إن من دواعي التأسي بالإمام الحسين (ع)، المحافظة على الصلاة في أول وقتها.. حيث أن من أهم حركاته (ع) في يوم عاشوراء: وقوفه ليصلي صلاة الحرب جماعة في أول وقتها.. (فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان، فيبين ذلك فيهم لقلّتهم، ويُقتل من أصحاب عمر العشرة، فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.. فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين (ع): يا أبا عبد الله!.. نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة.. فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكرتَ الصلاة، جعلك الله من المصلين!.. نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلُوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي… فقال الحسين (ع) لزهير بن القين، وسعيد بن عبد الله: تقدمّا أمامي حتى أصلي الظهر.. فتقدما أمامه في نحوٍ من نصف أصحابه، حتى صلى بهم صلاة الخوف.. ورُوي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين (ع)، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، كلما أخذ الحسين (ع) يمينا وشمالا قام بين يديه، فما زال يُرمى به حتى سقط إلى الأرض…).
إن هنالك ظاهرا وباطنا لكل حركة عبادية في الشريعة.. فليس الحج هذه الحركات التي يؤديها الحجاج فحسب!. علينا أن نتذكر حديث الإمام زين العابدين (ع) مع الشبلي: (ما حججت ما سعيت ما صمت).. ففي هذا الحديث المعروف، الإمام ينقل الشبلي إلى جوهر الحج.. حيث أن كل حركة من حركات الحج: -الرمي، والسعي، والطواف-؛ لها معنى.. إن سلبنا المعنى من هذهِ الحركات، تبقى حركات مضحكة عندَ البعض، وخاصة عند غير المسلمين، لأنهم لا يعرفون معناها.. وعليه، فإن الحج حركات رمزية، يُراد منها إثبات معنى من المعاني.. والصلاةُ كذلك لو سلبنا منها المعاني؛ ما عادت إلا حركات رياضية.
وبالتالي، إذا لم نصل إلى جوهر الصلاة؛ ما صلينا الصلاة التي يريدها الشارع المقدس.. يقول تعالى في كتابه الكريم: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.. فأول صفة من صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة.. لم يقل: يخشعون، بل: {خَاشِعُونَ}.. أي هذهِ صفة متميزةٌ أصيلةٌ في أنفسهم، يقال: أن هذه من الآيات الأنفسية، والقرآن الكريم بهذهِ الآية أثبتَ كرامة.. البعض لو تخيره بين صلاة ركعتين، وبين الركض في الملعب نصف ساعة؛ فإنه يختار الركض، لأن ذلك أهون عنده من الصلاة، {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}.. والغريب أنَ البعض منا في المشاهد المشرفة: يزور المعصوم ساعة من الزمان، ويقرأ الزيارة الجامعة الكبيرة، فيخشع ويبكي ويزور الإمام، وإذا أراد أن يصلي ركعتي الزيارة؛ يراها ثقيلة على نفسه.. والملفت أيضاً في ليلة القدر: بعضُ المؤمنين من أذان المغرب إلى مطلع الفجر في عبادة دائمة، وإذا أذّنَ المؤذن لصلاة الفجر، عادت المشكلة، يُريد أن يصلي ركعتين خاشعتين؛ لا يمكنه ذلك.
إن الصلاة معجزة، كأنَ الله -عزَ وجل- يريد أن يقول: أنا الذي أختارُ المصلي الخاشع، أنتَ لا يمكنكَ الخشوع، صلِّ ما شئت!.. وأجركَ عليَّ يوم القيامة، أعطيكَ ما تشاء من حور وقصور.. ولكن أن تخشعَ في الصلاة {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}.. فإذن، هُنالكَ أمر ما وراء الغيب، هذا سُترَ عنا.. أنظروا إلى ملكوت الصلاة، وباطن الصلاة، ليس هذه الحركات المعهودة فحسب!.. وروايات النبي -صلى الله عليه وآله- وأهل البيت (ع)، تدل على هذه الحقيقة.
عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إِذَا قَامَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فِي صَلَاتِهِ، نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ -أَوْ قَالَ: أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ- حَتَّى يَنْصَرِفَ.. وَأَظَلَّتْهُ الرَّحْمَةُ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ، وَالْمَلَائِكَةُ تَحُفُّهُ مِنْ حَوْلِهِ إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ، وَوَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكاً قَائِماً عَلَى رَأْسِهِ يَقُولُ لَهُ: أَيُّهَا الْمُصَلِّي لَوْ تَعْلَمُ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَمَنْ تُنَاجِي؛ مَا الْتَفَتَّ وَلَا زِلْتَ مِنْ مَوْضِعِكَ أَبَداً).
وعن الإمام علي (ع) أنه قال: (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره أن يرفع رأسه من السجود).
وعن الإمام الصادق (ع): (إِذَا قَامَ الْمُصَلِّي إِلَى الصَّلاَةِ، نَزَلَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ مِنْ أَعْنَانِ السَّمَاءِ إِلَى أَعْنَانِ الأرْضِ، وَحَفَّتْ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ، وَنَادَاهُ مَلَكٌ: لَوْ يَعْلَمُ هَذَا الْمُصَلِّي مَا فِي الصَّلاَةِ مَا انْفَتَلَ).
(لَوْ يَعْلَمُ هَذَا الْمُصَلِّي).. أي أنه ما ترك الصلاة، لو التفت إلى ملكوت الصلاة، والمعاني التي تحملها الصلاة بين يدي الله عز وجل.. ما الذي جعل يوسف يفضل السجن على قصرِ زليخا؟.. وما الذي جعلَ الإمام موسى بن جعفر (ع) يشكر الله -عز وجل- على نعمة الخلوة؟.. من أهم مؤنسات الأنبياء والأوصياء والأئمة؛ هذهِ الصلاة بين يدي الله عزَ وجل.. متعتهم في الحياة هيَّ هذهِ الصلاة!..
ولكن هل الملائكة تحفّ بالمصلي الذي يعبثُ بلحيتهِ، أو بإنسان يصلي صلاة شكلية؟!.. هنالكَ عذابٌ يمرُ بهِ جميع الناس: في البرزخ، وعندَ البعث، وفي القيامة.. ولعل هذا العذاب للناس جميعاً حتى المؤمنين، ما عدا الأنبياء والمعصومين.. هذا العذاب يلازم الإنسان من ليلة الوحشة إلى دخول الجنة، لا عذاب العقارب والحيات؛ إنما الحسرة القاتلة {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}.. كلنا نتحسر: كم صلينا صلاة في أعمارنا، كم صلينا في المساجد؟!.. هذهِ الصلاة من الممكن تطويرها، كما نتطور في الحياة: كُنا غير بالغين صرنا بالغين، أحدنا كانَ أعزب تزوج، كان عديم الذرية صارت لهُ ذُرية وأحفاد، كانَ مستأجرا أصبحَ مالكا.. ولكن صلاته لم يطورها، بقيت على ما هي عليه: بسهوها، وغفلتها، وشكوكها.
إن الإنسان الخاشع لا يسهو في صلاته!.. فالركعة الأولى: حديث مشتاق مع رب العالمين.. والركعة الثانية: محطة مناجاة مع رب العالمين.. وفي الركعة الثالثة: يتذكر أنه قبلَ قليل قنت في صلاته ودموعه لم تجف بعد.. بينما الركعة الرابعة: فيها رائحة الوداع، بما تستلزمه من الهم والغم؛ فيعيش ألم الفراق، إذ أن الإنسان بعد لحظات سينتهي من لقاء الله عز وجل.. ولهذا البعض يطيل في الركعة الأخيرة في السجودِ؛ لئلا يخرج من حديقة المصلين.. فعالم القنوت عالم يغاير تماماً عالم التشهد والتسليم، فكيف يخلط المؤمن بين الركعة الثانية، وبين الركعة الرابعة؟!.. بل حتى الركعة الثالثة؟!.. لا مجال للسهو في هذه الحالة!.. مثل إنسان يمر على حديقة غناء: في كل حديقة ورود وزهور، وكل يوم يمر بهذهِ الحديقة.. فطبيعة الورود في هذهِ الخطوة، تختلف عن الخطوة الثانية، من حيث الرائحة والمنظر.. إذن، المؤمن لا يسهو في صلاتهِ أبداً!..
وعليهِ، لابدَ من تطوير هذهِ الصلاة.. يقول تعالى في كتابه الكريم: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}.. هذهِ الآية مخيفة؛ ما المراد في الساهي في الصلاة؟.. البعضُ يقول: الذي يسهو في صلاته ويلٌ له!.. والبعضُ يقول: المتقطع؛ أي يصلي يوما ويترك يوما، ولهذا اجتمعَ الويل مع الصلاة {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ}.. هل هذا معنى ساهون؟.. أو كما في الأحاديث التي ورد فيها لعن مثل: اللعن لمن أكل زاده وحده، أو نام في بيت وحده، أو ركب الفلاة وحده؟.. ما معنى أنهُ ملعون؛ هل بنفس المعنى من الطرد والبعد، نفسر قولهُ تعالى {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ}؛ أي هذا إنسان خاسر؟!..
كيفَ نصلي صلاةً خاشعة؟..
– التهيؤ النفسي: مسألة الدخول في بحر الصلاة، تحتاج إلى تهيؤ نفسي مسبق.. فقبل دخول الوقت، يا حبذا لو يجعل الإنسان حائلا بينه وبين الصلاة؛ أي منطقة برزخية حائلة بين العالمين: فلا هي صلاة، ولا هي تعامل مع البشر.. نحنُ أرواحنا ليست كالحاسوب، ندخل قرصا فتتغير البرامج فوراً.. بني آدم يعيش جوه الذي كانَ يعيشه قبلَ قليل: إنسان يعيش حالة الخصومة والكلام؛ يعيش ذلك في صلاته.. ولهذا يلاحظ بأن القرآن الكريم، يؤكد على هذه الحقيقة: ألا وهو التسبيح قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب.. فعلى الإنسان أن يجلس في المصلى قبل أن تغرب الشمس، وفي مكان يهيئ نفسه للدخول بين يدي الله -عز وجل- بذكر بعض التسبيحات، والتهليلات، وباقي المستحبات بحيث يخرج تدريجياً من جو التفاعل مع عناصر هذه الدنيا.
إقتراحات في هذا المجال:
أولاً: تلقين الشوق.. إن على الإنسان أن يعيش حالة من الترقب للصلاة، فالإنسان المؤمن الذي يريد أن يصل إلى ملكوت الصلاة، لابد وأن يعيش هذا الهاجس قبل دخول الوقت، مترقبا للصلاة بكل شوق.. فيقوم بصلاة ركعتي تحية المسجد مثلا.. وهذا بمثابة تدريب له، حتى لو سها أثناء الصلاة؛ فرب العالمين لا يؤاخذه على ذلك.
ثانياً: الخوف من عدم القبول.. أطفال المدارس الذين في الأول ابتدائي، في امتحان نهاية السنة لا ينامون الليل؛ لأنهم يعلمون أن هذا امتحان مهم.. ولأنهم يخافون من الفشل، فيتركون كل نشاطاتهم.. ونحنُ للحديث مع رب العالمين، لا نخشى من هذا السقوط؟.. فالمساجد هي بمثابة قاعات امتحان، وكُل يوم لهُ امتحانه.. فعندما ندخل المسجد، يجب أن نخشى من السقوط في هذا الامتحان.. هذهِ الصلاة ستبقى مع الإنسان أبد الآبدين.. صلاة اليوم غير صلاة الأمس، وجُمعة اليوم غير الجُمعة الماضية.. لكلِّ صلاةٍ ملفها، ولكل صلاةٍ درجاتها.. هذهِ الخشية وهذا الخوف من السقوطِ في الامتحان؛ من موجباتِ التهيئة النفسية.
ماذا نقرأ بعدَ الصلاة الواجبة (إلهي!.. هذه صلاتي صليتها: لا لحاجة منك إليها، ولا رغبة منك فيها.. إلا تعظيما، وطاعة، وإجابة لك إلى ما أمرتني به.. إلهي!.. ان كان فيها خلل أو نقص من ركوعها أو سجودها؛ فلا تؤاخذني، وتفضل علي بالقبول والغفران برحمتك يا ارحم الراحمين).. أي أنا أخاف من المؤاخذة بين يديك يا رب العالمين.
النبي الأكرم (ص) يشبهُ صلاة البعض بنقر الغُراب.. (بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله- جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ، فَقَامَ -الرجلُ- يُصَلِّي، فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ.. فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): “نَقَرَ كَنَقْرِ الْغُرَابِ، لَئِنْ مَاتَ هَذَا وَهَكَذَا صَلَاتُهُ؛ لَيَمُوتَنَّ عَلَى غَيْرِ دِينِي).. والبعض منا يصلي صلاته، فتلف ويُضربُ بها وجه صاحبها، كما في بعض الروايات.. عن رسول الله (ص): (… وإذا ضيع: وضوءها، وركوعها، وسجودها، والقراءة بها؛ قالت له الصلاة: ضيعك الله كما ضيعتني، ثم يصعد بها إلى السماء، فتغلقت دونها أبواب السماء، ثم تُلَفُّ كما يلفّ الثوب الخلق، ثم يضرب بها وجه صاحبها).. صلى صلاتهُ، ولكن ما هذهِ الجريمة التي ارتكبها في صلاته، بحيث أن رب العالمين أرجعَ الصلاة إليه؟..
ثالثاً: معرفة عظمة من نقف بين يديه.. تقول أم المؤمنين عائشة: (كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يحدثنا ونحدثـه، فإذا حضرت الصلاة؛ فكأنه لم يعرفـنا ولم نعرفه).. كانَ أنيساً ورفيقاً بمن حوله، النبي الأعظم (ص) على عظمتهِ وانشغالهِ بالملأ الأعلى، ما اشتكت منهُ نساءه.. والبعض منا تفتح له أبواب العرفان قليلاً والتوفيقات الإلهية؛ فلا يعرف زوجة ولا أولادا.. النبي الأعظم (ص) يرجع من المعراج، ويكلم عتاة الجاهلية، ويتكلم مع الأعراب الجفاة.. نعم، أما إذا دخل وقت الصلاة، كأنهُ إنسان أجنبي تماماً.. أئمةُ أهل البيت (ع) هؤلاء من نسل النبي (ص) روحاً وجسماً، قلباً وقالباً.. كانت ألوانهم تتلون عند حضور الصلاة، (كان الإمام الحسن (ع) إذا توضّأ وفرغ من الوضوء تغيّر لونه)، فقيل له في ذلك فقال: (حق لمن أراد أن يدخل على ذي العرش، أن يتغير لونه).
البعض منا يعطى ورقة، ليقرأ الورقة أمام الوزير أو الأمير، يتلعثم في كلامه، من هيبة الموقف.. ونحنُ نقف أمام رب العالمين، ليس فقط لا نتلعثم، بل نفكر في كل شيء، ما عدا الحديث معه سبحانهُ وتعالى.. فالأمرُ يحتاج إلى تهيئة، ليس بالتمني، وليس بحضور المسجد؛ القضية تحتاج إلى تهيئةٍ مُسبقة.
رابعاً: مراقبة السلوك بين الفريضتين.. من موجبات التوفيق للصلاة؛ مراقبة السلوك بين الحدين.. فمن المعلوم أن الذنب السابق للصلاة؛ يؤثر على توجه الإنسان، فعندما يأتي إلى الصلاة، يأتي وهو يعيش جوا من أجواء البعد عن الله عز وجل.. إذا رزق الإنسان صلاة ظهر خاشعة، ويريد صلاة مغرب خاشعة أيضاً؛ عليه أن يكون محتاطاً، ومُراقباً.. فلا ينظر إلى كل ما هبَ ودبّ، ولا يسمع كل ما هبَ ودبّ.
نحنُ علاقتنا بالله -عز وجل- منحصرة بهذهِ الصلاة.. فالصوم، مرة في السنة، والحج في العمر مرة، والخمس في السنة مرة.. أما الصلاة اليومية، فهي الحبل الممدود بيننا وبين رب العالمين.. إذا هذهِ الصلاة لم تتحول إلى ذكر؛ ما بقيت علاقة في البينِ أبداً!.. أنظروا إلى قولهِ تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}؛ هنالكَ غاية.. عندما يذهب الإنسان للحمام، إذا ما دخل تحت الماء واستعمل الصابون، هو ما دخل الحمام.. إذن، الحكمة من دخول الحمام؛ الاستحمام.. {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}؛ إذا لم يتحقق الذكر؛ ما تحققت الصلاة، أنتَ تشبهتَ بالمصلين، ولكن ما صليت.. مثل إنسان يذهب إلى ساحل البحر، يصل ويرجع، دون أن يضع رجله بالماء؛ هذا الإنسان هل اغتسل؟..
عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء)؟.. قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا).. نعم، لو كان على باب أحدكم نهراً، يغتسل منهُ كل يوم، لا أنهُ ينظر إليه فقط.. نحنُ دخلنا المسجد وصلينا، ولكن أينَ هذهِ الصلاة من حديث النبي الأكرم (ص): (الصلاة معراج المؤمن)؟.. البعضُ منا يذهب للمطار، يركب الطائرة، ثمَ يرجع للمنزل، ويقول لأهلهِ: أنا سافرت وركبت الطائرة.. نعم هو ركب الطائرة، ولكن لم تحلق به، ولم يصل إلى شيء.. فالمساجد بمثابة المطارات، وصلواتنا بمثابة الطائرات: إذا لم نذهب إلى سفرٍ علوي؛ ليس هنالك سَفرٌ ولا مطارٌ ولا طائرة.. قد ينكشفُ الغطاء للإنسان متأخرا، ولكن من الممكن التدارك في كلِّ موقف.. فبني آدم لهُ إرادة تحطم الجبال، بمجرد أن يُريد؛ رب العالمين يعينهُ على ذلك.. {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}.. ولقد ورد في روايات أهل البيت (ع): أنّ رسول الله (ص) كان إذا حزبه أمرٌ؛ فزع إلى الصلاة.. والمؤمن يجب أن يكون كذلك، ليس في المسجد فحسب!..
الخلاصة:
١- أن من دواعي التأسي بالإمام الحسين عليه السلام ،المحافظة على الصلاة في أول وقتها.
٢- أن لكل حركة عبادية ظاهرا وباطنا، فإذا لم نصل إلى جوهر الصلاة، ما صلينا الصلاة التي يريدها الشارع المقدس.
٣- أن من أول صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة .
٤- أن الإنسان الخاشع لا يسهو في صلاته،لأنه يستذوق لكل ركعة نكهة خاصة.
٥- أن التهيؤ النفسي قبل الدخول في الصلاة، بتلقين الشوق للقاء الإلهي، والخوف من عدم القبول، من مسببات تحصيل الخشوع فيها.
٦- علينا أن نعرف عظمة من نقف بين يديه في الصلاة،فنحن نقف بين يدي رب العالمين.
٧- إن من موجبات التوفيق للصلاة، مراقبة السلوك بين الفريضتين، فالذنب يسلب الإنسان التوجه أثناء الصلاة.
٨- أن الصلاة اليومية، هي معراج المؤمن، وهي الحبل الممدود بيننا وبين رب العالمين،فإذا لم تتحول صلاتنا إلى ذكر؛ ما بقيت علاقة في البين.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.