- ThePlus Audio
كيف نكتسب المحبة بين الخلق؟
بسم الله الرحمن الرحيم
البشاشة وطلاقة الوجه
إن الخلق هم أعم من الزوجة والولد والموظف والأرحام. فأول أمر ينبغي أن تقوم به لتكتسب مودتهم؛ أن تكون طليق الوجه. وهو أمر لا يكلفك شيئا. إنني عندما أرى بعض الوجوه أقول: هذا الوجه هو وجه مريح ونظرته مريحة. فقد تتزوج امرأة متوسطة الجمال وكلما نظرت إليها دخل السرور في قلبك، وقد تتزوج – مثلا – ملكة جمال العالم ولكن عندما تنظر إليها ينقبض قلبك. إن القضية ليست في اللحم والدم، وإنما ما في القلب ينعكس على الوجه. فالقلب الطيب ينعكس على الوجه.
إنك في موسم الحج ترى ملايين الحجاج الطائفين وغيرهم ولكن في الطواف قد يستهويك رجل أسمر اللون لا جمال في وجهه؛ فتحب أن تتعرف عليه من خلال الصلاة جماعة؛ فتسلم عليه وتسأله: من أين أنت وإلى آخر ذلك. وطلاقة الوجه لا تحتاج إلى رأس مال. ولذلك روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (اَلْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ)[١]. وكم رأينا من المؤمنين من هو غارق من رأسه إلى قدمه في المشاكل ولكن في المنزل لا يحرم الناس ابتسامته. فأول الأمر إذا؛ أن تكون بشاشاً وإنما العبوس مكانه ساحة الحرب.
اجتناب البغضاء والشنآن
ثانيا: لا تكن من أهل البغضاء والحقد. أنت عندما تسجل موقفاً على أحد أو تدخل في خصومة معه سوف لن تتقي الله عز وجل. يقول أمير المؤمنين (ع): (لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اَللَّهَ مَنْ خَاصَمَ)[٢]؛ فحتى لو كان الحق معك وأنت المظلوم ولكن إن دخلت في نزاع سوف لن تتقي الله عز وجل.
ولو راجعت الرسالة العملية؛ لوجدت في أول الرسالة في بحث التقليد وبالتحديد عدالة المجتهد أن الغيبة من الكبائر ولكن قد استثني من الغيبة التظلم، وهو أن يذكر الإنسان ظلامته. وهنا قد اختلف العلماء حول هذه المسألة وتفاوتت آرائهم. إن الله سبحانه يقول: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِم)[٣]؛ ولكن هل يجهر بظلامته في الدواوين أو يجهر بها أمام القاضي أو العالم أو الحكم؟ إن البعض لا يراعي ذلك عندما يقع عليه الظلم؛ فيهتك الطرف الآخر من دون مراعاة أي حدود.
وقد ورد في خصوص التباغض بين الأرحام رواية هي نادرة في هذا المجال، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (أَلاَ إِنَّ فِي اَلتَّبَاغُضِ اَلْحَالِقَةَ لاَ أَعْنِي حَالِقَةَ اَلشَّعْرِ وَلَكِنْ حَالِقَةَ اَلدِّينِ)[٤]؛ أرأيتم كيف يحلق الشعر بعد رمي الجمرات الحلاق؛ فيزيل الشعر عن رأسك من أصله؟ فهنيئا لمن إذا سألته عن حاله وعلاقاته قال لك: لا مشكلة لي مع أحد من الناس. وهنيئا لمن يموت والناس تترحم عليه بخلاف البعض ممن هناك من يدعو عليه وهو في فراش المرض ومن إذا رأوا جنازته قالوا: لا غفر الله له.
اجتناب الهجران والقطيعة
ومن قواعد جلب المحبة؛ عدم الهجران. إن الله سبحانه يقول: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[٥]؛ فعندما يقاطعك أحد أو يهينك ثم أنت تحسن إليه لا من باب الضعف، ولا من باب الخوف؛ علم أنك تريد المصالحة قربة إلى الله عز وجل، فتعظم في عينه. ولا تقل: هذه مذلة؛ بل في عزة المؤمن مع المؤمن. وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (لاَ تَقْطَعْ صَدِيقاً وَ إِنْ كَفَرَ)[٦]؛ فلعل صداقتك تستنقذه من الكفر وترجعه إلى الإسلام يوما ما. وكذلك قد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَن هَجَرَ أخاهُ سَنَةً فهُو كَسَفكِ دَمِهِ)[٧]؛ وذلك قد تسمع من يقول: أن فلان بهجره قد قتلني؛ خصوصا إن كانت بينهما مودة.
الواقعية في التعامل مع الآخرين
ومن القواعد – وهذه القواعد قواعد عامة عند البشر ولا تختص بالمسلمين – الواقعية في التعامل. إنك لم ترى من زوجتك غير وجه وشعر وبدن إلى آخر عمرك ولم تر لها نفسا ولا قلبا ولذلك تتعامل معها على أساس تلك الصورة الذهنية التي رسمتها لنفسك؛ فإن كانت الصورة التي رسمتها جميلة فهنيئا لها وإن لم تكن كذلك أسأت الظن بها حتى وإن كانت مؤمنة تقية عفيفة.
إن هناك مرضا في علم النفس يشك صاحبه بالآخرين. فهو يفسر أقل حركة تصدر من الآخرين تفسيرا خاطئا؛ فإذا سلم عليه أحدهم بفتور؛ ظن أنه يضمر له في باطنه شرا وكل ذلك وهم وخيال. حاول أن تلمع صورة الناس في ذهنك؛ فهكذا قد أمرنا، وهذا هو معنى حسن الظن.
حسن الظن بالآخرين
وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ)[٨]؛ وقد قرأنا في كتب الأخلاق: أن إذا مررت على مؤمن وشممت رائحة الخمر من فمه، قل: لعله تمضمض بها ولم يشرب؛ فهكذا أمرنا أن نحمل على الأحسن. وهذه الرواية أيضا هي من بدائع أميرالمؤمنين (ع)، يقول: (لاَ تَصْرِمْ أَخَاكَ عَلَى اِرْتِيَابٍ وَلاَ تَقْطَعْهُ دُونَ اِسْتِعْتَابٍ)[٩]؛ فإن كنت تريد أن تقاطع أحداً؛ فاذهب إليه وقل: يا فلان، قد بلغني عنك كذا وأنك قد فعلت كذا ولعلك لا تقصد أو لعل النقل كان مزيفا واطلب منه التوضيح.
ولطالما ظلمنا الغير وانكشف لنا بعد فترة من الزمن أنه لم يصدر منه ما ظنناه أو فهمناه خطأ. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لاَ يَزَالُ إِبْلِيسُ فَرِحاً مَا اِهْتَجَرَ اَلْمُسْلِمَانِ فَإِذَا اِلْتَقَيَا اِصْطَكَّتْ رُكْبَتَاهُ وَتَخَلَّعَتْ أَوْصَالُهُ وَنَادَى يَا وَيْلَهُ مَا لَقِيَ مِنَ اَلثُّبُورِ)[١٠]؛ ألا تريد أن تغيض الشيطان الذي آذاك عمراً؟
المحبة الإلهية
قد تقول: إنني إنسان بشوش ووجهي طليق وأحمل على الأحسن ولا أدخل في منازعة وأبادر للإصلاح وصورتي الذهنية عن الزوجة والمجتمع صورة طيبة إلى آخر ذلك؛ ولكن لا أرى محبتي في قلوب الغير، فهل من أمل أو هل من طريق إلى ذلك غير ما ذكرت؟
نعم؛ سل الله عزوجل أن يلقي محبتك في قلوب الغير، أفهل هناك قلب أعتى من قلب فرعون؟ هذا الإنسان الذي قال لموسى (ع) عندما صار بالغاً كبيراً وبدأ بمقارعته: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)[١١]؛ أي يا موسى، لماذا تثور علي وأنا الذي ربيتك في بيتي؟ فسل الله عزوجل أن يلقي عليك هذه المحبة، ولكن متى يلقي عليك هذه المحبة؟ إن صرت محباً له في جوف الليل. ومن باب التجربة أقول: إن أهل قيام الليل من أجمل الناس وجهاً وأكثرهم محبوبية في الناس، لأنه ورد في الروايات الشريفة أنهم قد خلوا بربهم في جوف الليل فألقى عليهم محبته.
سل الله عزوجل في المشاهد في يوم عرفة وتحت القبة في الطواف أو في الروضة أو ما شابه ذلك من الأماكن المباركة والمشاهد المشرفة، بدمعة جارية: يا رب ألق علي محبة منك أولا، وثانيا أنا تائه في صحراء الغفلة ولا معلم لي ولست في حوزة ولا مربي لي فالمجتمع لا يربي والجامعة لا تربي والعمل لا يربي، فأنت اصنعني على عينك وتول أمري. إن الرياح تأتي لتقذف موسى (ع) الذي كان في المهد لا في سفينة ولا في أسطول ولكنه مهد صغير تتقاذفه الأمواج إلى أن أوصله الله عزوجل إلى قصر فرعون. فسل الله عزوجل أن يتبناك بالرعاية ويوصلك لإلى ساحل الأمن والأمان.
خلاصة المحاضرة
- إن هناك مرضا في علم النفس يشك صاحبه بالآخرين. فهو يفسر أقل حركة تصدر من الآخرين تفسيرا خاطئا؛ فإذا سلم عليه أحدهم بفتور؛ ظن أنه يضمر له في باطنه شرا وكل ذلك وهم وخيال. حاول أن تلمع صورة الناس في ذهنك؛ فهكذا قد أمرنا، وهذا هو معنى حسن الظن.