اسم الإمام السجاد (ع) مقترن بالدعاء والمناجاة … وما الصحيفة السجادية التي بين أيدينا إلا نموذجا من هذا العطاء الخالد ، ولكن ليس معنى ذلك أن الإمام متخصص بالدعاء ، والإمام الباقر (ع) وابنه الصادق (ع) متخصصان في الفقه ، وأبوه الإمام الحسين (ع) متخصص في الثورة والنهضة ضد الظالمين …. هذا تقسيم غير صحيح أبدا ، إن مسألة العلم والدعاء والقيام بالوظيفة ومقارعة الظالمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك خصوصيات تسري في حياة وقلوب الأئمة (ع) جميعا ، لا فرق بين أولهم و لا آخرهم ، كلهم نور واحد ، ولكن الظروف تتيح لكل معصوم أن تبرز فيه صفة من الصفات بحسب الأرضية الموجودة ، الصادق والباقر (ع) اتيح لهما نشر العلم ، السجاد (ع) لم يُتح له القيام بثورة كأبيه الحسين (ع) ، أو نشر العلم كابنيه الباقر والصادق(ع) ، لهذا برز هذا الجانب في حياة السجاد (ع) : وقد جمع علماؤنا أدعية الأئمة في صحائف باسمائهم (ع) ، مثل الصحيفة العلوية و الصحيفة الفاطمية وأدعية الحسين (ع) ، ودعاء عرفة للإمام الحسين (ع) .
معنى المناجاة لغة :
ناجاه أي سارَّه ، أي الحديث السري الخافت ، الخطبة مثلاً لا تعتبر مناجاة لأنها بصوت مرتفع ، ولكن بعد الخطبة قد يكون لي حديث خاص مع بعض الإخوان ، أضغ فمي على أذنه ، وأتكلم معه بصوت منخفض ، هذه تسمى مناجاة ، لذلك القرآن يقول : ﴿ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ- المجادلة ٩ ﴾ فالمناجاة حديث مع الله سبحانه وتعالى ولكنه سرا .
لماذا المناجاة الخفية محبوبة عند الله عزوجل ؟
سؤال : لماذا التأكيد على كلمة السرية من قبل الروايات والأئمة ومن نماذجها المناجاة الخمسة عشر ؟… لماذا أصبحت المناجاة الخمسة عشر بين الدعاء والإسرار في الدعاء ؟
الجواب : هناك عدة عوامل تجعل المناجاة الخفية محبوبة عند الله عزوجل :
أولا: الابتعاد عن الرياء ، الإنسان في الجمع قد يناجي ، وقد يتفاعل ، وقد يعيش في أعماق وجوده شيئا من إلفات النظر ، ولو كان هاجسا . والإنسان بأدنى هاجس قد يظن أنه أصبح مرائيا ، فيترك العبادة والمناجاة والبكاء بدعوى أن هذا رياء ، والحال أن هذا من خطوات الشيطان ، ليمنعك المناجاة والبكاء بين يدي الله عزوجل .
وهناك فرق بين الخواطر المارة العابرة ، وبين الخواطر المستقرة ، مثال : إنسان يدعو ليلة الجمعة بدعاء كميل وهو ساجد ، فيرق قلبه ويعيش حقيقة الضعف البشري ، والفناء ، والانقطاع … عندما يقرأ : ( اللهم ارحم ضَعف بدني ورقة جلدي …. ولا يمكن الفرار من حكومتك ) والإنسان إذا التفت التفاتا بسيطا لهذه المضامين من الطبيعي أن يتفاعل ، ولكن يأتيه الشيطان فيقول له : أنت إنما تبكي في السجود وفي غير السجود لأجل الآخرين !! … والبعض أنعم عليهم الله عزوجل بدموع جارية ، وقد يكون لبكاء بعضهم صوت- تشبها بإبراهيم الخليل (ع ) الذي كان له في مناجاته أزيز كأزيز المرجل – فيكون نتيجة لإلقاء الشيطان في نفسه هذه الشبهة الانصراف عن الدعاء . وقد التفت علماؤنا لهذه النقطة في الرسائل العملية ، حيث نجد في باب الصلاة ، في باب النية ، حيث يقول : إذا كانت النية الريائية بمثابة الهواجس والخواطر التي يتأذى منها الإنسان ، فهذا لا يُعدُّ رياءً ، فالمُخلص لا يُتوقع منه أن لا يأتيه أي هاجس شيطاني ، الهاجس أمرٌ طبيعي ، ولا بد ألا تبني على هذا الهاجس ، و ألا ترتب أثرا على هذا الهاجس ، ولا خوف على المؤمن من هذه الخواطر الريائية . ولكن في جوف الليل من الذي يراك ؟… لهذا رُتبت على المناجاة الخفية في جوف الليل آثاركبرى .
ثانيا: كتمان الحالة الخاصة مع الله ، يجب ألا يُبرز المؤمن حالاته المعنوية مع الله سبحانه وتعالى أمام الآخرين – كحال عُشاق الهوى – لا داعي أن تخرج من دعاء كميل أو دعاء الجوشن أو دعاء أبي حمزة في ليلة القدر وتذكر – بغير هدف – ما جرى عليك في المسجد ، من الخشوع والبكاء ، هذه الأمور في الواقع سرٌ بين العبد وربه ، علاقة خاصة . وهنيئا للمؤمن ، الذي باطنه خيرٌ من ظاهره ، ترى بعضهم فلا تظن أن له خلوات وجلوات ومناجاة وبكاء مع رب العالمين ، بخلاف رجال الدين الذين قد يُتوقع منهم ذلك .
ثالثا: السرية والإسرار مع رب العالمين هو حديث مع الله تعالى ، هل تعلمون أن الله يكلم عبده ؟… ( وكلمهم في ذات عقولهم ) نجد بعض العلماء المؤمنين في قنوت صلواتهم في جوف الليل في الحرم يقرؤون دعاء أبي حمزة الثمالي عن ظهر الغيب ، ما الذي يجعله يقف ساعة أقل أو أكثر وهو يتكلم ؟… مع من يتكلم ؟… لو لم ير بعض الأمور ، لو لم ير بعض الجمال ، لو لم يسمع الجواب … ما الذي يشجعه على هذا المنوال ؟… ما الذي يوقظ المؤمن في جوف الليل رغم المرض والإرهاق … ؟ تجده لا يطيق النوم …. لماذا ؟ … لما يرى من جلال الله وعظمته . وهنيئا لمن فُتح له هذا المجال ، وهذه الأمور وجدانية لا يمكن وصفها إلا أن يعيشها الإنسان بنفسه .
ما هي ضرورة المناجاة ؟ ولماذا التأكيد عليها ؟
الإنسان مشتق من الأنس ، والإنسان المؤمن وغير المؤمن يحتاج إلى أنيس يأنس به ، ويركن إليه ، لهذا من أكبر أهداف الزواج في القرآن نجده في قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – الروم ٢١ ﴾ لم يذكر الاستمتاع ، لم يذكر تدبير أمور المنزل ، حتى الأمر المقدس وهو التناسل لم يذكره القرآن الكريم ، أول هدف من أهداف الزواج السكون والارتياح ، و لهذا الإنسان الذي لا أنيس له ولا صديق يصاب بالأمراض النفسية كالاكتئاب ، وقد يلجأ الإنسان إذا لم يلق الأنيس المناسب الحلال إلى الأنيس الحرام … علاقات وصداقات عبر شبكات الإنترنت ، يكتب إلى إنسان مجهول لا يُعلم جماله أو كماله ، المهم أن يأنس مع موجود حقا كان أو باطلا ، إذن فالإنسان يحتاج إلى أنيس ، ونلاحظ أن الروايات لا تمنع الأنس بالمؤمنين ، ولا تخصه فقط بالله ، فهذا غير منطقي ، إذ لا يستطيع كل إنسان أن يعيش حالة الأنس مع رب العالمين ، و لهذا ورد في بعض النصوص : ( أن المؤمن لا يأنسُ إلا باللهِ أو بمؤمنٍ مثله ) لأن المؤمن صورة مصغرة من عالم الغيب ، وهو لا يستطيع أن يرتبط بالله مباشرة ، فيتخذ من إخوانه المؤمنين من يأنس به ، إذا كان مؤمنا صادقا ، يذكره بالله رؤيته ، ولكن شتان بين الأنسين ،
ماالفرق بين الأنس بالله عزوجل والأنس بالمؤمن ؟
أولا : الفناء و الانقطاع ، لا ينبغي الاعتماد فقط على الأنس بالمؤمن ولا ينبغي الاكتفاء به ، وعيب هذا المؤمن الفناء والانقطاع والموت ، وقد لا حظنا أخوان مؤمنان أنيسان يموت أحدهما ، فيتمنى الباقي منهما الموت ، لأنه لا يرى خيرا في هذه الحياة بعد وفاة صديقه ، وآفة الأنس الانقطاع والفراق ، فقد تفرق الظروف بين الصديقين عندما يسافر أحدهما إلى بلاد أخرى ، والفناء والمزاجية فيكون للإنسان أنيس وفي يوم من الأيام ، بسبب عصبية أو خطأ..وما شابه تنقطع العلاقة .
ثانيا : أن مجال الإفادة من المؤمن الأنيس محدود ، المؤمن الأنيس قد يرفع همك ، ويزيل غمك ، ولكن الإفادة الحقيقية إما في مجال العلم أوالعمل ، فهو لا يستطيع أن يدلك على جميع سُبل الهدى ؛ بسبب محدودية إمكاناته ، ولو أراد أن ينفعك فقدراته أيضا محدودة ، فهو مبتلى بالجهل أو العجز . الإمام الحسين (ع) عندما استغاث به ابن أخيه القاسم بن الحسن (ع) قال : ( عزَّ على عمِّك أن يسْمَعَك فلا يُجيبُك ) ، بعض الأحيان الإنسان يريد أن ينفع أخاه بمساعدة … بمال … بتزويج … ولكنه يعجز ، أما الله سبحانه وتعالى هو الباقي لا فناء له . نقرأ في مناجاة أمير المؤمنين (ع) : ( مولاي يا مولاي أنت الباقي وأنا الفاني ، وهل يرحمُ الفانيَ إلا الباقي ؟… مولاي يا مولاي ، أنت الدائم وأنا الزائل ، وهل يرحم الزائل إلا الدائم ؟ ) لا انقطاع له عزوجل فهو كان قبلك ، وهو معك ، وسيكون بعدك معك إلى أبد الآبدين ، وقد يأتيك الخطاب عندما تدخل الجنة من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت ، إذن مشكلة الانقطاع والفناء والجهل والعجز منتفية عن الله سبحانه وتعالى .
وللأسف قصة يوسف (ع) تتخذ للتسلية القصصية فقط لما فيها من قضايا لافتة ، نجد أن في سورة يوسف آية تلخص القصة تلخيصا فلسفيا ، وتعطي رؤية كونية للإنسان المؤمن مثل يوسف (ع) ، تقول الآية : ﴿ وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ – يوسف ٢١ ﴾ من المحن التي واجهت يوسف (ع) خروجه إلى الصحراء … البئر … زليخا … السجن … المنام هذه القصص تثبت بأن الله هو الغالب على أمره ، بأنه الفعَّال لما يشاء ، عندما يريد الله أن يوصل فتى من أعماق الجب إلى مقام إدارة المُلك ، ﴿ قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ- يوسف ٥٥ ﴾ أراد الله تبارك وتعالى ذلك ، فهيأ الأسباب ، ﴿ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ – يوسف ٢١ ﴾ فأنت عندما تريد شيئا والله يُريدُ شيئا فيأبى الله إلا أن يُجري قضاءه عليك ، شئتَ أم أبيت .
في أحيان عديدة يضج الناس من الظلم في العالم ، كم من الحركات التحررية التي تريد أن تخلِّص العالم من ظلم الظالمين ، ولكن الله غالبٌ على أمره ( إن إزالة جبل عند الله أهون من إزالة ملك لم ينقض أجله ) كما للناس آجال فإن للملوك آجال ، فهذه الممالك لها آجالٌ مُقدرة . فلا بأس أن يتخذ المؤمن من أخيه أنيسا ، ولكن الأنُس الحقيقي والواقعي هو الأنس برب العالمين .
موجبات سلب لذة المناجاة :
سؤال : يقول البعض آمنا بهذا المبدأ ، ولكن ماذا نفعل عندما نفتح كُتب الدعاء ، ونقرأ فقرات منه فلا نعيش حالة الأنس ، في دعاء أبي حمزة الثمالي ، يقول الإمام زين العابدين: (إلهي مالي كلما قلت : قد تهيأت وتعبأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك … عرضت لي بليةٌ أزالت قدمي … ألقيتَ عليَّ نعاسا ) لدرجة أن يُغلق هذا القارئ كتاب الدعاء وينتقل لمشاهدة مسلسلا مضحكا أو ما شابه ، ما الذي نقلك من جو المناجاة إلى مثل هذا الجو ؟!
الجواب :
أولا : المناجاة قوامها بطرفين المُناجِي وهو نحن البشر ، والمناجَى وهو رب العزة ، فالذي لا يرى المناجَى كيف يناجي ؟ فمثله كمثل إنسان تعطيه هاتفا تقول له تكلم ، يتكلم فلا يسمع جوابا ، يُقال لك إن وراء الخط مَرجع التقليد ، إسأله الدعاء اطلب منه ، فتتكلم ولا يرد عليك ، تتعبد وتتكلم ولكن بتثاقل ، لأنك لا تعلم من وراء الخط ، أما إذا قال السلام عليكم ورددت السلام ، ثم سكت المرجع فستتكلم معه بكل تفاعل ، لأنك علمت أن هناك مناجَى ، وأن هناك مخاطب يسمع لما تقول ، كذلك في الحديث مع الله سبحانه وتعالى ، ورد في بعض النصوص أن من أسباب عدم الاستجابة : ( أنكم تدعون من لا تعرفونه ) تتكلم مع الله وأنت لا تعرف من هو الله .
قد يقول قائل ، وهل نحن مشركون ؟ نحن آمنا بالله عزوجل . والجواب : أن هناك فرقٌ بين معرفتين : المعرفة الوجودية والمعرفة الوجدانية ، نحن آمنا بالله إيمانا ساذجا بسيطا ، أعلنا أنك يا رب موجود غيرُ معدوم ، قلنا يارب أنك إله والأصنام ليست بآلهة ، هل هذا الإيمان يكفي لأن يجعلك تناجي رب العالمين ؟… أبدا ، لا بد أن تعيش حقيقة هيمنة الله عزوجل ، لو أن أحدكم آمن بقوله تعالى : ﴿ وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ – يوسف ٢١ ﴾ هل يخاف من السجن ؟… وهل يخاف من الشهوة ؟… وهل يخاف من الجب ؟… وهل يخاف من الضيق ؟… وهل يخاف من التهمة ؟… كل هذه الأمور اجتمعت على يوسف (ع) : السجن ، التهمة ، إثارة الشهوة ، الحسد ، البغي … ولكن الله غالب على أمره ، الذي يعتقد بأن الله عزوجل هو المهيمن هو المتصرف ، لايخاف من شيء أبدا ، رب يوسف هو ربك الذي معك ولو صَدَقْتَ مع الله كما صدَّق يوسف لنجَّاك .
تقرأ في صلاة الغفيلة : ﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ٨٧ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ٨٨- الأنبياء ﴾ يونس لم يطلب شيئا … لم يطلب الخروج من بطن الحوت … أوكل أمره إلى الله … قال حقيقتين : أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، ثم قال إني كنت من الظالمين ، إن كان رضاك أن أبقى في بطن الحوت أبقى ، وإن كان رضاك في سوى ذلك فالأمر لك ، هذا أدب يونس ، صحيح صدر منه ما يوجب هذا العتاب ، ولكن عوضه في بطن الحوت ، وفي الظلمات الثلاث ظلام بطن الحوت … وظلمات البحر … وظلام الليل … فلولا هي آية من القرآن لقيل أنها من الخرافات التي لا يُعتقد بها ، القرآن يقول هذه عبرة لكم جميعا ، ﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ٨٨- الأنبياء ﴾ هذه معادلة كونية – مثل معادلة الماء الذي هو عبارة عن هيدروجين وأكسجين ، هذه قضية ثابتة – من دعا بدعوة يونس … بصورة يونس … بكيفية دعائه ﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ٨٨- الأنبياء ﴾ إذن الذي لا يعيش حالة التودد في المناجاة يعيش نقصا في وجوده ، آمن بوجود الله ، ولم يؤمن بالله عزوجل إيمانا وجدانيا ، يتغلغل إلى وجدانه . نقرأ في دعاء كميل : ( اللهم اجعل لساني بذكرك لهجا وقلبي بحبك متيما ) من الإنسان الذي يعيش هذا الجو ؟ … وللأسف الحب المتيم نحمله للنساء والأولاد ومتاع الدنيا ، فهل وجهنا هذا الحب تجاه رب العالمين ؟ أبدا .
ثانيا من موجبات سلب الالتذاذ المعنوي : التوغل في الالتذاذ المادي ، المبالغة في التلذذ ، وأنصح إخواني جميعا عند ممارسة الإلتذاذ المادي في أي مجال كان ، في الشهوة والبطن وغير ذلك حاولوا أن تمزجوها بذكر الله عزوجل ، بالتسمية والتحميد وذكر الله عزوجل ، بالاستغفار بعدها ، لأنه انقطاع عن الله عزوجل ، ولا بأس أن يعود الإنسان مرة أخرى بالتدبر بالتأمل بالاستغفار بقيام الليل ، يحاول أن يعوض ذلك .
ثالثا: من موجبات سلب لذة المناجاة مخالفة المضمون ، أنت عندما تعاهد الله في المناجاة في الاستغفار بعدم العودة ثم تعود ، فكيف تشعر بلذة المناجاة ؟… فالمناجاة ليست ألفاظا فحسب ، هي معاهدة مع الله عزوجل ، إعلان موقف ، إذا لم تلتزم بذلك فمن الطبيعي أن يُسلب الإنسان لذة المناجاة .
التوصيات العملية :
١. حاول أن توجد لنفسك محطات مناجاة خفيفة وقصيرة . أحدنا إذا أراد أن يقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي يأتيه الشيطان ويقول له أين أنت ودعاء أبي حمزة ؟ دع الدعاء . وأقول على الإنسان أن يكون واقعيا ، هناك محطات طبيعية في اليوم منها القنوت ، و هناك من لا يخرج في قنوته عن الدعاء ( اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) لا بأس أن يقوم الإنسان ولو في المستحبات أن يتخذ القنوت أداة للمناجاة ، وهل تعلمون أنه لا يجب الدعاء بالعربية في القنوت ؟… فقهاؤنا أجازوا لك ذلك ، سمي حاجاتك ، أدعو بالدعاء الذي حفظته ، ثم ناجي ربك باللغة التي تعرفها ، سمِّ حاجاتك ، إذا أردت وظيفة … شفاء من مرض … إذا أردت زوجة … يُقال أن الذي يلتزم بدعاء ﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ – المؤمنون ٢٩﴾ في القنوت يُورث المكان المناسب ، والذي يلتزم بدعاء ﴿ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ – الأنبياء ٨٩ ﴾ يُرزق الزوجة المناسبة … وهكذا الالتزام بوردٍ لقضاء الحوائج .
٢. أطل السجدة الأخيرة في الصلاة الواجبة وتكلم مع الله عزوجل : ( صلِّ صلاة مودع ) في سجدة الشكر أيضا هناك مجالٌ للمناجاة ، أطل السجود وناجي الله عزوجل ، كذلك في سجدة الشكر ، يقول بعض العلماء – وهذا الكلام لا أحث عليه – إذا قمت لصلاة الليل ووجدت أن لاهمة لصلاة الليل عندك ، والشيطان يدعوك للنوم ، هناك حلٌ وسط ، نعم ناجي الله مناجاة خفيفة ثم ارجع ونم ، أو قل ( اللهم إني استغفرك من كل ذنبي وجرمي وإفراطي على نفسي ) ثم ارجع ونم ، فهي حركة إيجابية جيدة . و نحن نقوم في الليل من الأرق والقلق ، فلماذا لا نناجي الله مناجاة خفيفة ثم نرجع وننام ؟
٣.المناجاة القلبية الخفية : أنت على المائدة … في الطائرة مع الإخوان في العرس … ناجي الله عزوجل مناجاة خفيفة ، يقول الشاعر :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
حتى رأينا بعض العلماء سهوا ومن كثرة المناجاة القلبية يكون مع القوم ويناجي الله عزوجل ، بسبب تعوده .
٤. الخشوع في المناجاة لا يعني الدموع ، هناك ثلاث درجات :الخشوع الفكري أن تمشي مع مضمون المناجاة … والخشوع القلبي وهو البكاء … والتخشع وهو التظاهر بمظهر الخاشعين … والبكاء والتباكي كالتباكي في مجالس الحسين (ع) ( إن الداعين لا يشقى بهم جليسهم ) الدعاء الجماعي من مظان الرحمة الإلهية .
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.