- ThePlus Audio
كيف نعالج الإحباط؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هنالك عبارة متكررة كثيراً ما نسمعها من خلال الاتصال بالمؤمنين والمؤمنات أو من الرسائل التي تردنا؛ وهي كلمة الإحباط، فعندما تجلس مع أحدهم تراه في مطاوي كلماته يقول؛ إنني أشعر بالإحباط لتصوري، لمستقبل الأمور أو عند النظر إلى الماضي أو الحاضر، سواءً في علاقتي مع ربي أو مع نفسي أو مع الأمة إخواني هذه الحالة إذا ترسخت في الإنسان تحول إلى ركام، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (قَتَلَ اَلْقَنُوطُ صَاحِبَهُ)[١] -كلمات أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، حقيقةً وخاصةً في علم النفس كلمات رهيبة راجعوا كتاب غرر كلماته وحكمه، ترونه مليئاً باللفتات النفسية- فالإنسان إذا دبّ فيه القنوط والإحباط كما يقولون، فهو في الواقع ميت الأحياء، وكذلك في رواية أخرى أعظم البلاء انقطاع الرجاء.
قراءة تحليلية للإحباط
إذن مسألة الإحباط لا يمكن نفيها بكلمتين؛ لذا قد يكون الكلام مع البعض أشبه بالعقاقير المسكنة لكنه لا يُعالج المشكلة من جذورها كما أنَّ بعض الأطباء إذا رأى هنالك يأساً من العلاج يحاول أن يطمئن قلب المريض أو يسكته بشيءٍ من المسكنات ونلاحظ من جهة أخرى أنّ المريض يتحمل الألم ويحاول أن يخدع نفسه بذلك لكن في النتيجة تلك المسكنات لا تنفع في شيء، كذلك الإحباط ففي الواقع بعض الكلمات من الممكن أن تسّكن ولكن بعد يومٍ أو يومين يرجع من جديد كما كان؛ لذا المناسب في مثل هذه الأمور أن نقوم بعملية صبر تحليلي وبيان لأنواع الإحباط.
هنالك أربع محطات أو حقول للإحباط فالإحباط تارةً يكون في العلاقة مع ربّ العالمين وتارةً مع مفردات الحياة وتارةً في التعامل مع البشر سواءً الأسرة أو المجتمع وتارةً في التعامل مع أحداث الأمة.
الإحباط في العلاقة مع الله عزّ وجلّ
هناك قاعدة صغيرة جداً تحلّ لكم مشاكل كثيرة، وهذه القاعدة هي؛ البعض ربما يذنب لكن نلاحظ عليه أنَّ علاقته مع الله في اللوح المحفوظ لا بأس بها في واقع الأمر، فإنَّ الله (عزّ وجلّ) لم يطرده من رحمته وما ترك عنايته به فما زال مستمراً بالنعم عليه، فماذا ينبغي أن يفعل كي يرجع من جديد ولا يعيش حالة الإحباط مع الله (تعالى)، يمكن أن نبين بعض الأمور النافعة التي ينبغي أن يلتفت إليها الإنسان المؤمن ولا تغيب من ذهنه، نذكرها تبعاً.
بعد القلب وليس بعد المنزلة
من الأمور الطبيعية والمعقولة أنَّ الإنسان عندما يرتكب ذنباً في يوم ما يرى علاقته ثقيلة مع الله (عزّ وجلّ) هذا الثقل في العلاقة ممكن تسميته بُعدٌ قلبي وليس بُعد منزلتي، فالمنزلة عند الله (عزّ وجلّ) لم تتغير بخطيئة إنسان شاب طوّعت له نفسه في يوم أو ساعة فنظر إلى محرم، فهل هذا يعني انتهى كلّ شيء مع علاقته بالله (سبحانه وتعالى)، ذلك ليس من المعقول أبداً، نلاحظ في حياتنا في بعض الأوقات الأبوان يستثقلان الأولاد وكذلك الولد أو البنت -التي هي قريبة إلى الأم- بعض الأوقات لا تتحمل الأم ولكن العلاقة موجودة في مدٍّ وجز وهنا تكمن مشكلة الإنسان الذي يشعر بالإحباط في علاقته مع الله، فالبعض كأنما يقيس علاقته مع الله (عزّ وجلّ) كعلاقة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي لم يغفل عن الله طرفة عين التي يعبر عنها في بعض الكلمات (لي مع الله حالاتٌ لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل) فهذه مقامات النبي وآل النبي (عليهم صلوات الله وسلامه عليه)؛ أما أنا وأنت علاقتنا في تذبذب يوم نقبل ويوم ندبر.
القلب مزرعة للأمل والتفاؤل
وقد ورد في حديثٍ طريف عن إمامنا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) عبارة جميلة، وفي الواقع بشرى لمن يشعر باليأس يقول عليه السلام: (لا تيأسوا من مدبر فإنَّ المدبر عسى أن تزلّ به إحدى قائمتيه إحدى رجليه وتثبت الأخرى فترجع حتى تثبت جميعاً)[٢]، وهي في الواقع كلمة ينبغي أن تبث الأمل والتفاؤل في قلب الإنسان، فعندما نرى إنساناً مدبراً يجب أنْ لا نيأس منه، فربما نصادف إنسانا منحرفا ولكن له علاقته طيبة مع الله والنبي وأهل بيته (صلى الله عليه وآله)، وله علاقة رديئة مع العناصر الإفسادية، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لماذا تنظرون إلى قدمه المتزلزلة فقط انظروا إلى قدمه الثابتة أيضاً فعسى أن ترجع حتى تثبت جميعاً، أحد العلماء يعطي تفسيراً لكلمة مدبر في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: المراد بالمدبر هنا؛ من أدبرت حالته وإن كان لم يزل طالباً له -يقصد طالباً لله (تعالى)- فهناك فرقٌ بين إنسان طالب كسول، هرب من المدرسة وبين طالبٍ يريد الشهادة الجامعية ويتمنى ذلك ولكن مسيرته متذبذبة في التواصل مع المدرسة، فمرة يغيب وأخرى يهرب وهكذا فهو في حال كرّ وفرّ، أمنيته أنْ يصل إلى درجة من درجات العلم لكن لا يملك العزيمة والإصرار على ذلك، المؤمن بطبيعته طالباً للدرجات الكمالية فمثل هذا الإنسان في أمان؛ لأنه يطلب شيئاً ولكن مع ذلك الإقبال والإدبار حالتان متناوبتان على عليه.
العيش في حالة الرجاء
إذن لا بدَّ أنْ تتملك الإنسان المؤمن حالة الأمل والرجاء ويوطن نفسه على البعد عن الإحباط وخاصة إذا كان يتعامل مع ذويه أو مع أرحامه، إياك أن تزرع اليأس في قلبهم أو قلب إنسان، فربما يدخل الشيطان –وهو كذلك- من مداخل ضيقة ويمكن أنْ تكون خفية ويمكن أنْ يساعده على ذلك الإنسان نفسه، فربما في بعض الأوقات يتمنى أن يعيش حالة من الإحباط ليقول له الشيطان بلسان الحال، أساليب غريبة لعله يلقيها بأذن الإنسان عن طريق بيتٍ من الشعر يغوي بني آدم بها كقول بعضهم: (أنا الغريق فما خوفي من البلل)، بعض الناس هكذا يقول، أنا ما دمتُ قد يئستُ من رحمة الله (عزّ وجلّ)، فما قيمة صلاتي؟! فأنا الفاسق الذي عصى جبّار السماء ما قيمةُ صلاتي في جنب هذه المعاصي فلأترك الصلاة أيضاً، نعم الإنسان إذا وصل إلى درجة الإحباط تسوّل له نفسه ذلك.
الإحباط الثاني في العلاقة مع الناس
ربما يشعر الإنسان المتصدي لبعض شؤون المجتمع إلى حالة من الإحباط، لعدم وصوله إلى النتائج المرجوة والتي كانت له هدف في تحركه، ولكن نقول بأنَّه لا يوجد على وجه الأرض موجود أحرص على بني آدم من البشر كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول تعالى: (طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[٣]، النبي (صلى الله عليه وآله) كانت تذهب نفسه حسرات لأجل وضع الأمة كما في القرآن الكريم: (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ)[٤]، فيعزّ على النبي ما عنتم ولكنه مع ذلك هل النبي (صلى الله عليه وآله) حقق طموحاته في حياة الأمة؟ الجواب أن هناك موانع منعت من ذلك منها:
١-المنافقون ودورهم في المدينة.
٢-التخاذل في صفوف المسلمين في بعض الغزوات.
٣-ما جرى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته وفي كتب الصحاح تعلمون الروايات التي تدل يقال إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة لا تدري ماذا أحدثوا بعدك.
إذن مع حرص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على هداية الأمة إلا أنَّ الأمور ليست باليد فلم تجري كما كان يهدف لها فالناس أمزجة.
من المعلوم عند جميع الأديان السماوية بأنّ الله (عزّ وجلّ) خلق آدم (عليه السلام) وقبل أن يخلقه خلق إبليس فهو أقدم عمرا وأطول من آدم (عليه السلام)، وفي الوقت الذي كان فيه بين الماء والطين، كان إبليس يعبد الله (عزّ وجلّ) لكن ما الذي حصل في النهاية إبليس ترك كل شيء لأجل حسده لآدم (عليه السلام).
العمل ضمن مستوى الواقع وليس الطموح
إذن الناس أمزجة والشياطين يحومون حول قلوب الأولياء فكيف بقلوب عامة الناس، فينبغي للإنسان العامل أنْ يعمل ضمن مستوى الواقع وليس مستوى طموحه فلا ترفع من مستوى توقعاتك وتتوقع من الآخرين ما تهدف وتطمح إليه وخاصةً في هذا العصر الذي انتشرت فيه وسائل الإفساد -وأظن الجميع يوافقني على هذا الرأي بأنه ما مرت فترة على حياة البشرية من حيث انتشار الفساد وظهور الباطل في البرّ والبحر والفضاء كزماننا- ولا يعلم سوى ربّ العالمين ما الذي سيستحدثه الشيطان وجنوده من وسائل للانحراف بعد عشرين سنة، حتى رأيتُ بعض المؤمنين يقول أنا عزفتُ عن الزواج ولا أريد الزواج لئلا ابتلى بالذرية المستقبلية، أنا لا أدري ما هي طبيعة أولاد آخر الزمان، أكيداً هذا الكلام في غير محلّه فوجود الانحراف ليس مبرراً للعزوف عن بعض السنن والأحكام.
للناس خيوط ليس أطرافها بأيدينا
أقول خيوط الناس ليست بأيدنا لكن عليكَ أن تحاول في هداية الناس وإنقاذهم ونشر الفضيلة بينهم فإنَّ الله (سبحانه وتعالى) يحبُّ أنْ يراك ساعياً في هذا المجال، اذهبوا إلى كتب الرجال من أمير المؤمنين علي إلى الإمام العسكري (عليهم السلام)، من هم الرواة الذين كانوا حول الأئمة (عليهم السلام) وما هي الطبقة المتميزة؟! اجعل هذا العدد في كفّ افترضْ عشرة آلاف، مئة ألف، في قرنين ونصف من الزمان، مائتين وستين سنة تقريباً، في هذه السنوات التي بلغت مائتين وستين من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى غيبة الإمام المهدي (صلوات الله وسلامه عليه) كم عدد المسلمين الذين تميزوا في القرنين والنصف، عدد بسيط جدا جداً في مقابل هذا الركام الهائل الذين وقفوا في وجه أمير المؤمنين علي ووجه الحسن والحسين (عليهم السلام) – تعرفون الحكومة كانت لثلاث في حياة الأمة لبرهة قصيرة النبي وعلي والإمام الحسن (صلوات الله وسلامه عليهم)، في مرحلة قصيرة وفي منطقةٍ ضيقة في حياة الأئمة -وفي كلِّ عصرٍ وقفوا في وجوه الأئمة (عليهم السلام)-، إذن ليس من دواعي الإحباط عدم وقوف الأمة مع الإنسان المصلح الذي يحمل هم الإسلام في قلبه، الله (سبحانه وتعالى) يحبُّ أن يرى عبده ساعياً قال (تعالى): (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)[٥]، ليس إلا ما أنتج، وعليه اعتبرْ نفسك موظف في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -الموظف في الهيئة يأخذ راتباً مثالياً سكناً حياة مستقرة– فهو يخرج من الصباح إلى الليل، يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر، ما يضره إدبار الناس، يقول: أنا موظف عليّ أن أقول، عليَّ أن أنهى، عليَّ أن آمر، وأما النتيجة لا عليك أيضاً وظفك الله (عزّ وجلّ) بنصّ القرآن الكريم، كلنا موظفون بنصّ القرآن الكريم: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ)[٦]، ما هي وظيفة الأمة (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[٧]، هذه وظيفتنا فإذن لا عليك إذا رأيتَ إدباراً وأنتم تعلمون أنّ الأجر يتضاعف كلما عانيتَ في هذا المجال.
التعامل مع الأسرة
رأيتُ في بعض النصوص – طبعا لا مانع من القياس ليس هذا من القياس الباطل- يقول من حفظ القرآن الكريم على ثقل، إنسان ضعيف الحافظة وكثير النسيان يقرأ جزءاً وينسى يحفظ وينسى وهكذا، مثل هذا الإنسان الذي يقارع نفسه يكون أعظم أجراً عند الله (عزّ وجلّ) من إنسان له ذاكرة قوية وقسْ عليه فعلل وتفعلل، كذلك في شؤون الحياة الذي يقاسي مع زوجه أو ذريته أو أقربائه أو أرحامه، هذا الإنسان أعظم أجراً ممن أعطي ذرية طيبة غير مشاكسة ولا يرى ثقلاً ولا مجاهدةً في هذا المجال.
الإحباط في عناصر الحياة
كما هو المعلوم فإنَّ عناصر الحياة ليست بأيدينا، فالإنسان موجود مدني اجتماعي تؤثر فيه عناصر كثيرة، جغرافية، تاريخية، مادية، وراثية، جينية، إلى آخره، قلتُ في إحدى المحاضرات: الإنسان في حياته أشبه شيء بإنسانٍ ركب قطاراً، هذا القطار يمشي بسرعة ثابتة ويقف في محطات مرسومة، الأمر بيد من يسوق القطار، وأنتَ لك الحرية أن تنتقل من غرفة إلى غرفة، من قاطرة إلى قاطرة، تنام تارةً وتأكل أخرى، ولكنّ القطار يسير وأنتَ عضو مسافر في هذا القطار، لو أنّ المسافر يصيح بأعلى صوته، يقول: أيها القطار قفْ في هذه المحطة وهذه المحطة التي ليست من محطات الوقوف لا يزيده ذلك إلا خسراناً، هذا المثال ينبغي أن يكون في ذهن الإنسان.
حرية التصرف في الحياة ضمن قانون الاختيار
فإنَّ هنالك حرية للإنسان في التصرف، في الحياة يأكل ويشرب، ولكن هناك قاطرة تمشي، ليست هنالك جبرية في الواقع ترفع عنك العذاب (لا جبر ولا تفويض ولكن أمرٌ بين الأمرين)[٨]، فإذن لا تنسَ هذه الحقيقة بأنَّ الله (سبحانه وتعالى) جعل الحرية بيد البشر، لكن بملاحظة ما يجري اليوم من أحداث على الأرض؛ نرى في بعض الأوقات الإنسان الكافر الفاسق الفاجر يحدد المصير في السياسة العامة لأرض وللإنسان، وكما هو معلوم فإنَّ الله (عزّ وجلّ) ليس بناؤه على التدخل دائماً في تغيير الأحداث، نعم عندما جاء أبرهة ليحطم الكعبة بعث عليهم قاذفات لم يعهد لها التاريخ من مثيل -ولعلّ هذه القاذفات تأتي في مستقبل الأرض- إذ بعث طير الأبابيل وهو طير صغير لكن في منقاره مادة مدمرة، فربّ العالمين هو الربّ إذا رأى بأنّ الدين في خطر وشريعته في خطر، فإنَّ في ملكه وتصرفه طيره الأبابيل وله أضعاف الأبابيل مما لا يخطر ببال أحد، نعم شعارنا في الحياة شعار جدّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حقيقةً عندما قال: (أنا ربّ هذه الإبل وللبيت ربٌّ يحميه)[٩]، هي كلمة عابرة ولعله قالها من دون تفكير فربما جاء في ذهنه، لماذا أحملُ همّاً أكبر من حجمه؟ ولكن هذه قاعدة في سياسة الحضارات والمدن والعالم نعم عندما تأخذ الإنسان الغيرة على دين الله (عزّ وجلّ)، على مستقبل الأمة، أو المسلمين في شرق الأرض وغربها، ربّ العالمين، فهل رب العالمين لا يعيش هذا الاهتمام أعوذ بالله من ذلك؟! فهو الربّ وهو صاحب الأمر وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، فقد كانوا يعيشون هم الأمة، ينقل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، بأنّه يكاد يتململ ولعلّه تمنى الموت عندما ينزع خلخال من رجل يهوديةٍ سالمةٍ ذميةٍ في بلاد المسلمين فلا يتحمل ظلم يهودية نزع خلخالها، فكيف بصاحب الأمر (صلوات الله وسلامه عليه)؟! وهو يرى ما يرى.
القانون الإلهي في نصر أوليائه ودينه
رأيتُ في بعض النصوص (بأنّ الله لا يعجل بعجلة العباد) هنالك برنامج مرسوم الله (سبحانه وتعالى) جعل نبيه في بوتقة الامتحان والاضطهاد، كم سنة حكم المدينة؟ حكمها عشر سنوات ولكن كم كانت سنوات مكة؟ ثلاث عشر سنة، نعم سنوات الاضطهاد من صور تحمّل بلال ومقتل سمية وتعذيب عمار وشعب أبي طالب وكلّ ذلك ثلاثة عشر سنة ونبي الله (صلى الله عليه وآله) خير مخلوقٍ على وجه الأرض، جبرائيل عن يمينه، ميكائيل عن شماله، والقرآن في قلبه والله مسددة، ولكن مصلحة الله أنْ لا ينصره في اليوم الأول ولا في السنة الأولى ولا في السنة الثالثة، بعد ثلاثة عشر سنة من الاضطهاد وتحمل ظلم قريش، وقد رأيتُ في بعض النصوص -وعندما أصل إلى هذه الفقرة حقيقةً يرقّ قلبي للنبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وأنتم ترقّ قلوبكم- خرج النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) من مكة بعد هذه السنوات، رأيتُ النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد لبس خفين لونهما الخفّ أحمر! تعجبتُ لماذا يلبس لوناً أحمراً؟! الإنسان لا يلبس خفّاً أحمراً، أخفقتُ النظر وإذا رأيتُ رجله الشريفة قد ملئت من الدماء، نعم سالت الدماء على بدنه الشريف، يطرد بالحجارة، يتهم بالجنون وبالسحر وبالكهانة، ولكن الله (عزّ وجلّ) ادّخر له النصر، فبعد سنين دخل مكة فاتحاً ويا له من فتحٍ عظيم (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)[١٠].
إذن علينا أن نكون واعين لهذه المسألة، فماذا جرى على بني إسرائيل –وما نمرَّ به من ظلم من بقية بني إسرائيل- في مصر؟ قال (تعالى): (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ)[١١]، تلاحظون أنه في هذه الآية، القرآن الكريم يعبّر عن بلاء بني إسرائيل بأنه؛ بلاءٌ عظيم من الله (عزّ وجلّ) لكن في النهاية نصر الله موسى (عليه السلام) وقومه على آل فرعون، والقرآن ينقل الحقائق التي أحدثها بنو إسرائيل بعد أن نجاهم الله (عز وجلّ) من فرعون وفتنته، إذن ربّ العالمين له برنامج إذا أراد أن ينجي الأمة من كربٍ ومن أزمةٍ من الأزمات، لابدّ لوجود الأرضية، لذلك الله (عزّ وجلّ) يؤخر النصر لامتحان الأمة، لتتضرع الأمة إلى الله (عزّ وجلّ)، لتجرّب الأمة شتى الأطروحات لئلا لا يبقى هنالك خطٌ يدّعي النجاة غير خطّ ربّ العالمين، ولهذا في بعض الروايات في روايات آخر الزمان في عصر الظهور يقول الإمام (عليه السلام) يظهر وليس هناك من يقول: (لو حكمنا لعدلنا) نعم تعطى الفرصة للجميع الكل، يجّرب حظه فإذا جاء الإمام (صلوات الله وسلامه عليه)، لا يبقى هنالك من يدّعي هنالك تجربة أو أطروحة لم تجرب (لكلّ أناس دولة يركبونها ودولتنا في آخر الدهر)[١٢]، يظهر إذن هنالك الإحباط بالنسبة إلى الأمة ومصيرها علينا أن لا نعيش هذا الأمر أبداً انظروا إلى سورة يوسف (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)[١٣]، الأنبياء في التاريخ كانوا يقتلون.
البعض منا عندما يرى ظلم وقع في زاوية من زوايا الأرض، يتوقع من ربّ العالمين أن يرسل الطير الأبابيل، كأنه لم يقع ظلمٌ في التاريخ أبداً، في كلّ زاويةٍ يقع فيها ظلم، ربّ العالمين يعلم بها فهو يرى الأرض وهو خلق الأرض ويرى المجازر ويرى المصائب، التأريخ ينقل للأمم هجوم هولاكو على بغداد وما الذي جرى فيه؟ فقد أباد العلم، وأباد الثقافة، وأباد البشر، جاء من أقصى الأرض وإذا به يعمل ما يعمل حتى سار مثلاً في لسان التاريخ فعندما يجعل الحاكم الظلم منهجاً له يوصف بأنَّ طبيعته طبيعة هولاكو مثالا لبيان الظلم والعنف نعم ربّ العالمين يرى هذه الأمور وهو الذي يتدخل في الوقت المناسب وفي اللحظة المناسبة بما يرى أنه الذي ينفع هذه الأمة وأنتم تعرفون القرآن الكريم وعد المؤمنين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[١٤].
إذن الإنسان المؤمن إذا أراد أن يعيش دائرة الارتياح النفسي في تعامله مع الله (عزّ وجلّ)، في تعامله مع نفسه، في تعامله مع الحياة، في تعامله في مفردات الأمة ومستقبل الأمور، عليه أن يستوعب هذه الحقيقة بأنّ الله (سبحانه وتعالى) أغير على دينه، وعلى كعبته، وعلى كتابه، وعلى قدسه، وعلى المسلمين في شرق الأرض وغربها من الجميع، الله (سبحانه وتعالى)، له برنامجه، هو الذي لا يعجل و(إنما يعجل من يخاف الفوت) [١٥]، و(إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف) [١٦]، و(قد تعاليتَ يا ربي عن ذلك علوا كبيرا)[١٧].
إلهي نقسم عليك بأحبّ أوليائك إليك نقسم عليك بأعظم أسمائك أن تنزل علينا صبرا إنك أنتَ خير الناصرين اللهم صلّ على محمد وآل محمد وثبتنا على الهدى والتقوى إنك على كلّ شيءٍ قدير…
[٢] نهج البلاغة خطب أميرالمؤمنين عليه السلام الخطبة ١٠٠.
[٣] سورة طه ٢-١.
[٤] سورة التوبة ١٢٨.
[٥] سورة النجم ٣٩.
[٦] سورة آل عمران ١٠٤.
[٧] سورة آل عمران ١٠٤.
[٨] الکافي ج١ ص١٦٠.
[٩] الكافي ج١ ص٤٤٧.
[١٠] سورة الفتح ١.
[١١] سورة البقرة ٤٩.
[١٢] روضة الواعظین ج١ ص٢١٢.
[١٣] سورة يوسف ١١٠.
[١٤] سورة النور ٥٥.
[١٥] بحار الأنوار ج٨٤ ص٢٤٦.
[١٦] بحار الأنوار ج٨٤ ص٢٤٦.
[١٧] بحار الأنوار ج٨٤ ص٢٤٦.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- هنالك عبارة متكررة كثيراً ما نسمعها من خلال الاتصال بالمؤمنين والمؤمنات أو من الرسائل التي تردنا؛ وهي كلمة الإحباط.
- ومسألة الإحباط لا يمكن نفيها بكلمتين؛ لذا قد يكون الكلام مع البعض أشبه بالعقاقير المسكنة لكنه لا يُعالج المشكلة من جذورها؛ لذا المناسب أن نقوم بعملية صبر تحليلي وبيان لأنواع الإحباط.
- فهنالك أربع محطات أو حقول للإحباط، وهي:
- أولاً: الإحباط في العلاقة مع الله عزّ وجلّ.
- من الأمور الطبيعية والمعقولة أنَّ الإنسان عندما يرتكب ذنباً في يوم ما يرى علاقة ثقيلة مع الله عزّ وجلّ لكن لا ينبغي للبعض أن يقيس نفسه بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يغفل عن الله طرفة عين؛ لأنَّ أما أنا وأنت علاقتنا في تذبذب يوم نقبل ويوم ندبر.
- ثانياً: الإحباط الثاني في العلاقة مع الناس.
- ربما يشعر الإنسان المتصدي لبعض شؤون المجتمع إلى حالة من الإحباط لعدم وصوله إلى النتائج المرجوه والتي كانت له هدفاً في تحركه، ولكن نقول بأنَّه لا يوجد على وجه الأرض موجود أحرص على بني آدم من البشر كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه عانى من الناس كثيراً يقول تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى).
- ثالثاً: التعامل مع الأسرة.
- رأيتُ في بعض النصوص، من حفظ القرآن الكريم على ثقل يكون أعظم أجراً عند الله عزّ وجلّ من إنسان له ذاكرة قوية، كذلك في شؤون الحياة الذي يقاسي مع زوجه أو ذريته أو أقربائه أو أرحامه هذا الإنسان أعظم أجراً ممن أعطي ذرية طيبة غير مشاكسة ولا يرى ثقلاً ولا مجاهدةً في هذا المجال.
- رابعاً: الإحباط في عناصر الحياة.
- ربّ العالمين ربما يؤخر النصر لامتحان الأمة، لكن البعض منا عندما يرى ظلم وقع في زاوية من زوايا الأرض يتوقع من ربّ العالمين أن يرسل الطير الأبابيل كأنه لم يقع ظلمٌ في التاريخ أبداً، في كلّ زاويةٍ يقع فيها ظلم ربّ العالمين يعلم بها لكنه يتدخل في الوقت المناسب
- إذن الإنسان المؤمن إذا أراد أن يعيش دائرة الارتياح النفسي عليه أن يستوعب هذه الحقيقة بأنّ الله سبحانه وتعالى أغير على دينه من الجميع.