- ThePlus Audio
كيف نشخص البدع؟ وما هو رأي الدين فيها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هل قول الرجل آمين بعد الفاتحة في الصلاة وإقامة الصلوات المستحبة جماعة يعتبران من البدع؟
إن هنالك مسألتين من المسائل التي وقع النزاع فيها بين فرق المسلمين. وهما وإن كانتا مختلفتين بحسب الظاهر، إلا أن مردهما إلى أمر واحد. المسألة الأولى: مشروعية قول: (آمين) بعد سورة الحمد. وقد يشدد البعض حرف الميم، وهذا خطأ شائع؛ لأن كلمة (آمّين) معناها قاصدين. و(آمين) تعني هنا؛ استجب لنا يا رب. المسألة الثانية: إقامة الصلوات المستحبة جماعة؛ وهي ما تسمى هذه الأيام بصلاة التراويح، في شهر رمضان المبارك.
ونقول: إن العالم المنقب، والباحث الأكاديمي، والإنسان المثقف، عندما يريد أن يدرس مسألة، لا بد وأن يفرغ ذهنه من كل حكم مسبق؛ وإلا لما سمي باحثا، وهذا مفروغ منه حتى في العلوم الطبيعية.
هل بالإمكان تغيير الأحكام أو التلاعب بكيفيتها؟
إن العبادات مسألة توقيفية؛ فلو أجزنا لأنفسنا أن نُعمل نظرنا في العبادات: واجبة كانت أو مستحبة، فردية كانت أو اجتماعية؛ لخرج الدين عن كونه دينا. وهذا بالضبط ما فعله اليهود والنصارى؛ إلى أن انتهى بهم المطاف إلى دين محرّف. إذ أن الأحبار والرهبان، الذين استلموا القيادة الفكرية في هاتين الديانتين، خرجوا عن منهج السماء. والفارق بين الدين وغير الدين، وبين الحلال وبين الحرام شعرة واحدة. فمثلا: الربا قاصمة للظهر، والبيع يبارك الله فيه؛ فالكاسب حبيب الله، والمرابي عدو الله. والحال أن الإنسان قد يشتري نقدا، ويبيع قسطا، وقد يربح ربحا يربحه المرابي. ففي مقام العمل النتيجة واحدة، ولكن هنا بيع وهنا ربا. ولهذا أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بقوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[١]؛ ولكن الفارق أنه أحل الله البيع، وحرم الربا.
وقد يفتح الشارع المجال أمام المسلم في بعض الأحكام والعبادات كالقنوت في الصلاة؛ إذ أنه يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء وليس ثمة دعاء محدد يجب الالتزام به، وفي غير هذه الحالات يكون المرء مبتدعا مستحدثا وهذا ما لا يرضى به الشارع المقدس.
وكذلك يلاحظ في فقه التاريخ؛ أن النبي (ص) لم يصل في حياته، صلاة مستحبة في جماعة من المسلمين. ولم يصدر من النبي (ص) حديثا واحدا في كتب الفريقين، تدل من بعيد أو من قريب، على أن الصلاة جماعة في المستحبات أمر مشرع. وفي زمان الخليفة الأول أيضا، لم يعهد المسلمون ذلك. وعليه، فإن هذه الحركة لم يأذن بها الشارع أساسا، فليس لنا أن نعمل بذلك، وإن كانت حسنة وجميلة وفيها منافع. فإذا دخل الاستحسان، والذوق، والترجيح العقلي والاجتماعي في الدين؛ فمعنى ذلك أنه في هذه الأيام؛ ينبغي أن نحلل الربا ولا نرى قبحا لذلك؛ لأنه أمر مستساغ في المعاملات المصرفية، والحياة قائمة على أساس الربا في شرق الأرض وغربها. فهل لنا أن نفعل ذلك؟
البدعة الحسنة والبدعة السيئة..!
وبالتالي فإن قول الرجل آمين بعد فاتحة الكتاب وإقامة الصلاة المستحبة جماعة بدعتان، والبدعة حسنة كانت أو سيئة هي بدعة لا يرضى بها الشارع، وينبغي الرجوع إلى الشارع في الواجب والمستحب وفي الأعمال الفردية أو الاجتماعية ولا مدخلية للآراء الشخصية فيها.
موقف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من البدع
وقد كان أئمتنا (ع) كثيرا ما ينكرون هذه الأمور الاستحسانية والقياسية؛ فكان شعارهم: (اَلسُّنَّةُ إِذَا قِيسَتْ مُحِقَ اَلدِّينُ)[٢]. وأول من قاس إبليس بقوله: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[٣] أي بما أن النار وجود مشعٌّ ومحرقٌ ومنيرٌ، والطين مظلمٌ في حدّ نفسه.. فأنا خير من آدم؛ ولهذا لم يسجد له.
خلاصة المحاضرة
- إن قول الرجل آمين بعد فاتحة الكتاب وإقامة الصلاة المستحبة جماعة بدعتان، والبدعة حسنة كانت أو سيئة هي بدعة لا يرضى بها الشارع، وينبغي الرجوع إلى الشارع في الواجب والمستحب وفي الأعمال الفردية أو الاجتماعية ولا مدخلية للآراء الشخصية فيها.