Search
Close this search box.
  • كيف نقرأ واقعة الغدير في ظل ما نعيشه من أزمات اليوم؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نقرأ واقعة الغدير في ظل ما نعيشه من أزمات اليوم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

وهل تنُكر واقعة الغدير؟

إن كل من يدقق في واقعة الغدير والعدد الغفير الذي نقل لنا هذه الواقعة؛ يعجب من أولئك الذين يُنكرون هذه الواقعة أو يثبتونها ولكنهم لا يلتزمون بلوازمها. لو أنه خبر اليوم تصدر كل وسائل الإعلام العالمية؛ ألم نكن نجزم بوقوع ذلك الخبر؟ إذ أنه من المستحيل إجماع هذه القنوات كلها على الكذب؛ حتى ولو كانت وسائل الإعلام تلك مشبوهة.

جهود العلامة الأميني لإثبات الغدير

ليست قضية الغدير قضية يمكن التشكيك فيها. إن وقوع حدث كبير كالغدير في مكان ما بين المكة والمدينة، وقيام عالم كالعلامة الأميني صاحب كتاب الغدير، بإثبات هذه الواقعة في عشرين مجلد؛ ألا يزيل كل الشكوك والشبهات حول هذه الواقعة؟ لقد قام العالمة الأميني بجهد عظيم في موسوعته القيمة الغدير، والتي لا شك ستقربه من الإمام أمير المؤمنين (ع) إن لم نقل: أنه من أقرب الناس منزلة إليه في ذلك اليوك. إن هذا العالم الكبير كان يقول: لو لم أكن منشغلاً بالقضايا العلمية؛ لأمضيت ليلي ونهاري عند أمير المؤمنين (ع) أبكي عليه وعلى ظلامته.

البيان السياسي الأهم على الإطلاق

يقول ابن حجر العسقلاني عن حديث الغدير: (إنه حديث صحيح لا مرية فيه ، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، فطرقه كثيرة جداً، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابياً … ولاالتفات لمن قدح في صحّته)[١]. وقد حاول البعض التشكيك في المضمون؛ فقالوا: المولى أي محبه وناصره. ولا يُعقل أن يجمع النبي الأكرم هذه الجموع الكبيرة ليقول لهم ذلك. لقد جمع النبي (ص) المسلمين في حجة الوداع ليثبت الوصية لأمير المؤمنين (ع)، وقد أنزل عز وجل: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ)[٢]؛ فأي رسالة هذه وأي أمر هذا وأي حكم فقهي هذا الذي يخاف النبي (ص) من الأمة عند تبليغه؟ إنها الوصاية من بعده.

لقد أمر الله النبي (ص) بتبليغ هذا البيان السياسي المهم وكانت النتيجة بعد التبليغ: (ٱلۡيَوۡمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينࣰاۚ)[٣].

كيف نثُبت للمخالف قضية الغدير؟

إذا دخل المؤمن في نقاش مع مخالف؛ فلا ينبغي أن يتوتر في مناقشته، لأنه هو صاحب المنطق وصاحب الأدلة القرآنية والروائية ومع ذلك يؤيده العقل. ما عليك إلا أن تذكر حجتك للمقابل؛ فإن قبل ذلك الذي تريد وإن أنكر وعاند، فقد أتممت عليه الحجة ولا شيء عليك، وكما قال سبحانه: (وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ)[٤].

أولا: إن أصل الوصاية مبدأ أممي موجود في فطرة البشر. إذا أراد أن يسافر الإنسان ويترك أهله وعياله مدة من الزمن، فمن الطبيعي أن يوصي من يقوم بشئونهم لحين عودته وهذا أمر فطري عند البشر جميعا. وإننا نجد في جميع الدول والممالك من ينوب عن الرئيس أو الملك في غيابه. كان أحدهم يناقش تاجرا حول قضية الغدير، فقال له: إنني لا أتستطيع مناقشتك في هذا المحل، ولابد أن نجلس في مكان نتناقش حول هذا الموضوع بعيدا عن هذا المكان، وعندما أراد أن يخرج من محله، فقال التاجر: دعني أجد من يقف في هذا المحل لحين عودتنا، فقال له صاحبنا: إنك لا تترك محلك لساعة واحدة من دون أن تجعل فيه من يقوم مقامك، ثم تدعي أن النبي (ص) يترك الأمة من دون إمام؟ انتهى النقاش بيننا..!

ثانيا: إنه مبدأ أنبيائي. لم يترك نبي الله موسى (ع) أمته من دون وصي عندما ذهب لميقات ربه أربعين ليلة، وهو هارون (ع)؛ فكيف يترك رسول الله (ص) الأمة وهو ذاهب إلى جوار ربه إلى الأبد من دون أن يعين لهم وصيا؟

استثمار كل فرصة للإشادة بفضل الأمير (عليه السلام)

لم يتوانى النبي (ص) في أي فرصة كانت تسنح له أن يبين فيها فضل أمير المؤمنين (ع) وضرورة الرجوع إليه بعده. ولذلك لا ينبغي أن ندخل في نقاش مع المخالفين حول قضايا كالسجود على التربة أو التكتف أو ما شابه ذلك من المسائل الفرعية ما لم نتفق على مسألة ولاية أمير المؤمنين (ع).  إذا ثبتت ولايته، ثبتت ولاية الإمام المجتبى (ع) وثبتت ولاية الإمام الحسين (ع) إلى الإمام العسكري (ع) ومن بعده ولده المهدي (عج) ومن بعده في زمن الغيبة الكبرى للمراجع والفقهاء العدول.

المعادلة واضحة جدا: تبدأ بإثبات الولاية لتنتهي بإثبات المرجعية. واعلم أنه لا يُجدي البحث في الفروع مع من لا يعتقد بالأصل. إن كتب الحديث مشحونة بحديث الخلافاء الاثني عشر. إن النبي (ص) بحسب ما روي عن جابر بن سمرة قد قال: (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ يَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ سَأَلْتُ اَلْقَوْمَ فَقَالُوا قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ)[٥]. فمن من هم هؤلاء الأئمة الاثنى عشر؟

أي الأئمة الاثنا عشر عند سائر الفرق والمذاهب؟

أي فرقة من فرق المسلمين تقدم لنا اليوم اثني عشر خليفة وإمام لا يختلف أحدهم عن الآخر؟ هل صدفة أنجب أمير المؤمنين (ع) الحسنين (ع)؟ أو أنجب الحسين زين العابدين، وزين العابدين أنجب الباقرين، والصادق أنجب موسى بن جعفر، والرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)؟ هل هذه كلها صدف؟ قرنان ونصف وأئمة أهل البيت (ع) لا يشك أحد في نزاهتهم وفي علمهم وصدقهم. إننا نعجب ممن يترك هذا الطريق الواضح إلى طريق آخر ملتبس.

ما هو واجبنا نحن تجاه هذه القضية؟

إن واجب كل من يعتقد بولاية الأمير (ع)؛ التبعة العملية له. إننا نحتفل بهم ونفتخر بتسمية أبنائنا بأسمائهم ونضع أسمائهم في لوحات ونعلقها في بيوتنا، ولكن هل يكفي كل ذلك؟ إننا نستشعر عمق القضية من قول النبي (ص): (اَللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاَهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ)[٦]. فينبغي أن يسأل كل واحد منا هذا السؤال: هل واليت عليا؟ هل نصرت علياً في حياته وهل اتبعته في مسلكه؟ إن المشيع يمشي خلف الجنازة ولذلك يُقال له: مشيع. ولكن إذا ذهبت الجنازة يمينا وذهب هو شمالا، فلن يكون من المشيعين. نحن نشايع أمير المؤمنين (ع) لأننا نمشي خلفه ونقفوا أثره ونهتدي بهداه.

أين أنت ممن أقام الصلاة حق إقامتها؟

لقد وُلد أمير المؤمنين (ع) في البيت واستشهد في بيت من بيوت الله وهو في سجوده في المحراب؛ فمشايعته تعني ألا أكون غافلا عندما يرفع المؤذن نداء: حي على الصلاة وأن تستجيب لذلك النداء على الفور. لقد توالت السهام في يوم عاشوراء على الحسين وأصحابه وهو يُصلي وقد قُتل البعض من أصحابه في هذا الموقف. إن الحسين (ع) أقام في يوم عاشورا أغلى جماعة في تاريخ البشرية؛ فكانوا يصلون ومنهم من ينزف من شدة الجراح ومنهم من سقط قتيلا ومنهم من أجهده الحر وثقل الحديد. فكيف نكون ممن يشايعهم ثم يستخف بصلاته؟ للولاية ضريبة لابد أن ندفعها، ولا يُمكننا أن نكتفي بالأشعار والأهازيج وغيرها. نعم، إننا نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم ثم نحاول أن نقتفي أثرهم ونتأسى بهم بعد ذلك.

هل حاولت أن توصل رسالة الغدير إلى العالم؟

علينا أن نوصل رسالة الغدير إلى الجميع عملا بوصية النبي (ص): (فَلْيُبَلِّغِ اَلشَّاهِدُ اَلْغَائِبَ)[٧]. لقد سمعت أن كلمة من كلمات الأمير (ع) مكتوبة على بعض الجدران في مقر الأمم المتحدة: (فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي اَلدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي اَلْخَلْقِ)[٨]. ففي مذهب علي (ع) لا ينبغي أن تكون ممن لا يبالي بالمظلومين والمستضعفين بغض النظر عما يعتقدون به.

كيف كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مع غير المسلمين؟

لقد سمع أمير المؤمنين (ع) باعتداء على ذمية (معاهدة) نصرانية أو يهودية في أيام خلافته عندما أغار أصحاب معاوية على أطراف بعض ولايته، فسلبوها بعض ما تملك، فقال: (فَوَ اَللَّهِ لَوْ أَنَّ اِمْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ عِنْدِي مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ جَدِيراً يَا عَجَباً)[٩]. فاقرأ هذا النص العلوي وقارنه بما يجري اليوم في فلسطين المحتلة وفي سائر البلاد. لو كان أمير المؤمنين (ع) اليوم بين أظهرنا، ألم يكن لبكي بدل الدموع دما؟ كيف لا وهو صاحب ذلك القلب الرقيق الذي جعله يوصي بقاتله أن يأكل كما يأكل هو وأن يشرب مما يشرب أمير المؤمنين (ع) نفسه، وكان يوصي بإكرامه ما دام حيا. القلب الذي يسع قاتله، كيف لا يسع محبيه؟

[١] الصواعق المحرقة: ٢٥.
[٢] سورة المائدة: ٦٧.
[٣] سورة المائدة:٣.
[٤] سورة العنكبوت: ١٨.
[٥] الغيبة (للنعمانی)  ج١ ص١٠٣.
[٦] تفسیر العیاشی  ج١ ص٣٢٧.
[٧] كشف الغمة  ج١ ص٤٩.
[٨] نهج البلاغة  ج١ ص٤٢٦.
[٩] دعائم الإسلام  ج١ ص٣٩٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد وُلد أمير المؤمنين (ع) في البيت واستشهد في بيت من بيوت الله وهو في سجوده في المحراب؛ فمشايعته تعني ألا أكون غافلا عندما يرفع المؤذن نداء: حي على الصلاة وأن تستجيب لذلك النداء على الفور.
  • أي فرقة من فرق المسلمين تقدم لنا اليوم اثني عشر خليفة وإمام لا يختلف أحدهم عن الآخر؟ هل صدفة أنجب أمير المؤمنين (ع) الحسنين (ع)؟ أو أنجب الحسين زين العابدين، وزين العابدين أنجب الباقرين، والصادق أنجب موسى بن جعفر، والرضا والجواد والهادي والعسكري (ع)؟ هل هذه كلها صدف؟
Layer-5.png