- ThePlus Audio
كيف نزور الحسين والعباس (عليهما السلام) في الأربعين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الزيارة برجاء المطلوبية
من موجبات الفخر والعزة لأبي الفضل العباس (ع)؛ أن وصلتنا زيارة مأثورة عن المعصوم فيه. إننا عندما نتعامل مع ورد أو دعاء أو زيارة غير مأثورة فإننا لا نأتي بها برجاء المطلوبية وإنما نعتقد أنها كلمات طيبة من إنشاء العلماء أو الصالحين وبإمكانك أنت أيضا أن تنشئ مثل هذه الأدعية والزيارات. ولكن عندما ينسب الدعاء أو الزيارة إلى المعصوم، يكتسب تأثيراً مضاعفا، لأن هذه الزيارة خارجة من فم المعصوم. وهنا تأتي قضية رجاء المطلوبية؛ أي أننا نأتي بهذه الزيارة المأثورة عن المعصوم والتي لا نقطع بسندها برجاء المطلوبية؛ أما التي ليست من إنشاء المعصوم أساسا، لا نأتي بها برجاء المطلوبية أصلا.
كفى بالعباس فخرا أن يزوره المعصوم
وكفى بالعباس فخرا أن يزوره معصوم كالصادق (ع) ويقف على قبره قائلا من دون مقدمات: (سَلاَمُ اَللَّهِ وَسَلاَمُ مَلاَئِكَتِهِ اَلْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِهِ اَلْمُرْسَلِينَ وَعِبَادِهِ اَلصَّالِحِينَ وَجَمِيعِ اَلشُّهَدَاءِ وَاَلصِّدِّيقِينَ اَلزَّاكِيَاتِ اَلطَّيِّبَاتِ فِيمَا تَغْتَدِي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يَا اِبْنَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ)[١]. إن الألف واللام في سلامنا على سيد الشهداء (ع) عندما نقول: السلام عليك يا أبا عبدالله، كما يقول النحاة: هي للعهد الذهني؛ أي السلام المعهود والعظيم وهو يشمل سلام الله وملائكته وجميع من ورد ذكرهم في زيارة العباس (ع). إننا عندما نقول: سلام الله وسلام ملائكته وإلى آخر ذلك؛ فكأننا نقول بلسان الحال: من أنا لأسلم عليك وأنا أطلب لك سلام الله وسلام ملائكته وإلى آخر ذلك.
والعبارة الأخرى في هذه الزيارة التي تستحق منا التأمل، قوله (ع): (اَلزَّاكِيَاتِ اَلطَّيِّبَاتِ فِيمَا تَغْتَدِي وَتَرُوحُ)؛ أي أن هذه الصلوات تتنامى وتزكوا. وكأننا نقول: أريد صلاة مترادفة متوالية صباحا ومساء عليك يا أبا الفضل.
سلام الله أبدا
من العبارات التي نقرأها في زيارة عاشوراء التي لو تأملناها؛ انتابنا العجب قولنا: (عَلَيْكَ مِنِّي سَلاَمُ اَللَّهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اَللَّيْلُ وَاَلنَّهَارُ)[٢]. إنني أعتقد بحسب ما أفهمه من هذا النص؛ أننا نريد أن نقول: يا رب، أريد في هذا الموقف أن تسلم على الحسين (ع) لا في هذه الساعة فحسب؛ بل من هذه الساعة إلى أبد الآبدين حتى وإن رحلت عن هذه الدنيا وسكنت في الجنة. قد يخلق الله سبحانه لك ملكا يُسلم عنك ما بقي الليل والنهار. تصور أن يُسلم عنك هذا الملك حتى وإن كنت نائما أو جالسا أو ميتا في القبر أو في القيامة؛ فالملائكة لا يفترون عن التسبيح كما وصفهم بذلك القرآن. لو استجيب هذا الدعاء؛ فاعلم أنك من أغنى الأغنياء.
وهذا الذي نتحدث عنه طلبه أحدهم بتفصيل في حالة من حالات التفاعل والرقة وهو واقف أمام ضريح الحسين (ع). فقد قال في تلك اللحظة: يا رب، أريد منك تفضلاً أن تخلق ملكاً من كرام ملائكتك يسلم على المولى نيابة عني إلى يوم القيامة. وقال مفصلا ما أجملناه: يا رب، إن لك طرقا مختلفة في الصلاة على الإمام (ع) ولكن طمعي أن تخلق لي ملكا يقوم بذلك. لقد ورد في الرويات الشريفة أن للثمار ملائكة موكلة بها، ولذلك يرتاح الإنسان في النوم تحت الشجرة المثمرة بخلاف نومه تحت شجرة غير مثمرة. فإذا كان للثمرة أو الشجرة ملك موكل بها؛ فكيف بقبر سيد الشهداء (ع)؟ واطلب هذا الطلب عند أبي الفضل العباس (ع) وأنت تقرأ: (اَلزَّاكِيَاتِ اَلطَّيِّبَاتِ فِيمَا تَغْتَدِي وَتَرُوحُ).
واعلم أن أبا الفضل (ع) حي مرزوق يهب زائريه وداعيه في كل آن هدية من الهدايا. هل تتصور أن تسلم على العباس (ع) بهذا السلام فلا يقول: وعليك السلام لا مرة ولا مرتين؛ بل في كل لحظة إلى أبد الآبدين؟ كم دخلنا المشاهد وخرجنا منها من دون أن نعقد صفقة كبيرة كهذه الصفقات؟ إنه مجرد سلام عابر وزيارة عادية؛ ولكن البعض قد خرج بتجارة الأبد من هذه المشاهد.
التجرد الروحي وزيارة المعصومين (عليه السلام)
من الأمور التي تنفعنا في الزيارة؛ التجرد الروحي. ولكن ينبغي أن نعلم أن الذي يتكلم عن التجرد لابد أن يكون متجردا، ولست هناك ولكنني أبين ما أعرفه في هذا المجال. إن هذا المقام هو مقام شامخ لا يناله كل إنسان وهو أن تتجرد الروح من البدن، لا انخلاع الموت وإنما موت اليقظة. إن البعض من المؤمنين يصل إلى مقام الصلاة معراج المؤمن؛ أي أن جسمه يصلي في الأرض وروحه ترفرف في عالم العرش. ليس المعراج كلاما من باب المجاملة؛ فقد كان أمير المؤمنين (ع) يُنزع السهم منه وهو الصلاة من دون أن يشعر به، وكأن جسمه مخدر أو الروح فارقت بدنه.
وقد نستطيع القول: أن أطباء التخدير يجردون الروح عن بدن المريض لكي لا يشعر بالألم. وإنني أعرف من العلماء كالسيد السبزواري رضوان الله عليه، من كانت تُجرى لهم العملية الجراحية من دون تخدير. إننا بالطبع لا نبحث عن هذه المقامات لكي نستغني عن التخدير في غرفة العمليلات، وإنما نطلبها للصلاة والعبادة. يُروى عن أحد الصالحين أنه كان يصلي ذات يوم في حرم الرضا (ع) على السطح وكان ينزل الثلج من السماء، فأطال الركوع حتى تكدس الثلج على ظهره وهو ذاهل عن البرد من حوله. إنها مقامات لا تُنكر، وهي تنفعنا في زيارة المعصومين (ع).
الزيارة اللفظية أم التجردية؟
تارة يأخذ المؤمن كتاب الدعاء أو الزيارة ويقرأ لقلقة ولما يدخل الدعاء أو الزيارة في قلبه؛ كمن يترنم بالقرآن وهو لا يستوعب معاني الآيات. ليست التلاوة ترجيع الصوت فحسب؛ وإنما التلاوة أن تتدبر ما تقرأ وتستوعب المعاني التي تترنم بها. وكذلك الأمر في الزيارة؛ أن تتجرد وإن كنت في منزك وتعلم أن الزيارة هي: مواجهة الروح للمعصوم. عندها قد تكون هذه الزيارة مصحوبة بالألفاظ وقد لا تحتاج إلى ألفاظ وكلمات. إننا نقرأ في قصص العشاق؛ أن أحدهما ينظر إلى الآخر فتجري دمعته؛ فهو يتكلم بعينه، وواجهت روحه، روح المحبوب فجرت دمعته. هذا في قصة العشق المجازي وحب الشمائل التي سرعان ما يملها الإنسان؛ فكيف بحب الأرواح الراقية؟
باستطاعتك وأنت في المنزل أن تغمض عينيك وتخاطب المولى بقلبك؛ فيرق قلبك وتجري دمعتك. إن هذه الزيارة أقرب إلى القبول ممن يحضر في مشهد الإمام وهو يحك رأسه ويعبث بلحيته ويقرأ الزيارة الورقية. أين الزيارة التجردية من هذه الزيارة اللفظية؟ إننا لا ننكر ما للزيارة اللفظية من الأجر العظيم؛ ولكننا ندعو إلى إضافة الزيارة التجردية إليها. فلا يكتفي الرجل بالزيارة التجردية استنادا إلى ما ذكرناه. زر برجليك مشياً حافيا لاطماً باكيا؛ وأضف إليها التجرد.
لماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟
إن الله سبحانه قد خلق آدم من طين ولم يطلب من الملائكة السجود له إلا بعد أن نفخ فيه من روحه. ما الفرق بين آدم وبين قطعة من الطبين؟ إنها الروح التي تستحق هذا الإكرام. إن الصلاة معراج المؤمن، وهذا المعراج محله القلب، ولذلك روي: (إِنَّ اَللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ)[٣]. ولابد للترقي أن يردف الإنسان زيارته التجردية بالزيارة اللفظية وإن حال بينه وبين زيارة مولاه حائل؛ فيكتفي عندها بالزيارة التجردية أو الروحية الباطنية. وهذه الحالة الروحية تفتح له الآفاق في الصلاة كذلك.
وأقول لمن يريد أن يخطو في طريق التجرد أن يتخفف من الدنيا. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةُ ضَرَّتَانِ بِقَدْرِ مَا تَقْرُبُ مِنْ إِحْدَاهُمَا تَبْعُدُ عَنِ اَلْأُخْرَى)[٤]؛ كلما تخفف الإنسان من التعلق بقيود المادة وقيود اللذائذ كان كمن يلقي الأثقال من المنطاد ليرتفع أكثر فأكثر. إن هذا المنطاد يعبئ بالغاز ثم تُقطع الحبال فلا يستأذن للارتفاع وإنما يرتفع قهرا. فأنت ترتفع قهرا لو تخلصت من أثقال المادة واللذائذ الفانية، وقطعت حبال التعلقات المادية. ولا يعني ذلك أن تترك الدنيا؛ فليس الزهد أن لا تملك شيئا، بل الزهد أن لا يملكك شيء.
هل وجدت هذا التغيير بعد الزيارة؟
ومن علامات قبول الزيارة؛ أن يرجع المؤمن بتغيير جوهري في نفسه. ومن أجل ذلك ينبغي أن يقف على نقاط الضعف والذنوب التي يمارسها قبل الزيارة، لكي يشعر بالتغيير إن حصل. فمجرد المشي والأكل والشرب والزيارة والرجوع إلى المنزل؛ ليست علامة من علامات القبول. إذا أردت أن تعرف التنور مشتعلا، تضع فيه خبزة فإن خرجت كما دخلت عجينا، فتعلم أن التنور لم يشتعل بعد؛ فلو كان مشتعلا لخرج منه الخبز مقرمشا؛ وكلذلك الأمور في دخولك إلى الحرم الشريف. إذا خرجت بغير الحالة التي دخلت بها؛ فاعلم أن تنور الزيارة كان مشتعلا وإلا فتنورك بارد وزيارتك باردة. وهذا المعنى يسري في الحج أيضا. عندما ذكر الإمام (ع) للشبلي بعض آداب الطواف والسعي وقال الشبلي أنه لم يأت بها، قال له الإمام (ع): ما طفت وما سعيت.
فلا ينبغي أن نكتفي بالزيارة الظاهرية، فكما روي: (مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلاَتُهُ عَنِ اَلْفَحْشَاءِ وَاَلْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ مِنَ اَللَّهِ إِلاَّ بُعْداً)[٥]؛ فكذلك من زار الحسين (ع) ولم يتغير؛ فلا زيارة له. والقانون العام في كل هذه الزيارات والعبادات، التقوى. إن الله سبحانه يذكر الهدف من الصيام: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)[٦]؛ ولعل تفيد الترجي؛ أي أن التقوى لا يلازم الصيام بالضرورة وإنما ينبغي أن يهيئ المؤمن الأرضية للتقوى الذي يساعد عليه الصيام. وكذلك الأمر في زيارة الحسين (ع) فالزيارة لعلكم تتقون، والحج لعلكم تتقون.
أول صلاة فجر بعد الإحياء
إنني لا أغتر بأعمالي طوال شهر رمضان المبارك ولا بإحيائي ليالي القدر وإنما أنتظر لأرى كيفية صلاة الفجر في اليوم الثالث والعشرين من شهر رمضان بعد آخر ليلة إحياء. فإذا كانت كصلاتي في اليوم الثامن عشر؛ أعلم أن ليالي القدر ذهبت سدىً. ولذلك أصلي تلك الصلاة وأنا بين الخوف والرجاء، وأحاول قدر الإمكان أن أصلي أول فريضة بعد الإحياء بتوجه. هب أنه أغمي عليك في ليلة القدر؛ ألا ينبغي أن يظهر أثر ذلك في صلاتك؟ أليس سبحانه يقول: (ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۚ وَهُوَٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ)[٧]، وقال عز من قائل: (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ)[٨]. وقد قال سبحانه: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحࣰا فَمُلَٰقِيهِ)[٩]. إن هذه الآيات وأمثلها هي التي يضعها الزائر أمام عينه في كل زيارة.
احذر من إهانة الزائر ولو بشطر كلمة
وإنني أوصي أهل المواكب دائما وأقول لهم: عندما يعبر الزائر الحدود ويدخل إلى هذا البلد؛ فقد فقد هويته الشخصية، فلم يعد فلان ابن فلان ولا يعرف بالجواز الكذائي الذي يحمله، وإنما يُعرف بشيء واحد: زائر الحسين (ع). ولذلك أقول: كما أن إكرامك للزائر يستجلب رضى الإمام (ع)؛ فقد يكون إزعاجك الزائر ولو بشطر كلمة مما يوجب لك عقوبة الإمام (ع) وتأديبه. فلنحذر في الخدمة ألا نتجاوز حداً من الحدود، ولا نوجب كسر خاطر من خواطرهم؛ لأن الطرف المقابل هو الإمام (ع) والعباس (ع). إنهما المزور وصاحب المنزل. لقد أهين أحد الزوار من قبل أحد المنتسبين، ويتفق ألا يعرف المنتسب الضوابط والمعايير الصحيحة في التعامل مع الزائر، فتوجه إلى الإمام (ع) وقال كلمة صعقت هذا المنتسب لاحقا، فقد قال: يا مولاي، الحرم حرمك وأنا في بيتك ومنزلك، ولم أكن أعلم أن المتصرف فيه غيرك. كم ثقلت هذه الكلمة على الإمام (ع)؟
اصطحب معك في الزيارة المنحرفين…!
وأقول للزائرين: لا تكونوا بخلاء عند الخروج إلى الزيارة. إذا خرجت لزيارة الإمام اصطحب معك أخاك وابن عمك ومن تعرفهم وإن كانوا من المنحرفين. وعندما تصل إلى الضريح وكان معك أحد هؤلاء كأن يكون أخوك ويهمك أمر هدايته: فألصقه بالضريح، وقل: يا أبا عبدالله، إلى هنا ينتهي دوري، لقد أوصلته إليك فتولى أمره. لقد أوصلت المريض إلى مستشفاك، فلا أرجعن خائباً. وليفعل ذلك الوالد بولده العاق أو الرجل بزوجته التي لا يرتضيها؛ فلا أستبعد أن يرجع الواحد منهم قرير العين.
خلاصة المحاضرة
- تارة يأخذ المؤمن كتاب الدعاء أو الزيارة ويقرأ لقلقة ولما يدخل الدعاء أو الزيارة في قلبه؛ كمن يترنم بالقرآن وهو لا يستوعب معاني الآيات. وتارة يزور بقلبه ويرتبط بالمعصوم بروحه فتجري دمعته من أن يتكلم بكلمة حتى، وهذه هي الزيارة المطلوبة.