Search
Close this search box.
  • كيف نستثمر مجالس الحسين (عليه السلام) في القرب إلى الله عز وجل؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نستثمر مجالس الحسين (عليه السلام) في القرب إلى الله عز وجل؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هنا لا تكون القناعة محمودة…!

إن القناعة أمر ممدوح في طلب الدنيا، وقد أكدت على ذلك الروايات الشريفة، ولكن المؤمن المراقب لنفسه الطالب للمقامات والفيوضات لا يكون قنوعا أبدا في تجارة الآخرة. إن من يرضى بالقليل من تجارة الآخرة، ويقنع بالحد الأدنى من الأعمال والحسنات؛ لا يحصد يوم القيامة إلا الحسرة والندامة.

لو صلنا أحدنا صلاة من دون أذان وإقامة ومن دون الصلاة على النبي وآله (ص) في ركوعه وسجوده، ولم يقنت بين يدي الله عز وجل، واكتفى بتسليمة واحدة؛ لكانت صلاتنا هذه من الناحية الفقهية صلاة صحيحة. ولكن كم من الخسارة أن يوفر الإنسان في صلاته؟ إن البعض منا يعمل بالرسالة العملية بالحد الأدنى. فقد نرى مؤمنا لم يصل صلاة الليل مرة واحدة في حياته؛ فيأتينا من يسألنا عن كيفية صلاة الليل، ولو كان يصلي ما سأل، هذا، ولطالما سهر على الأباطيل أو الحرام.

فلابد من أن يكون هم احدنا في الحياة نيل المراتب العالية والعمل بكل ما يُمكننا عمله؛ لا بأقل ما يُمكننا. إننا نعمل لأبد الآبدين؛ فنحن بهذه السنوات القصيرة التي نعيشها في الدنيا؛ نحصل بها على سعادة الأبد. فيتبغي أن تكون هذه الأعمال في غاية الإتقان. ولهذا تكون عين المؤمن على المواسم دائما. لقد ورد عندنا أن الله سبحانه جعل ليلة القدر رأفة بالأمة الخاتمة، أمة النبي محمد (ص)، وجعلها خيرا من ألف شهر تعويضاً للتقصير.

محطة محرم ودورها في تقريبنا إلى الله عز وجل

من هذه المحطات والمواسم؛ المحطة المحرمية. إن ظاهر هذه المحطة، بكاء وإقامة للمجالس؛ ولكن باطنها عبادة. إن المؤمن يستثمر شهر محرم الحرام ويحول هذه المحطة إلى محطة عبادية يتقرب فيها إلى الله عز وجل من خلال إقامة العزاء على الحسين (ع). فالهدف والمقصود النهائي هو التقرب إلى الله عز وجل، وكما قال سبحانه: (وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ)[١]، وقال عز من قائل: (لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ)[٢].

لقد بدأ سيد الشهداء (ع) حياته وختمها بذكر الله عز وجل. إنه كأبيه أمير المؤمنين (ع) لم يكن ينظر إلى شيء؛ إلا وينظر إلى الله عز وجل قبله وبعده ومعه. والغاية القصوى من كل عمل هو التقرب إلى الله عز وجل. ولكن كيف نهيئ أنفسنا لاستقبال العطاء الحسيني في موسم محرم؟

أولا: هيئ الأرضية. إن الفاعل واسع المغفرة وعطائه لا حد له ولكن عليك بالقابل. إن البحر لا يبخل عليك بالماء؛ ولكنك أنت الذي أخذت منه فنجانا بدل البحيرة. إن البحر يملأ البحيرات كما يملأ الفناجين…! فليس النقص في الفاعل، وإنما النقص في القابل. فوسع إنائك وقابلتيك؛ ولا تكتف بما كنت عليه في الأعوام الماضية. ابحث عن الجديد دائما في المواسم؛ ولا تجعل ذلك الموسم، نسخة مكررة من العام الماضي. لا يكونن محرم العام هذا، نسخة مكررة من العام الماضي. هل الغاية أن تبحث عن المجالس التي تقيم العزاء لسيد الشهداء (ع) ثم تتنقل بينها إلى أن ينتهى الموسم؟ ثم تكون بعد الانتهاء كما كنت قبله؛ لم تتغير أبدا؟ في هذه الحالة تتأكد أن هذا الموسم لم يتغلغل في وجودك. إذا ما كانت شجرة بحاجة إلى ماء؛ فلابد أن تسقيها بالماء الذي يصل إلى الجذور؛ لا أن تصب كأساً من الماء عليها، لأ، هذا الماء لن يدخل في أعماق الأرض حيث الجذور.

كيف نوسع القابلية؟

كل واحد منا هو أدرى بكيفية توسيع القابلية. ولهذا يقوم المؤمن قبل موسم محرم بتهذيب نفسه من خلال ترك المعاصي، والاستغفار لما سلف منها. هناك رواية هي من بدائع الروايات المنقولة في سيرة الحسين (ع)، التي تدل على سعة عطائه حتى الظالمين الفسقة، تقول الرواية: (كَانَ بَيْنَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَبَيْنَ اَلْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ مُنَازَعَةٌ فِي ضَيْعَةٍ فَتَنَاوَلَ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِمَامَةَ اَلْوَلِيدِ عَنْ رَأْسِهِ وَشَدَّهَا فِي عُنُقِهِ وَهُوَيَوْمَئِذٍ وَالٍ عَلَى اَلْمَدِينَةِ فَقَالَ مَرْوَانُ بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ جُرْأَةَ رَجُلٍ عَلَى أَمِيرِهِ فَقَالَ اَلْوَلِيدُ وَاَللَّهِ مَا قُلْتَ هَذَا غَضَباً لِي وَلَكِنَّكَ حَسَدْتَنِي عَلَى حِلْمِي عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَتِ اَلضَّيْعَةُ لَهُ فَقَالَ اَلْحُسَيْنُ اَلضَّيْعَةُ لَكَ يَا وَلِيدُ وَقَامَ)[٣].

عطاء الحسين (عليه السلام) لوالي المدينة الفاسق

ويا لسوء هذه الدنيا التي يضطر فيها إمام زمانه الحسين (ع) أن يخاصم رجلا فاجر كالوليد الذي ادعى أرضاً ليست له، وحتى يُقال الحسين (ع)، والوليد. إن عادة ولاة الجور في مثل هذه الحالات أن يغضبوا ويطلبوا السيف وينزلوا أشد العقوبات في حق من تطاول عليهم؛ إلا أنه هذا الوالي حلم وقد يصدر الحلم من غير أهله.

لقد رأى الإمام عملا طيبا في لحظة؛ فكافئ صاحبه عليه وقال: خذ الضيعة. إن عطاء سيد الشهداء (ع) لا يضيق على والي المدينة الجائر الفاسق؛ فكيف بالموالي والزائر والباكي عليه؟ فكيف بمن يقيم مجلسه؟ ولا تنسى أن العطاء متناسب مع قابليتك، وأرضيتك. عندما يقيم الحليم مجلس الحسين (ع) يُعطى ما لا يعطاه غير الحليم. ومن له هفواته الغريزية عندما يحضر مجالس الحسين (ع) يعطى شيئا؛ ولكنه ليس كمن كان نقياً طاهراً؛ فالأخير يُعطى ما لا يلقى في الروع ولا يخطر ببال.

عناية الحسين (عليه السلام) العجيبة بزائريه ومقيمي مجالسه

هناك رواية فيها وعد بالعطاء قل نظيره، فقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) عِنْدَ رَبِّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) يَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ مُعَسْكَرِهِ، وَمَنْ حَلَّهُ مِنَ اَلشُّهَدَاءِ مَعَهُ، وَيَنْظُرُ إِلَى زُوَّارِهِ وَهُوَأَعْرَفُ بِحَالِهِمْ وَبِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، وَبِدَرَجَاتِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اَللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مِنْ أَحَدِكُمْ بِوَلَدِهِ، وَإِنَّهُ لَيَرَى مَنْ يَبْكِيهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُ وَيَسْأَلُ آبَاءَهُ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَيَقُولُ: لَوْ يَعْلَمُ زَائِرِي مَا أَعَدَّ اَللَّهُ لَهُ لَكَانَ فَرَحُهُ أَكْثَرَ مِنْ جَزَعِهِ، وَإِنَّ زَائِرَهُ لَيَنْقَلِبُ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ)[٤].

إن روح الحسين (ع) في عالم البرزخ روح مرزوقه، ومدللة، ومكرمة، ورب العالمين يعطيه ما يعطيه. فأي شهيد يرزقه الله كما يرزق سيد الشهداء (ع)؟ عندما تذهب إلى كربلاء لا تجعل عينك على الضريح وصندوق القبر وغير ذلك، ولكن انظر إلى جهة الحسين في العرش وأنه حي يرزق. إن الإمام (ع) أعرف بك منك بأولادك؛ فهو (ع) يعرف زائريه فرداً فردا.

ومن درجات العناية الكبيرة بزواره أن يطلب الإمام (ع) من أبيه أمير المؤمنين (ع) مثلا أن يستغفر لزائره، ويطلب كذلك من أمه فاطمة (س) أن تستغفر لزائره. والحديث وإن كان يتحدث عن الزائر؛ إلا أنه يُلحق بهم، من كتب كتاباً فيه، ومن أقام له مجلس عزاء، ومن حضر مجلس عزائه، ومن قال فيه شعراً أو صب كأساً من الماء لمن حضر مجلسه؛ فهؤلاء كلهم ممن يقيم ذكره. ثم إن النكرة في سياق النفي في اللغة العربية تفيد العموم. يقول (ع): (وَمَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ)[٥]؛ أي جميع ذنوبه.

[١] سورةالذاريات: ٥٦.
[٢] سورة غافر: ٣.
[٣] بحار الأنوار  ج٤٤ ص١٩١.
[٤] الأمالي (للطوسی)  ج١ ص٥٤.
[٥] الأمالي (للطوسی)  ج١ ص٥٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن القناعة أمر ممدوح في طلب الدنيا، وقد أكدت على ذلك الروايات الشريفة، ولكن المؤمن المراقب لنفسه الطالب للمقامات والفيوضات لا يكون قنوعا أبدا في تجارة الآخرة. إن من يرضى بالقليل من تجارة الآخرة، ويقنع بالحد الأدنى من الأعمال والحسنات؛ لا يحصد يوم القيامة إلا الحسرة والندامة.
  • لو صلنا أحدنا صلاة من دون أذان وإقامة ومن دون الصلاة على النبي وآله (ص) في ركوعه وسجوده، ولم يقنت بين يدي الله عز وجل، واكتفى بتسليمة واحدة؛ لكانت صلاتنا هذه من الناحية الفقهية صلاة صحيحة. ولكن كم من الخسارة أن يوفر الإنسان في صلاته؟
  • إن روح الحسين (ع) في عالم البرزخ روح مرزوقه، ومدللة، ومكرمة، ورب العالمين يعطيه ما يعطيه. فأي شهيد يرزقه الله كما يرزق سيد الشهداء (ع)؟ عندما تذهب إلى كربلاء لا تجعل عينك على الضريح وصندوق القبر وغير ذلك، ولكن انظر إلى جهة الحسين في العرش وأنه حي يرزق
Layer-5.png