل شاب تجاوز الخامسة عشر، أو قبل ذلك حسب علامات البلوغ، هو مشروع لأن يكون أباً صالحاً.. لذا على الشاب المؤمن أن لا يفكر بقوت اليوم، ولا يفكر في متعة الليلة.. فالذي يقاوم ويثبت إيمانه، ويتجاوز أمواج الشهوات.. فإن رب العالمين -بإذن الله عز وجل– من الممكن أن يوفقه بزيجة صالحة، وأفضل نعمة بعد الإيمان الزوجة الصالحة: تحفظه في غيبته، وفي محضره، وتربي أولاده تربية صالحة.. فإذاً، الولد الصالح ثلث المشاريع.
– ما المانع أن يجمع الإنسان بين الأمور الثلاثة: بين الصدقة الجارية، والعلم النافع، والولد الصالح؟.. رحم الله أحد العلماء صاحب كتاب “آداب الحرمين”، سيد جواد الشاهرودي، قال: بأنه سأل ربه هذه الأمور الثلاثة، فرزق العلم النافع: حيث له مؤلفات عديدة، منها آداب الحرمين، ووفقه الله –عز وجل– بأن يبني مستشفى لطب العيون، في الشرق الأوسط من أرقى المستشفيات، فهذه صدقته الجارية.. وكان له ولد فقد في العراق في أيامه في سبيل الله!..
– إذا أراد الإنسان أن يجمع هذه الأمور، فليقدم طلبا لرب العالمين {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}، وخاصة في سن غلبة الهوى.. فعبادة كبار السن هي عادة أكثر من أن تكون عبادة، جاء في الحديث: (إذا بلغ الرجل أربعين سنة، ولم يغلب خيرُه شره.. قبَّل الشيطان بين عينيه، وقال: هذا وجه لا يفلح)!.. كيف يبلغ الإنسان أربعين سنة، وهو لازال يعيش عالم المراهقة، يقلب القنوات الفضائية ويبحث عن ضالته؟!.. ينقل التاريخ عن جعفر بن أبي طالب، أنَّه كان لا يعاقر الخمرة قبل الإسلام؛ لأنَّها تفقد الإنسان عقله.. فالقضية ليست قضية دين، أو حلال وحرام.. إنما هي قضية عقل!.. سن الأربعين هي سن النضج والتكامل، قال -تعالى- في كتابه الكريم: {إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}.. ولكن القضية ليست قضية فجائية!.. فالإنسان عندما لا يعتني بصحته، من الممكن في مرحلة من المراحل أن لا تقتصر القضية على الهزال والضعف.. بل هناك ما هو أخطر، وتصبح قضية خلايا سرطانية تدخل وتتغلغل في جوفه.. وكذلك بالنسبة إلى روح الإنسان، من الممكن في مرحلة من المراحل الإنسان لا يستذوق الطاعة.. {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}.
– إن الإنسان إذا فقد شهيته للطاعات، كأن يدخل المسجد، فيشعر أنه في مكان كئيب لا يستطيع التحمل، فيصلي ويخرج بسرعة دون تعقيبات.. وفي شهر رمضان يعد الأيام عدّا، ليصل ليوم العيد.. بينما هناك من يعتبر ليلة العيد، هي ليلة العزاء لهم!.. وكذلك أيام الحج!.. وإذا فقد الإنسان شهيته للطاعات، فهذه أول المصيبة.. وأما إذا رأى في نفسه حرصاً وجوعاً معنوياً: كأن يصلي الصلاة المستحبة، ولا يشبع.. ويصلي الفريضة، ولا يشبع.. ويحضر المسجد أو المأتم.. إذا وصل إلى هذه الدرجة، فليعلم أنه وصل!.. هذه الشهية المتغيرة علامة على أن الإنسان قد رشح، لأن يكون نديم السلطان، ورب العالمين يعرف زبائنه!.. قال الباقر (ع): (إنّ الله -تبارك وتعالى- لما أسرى بنبيه (ص) قال له: يا محمد!.. إنه قد انقضت نبوتك، وانقطع أكلك، فمَن لأمتك من بعدك؟.. فقلت: يا ربّ!.. إني قد بلوت خلقك، فلم أجد أحدا أطوع لي من علي بن أبي طالب.. فقال عزّ وجلّ: ولي يا محمد!.. فمَن لأمتك؟.. فقلت: يا ربّ !.. إني قد بلوت خلقك، فلم أجد أحداً أشدّ حباً لي من علي بن أبي طالب.. فقال عزّ وجلّ: ولي يا محمد!.. فأبلغه أنه راية الهدى، وإمام أوليائي، ونورٌ لمن أطاعني).
– إن الشيخ بهجت تحدث عن كرم الأئمة (ع) وجودهم فقال: توجد في العراق قرية صغيرة تقع بالقرب من ملتقى نهري دجلة والفرات تسمى (المسيب)، وكان هنالك رجل شيعي يمر من هذه القرية بين الحين والآخر في كل زيارة يزور بها أمير المؤمنين (ع)، وكان يسكن في هذه القرية رجل سني أيضا.. وكثيرا ما كان هذا الرجل يسخر من الرجل الشيعي عندما يراه ذاهبا إلى زيارة أمير المؤمنين (ع)، حتى أنه تجرأ ذات مرة على ساحة الإمام (ع) المقدسة.. فغضب الرجل الشيعي وشكا هذا الأمر لأمير المؤمنين (ع) في إحدى زياراته.. وفي تلك الليلة رأى الإمام (ع) في المنام وشكا له الأمر مرة أخرى.. فقال الإمام (ع): (إن له حقا علينا، ولا نستطيع أن نعاقبه في هذا الدنيا مهما ارتكب من المعاصي). فقال الرجل الشيعي: أي حق؟.. هل أصبح صاحب حق لتجرؤه عليكم؟.. فقال الإمام (ع): (بل لأنه كان جالسا ذات يوم في ملتقى نهري دجلة والفرات، وكان ينظر إلى الفرات، فتذكر قصة كربلاء وعطش الإمام الحسين (ع)، فقال لنفسه: لقد قصر عمر بن سعد، إذ قتل هؤلاء وهم عطاشى، وكان من الأفضل أن يسقيهم الماء ثم يقتلهم، ثم جرت من عينيه قطرة من الدمع، حزنا على أبي عبد الله (ع)، ولذلك أصبح له حق علينا بأن لا نعاقبه في هذه الدنيا أبدا).. يقول الرجل الشيعي: استيقظت من النوم ورجعت إلى المسيب، فلاقيت الرجل السني في الطريق فقال لي مستهزئا: هل زرت إمامك، وهل أبلغت وصيتنا إليه؟.. فقلت له: نعم، أبلغت وصيتك، وأحمل وصية إليك، فضحك وقال: ما هي الوصية التي تحملها إلي؟.. فقصصت عليه القصة من بدايتها إلى نهايتها، فأطرق الرجل السني برأسه إلى الأرض وأخذ يفكر لنفسه: يا إلهي!.. لم يكن في تلك اللحظة أحد بقربي، ولم أحدث أحدا بهذه القضية، فكيف اطلع عليها الإمام (ع)؟.. ثم قال: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله ووصي رسول الله).. إذا كان هذا تصرفهم مع مخالفيهم، فكيف بنا نحن الموالون؟!..
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.