Search
Close this search box.
  • كيف نغتنم فرصة البكاء على الحسين (عليه السلام)؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نغتنم فرصة البكاء على الحسين (عليه السلام)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

ظاهرة البكاء العجيبة

من الظواهر المعقدة والملفتة في الوجود الإنساني هي ظاهرة البكاء. إن هذا البكاء ظاهره خروج دمعة من العين وقد يكون من دون دمعة؛ إلا أنه كاشف عن عملية تفاعلية عاطفية في الباطن. وهذا التفاعل البدني مع التفاعل الباطني آية من آيات الله عز وجل. إن الإنسان يخجل فيحمر لونه فجأة؛ فما هذه العلاقة بين البدن والروح؟ أو يخاف من شيء؛ فيصفر لونه، ويتراجع الدم. وعند الخجل يندفع الدم، وتتسارع النبضات وهكذا. إن هذه النفس من الآيات الكبرى، ويبدو أن هناك وسيط بين الروح والبدن؛ فهل هو السلسلة العصبية أم المخ أم ماذا؟ لا ندري.

ما هو البكاء؟

إن البكاء حالة من حالات الانقباض الباطني. قد يبكي الإنسان فرحا كبكاء الوالدة فرحا برجوع ولدها إليها بعد طول غياب؛ ولكن غالبا ما يكون البكاء في الحزن. ولهذا البكاء عاملان: عامل ذاتي، وعامل شخصي. وهذا هو الغالب في غير المؤمنين. فقلما رأينا غير المؤمنين يبكون أو يتألمون للآخرين، أو نرى من غير المسلمين من يتألمون ويبكون لآلام المسلمين. فعادة ما يكون البكاء لفقد عزيز أو لفقد مال أو لفقد منصب وإلى آخره. هذا البكاء لا يُعد بكاء مقدساً. وإنني لا أستبعد أن يكبي الحيوان أيضا؛ فقد يبكي في باطنه عندما يجوع أو عندما تموت أنثاه مثلا؛ فنحن لا نعلم ماذا يجري في نفوس البهائم وقد وصفهم الله سبحانه وقال: (وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُم)[١].

وإذا ذهبت إلى الحج والعمرة؛ قلما تجد بكاءاً يُعتد به. إنني رأيت الموضع الوحيد الذي فيه بكاء محسوس هو عند الحطيم عند باب الكعبة؛ فثم ترق القلوب. هناك أسرار في هذه المساحة بين الباب والحجر وهي التي تُسمى بالحطيم. إن هذه القطعة متصلة بالعرش؛ فمن ذهب إلى ذلك المكان عادة ما يتأثر ويتكهرب إن صح التعبير. والبكاء في يوم عرفة كذلك قليل.

ما هو البكاء المناجاتي؟

والبكاء نوعان: مناجاتي وتوسلي. البكاء المناجاتي هو البكاء في جوف الليل عندما يمد الإنسان يديه إلى السماء وهو يقول: العفو العفو. إن هذا البكاء يخرق الحجب ويصل إلى العرش. فإذا رق القلب وجرى الدمع فدونك دونك، فخذ ما تشاء. تصور إنسانا سمح له السلطان باللقاء –  إن لقاء السلاطين ليس أمراً هيناً – وسمح له بدخول القصر، واللقاء به مباشرة لا بالوزير ولا بالحاجب، ثم يقول له: اذهب إلى خزانتي وخذ ما تشاء. ماذا سيصنع هذا الإنسان؟ إنه بالتأكيد يملأ جيبه، ويقول: إن السلطان هو الذي فتح لي باب خزانته. فكيف إذا كان الذي فتح الأبواب هو مالك السماوات والأرض؟ إن هذا البكاء المناجاتي أو البكاء الخوفي مقدمة للرحمة، فإننا نقرأ في زيارة أمير المؤمنين (ع) أمين الله: (وَعَبْرَةَ مَنْ بَكَى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ)[٢]. فإنك إن بكيت فقد دخلت خزانة الملك؛ فخذ عندها من الملك ما تشاء. إن الدمعة كاشفة عن الإذن، ولولا هذا الإذن لما وُفقت للبكاء.

ما هو البكاء التوسلي؟

البكاء الثاني: هو البكاء التوسلي. وهو البكاء على مصائب أهل البيت (ع). إن هذا البكاء باب من أبواب الرحمة الإلهية؛ كما أن سيد الشهداء موصوف بأنه باب الرحمة، ومصباح هدى وسفينة نجاة. إن ما وقع على الإمام (ع) مدعاة للبكاء؛ لا عند المؤمنين ولا المسلمين فحسب؛ بل حتى بعض الكفرة في بلاد الهند معروف عنهم أنهم في يوم عاشوراء يبكون عليه. فحتى غير المسلم له مواكبه ومجالسه. إن المؤمن يغتنم هذه الفرصة في شهر محرم الحرام. إن هذا البكاء هو البكاء المقدس.

لماذا لا تجمع بين الدمعتين؟!

ما المانع من أن تجمع بين البكائين. بإمكانك في مجالس أهل البيت أن تنتقل من البكاء التوسلي للمناجاة وهذا أمر هين. فاغتنم الفرصة في مجالس الحسين (ع) عندما يختم الخطيب مجلسه بعد النعي بالدعاء والمناجاة. أطرق برأسك وغط وجهك إن كنت تستحي وادع الله دعاء بليغاً. وعندما تقول: آمين، قلها وأنت ملتفت مقبل. وإن رأيت في قلبك رقة ودمعة على الخد؛ خذ زاوية في المسجد وصل ركعتين خاشعتين؛ فهما فوز عظيم، إذ أنه من الممكن أن تصلي هاتين الركعتين وأنت لا تفكر فيهما في شيء فتكون مقبلا أشد الإقبال وهذه بركة من بركات مجالسهم.

[١] سورة الأنعام: ٣٨.
[٢] المصباح (للكفعمي)  ج١  ص٤٨٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن البكاء المناجاتي هو البكاء في جوف الليل عندما يمد الإنسان يديه إلى السماء وهو يقول: العفو العفو. إن هذا البكاء يخرق الحجب ويصل إلى العرش. فإذا رق القلب وجرى الدمع فدونك دونك، فخذ ما تشاء.
  • تصور إنسانا سمح له السلطان بدخول القصر، واللقاء به مباشرة لا بالوزير ولا بالحاجب، ثم يقول له: اذهب إلى خزانتي وخذ ما تشاء. ماذا سيصنع هذا الإنسان؟ إنه بالتأكيد يملأ جيبه، ويقول: إن السلطان هو الذي فتح لي باب خزانته. فكيف إذا كان الذي فتح الأبواب هو مالك السماوات والأرض؟
Layer-5.png