Search
Close this search box.
  • كيف نركب سفينة الحسين (عليه السلام)؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نركب سفينة الحسين (عليه السلام)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

استثمار المجالس الحسينية

لابد وأن يُفكر كل واحد منا بالكيفية التي يُمكنه من خلالها استثمار المجالس الحسينية ومجالس العزاء عموما. إن السفن اليوم أصبحت تجري في البحر من خلال المحركات الآلية؛ إلا أن في الأزمنة القديمة كان التنقل يتم من خلال السفن الشراعية. وهي عبارة عن سفينة خشبية لها شراع. هذا الشراع هو من قماش مقاوم، وكان أصحاب السفينة ينتظرون الرحمة الإلهية التي تُرسل لهم الرياح الموسمية الدافعة لتجري السفينة وتتحرك إلى الأمام من خلالها. وما إن تتوقف الرياح؛ تقف سفينة المساكين، وإن زادت الرياح عن حدها تحول إلى طوفان مغرق.

إن هذا الموسم؛ هو موسم الرياح المباركة لا الرياح المغرقة. إنه موسم الرياح الدافعة إلى الأمام. إننا نرى في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام وما بعده من الأيام؛ أن الأجواء مؤاتية. البعض من المؤمنين في اليوم العاشر من محرم لا يتحمل الاستماع إلى المصيبة فيعمد إلى الجهاز فيطفئه أو يعيش حالة من الذهول من الصباح حتى المساء وكأن المصيبة ماثلة أمامه. إن أكثر القلوب تألماً هو قلب إمام زماننا (عج)؛ ونحن لا ندري حقيقة ماذا يجرى عليه؟ وأي مجلس يقيم؟ وأين يكون حاضراً؟ إنها أسرار الإمامة. إذا صار أحدنا رقيقاً دقيقاً لطيفاً؛ لستشعر هذا المعنى جيداً. لقد سمعت من بعض كبار الموالين من الباكين على الحسين (ع)؛ أن الإمام (عج) في اليوم العاشر من محرم؛ يخرج من المدينة إلى الصحراء حتى يفرغ ما في نفسه.

شعور المؤمن بعد اليوم العاشر من محرم

إن أحدنا يستشعر في اليوم العاشر مشاعر الإنسان الذي أنهى ليالي القدر. كيف يرى أحدنا في اليوم اللاحق لليلة القدر الكبرى في قلبه نوراً، وإقبالاً؛ فكذلك الأمر بعد أن يقضي الإنسان يومه بالكباء. في ذلك اليوم يستنير الجميع بنور الحسين (ع)؛ لأنه في يوم هو قمة البكاء، وقمة المصيبة وهو يوم المقتل وما أدراك ما المقتل؟

إننا نريد بعد هذا اليوم؛ أن نستثمر وأن نسافر بسفينتنا. إن استعمالنا لتعبير السفر أمرا جزافياً؛ فقد قال سبحانه: (فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱلله)[١]، وفي هذا التعبير سفر، والجهاد الأكبر سفر. إن المراد من أن يكون أحدنا مسافراً؛ هو أن يسارع في السير.

لا تكن كدودة القز

إن أحدنا يحوم حول نفسه كما تحوم دودة القز حول نفسها. وهذا ما أشارت إليه الروايات. إن دودة القز هذه المسكينة؛ كلما تعبت أكثر وكلما بذلت جهداً؛ كلما سمكت الشرنقة، واقترب موتها. إن بعض الناس هكذا هم في الحياة الدنيا؛ كلما ازداد نشاطاً؛ كلما ازداد اختناقاً. فترى صاحبنا كان موظفاً يحضر المجالس، والآن تقاعد وأسس شركة؛ فقل حضورة. ثم أسس شركتين أو ثلاث، وإذا بصاحبنا لا يعرف مسجداً ولا مأتماً.

تحذر كتب الأخلاق من عبادة الصنم. ولكن ما هو هذا الصنم الذي قد نعبده والحال أن زمن الأصنام والأوثان قد انتهى تقريبا. بل إن إبراهيم الخليل (ع) يقول: (وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ)[٢]. فهل كان إبراهيم (ع) في مضان عبادة الأصنام مثلا؟ ثم كلمة (بني) تنطبق على إسماعيل ذبيح الله؛ فهل خليل الله وذبيح الله يخافان أن يعبدا هبل واللات والعزى، أم أن القضية قضية كنائية؟

كيف يعبد أحدنا هواه؟

كما أن الطاغوت كناية عن كل شيء سوى الله عز وجل؛ فالأصنام كذلك في القرآن الكريم قد يراد بها الأصنام الحجرية، وقد تكون نفسك التي بين جنبيك. إن هذه النفس هي من أعتى الأصنام وأقواها. إن عبادة الأصنام الحجرية انتهى زمنه، ولذلك عندما تذهب إلى بلاد الشرق وترى تمثال بوذا العملاق؛ تضحك في نفسك، وتقول: أين نحن وأين هؤلاء؟ إننا نذهب إلى الحج الإبراهيمي وهؤلاء يقفون أمام جبل أو أمام ذهب وإلى آخره. إذن السفر يبدأ من بلدة الذات. إننا نجد في بعض الآيات إشارة لذوي الألباب، ولقد علم الله أنه يأتي أقوام متعمقون في آخر الزمان فأنزل عليهم سورة التوحيد. إن هذه السورة التي نلهج بها هكذا؛ يأتي البعض لينطلق منها إلى معاني راقية جداً. من هذه الآيات قوله عز وجل: (أَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ)[٣].

فكيف يُمكن الجمع بين الهوى والهدى؟ إن الخروج من دائرة الذات والأنا من أصعب الأمور. قد لا تُعجبك الزوجة فتطلقها، وقد لا يُعجبك الولد فتطرده من المنزل، وقد لا يُعجبك الشريك فتفسخ الشراكة معه، وانتهى الأمر. وكل شيء قابل للانفكاك إلا نفسك التي بين جنبيك؛ هل تجد منها مهربا؟ قد يقول قائل: أنتحر وينتهى الأمر. إنك إذا انتحرت تلحقك هذه الذات؛ فتخلد في نار جهنم لأنك قتلت نفسك. لا مفر من هذه الذات أبدا.

ما هو السبيل الأمثل للتعامل مع النفس؟

السبيل الأمثل هو السيطرة عليها إلى أن تصل بسلام إلى بر الأمان. ولكن أين المقصد؟ وما هو الهدف؟ قال تعالى: (وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ)[٤]، وقال عز وجل: (فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَا)[٥]. أين أهل الدنيا من هذه المقامات؟ بعض الناس في الستين والسبعين ينظر إلى ملفاته، وإلى عمره الذي مضى يرى أن الخلاصة من حياته زيجة وولد، ومنزل ودابة. هذا هو كل ما كسبه في ستين سنة. إن بعض المتقاعدين يذهب إلى الدائرة التي عمل فيها ثلاثين سنة، فيتحسر، ويقول في نفسه: كم أمضيت من العمر هنا؛ فما الذي حصلت عليه؟ إن الراتب تحول إلى منزل وصاحبنا بعد فترة قصيرة يسلمه لورثته، وانتهت القصة. إن عمل المتقاعد انتظار ملك الموت وأخيرا؛ إنا لله وإنا إليه راجعون. كم الحياة تكون مملة وكئيبة بهذه الصورة؟

أنها الأبدية؛ فهل أعددت لها العدة؟

قد لا يهتم أهل الدنيا لذلك؛ فقد سألت بعض الأطباء، وقلت له: عندما يُبتلى أحد من غير المؤمنين بمرض قاتل؛ كيف يكون حاله قبل الموت ساعة الاحتضار؟ يقول: إنهم مسلمون للموت؛ فهم يقولون: سنموت وينتهي كل شيء. أي أن أحدهم لا يخاف من الموت لأنه لا يعلم شيئا ما وراء الحياة الدنيا. وهؤلاء في حلم؛ ومن الطبيعي أن يستمع أحدهم في ساعة الاحتضار إلى الغناء مثلا، ويقول: لأموت وأنا أغني. إنما الكلام في من يعتقد بالحياة الأبدية، وفي من يعتقد بقوله تعالى: (وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ)[٦].

ليس البرزخ سنة ولا سنتين؛ بل قد يستغرق مئات السنين إن لم يكن آلاف السنين. هب أن القيامة ستقوم في ـواخر هذا القرن مثلا؛ فالظهور سيكون قريبا، والإمام (عج) سيحكم، والأئمة (ع) يرجعون، وينتهي الأمر. ولكن ماذا تعمل في عرصات القيامة؟ يكفي أن يقال: أنت من أهل الجنة قطعا، وخذ كتابك بيمينك، ولكن قف في طابور أهل الجنة يوماً واحداً. ولكن أي يوم؟ (وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ)[٧].

قد يقول قائلأ: ما هذه الجنة التي يسبقها هذا التعذيب الباطني؟ ليس الجميع يكون بهذه الحال ولكن قد يوقف البعض امن أجل ما قام به من الهفوات في الدنيا. وهناك من يخرج من القبر إلى الجنة بغير حساب لا يرى ملكاً ولا حساباً ولا انتظاراً إلى درجة يتعجب منهم خازن الجنة.

[١] سورة الذاريات: ٥٠.
[٢] سورة إبراهيم: ٣٥.
[٣] سورة الفرقان: ٤٣.
[٤] سورة التغابن: ٣.
[٥] سورة الكهف: ١١٠.
[٦] سورة المؤمنون: ١٠٠.
[٧] سورة الحج: ٤٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • كما أن الطاغوت كناية عن كل شيء سوى الله عز وجل؛ فالأصنام كذلك في القرآن الكريم قد يراد بها الأصنام الحجرية، وقد تكون نفسك التي بين جنبيك. إن هذه النفس هي من أعتى الأصنام وأقواها. إن عبادة الأصنام الحجرية انتهى زمنه ولكن هل ينتهي زمن عبادة النفس والهوى؟
Layer-5.png