في شهر ذي الحجة هنالك أسبوع بعنوان أسبوع الولاية، ابتداءً من عيد الغدير الأغر -اليوم الثامن عشر- إلى اليوم الخامس والعشرين المتمثل في مناسبة نزول سورة الدهر.. وإنه لمن المناسب أن نقف هذه الوقفة التأملية في هذه السورة المباركة ، لنرى ما هي المعالم الأساسية فيها:
– إن هذه السورة مدنية ، ومحور الآيات يدور حول العمل البطولي الإيثاري الذي قام به علي وفاطمة وابنيهما (ع) ، حيث طووا جياعاً ثلاثة أيام لم يذوقوا إلا الماء ، مؤثرين على أنفسهم لذلك الطارق : المسكين ، واليتيم ، والأسير.
– إن من الراجح شرعاً أن الجود بشيء من الفضل يكون أمراً حسناً ممدوحاً ، ولكن الأسمى منه أن يجود المرء بما هو في أمس الحاجة إليه ، وأن من الواضح أن هذا لا يكون إلا عند من بلغ بنفسه مدارج الكمال ، وبالتالي يكون مصداقاً لقوله تعالى : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} -(أي على حب هذا الطعام )- ، فتراه يبني نفسه على العطاء ، ويؤثر على نفسه ولو كانت به خصاصة.. وإن من المعلوم أيضاً أن الله لا يحب من الأعمال إلا خالصها وأجودها، لذا نراه يشترط ذلك لنيل البر فيقول تعالى : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}.. ولقد ضرب لنا أهل البيت (ع) أروع مثال في الإيثار والتضحية بكل نفيس وغالٍ ، فهل نحن مقتدون ؟.
– لا ينبغي للمؤمن أن يتوقع من الآخرين الجزاء ، ولا أن يأبه بشكر شاكر أو مدح مادح ، والحال ينبغي أن يكون كل همه هو أن يحوز الرضا والقبول الإلهي ، وأن يكون مصداقاً لقوله تعالى : {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}.. فهل نحن كذلك ؟.
– إن من بواعث الهمة والجدية والنشاط ، هو تذكر هذه الآية : {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} ، فهو كان عدماً ، وكذلك صائر إلى عدم.. فإذا كان اللقاء بالله عز وجل واقع لا محالة ، لماذا لا نجعله لقاءً اختيارياً ؟.. (موتوا قبل أن تموتوا).. لكي نرى حقائق الأمور ، ينبغي رفع حجاب الغفلة والشهوات النفسية ، قبل أن يفوت الآوان ، وحينها لا ينفع الندم ولات حين مناص.
– {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}.. إن الله عز وجل أورد من ألوان النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، من السندس والإستبرق والحور والولدان … ؛ وفي مقابل ذلك ذكر هذا النعيم المعنوي : {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} ، فإن كانت الدنيا ليست محلاً للغلمان والحور ، إلا أنها محلاً للشراب الطهور ، فهل فكرنا لحظة كيف نستقي هذا الرحيق ؟.
– {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}.. أي أنه ينبغي لمن يريد أن يصل إلى الله سبحانه وتعالى ، أن يكون له منهجاً يسير عليه، إذ أن الذي يعمل الخير هنا وهناك ، بلا مراقبة ولا محاسبة ، لن تزيده كثرة السير إلا بعداً !.
– ثم أن الله عز وجل يبشر ببشارة في آخر هذه الآية ، حيث يقول تعالى : {يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ}.. وهذا يذكرنا بهذه العبارة : (إن لله عز وجل في أيام دهركم نفحات) ، فهل حاولنا أن تتعرض إلى هذه الرحمة الإلهية ؟.. وبعد ذلك هل حافظنا على هذه النفحة واستثمرناها شكراً لله عز وجل ؟.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.