مواسم الزيارة..
إن هناك أياماً وأشهراً معينة تكثر فيها الزيارات لبيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى (صلی الله علیه)، وكذلك لمشاهدِ أئمة أهل البيت (عليهم السلام): كموسم الحج والعمرة، ومناسبات ولادات الأئمة وشهاداتهم.. لذا ينبغي للمؤمن الزائر: أن يتعلم آداب الزيارة، ويعلم كيفَ يستفيد من هذهِ الزيارات، وكيف يحول الزيارة في فترةٍ قصيرة إلى محطةٍ للحياة!.. حيث أن بعض الزيارات تجعل الإنسان يرجعُ بوجودٍ آخر.
الإمام الرضا (عليه السلام)..
إن هذهِ الأيام منسوبة للإمام الرضا (عليه السلام).. والمؤمن في مناسبة كل معصوم، يحاول استخلاص الدروس والعبر من حياة ذلك المعصوم.. فالبعضُ منا يكتفي بفضائله وبكراماته، ولكن نُريد دائماً وأبداً أن نجعل الأئمة أمامنا كما أمرنا بذلك، ألا يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾؟!.. فمن المحطات التأملية والتدبرية في سيرة الإمام الرضا (عليه السلام):
۱. أم الإمام (عليه السلام):
إن التأريخ مليءٌ بالنماذج العالية من النساء والرجال، فعن رسول الله (صلی الله علیه) أنه قال: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربعة: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد).. وكذلك هناك تميز في بعض أمهات الأئمة (عليهم السلام) ومنهن والدة الإمام الرضا (عليه السلام).. فالسيدة تكتم كانت من النساء المتميزات، والذي يميزها:
أ- عبادتها: ورد في الرواية: (اشترت حميدة المصفّاة وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر -وكانت من أشراف العجم- جارية مولدة، واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها، وإعظامها لمولاتها حميدة المصفّاة، حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها، فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني!.. إنّ تكتم جارية ما رأيت جاريةً قطّ أفضل منها، ولست أشكّ أن الله تعالى سيطهّر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيراً، فلما ولدت له الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة.. فكان الرضا (عليه السلام) يرتضع كثيراً وكان تام الخلق، فقالت: أعينوني بمرضعة، فقيل لها: أنقص الدرّ؟.. فقالت: لا أكذب، والله ما نقص!.. ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي، وقد نقص منذ ولدت).. لقد طلبت مُرضعة، كي لا يختل شيء من عبادتها؛ أليسَ هذا مقام من المقامات العُليا؟!..
ب- سمعتها: يبدو أن هذهِ السيدة كانت لها سمعة حتى في الأوساط الأدبية والشعرية في تلك الأيام، قال الصولي والدليل على أن اسمها تكتم قول الشاعر يمدح الرضا (عليه السلام):
ألا أن خير الناس نفساً ووالداً ورهطاً وأجداداً علي المعظم
أتتنا به للعلم والحلم ثامناً إماماً يؤدي حجة الله تكتم
الدرس العملي:
أولاً: التدخل الغيبي في إصلاح الذرية.. إن رَب العالمين جعلَ قسماً من أمهات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من الإماء، ومنهن السيدة نرجس والدة الإمام الحجة (عليه السلام)؛ فرب العالمين أعلم حيثُ يجعل البركات!.. إذ أن البعض قد يتزوج امرأة مؤمنة صالحة، ولكن ليست من العوائل المعروفة، فيخطبها لإيمانها وتقواها.. هذا الإنسان إن كان صادقاً في نيتهِ، فإن رَب العالمين يجعل في رحمِها ما تقر بهِ عينه.. والبعض قد يتفاجأ -كما في الأزمنة الماضية حيث أن الشاب كان لا يرى الفتاة إلا بعدَ العقد- بأنها دون المستوى الجمالي الذي كان يطمحُ إليه، ولكنه يرضى بها لأنها مؤمنة صالحة، ولأنه يؤمن بأن هذا الجمال سيزول في يوم من الأيام!.. عندئذ رَب العالمين يجزيه مقابل هذهِ النية بما لا يخطر على باله.
ثانياً: التقوى.. إن الولد الصالح منوط بالتربية الصالحة، ولا شك أن الأب الصالح والأم الصالحة يربيان الذرية الطيبة.. ومن هنا إذا أراد الشاب الزواج، فعليه:
أ- أن لا ينظر إلى الزوجة على أنها أداة استمتاع، فلا يغرنه الجمال الزائف الذي ذكره النبي (صلی الله علیه) بتعبيرٍ بليغ: (إياكم وخضراء الدِمن)!.. أي الحسناء في منبت السوء.. فالنظر يألف كل جمال بشري؛ ولكن البواطن الجميلة هي التي تبقى.
ب- أن لا ينظر إلى الشكل الملفت، وإنما لينظر إلى ما وراء الشكل: لينظر إلى جيناتها الوراثية وإلى روحها؛ فهي ستكون مرضعة لأولاده، ومربية لهم.
ج- أن ينظر إلى ترسبات الماضي، وهل هي من بيئة سليمة، أو من بيئة غير سليمة؟..
د- ولا بأس أن يلحظ تاريخ الأبوين والأرحام، فإن كل ذلك مؤثر في حركة الحياة، كما ورد عن الرسول الأكرم (صلی الله علیه) حيث قال: (اختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجيعين).. وقد أثبت العلم بأن هذه الجينات الوراثية مقتبسة من أجيال وأجيال.
۲. سلوكيات الإمام (عليه السلام)..
إن من الدروس العملية في حياة الإمام الرضا (عليه السلام):
أولاً: مراعاة الخلق.. إن الناس في الطريق إلى الله عز وجل نوعان:
النوع الأول: هو الذي يتوجه إلى الله عز وجل؛ حباً بالمولى، فيلتزم: التقوى، والمُراقبة، والمحاسبة.
النوع الثاني: هو الذي يتوجه إلى الله عز وجل؛ كرهاً في الدنيا.. حيث أن البعض عندما يفشل في هذه الحياة، تتكون عنده ردة فعل، وإذا به يترك الدنيا ويتوجه للآخرة!.. فقيامه بهذا الأمر هو من منطلق فوات الدُنيا لا من منطلق حُب الأخرى.
ولكن من المشاكل التي تواجه السائرين إلى الله تعالى -بنوعيهم- أنها تنتابهم السلبيات المعروفة التي منها:
أ- التثاقل من الخلق..
ب- الإعراض عن الخلق إعراضاً سلبياً..
ب- حالة التقوقع..
ج- القيام بأعمال ما أنزل الله بها من سلطان..
إن الإعراض عن الغافلين أمر مطلوب، ولكن لا الإعراض عن الكُل ومنهم الأرحام.. فالمؤمن يتأسى بأئمته (عليهم السلام) الذين جمعوا بين التوجه إلى الله عز وجل، وبين مراعاة حقوق الأخوان والمؤمنين.. فهذا الإمام الرضا (عليهِ السلام) الذي لحظة من لحظات عمره أفضل من أعمار الكثيرين، يدعو أحد شيعته لزيارته، ثم يستضيفه في منزله، ويقوم بإكرامه.. قال الراوي: “بعث الرضا (عليه السلام) إليّ بحمار، فركبته وأتيته وأقمت عنده بالليل إلى أن مضى منه ما شاء الله، فلما أراد أن ينهض، قال: (لا أراك أن تقدر على الرجوع إلى المدينة)، قلت: أجل جعلت فداك!.. قال: (فبت عندنا الليلة واغد على بركة الله عزّ وجلّ)، قلت: أفعل جعلت فداك!.. فقال: (يا جارية!.. افرشي له فراشي، واطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها، وضعي تحت رأسه مخادّي)، قلت في نفسي: من أصاب ما أصبت في ليلتي هذه؟.. لقد جعل الله لي من المنزلة عنده، وأعطاني من الفخر ما لم يعطه أحداً من أصحابنا: بعث إليّ بحماره فركبته، وفرش لي فراشه، وبتّ في ملحفته، ووُضِعت لي مخادّه.. ما أصاب مثل هذا أحد من أصحابنا!.. قال: وهو قاعد معي وأنا أحدّث في نفسي، فقال (عليه السلام): (يا أحمد!.. إنّ أمير المؤمنين أتى زيد بن صوحان في مرضه يعوده، فافتخر على الناس بذلك، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، وتذلّل لله عزّ وجلّ)، واعتمد على يده فقام (عليه السلام)”.
فإذن، إن المؤمن موجود اجتماعي، حزنهُ في نفسه وبشرهُ في وجهه، ألا نقول في المناجاة الشعبانية: (اِلـهي!.. وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَاَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرّاً وَعَمِلَ لَكَ جَهْراً).
ثانياً: الاستسلام لقضاء الله وقدره.. كل أئمتنا مظهر الرضا، ولكن الأذى الذي تحمله الإمام الرضا (عليه السلام) كان أذى متميزاً.. فالإمام (عليه السلام) مرت عليهِ مِحنة لم تمر على آبائهِ وأجداده، ولا على أبنائه: فأبوهُ موسى بن جعفر (عليه السلام) عاش مُعاناة السجون، وولداهُ الهادي والعسكري (عليهما السلام) عاشا مُعاناة الإقامة الجبرية في سامراء، وجدهُ الحسين (عليه السلام) استشهد في كربلاء، وهكذا!.. أما مصيبة الإمام فهي من أعظم المصائب في حياة الأئمة (عليهم السلام)؛ فقد كان يرى أن الموت هو الخلاص له مما هو فيه، وكان يدعو بتقريب أجله كلما عاد من صلاة الجمعة.. ينقل المحدث القمي في منتهى الآمال أنه: (كان إذا رجع يوم الجمعة من الجامع، وقد أصابه العرق والغبار رفع يديه وقال: اللهم!.. إن كان فرجي ممّا أنا فيه بالموت، فعجله لي الساعة.. ولم يزل مغموماً مكروباً إلى أن قبض صلوات الله عليه).. ولكن ما السبب الذي جعله يتمنى لقاء ربه؟!..
۱. أُخذ من أرض المدينة قسراً إلى بلاد بعيدة.. ألا نقول عند السلام على الإمام: “السلام عليك يا غريب الغرباء”!.. فهو غريب باعتبار بعده عن أوطان أجداده، وقد شاءت المشيئة الإلهية أن لا يصطحب فلذة كبده، وهو في سن صغيرة.. وبذهابه إلى طوس حرم من أهله، وعاش حياة الغربة.
۲. أنّهُ كان إمام أهل زمانه، ومع ذلك يجلس بين يدي طاغوت من طواغيت عصره، موصوف بأنه عفريت مستكبر.. فهذه محنة كبيرة بالنسبة للإمام (عليه السلام).
۳. أنه كان إمام زمانه، فهو حامل مواريث الأنبياء وأسرار النبوة، ولكنهُ في مقام العمل -بحسب الظاهر- يُنصب في مقام ولاية العهد.. فهذا العنوان كان يؤذي الإمام (عليه السلام) بما لا يوصف، بأن اسمه يضرب على النقد، بعنوان: ولي عهد فلان!.. قيل للرضا (عليه السلام): (يا بن رسول الله!.. ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟.. فقال: ما حمل جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشورى).
ثالثاً: التعويض.. إن كل من يذهب إلى مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) تقريباً لا يشعر بالغربة والوحشة، ويوم السفر أغلب الناس يعيشون حالة الفراق.. فعناية الإمام الرضا (عليه السلام) ولطفه؛ عناية حسية يحسها كل زائر.. فقلما نرى إنساناً يُقيم أشهراً في كربلاء المُقدسة مثلاً؛ لأن جو الحُزن والكرب يلفُ قلب الإنسان في تلك البقعة!.. أما أرض طوس فإنها روضة من رياض الجنة، ولهذا أحدنا وهو في منزلهِ في أرضِ طوس، يعيش بعض المشاعر الطيبة وكأنّهُ في أجواء الحَرم.. لعل الله عز وجل عوّض ضيق الإمام في حياته، بأن جعل شرح الصدر في قلوب زائريه.. فكما عوض الإمام الحُسين (عليهِ السلام) عن قتله: بأن جعل الأئمة من ذُريته، والشِفاءُ في تربته، والإجابة تحتَ قبته.. فهذا القانون الإلهي لا ينخرم: أي أن كل مُصيبة تصيب الإنسان، هُناكَ تعويض متناسب معها، وبما أن الإمام الرضا (عليهِ السلام) ماتَ مهموماً مكروباً أي استشهدَ؛ فإن رب العالمين جعلَ هذا الأنس وهذهِ الفرحة في قلوبِ زائريهِ إلى يوم القيامة.
الآداب العملية والباطنية للزيارة..
أولاً: مراعاة آداب الزيارة.. إن من موجبات الوهم أن نقسم الوقت إلى أوقات الحرم والزيارة، وإلى أوقات الاستراحة في المنزل.. فمن الملاحظ أن البعض يجعل زيارتهُ للمعصوم مُنحصرةً في ساعات تواجدهِ بالحرم، أما قبلَ الذهاب وبعدَه؛ فإنه يعيش عالم الغفلة: فيقهقه، ويتكلم كلاماً هذراً لا يعنيه، وقد يغتاب، ويفرطُ في الطعامِ والشراب.. أي أن سلوكه خارج الحرم هو السلوك اليومي المتعارف، سلوك إنسان غافل كغفلتهِ في الوطن.. وعندما يدخل الحرم، فإنه يتوجه ويبكي ويتوسل ويُصلي.. ولكن على الإنسان في قضية المشاهد المشرفة وزيارات الأئمة (عليهم السلام) أن ينتبه لبعض القواعد، ومن هذه القواعد: أنَّ الزيارة تبدأ منذ الخروج من المنزل وحتى العودة إليه.. لذا ينبغي مراجعة آداب السفر والزيارة: كالأدعية المأثورة، والصلاة المستحبة، والغسل.. حيث أن لكل أدب تأثيره في توفيق الزيارة، فهذا العمل في أرض الوطن سيؤثر على حالة الزائر أمامَ الضريح.
ثانياً: المراقبة المتصلة.. إن الإنسان تصعبُ عليه المُراقبة المستمرة طوال العام، لذا فليخادع نفسه ويقول: يا نفس!.. أنت لا يمكنك المُراقبة الدائمة، ولكن فقط لمدة ثلاثة أيام كوني نموذجية ومثالية، كوني على مستوى متميز!.. فهل يصعبُ على الإنسان:
أ- أن يُقيم صلاة الليل لثلاث ليال؟.. فقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (ما من عملٍ حسنٍ يعمله العبد إلاّ وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يبيّن ثوابها لعِظَم خطره فقال: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿يَعْمَلُونَ﴾).
ب- أن يُقلل الطعام والشراب لمدة ثلاثة أيام؟.. فقد روي عن رسول الله (صلی الله علیه) أنه قال: (إياكم وفضول المطعم!.. فإنه يسم القلب بالقسوة، ويبطّيء بالجوارح للطاعة، ويصمّ الهمم عن سماع الموعظة).
ج- أن يمتنع عن الكلام إلا للضرورة، فيترك فضول الكلام ولو كانَ مُباحاً، ويلهج بذكر الله عزَ وجل؟.. (مرّ علي (عليه السلام) برجل يتكلّم بفضول الكلام، فوقف عليه ثمّ قال: يا هذا!.. إنّك تُملي على حافظيك كتاباً إلى ربّك، فتكلّم بما يعنيك ودَعْ ما لا يعنيك).
د- أن يراقب النظر؟.. فعن رسول الله (صلی الله علیه) أنه قال: (وإياكم وفضول النظر!.. فإنه يبذر الهوى، ويولد الغفلة).. وهُناكَ مقامات تُعطى لا لترك الحرام في النظر، وإنّما لترك الفضول، فقد قيل ما مضمونه: “أن من ترك فضول النظر؛ وفق للخشوع”.. فالإنسان الذي يذهب إلى الحرم الشريف، عليه أن يطرق برأسه إلى الأرض، ولا ينظر إلى المحلات التجارية الكثيرة التي تكون على يمينهِ ويسارهِ، فلمَ ينظر إليها ليبتلي بما فيها، إن لم يكن في مقام التسوق؟!..
فإذن، لابد من المراقبة المستمرة في هذه المدة على الأقل!..
ثالثاً: الانشغال بالذكر.. إنه لمن المناسب جداً للزائر أن يذهب إلى المشهد الشريف ماشياً بخطوات متقاربة، وهو في حالة توجه، منشغلاً بالصلوات، والأذكار.. فيذكر الله عز وجل في كل خطوة، كذاك الصحابي الذي زار الإمام الحسين (عليه السلام) في الأربعين، فما صعدَ جبلاً أو نزل إلى وادٍ؛ إلا وهو يذكر الله عز وجل.
رابعاً: الإكثار من الدعاء والزيارة.. ينبغي الالتزام بالزيارات الواردة على تنوعها، والتأمل فى مضامينها، والاستغناء بذلك عن الزيارات المخترعة التى لا أساس لها!.. فالبعض لا يضيع دقيقة واحدة، فتراه عندما يركب الطائرة يأخذ جانب النافذة كي يناجي الإمام عندما يمر على الضريح، ويزوره وهو في الجو قبلَ أن يذهب إلى الحرم.
خامساً: الإطلاع على سيرتهم.. كم من الجميل أن يصطحب الزائر معه كتاباً يتحدث عن سيرة المزور، ليطلع عليه أثناء السفر!.. لأن الإنسان عندما يطلع على سيرة ذاك الإمام وأخلاقياته، ويتذكر مواقفه الدالة على شدة رأفته بأعدائه؛ ومدى إحسانه للمحبين والزائرين؛ فإن ذلك أدعى للتفاعل.. ومن المناسب أيضاً الإطلاع على فضل زيارتهم؛ تحفيزاً للهمم!..
سادساً: التنويع في الطاعات.. إن المؤمن ينوع في الحرم بين مختلف روافد الفيض من: الدعاء، والقرآن، والصلاة.. ولابد من تقديم ما يناسب المزاج، فكما تراعى الشهية المادية عند الأكل، كذلك في الشهية المعنوية؛ فإن الإقبال على المائدة بشهية يوجب التملي من بركات تلك المائدة.. فالمؤمن في تعاملهِ معَ رَب العالمين، عليه أن يختار من العبادة ما يُناسبُ مزاجه في تلكَ اللحظة!..
سابعاً: العبرة بالكيف.. إن العبرة هي في الكيف لا في الكم، فقد ورد في الروايات: (ركعتان مقتصدتان في تفكّر؛ خيرٌ من قيام ليلة والقلب ساهٍ)!.. وبالتالي، فإن أفضل هدية يقدمها الزائر لصاحب المشهد، هي أن يصلي ركعتين بتوجه، لا تحدثه نفسه فيهما بشيء!.. يقول: يا سيدي!.. صليتُ صلاتي وأنا لاهٍ كعادتي، ولكن عندما أردت أن أقدم لكَ هدية؛ صليتُ ركعتين خاشعتين!.. فهل هناك أفضل من هكذا هدية تقدم للمعصوم!..
ثامناً: تلاوة القرآن.. كم من الجميل أن يتلو الزائر القرآن وهو في روضة النبي (صلی الله علیه) حيثُ نزولُ الوحي؟!.. وكم من الجميل أن يقرأ سورة “العلق” وهو في غارِ حراء -مثلاً- في مكان نزول هذهِ السورة!.. وكذلك بالنسبة إلى سورة “الفجر” المنسوبة إلى سيد الشهداء، كم من الجميل أن تُقرأ بجوار ضريح الإمام؟!.. فهذه المشاهد وهذهِ البيوت تُليت فيها آيات الله عز وجل، لذا فإنه يستحب للزائر تلاوة آيات الله تعالى في تلك الأماكن.
تاسعاً: التدبر والتأمل وتقييم الذات.. إن البعض يرجع من الزيارات بالهدايا والتُحف للغير، ولا يرجع بتحفةٍ لنفسه!.. المؤمن بينَ وقتٍ وآخر يخلو بنفسه، فإن كان مشغولاً في الوطن بالعمل والعائلة، فهذه الزيارات لمشاهدهم فرصة طيبة ليرى إلى أين وصل: فيقارن بين زيارته الحالية وبين الزيارة التي كانت قبل عام مثلاً، فإن لم ير فرقاً من حيث كيفية الزيارة، ومن حيث التوجه والتقدم؛ فإنه يُعاتب نفسهُ.. وعندما يُعاتب نفسه، يرى نفسهُ مفلساً فقيراً، عندئذٍ يرفع يديهُ إلى السماء ويدعو ربه أن يصلح أمره بجاه المعصوم الذي في حضرته.. فمن الطبيعي أن هذا الدُعاء يقعُ موقعهُ!..
عاشراً: التوسل بصاحب المقام.. إن الإنسان -بعض الأوقات- لا يصطحب معه النفحات التي كانت معه في ذاك المكان الطاهر، لذا من الجميل في ساعة الوداع أن يطلب الزائر من رب العالمين، ويقسم عليه بجاه من زاره، أن لا يسلب منه هذه الحالة.. فيقول: (واجعلونـي من همّكم، واذكروني عند ربّكم، وكونوا عصمتي.. وصيّروني من حزبكم، وشرّفوني بشفاعتكم، ومكّنوني في دولتكم، واحشروني في زمرتكم).. فلو استجيبت هذه المضامين في حق الداعي، فيا له من مكسب عظيم!.. وهنيئاً لمن رجعَ من زيارتِهم بتحول جوهري!.. حيث أن هناك فرقاً بين إنسان يرجع إلى وطنه، ورب العالمين لا يلتفت إليه بعد ذلك.. وبين إنسان يُتبنى ويُتكفل، وهو في وطنه.. فالنبي الذي زاره، أو الإمام الذي زاره؛ ينظر إليه بعين اللطف والكرامة.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.