الحمد لله الذي يسر لنا الفرصة المتاخمة لميلاد إمامنا صاحب الأمر والزمان، ذلك الإمام الذي سيحيي آمال الأنبياء والأوصياء، وبه سيتحقق الوعد الإلهي في استخلاف المؤمنين على الأرض، فهو على رأس المستخلفين، وهو خليفة الله في الأرض .
ومن المناسب أن نذكر بأن من أحيا الليالي البيض من شهر رجب وشعبان ورمضان، فإنه يعطى فضائل هذه الأشهر الثلاث.
س١/ ما هو سر إقامة الذكريات بشكل عام، وذكرى ولادة الإمام المهدي بشكل خاص في النصف من هذا الشهر المبارك؟..
أولاً: القضية عقلية أممية متعارفة.. فالعقلاء عندما يفرحون بأمر، يترجمون فرحتهم من خلال نصب تذكاري أو تخصيص يوم لذلك.. وهذا أمر شائع في قانون الدول، فهنالك يوم الأرض، ويوم الزرع، ويوم الصحة.. الخ.
ثانياً: إحياء المفاهيم التوحيدية المعنوية.. إن الله -سبحانه وتعالى- أراد منا أن نعبده، فجعل لعبادته عناصر مادية ومكانية وزمانية رمزية، ومذكرة بالمفاهيم المعنوية.. ومن هنا ناسب أن يُجعل اليوم الذي نزلت فيه المائدة على الحواريين يوم عيد لأولهم وآخرهم، ليكون في ذلك إحياء لذكرى هذا التفضل الإلهي.. وأن تُميز حجارة الكعبة عن غيرها، ويُقدس المسجد الحرام وغيره من الأماكن المشرفة، وأن يكون ليوم الفطر المبارك -يوم الانتصار على الذوات والهوى- تعظيمه وبهجته الخاصة، وكذلك الأمر في عيد الأضحى، ويوم الجمعة، وعيد الغدير -يوم الولاية-.
ثالثاً: إن إقامة الذكريات تارة يراد بها تقديس شخصية الإمام المهدي (ع) وذاته، ولكونه ابن الإمام العسكري مثلاً.. وتارة أخرى يكون في إحياء مناسبة النصف من شعبان إقامة للمفاهيم المهدوية، والتي منها: مفهوم الانتظار، والإحساس بالقيادة العالمية للإمام (ع)، والإحساس بختام البشرية المقترن بنصرة الحق.. ففرق بين أمة تعيش الغموض في مستقبلها، وبين أمة -كالمسلمين- اختلفوا في ميلاده أو عدم ميلاده.. والكل متفق على أن الإمام من ضروريات الدين، وختام المسيرة البشرية متوج بظهوره صلوات الله وسلامه عليه.
س٢/ إن البعض أطلق على يوم ميلاد الإمام المهدي (عح) يوم المستضعفين، فما تعليقكم على ذلك؟..
لا مانع من ذلك!.. يوم المستضعفين إطلاق صحيح.. لأن الإمام ليس هدفه تخليص المسلمين فحسب!.. وإنما تخليص البشرية بأجمع من هذا المد المستمر للظلم العالمي.. ومن موجبات بعث الأمل في النفوس المستضعفة بث هذا الاعتقاد: أن هنالك من سيخلصها مما هي فيه..
فإذا ظهر الإمام (ع) في الحجاز ثم ذهب إلى العراق، وأقام دولته النموذجية العادلة، من الطبيعي أن تنساق له الأرض، وهذا معنى التمكين في الأرض، فالتمكين في الأرض بمعناه الشامل أي في كل الكرة الأرضية.
ومن هنا فإن في الاحتفال بهذا اليوم، بعث لروح الأمل في الأمة -وخاصة هذه الأيام- حيث أن الأمة تعيش حالة من حالات اليأس صعبة جداً.. فمن اللازم في كل سنة أن يضاعف الاهتمام بإحياء ذكرى النصف من شعبان، لإحياء هذا الأمل في نفوس الأمة.
س٣/ ما هي الميزات التي امتاز بها الإمام المهدي (عج) عن بقية الأئمة (ع)؟..
صلوات الله وسلامه عليه ، له موقع متميز من بين أئمة أهل البيت (ع)، وكلهم نور واحد.. ومن امتيازاته (عج):
* طول عبادته الفعلية.. فهو منذ ولادته بعد القرن الثاني والنصف إلى يومنا هذا، وهو يعبد ربه عبادة لا نظير لها، ففي كل سنة له حجه المتميز، وله اعتكافه المتميز.. ولك أن تتصور إنساناً يعبد الله حق عبادته أكثر من ألف سنة.. ففرق بين الإمام الذي عبد ربه عشرين سنة أو أقل، كوالده الإمام العسكري (ع).. وبين فعلية هذه العبادة.. نعم، إن كل واحد منهم لو كان في محل الآخر لقام بهذا الدور.
* حمله لهموم عظمى طوال التأريخ.. ينقل لنا التأريخ تألم أمير المؤمنين (ع) جراء نزع خلخال أو ما شابه ذلك من رجل ذمية، وتألم النبي الأكرم (ص) من أنين عمه العباس في الأسر بعد معركة بدر.. إن الأئمة (ع) هم مظهر أسماء الله الحسنى: الرؤوف، الودود، الرحمن، الرحيم..
فإذا كان ما حدث قبل أيام في مجزرة الكاظمية هز حتى أقسى القلوب، وحتى المخالفين لمذهب أهل البيت (ع).. تألموا وسجلوا مواقفهم، فكيف بإمامنا الحجة (عج)، وهو المعني بشؤون هذه الأمة، والذي رأى المجازر طوال التأريخ؟!..
إن مثل الإمام المهدي (عج)، كمثل أب أو ولي أمر أخرجه ظالم من بيته، وتأمر على أهله، وتحكم في أولاده، وصادر أمواله.. وهو واقف ينظر إلى هذا الظالم، لأنه مأمور بالانتظار والصبر إلى أن يؤذن له بالانتقام.. فيا ترى ما حال هذا الأب؟!..
* محيي آمال الأنبياء.. إن الأنبياء كانوا يدعون للإمام المهدي (عج)، لعلمهم بأن جهودهم سوف تثمر في ختام البشرية على يد خاتم الأوصياء الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
س٤/ تفضلتم بأن عبادة الإمام (ع)، وحمله لمآسي الأمة.. من أسباب تميزه، فماذا عن نبي الله نوح (ع).. بمعنى لو كانت مدة العبادة سبب الامتياز، لكان نبي الله نوح (ع) أفضل من نبينا محمد (ص)؟..
إن المسألة تقاس بالملكات، فكل إمام في عصره يمثل الخلافة الإلهية في الأرض، وهو خير العابدين وأفضلهم.. وبعبارة موجزة: الإمام -بمستوى حدود البشرية- مظهر لأسماء الله الحسنى، وهذا ليس بأمر بسيط!.. أضف إلى أنه السبب المتصل بين الأرض والسماء، ثم الفعلية.. ولهذا فإن الإمام الحسن (ع) لم يعط ما أعطي أخوه الحسين (ع): حيث جعلت الإجابة تحت قبته، والشفاء من تربته.. لأن الإمام الحسين (ع) عاش المعاناة الفعلية التي ما عاشها أحد من أئمة أهل البيت (ع).
س٥/ ورد عن النبي الأكرم (ص) قوله: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج).. فكيف ترون اقتران قضية الإمام المهدي (عج) بمسألة الانتظار؟..
فحتى يُعلم الانتظار الصادق من غيره المزيف أو المموه وغير الصادق.. فإن الانتظار أقسام:
فهنالك انتظار المفوضين.. كأتباع موسى (ع) عندما فوضوا الأمر إلى موسى (ع) وربه: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.. والتعبير{أَنتَ وَرَبُّكَ} فيه شيء من التنقيص لمقام الربوبية.
وهنالك انتظار المتفرج.. وهو الذي لا يُعنى بأمر المعركة، بل فقط يكتفي بمجرد انتظار النتائج.
وأما الانتظار الصادق.. فمثله كمثل إنسان مقاتل قيل له: بأنه سيتم الهجوم في التاريخ والوقت الفلاني.. فجعله هذا الخبر على أعلى درجات الاستعداد، وخاصة إذا كان يعتقد بحياة القائد خلف الجبهات، فإنه يعد العدة، وينتظر الفرصة القتالية المناسبة، وينتظر الأوامر العسكرية، وينتظر قدوم القائد الذي يعتقد بحياته.. ولو لم يره بعينه، لأن المخبر الصادق أخبره بوجود ذلك.
ثم إن التعبير النبوي: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج) تعبير بليغ.. فكلمة العمل هنا قرينة على أن هذا الانتظار، انتظار إيجابي.. فالذي ينتظر الفرج، يعد العدة من جميع الجهات، وما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
س٦/ تفضلتم بأن انتظار الفرج يعني العمل، وشبهتم ذلك بالجندي الذي يعد العدة للقتال، وينتظر الأوامر من القائد خلف الجبهات.. ولكن منهم من يتأثر سلباً بغياب هذا القائد، فلا يحرك ساكناً.. ومنهم من ينتظر، ويهيأ نفسه لذلك.. وآخرون يعيثون الفساد بقصد تعجيل ظهوره.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
أولاً ينبغي استيعاب المثال من كل أبعاده!.. فهذا القائد لم يذهب ليعتكف في الجبال -مثلاً- ويقطع صلته بالأمة!..
بل جعل في زمان الغيبة من يمثله في الأمة: من مراجع التقليد، والقيادة العلمية، والسياسية، والفقهية.. وهذه الثورة المباركة ما قامت إلا على أساس فكرة تمثيل الإمام المهدي (عج).. ولطالما سمعتم الإمام الخميني -رحمه الله- يقول: (نحن إنما جئنا لنسلم هذه الراية لصاحبها الأصلي)..
وهكذا فكل التحركات التي كانت طوال التأريخ على يد العلماء والمراجع الكرام.. ما هي إلا مثال لهذه القيادة السارية في صفوف العلماء.
س٧/ هل إن سقوط صدام، وما يحدث الآن في العراق.. من علامات ظهور الإمام المهدي (ع) المذكورة في كتب أئمة أهل البيت (ع)؟..
ليس من الصحيح أن نفسر الأحداث على أساس علامات ظنية ليست بقطعية، ولكن المقدار الذي نطمأن إليه بأن العلامات تدل على أننا في عصر الظهور أو على مشارف عصر الظهور.. والعصر -كما هو معلوم- مفهوم واسع.. ونحن لا نعلم إلى أين تسير الأحداث بعد عشر سنوات أو عشرين سنة.. فهنيئاً لمن يعيش هذا العصر!.. لأنه سوف يشهد أحداث كبرى، وكلنا أمل أن تتوج هذه الإرهاصات بظهوره (عج).
ودعوتي للشعب العراقي وللأخوة المنكوبين في هذه الأحداث، أن يجأروا إلى الله -عز وجل- وإلى وليه.. لأن هذه الشكاوى المقدمة إلى الله تعالى -وخاصة من الإنسان المفجوع- لا شك بأنها ستؤثر ولها مفعولها في تعجيل الفرج، فالله تعالى عند المنكسرة قلوبهم، كما هو مضمون الحديث الشريف.. وهناك نقل: بأن الله تعالى عجل هلاك فرعون بدعوة عجوز قالت: (يا رب!.. لقد بلغ ظلم فرعون مبلغاً كبيراً، لا أدري أيهما أعظم ظلم فرعون، أو صبرك على فرعون!..).. فلا نستبعد بأن الله -عز وجل- قد يغير مسير أمة من الأمم بدعوة فرد صالح.
فالذين يعيشون شيئاً من هذا الأذى والبلاء، ليتوجهوا إلى الله -عز وجل- في ليلة النصف، فهي ليلة قدر مصغرة.. وكل المقدرات تكتب في ليلة النصف، وتبرم في ليالي القدر.. فسلوا الله -تعالى- أن يكتب لهذه الأمة النصر والعزة بفضله وكرمه.
س٨/ هل تعتقد بأن مسألة ولاية الفقيه، وإقامة الحكومة الإسلامية.. من العلامات الثابتة لظهور الإمام (عج)؟..
بلا شك!.. إن خط الفقاهة إلى قبل ظهور الحكومة الإسلامية، كان خط متمثل في جانب الإثراء العلمي والفقهي فقط.. وأما أن يأتي فقيه ليترجم الفقه المبثوث في الكتب: الحدود، والديات، والقصاص، وكل أحكام الدين.. إلى شريعة في الحياة، إلى وزارات، إلى قرارات، إلى مجلس نيابي، إلى ما شابه ذلك من عناصر الحكومة.. فهذه -طبعاً- ظاهرة متميزة لم ير مثلها من زمان الظهور إلى الآن.. فبلا شك أن هذه الظاهرة المتميزة حلقة الوصل بين خط الفقاهة والتقليد، وبين خروجه صلوات الله وسلامه عليه.
ثم إن طبيعة نجاح الثورة وهذا التحول الهائل في الأحداث، يدل على أن هنالك شيئاً ما.. وفي نقل معتبر عن السيد الإمام -رحمه الله- أنه عندما سئل: هل كنت تتوقع النجاح أو النصر بهذه الكيفية؟.. أجاب: بأنه عمل بتكليفه.. ونحن عشنا تلك الأيام، وفي خضم الأحداث.. فلم تكن الحركات الشعبية تتناسب مع قوة الطاغوت، ولكن الله -عز وجل- أراد أن ينصر عباده المؤمنين على قلة عددهم وعدتهم.
س٩/ هناك الكثير ممن يبحث في العلامات التفصيلية الجزئية.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
لا ينبغي رفع مستوى أمل الأمة بقضايا غير قطعية، حتى أن البعض وقّت لظهور الإمام (عج) في سنة ١٤١٤هـ مثلاً.. وهذه حركة غير إيجابية، وغير صحيحة، ومن موجبات إصابة الناس بالانتكاسة إذا لم يجدوا نصراً وفرجاً.. ثم إنه لا يحبذ الاستغراق في علامات الظهور الظنية مع إهمال الجانب التربوي.. فالبعض ينتظر علامات الظهور ويطبقها على النار في المكان الفلاني، أو على موت لفلان.. مغفلاً العمل على تمهيد نفسه لظهور الإمام (عج)، الذي لو ظهر يوم غد، فالكثيرون سوف يرفضون دولته، ولا يعينونه على حركته.. فالأفضل الالتزام بالجانب التربوي في هذا المجال.
س١٠/ ما هي الأسباب الموجبة لمعايشة قضية الإمام المهدي في كل تفاصيل حياة الإنسان؟..
إن الإنسان المحب لله تعالى ولدينه، عندما يرى بأن الإمام (ع) سوف يطبق حاكمية الله في الأرض، لا شك في أنه يحب أن تنتشر هذه الدولة المباركة، ويُثأر من الظالمين.. فهذا الإمام الصادق (ع)، يصفه الراوي بأنه كان يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرّى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيّـر في عارضيه، وقد زفر زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه، وهو يقول: (سيدي!.. غيبتك نفت رقادي، وضيقت عليّ مهادي، وأسِرَت مني راحة فؤادي.. سيدي!.. غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد)..
* فالغريب هنا أن الإمام الصادق (ع) يخاطب الإمام المهدي (عج) وهو لم يولد بعد، والتعبير بكلمة (سيدي)!.. فعليه، ينبغي أن يتشبه الإنسان بإمامه، ويعيش مرارة فقد الولي، وفقد القائد..
وفي رواية أخرى عن الإمام الكاظم (ع)، يقول الراوي: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) ببغداد حين فرغ من صلاة العصر، فرفغ يديه إلى السماء و سمعته يقول: أنت الله لا إله إلاّ أنت الأول والآخر والظاهر والباطن…. إلى أن قال:
أسألك أن تصلّي على محمد وآل محمد ، وأن تعجّل فرج المنتقم لك من أعدائك ، و أنجز له ما وعدته يا ذا الجلال و الإكرام !..
قلت : مَن المدعو له؟.. قال (ع): ذاك المهدي من آل محمد (ص).. ثم قال (ع): بأبي المنتدح البطن، المقرون الحاجبين، أحمش الساقين، بعيد ما بين المنكبين، أسمر اللون، يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل!.. بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً وراكعاً!.. بأبي مَن لا يأخذه في الله لومة لائم، مصباح الدجى!.. بأبي القائم بأمر الله.
* وهنا الإمام الكاظم يشير إلى جانب تربوي: وهو أن الإمام (ع) ما وصل إلى هذه الدرجة إلا من خلال العبادة الفعلية وسهر الليل.. فلنكثر من دعاء الفرج -الذي أصبح شعاراً لنا في الإذاعة والتلفزة-: (اللهم كن لوليك..). ومما ينقل عن بعض مراجع التقليد أنه التزم بهذا الدعاء في قنوت صلاته الواجبة أربعين سنة.
س١١/ لو افترضانا بعدم وجود علامات جزئية تفصيلية، بل فقط بوجود علامات كلية تدل على أنه في آخر الزمان سيظهر إمام مخلص للبشرية من الظلم والطغيان.. فهل يؤثر ذلك على تكليف الإنسان؟..
في الواقع لا صلة بين الأمرين!.. إن الإنسان عليه أن يعمل بوظيفته، سواء قطع بأن الظهور بعد ساعة أو بعد مئة سنة.. فنحن أمرنا أن نعبد الله -عز وجل- حق عبادته بما أمكن أن نكون، على مستوى ارتضاء رب العالمين.
ونحن قلنا في مقابلاتنا هنا، وفي غيره من الأماكن.. أنه لا اثنينية بين خط التوحيد وخط الولاية، فأئمتنا (ع) إنما جاؤوا لتثبيت خط التوحيد وعبادة الله عزوجل، فهؤلاء هم الذين جددوا التوحيد في حياتهم، وما استشهاد الحسين (ع) في يوم عاشوراء إلا لتثبيت هذا الخط.. ومن المعلوم في كتاباتهم وتوقيعاتهم (ع) تأكيدهم على الالتزام بالورع والتقوى، لمن يريد أن يكون مرضياً عند إمامه.
س١٢/ كيف نعرف قضية المهدوية إلى الغير.. فهل هي انتصار للشيعة، أم هل هي انتصار للمسلمين، أم هل هي انتصار للمستضعفين؟..
الخظوة الأولى: أن نذكّر الآخرين بحديث الاثني عشر خليفة كلهم من قريش، والذي رواه الفريقان في صحاح المسلمين، وفي كتب المسلمين المعتبرة المعروفة هذه الأيام.
فهؤلاء من هم في هذه الأمة؟.. وهب أنّا جمعنا من خلفاء النبي (ص): أربعة، خمسة، إلى ستة.. فما بال البقية؟.. من هم هؤلاء البقية الذين بحق يعتبرون الامتداد للنبي الأكرم (ص)؟.. وهل من الجزاف أن يأتي اثنا عشر خليفة إلى سنة مئتين وستين من الهجرة، وكلهم خط واحد، وأحدهم يعبد الآخر: في موافقه، وفي كلماته.. ولا يستطيع العدو المتربص لهم أن يمسك عليهم زلة واحدة؟!.. فلو أن الأمر ليس مرتبطاً بالسماء لما كان كذلك.
الخطوة الثانية: بيان محاسن كلامهم (ع)، فإن الناس إذا عرفوا محاسن كلام الأئمة (ع) اتبعوهم.. وللمناسبة: كنت في زيارة لأحد الإخوان في دولة خليجية، فأعجبت بمجلسه، حيث قد زين جدران منزله بتواقيع الإمام المهدي (عج) مثل: (إنّا غيرُ مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم.. ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا).. فقال لي قصة هذه الكتابة: بأن الذي خط هذه الكتابات، أعجب بهذه الكلمات إعجاباً بليغاً، جعله يبحث عن مصدر هذا الكلام.. ثم في ضمن ليالي وأيام أفهمه بأن الخط الذي خطه النبي الأكرم (ص) فيه كتاب وعترة، والإمام المهدي (ع) هو آخر هذه العترة، وهو صاحب هذه الكلمات الجميلة.. ثم ما لبث أن سلك مسلك أهل البيت (ع).. فإذن، بيان محاسن كلماتهم نعم الطريق لفتح القلوب على منهجهم صلوات الله وسلامه عليهم.
س١٣/ كيف يستدل الإماميون على مسألة وجود وولادة الإمام المهدي (ع) لمن ينكرون ذلك من المذاهب الأخرى؟..
من خلال مشاهدتي لبعض الفضائيات التي تتبنى -هذه الأيام- جانب الجدل العقائدي والمذهبي.. أقول: بأنه لابد من البحث العلمي.. فالنقاش الذي يتناول قضايا فرعية، دون باقي القضايا الأصلية المترتبة عليه، نقاش لا معنى له، ولا فائدة منه.. فإذا كان الإنسان الذي تناقشه مسيحيا لا يؤمن أصلاً بالقرآن الكريم، فكيف يمكن أن تثبت له سورة البقرة مثلاً!..
فبعد أن أثبتنا مسألة القرآن والعترة وحديث الأئمة الاثني عشر.. يصل الأمر لمن اعتقد بعلي وبعدالته في القول -وهذا على أقل التقادير- أن يعتقد بالإمام الحسن (ع)، إذ هو الذي جعله إماماً، ثم هذا الاعتقاد يجره إلى أن يعتقد بالإمام العسكري -الإمام الحادي عشر- ولازمة هذا الاعتقاد، الاعتقاد بولده الذي بشر به.
ثم إن النافي لا دليل ينفي، ولكن المثبت له دليل.. وأدلته -كما قلنا- الراويات الكثيرة، والتي ذكرنا منها راوية الإمام الصادق والإمام الكاظم (ع).. فإذن، الواقع التأريخي يثبت هذه الولادة، أضف إلى رعايته لمحبيه طوال زمان الغيبة.
س١٤/ كيف يمكن الرد على من يدعي رؤية الإمام (ع) في المنام أو يدعي النيابة عنه (ع)؟..
أما مسألة المنامات فينبغي أن نقف منها موقفاً حاسماً.. ولطالما رأينا إنساناً يتغير مزاجه وينظر للمستقبل نظرة قاتمة سوداوية، ويعيش الوهم من جراء الاعتقاد بالمنام!.. ومن قال بأن المنام يرتب عليه أثر؟!.. نعم، هو شعبة من شعب الإلهام والنبوة، ولكن لا حجية له على مسلك جميع العلماء.. ولا معنى لأن يبني الإنسان وضعه وتقييمه لنفسه وللآخرين على منام..
وفي حديث: (من رآني فقد رآني)، قال عنه العلماء: أن من رأى النبي (ص) في حياته، ثم رأى هذا الشكل في منامه، فالشيطان لا يتمثل به.. ولكن أن يرى إنسان نوراً، أو يرى سيداً جميلاً، فيعتقد أنه هو هذا النبي!.. فلنترقى عن مستوى هذه الظنون والأوهام.. ويقول العلماء أيضاً: حتى لو أن الإمام أمر في المنام بأمر، فهذا الأمر لا يجب امتثاله، بل يجب مخالفته إذا كان ينافي أصلاً شرعياً.
وأما عن مدّعي الرؤية، فهؤلاء أناس يطلبون الدنيا، ويطلبون الوجاهة، والتسلط على رقاب الناس، وجمع الأموال.. ومن السهل عليه الادعاء، فالناس ببراءتها وبفطرتها، قد تميل لهذا الإنسان.. والزمان زمان الغيبة، ولو أذن للإمام (ع) بالظهور لتكذيب هؤلاء لظهر بشكل عام.. ولطالما رأينا حركات انحرافية طوال التاريخ، التي من الممكن أن تؤلف كتاباً حول دعاوي السفارة .
وقد لعن الإمام (ع) بعض هؤلاء الذين كانوا في زمان الغيبة.. فمن هؤلاء من يدّعي رؤية مجردة، بأن كان في ورطة معينة، والإمام تدخل بنفسه أو بأعوانه لنجدته.. وهذا من الممكن، كما ذكر في التأريخ للكثير من الذين تورطوا وانجدهم الإمام (ع).. ولكن الكلام في الذي يدعي الارتباط الوثيق بالإمام، فينقل عنه التواقيع والفتاوى.. وفي كل يوم نسمع حركة من هذه الحركات السخيفة.
غير أن العجب ليس من هؤلاء، فهؤلاء أناس طلبوا الدنيا، العجب من الإنسان المؤمن الذي أعطاه الله شيئاً من العقل والبصيرة.. فكيف لا يطلب البرهان منهم؟!.. فلكل نبي معجزة، ولكل إمام كرامة.. وهؤلاء الذين يدعون السفارة والنيابة، ليأتوا بشيء لإثبات هذا المقام العظيم، الذي ما ادعاه حتى علماؤنا الفطاحل، أمثال: الشيخ الطوسي، والمفيد، وغيرهم.. ويأتي إنسان جاهل بأبسط المسائل الشرعية، لا يفهم إلا القليل من الدين، ويدعي هذه السفارة!.. وقد رأينا أيام إقامتنا في الحوزات العلمية بعض الجهلاء الذين لا يعطى لهم منصب إمامة مسجد، وإذا به يدعي السفارة والنيابة!.. والله -عز وجل- بناؤه على افتضاح هؤلاء وخزيهم، وأما الزبد فيذهب جفاء.. وهذه الدعاوي كثيرة طوال التأريخ.
س١٥/ كم عمر الإمام (عج) حين الظهور، ومن أي مكان سيكون خروجه؟..
فأما عمره فواضح، منذ ولادته إلى زمان ظهوره (ع)، ولكن المستفاد من بعض النصوص أن مظهره الخارجي، هو مظهر من في سن الأربعين .
وظهوره في مكة المكرمة.. ومن الملفت أن الإمام (ع) في أول أيام ظهوره، وفي أول بيانات الثورة العالمية.. يذكر مصائب جده الحسين (ع) إذ يقول: (ألا يا أهل العالم أن جدي الحسين قتلوه عطشانا..) مما يدل على عمق تأثير واقعة كربلاء في حياة الأمة، وفي نفس الإمام المهدي (ع) الذي يبكي جده صباحاً ومساء.
س١٦/ هناك تصوير: بأن الإمام (ع) عندما سيظهر، ستنشأ الحروب، ويفنى ثلثي سكان الأرض.. وهناك تصوير آخر: بأن الله -عز وجل- يجمع له القلوب، ولا يقاتل إلا قلة من الظالمين والطغاة في العالم.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
إن منهج الإمام (عج) هو منهج جده المصطفى (ص)، وهو في إحدى كلماته يقول: (إن لي بجدتي فاطمة أسوة).. فإذا هو يتأسى بالزهراء (ع)، فبطريق أولى بالمصطفى (ص) الذي قضى أكثر عمره في دعوة الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد..
إن منهج الإمام (ع) هو منهج عرض الإسلام بشكل نقي واضح.. فمن الطبيعي أن قسم كبير من شعوب الأرض، عندما ترى عدل الإمام (ع)، وكلمات الإمام (ع)، وبعض مظاهر التأييد السماوي.. أن تنساق وراءه.
س١٧/ كيف تستفيد الأمة من وجود إمام الزمان (عج) وهو غائب؟..
الإمام (ع) بين ذلك من خلال توقيعه المعروف: (وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب.. وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء).
فأولاً: هنالك أثر تكويني لوجوده (ع)، وهذا له بحثه المفصل، فلولا الحجة لساخت الأرض بأهلها.. فرب العالمين -كما في بعض الراويات- يرحم أمة، أو قرية، أو مدينة، بعبد صالح.. فالإمام وجوده لطف من هذه الناحية.
وثانياً: الإمام (ع) من خلال دعائه وطلبه من الرب، يسدد بعض القلوب.. كالإمام الخميني -رحمه الله- في ثورته المباركة، حيث هنالك تسديد واضح، وهو من خلال بعض كلماته، كان يوحي بذلك التسديد.
وفي ختام الحديث أدعو إلى وضع محطات يومية وأسبوعية، لتجديد العهد مع الإمام (ع).. إن الساعة الأخيرة من عصر الجمعة من أثقل ساعات الأسبوع، والذين لهم شفافية وإحساس مرهف في هذا المجال، يعيشون هذا الإحساس.. لأن يوم الجمعة هو اليوم المتوقع فيه ظهوره، والفرج فيه للمؤمنين.. وكأن هنالك انتكاسة في عالم الوجود.. فمن المناسب أن نكثر الدعاء في هذا الساعة الأخيرة.
ومن المناسب أيضاً قراءة دعاء زمان الغيبة في كتاب مفاتيح الجنان، والوقوف أمام هذه الفقرة: (اللهم!..لين قلوبنا لولي أمرك..).. فالأخوات اللاتي في بيوتهن، والذي لا يمكنه أن يصل إلى مرجع أو عارف أو موجه.. فليتوجه إلى إمامه، والإمام (عح) -بفضل الله- له أساليبه في هذا المجال، كما يقول البعض أن الإمام (ع) إشراف على بعض الخلَّص من محبيه.
أضف إلى صباح الجمعة، وفي الأعياد الأربعة، حيث أعياد الفرح.. يستحب أن يندب الإنسان إمامه بدعاء الندبة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.