Search
Close this search box.
  • كيف نخلد ذكرنا في هذه الحياة الدنيا؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نخلد ذكرنا في هذه الحياة الدنيا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

مواسم العزاء واستجلاب رضا الإمام الحجة (عجل الله فرجه)

يشعر الكثير منا بتقصير تجاه إمام زمانه (عج)، ولا يستطيع أحد أن يدعي أن إمامه (عج) راض عنه تماما. إلا أن هناك من الأمور ما يعلم أنها تقربه من إمام زمانه (عج) وتعينه على جلب رضاه والتقرب من مولاه؛ فلا يتوانى في القيام بها والاجتهاد فيها. من هذه الأعمال استثمار المجالس الحسينية ومواسم العزاء.

ولا ينبغي أن يشغلنا القيام بالأعمال التي تقربنا إلى الله عن الالتفات إلى الحاجات الضروية والقيام بأمور الأهل والعيال. إننا نرى بعض المؤمنين، يعمل ويتخصص في القرب الإلهي؛ فيصلي في أول الوقت، ويُصبح حمامة المسجد، وفي الليل له سهر عبادي. إلا أنه بعد فترة يأتينا، ويقول: يا فلان، لقد أصبحت لا أطيق الخلق، ولا أريد غير خلوة آنس فيها بالعبادة؛ لأنني أرجع من المسجد ولي إقبال وبكاء وخشوع؛ فتواجهني زوجتي بطلباتها وأولادي بحوائجهم. ولذلك صرت لا أتحمل معاشرة الآخرين.

ما هذه الآثار الغريبة التي وجدوها على جسد الحسين (عليه السلام)؟

أقول لهؤلاء: الفخر كل الفخر، والبطولة كل البطولة أن تجمع بين العالمين. لقد كانت للنبي الأكرم (ص) حالات مع الله عز وجل لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل؛ ولكنه كان يجلس مع جفاة الجاهلية، وكان يصل الأمر بأحدهم أن يناديه باسمه الشريف ويقول له: إعدل يا محمد في تقسيم الغنائم، ولم يكن يبالي (ص). وكذلك نقرأ في المقاتل فقرة مشجية من مصيبة الحسين (ع) يوم عاشوراء، وهي: أن جسم الإمام (ع) كان مليئا بالجراح، فكان الجرح يقع على الجرح؛ إلا أنهم شاهدوا على بدنه أثر غير الجراح، كان أثر الجراب التي يحملها لفقراء المدينة ولأيتامهم ومساكينهم وأراملهم. فقد جمع بدن الحسين (ع)، آثار الجراح وآثار الجراب.

سيرة الأئمة (عليهم السلام) في الاهتمام بشئون الخلق

لقد كانت سيرة أئمتنا (ع) أن يقسموا أوقاتهم في الليل إلى قسيمن: قسم للمناجات مع رب العزة والجلال، وقسم يطرقون فيه بيوت المساكين. تأسى بإمامك، وبدل أن تشعر بالحاجة إلى الانعزال عن الناس؛ انظر إليهم على أنهم عيال الله عز وجل. تارة تنظر إلى المرأة على أنها زوجتك وإلى الأولاد على أنهم مجرد أولاد؛ وتارة توسع النظرة وتنظر إليهم على أنهم أمانة الله عندك. إنك عندما قلت في العقد: قبلت التزويج أو المتعة؛ إنما قلت: قبلت الأمانة؛ فإنما تزوجتها لتحصنها. فما كانت في بيت أبيها جائعة، ولم تكن بلا مأوى؛ بل البعض منهم أغنى من الرجل.

أولادك أسبابك إلى الجنان

وليس الولد نتيجة متعة ليلة؛ انعقدت فيها نطفته فحسب؛ بل هو الذي رباه رب العالمين في ظلمات ثلاث، وأخرجه طفلاً سويا، وقدمه لك أمانة، لتصل به إلى مرتبة تقر عينك به: (رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ)[١]. ويتفق أن لا يهنأ الإنسان بزيجته، ولا بأولاده، ولا بأرحامه وجيرانه وزملاء العمل؛ فكلما رأيت ما يزعجك، وكلما أصابك منهم أذى كان ذلك سببا لتقربك إلى ربك.

لو أن ثرياً أو أميراً أعطاك ولداً معوقاً، وقال: هذا ولدي، إن كفلته لك من الراتب كذا وكذا، وكلما ازادا إزعاجه لك، وتحملت الأذى في تربيته؛ تضاعف الراتب، لما شعرت بالأذى عندما ترى أنه يستطيع أن يعوضك على ذلك خيرا. ومن نظر إلى الخلق بهذا المنظار؛ انتهت المشكلة.

أشتاق أحيانا إلى غضب زوجتي…!

لقد ذكر لي أحد المؤمنين؛ أن الله عز وجل ابتلاه بزوجة مشاكسة وكان يصبر عليها، ولا يتفاعل معها. وعادة الحليم أن لا يهتم لإزعاج المزعجين واستفزازاتهم وهذا كان يجعل الزوجة تتراجع وتتأدب معه في كثير من الأحيان إلى أن تغيرت وأصبحت في غاية الأدب والاحترام معه. لقد قال لي: إنني أحيانا أشتاق إلى غضبها؛ لأنني حُرمت ثواب الصبر على ذلك. إلا أنني كنت أشعر بالحزن أنها تتسافل وتتناقص وأنا أتعالى وأتكامل. فهل الإنسان الذي هذا منطقه وديدنه؛ يسارع إلى تطليق زوجته من ول كلمة مستفزة؟ فالمؤمن لا يهتم بهذه الأمور ولا يغفل عند أدائه حقوق الخالق عن حقوق المخلوقين.

أقرب الطرق للخلود

لقد قرأنا في كتب الاجتماع وعلم النفس عن الحضارات؛ ورأينا البعض كانوا يكتبون أسمائهم في الكهوف والمغارات طلبا للخلد. وحتى يومنا هذا يذهب البعض إلى بلد سياحي؛ فيكتب اسمه على جذع شجرة أو على كهف من الكهوف؛ فهو يفرح إن عاد بعد سنين ورأى اسمه هناك؛ فحب البقاء واستمرار الذكر غريزة من غرائز الإنسان. بل يصل الأمر بالبعض أن يرتكب جريمة القتل التي يعرف أن عاقبتها الإعدام؛ ليس لشيء إلا لكي يُصبح مشهورا.

ولكن هل لهذا الخلود سبيل؟ نعم، اسلك طريق الحسين (ع) وطريق جده (ص) وطريق جد جده إبراهيم الخليل (ع). ماذا صنع إبراهيم (ع)؟ حاول أن يذبح إسماعيل (ع). فكان ذلك سببا أن يرتبط كل شيء في الحج بهم. فماء زمزم أصبح شفاء لمن شرب، وهو ذكرى إسماعيل (ع). والهرولة في المسعى هو ذكرى هاجر (س). إن بعض كبار السن وبعض من له وزن زائد، عندما يهرول يُصبح منظره ملفتا، ومع ذلك ينبغي له فعل ذلم تأسيا بها (س). وحجر إسماعيل (ع) هو جزء من الكعبة؛ فلو دخلت الحجر في الطواف كان باطلا. يقال: أن حجر إسماعيل (ع) كان فيه غنم لهم، ومربط الغنم هذا أصبح حجر إسماعيل (ع)؛ لأن كل شيء انتسب إليه؛ اكتسب الخلود. فلماذا تحتار، وتنشغل بهذه الألاعيب وتهذب إلى اليمين والشمال طلبا للخلود؟ إن كنت تُحب أن يذكر اسمك في كل مكان ارتبط بهذه الأبدية؛ أي بالحسين (ع) وبذكر الحسين (ع).

لقد كان الإمام الحسن (ع) ريحانة رسول الله (ص) وهو إمام قام أو قعد كما وصفه رسول الله (ص) ومعظم روايات المدح يشترك فيها هو والحسين (ع)؛ إلا أن الله سبحانه ميز الحسين (ع) بأن جعل التسعة من ذريته، والشفاء في تربته، والإجابة تحت قبته؛ وما ذلك إلا لأنه قدم لله قرباناً متميزا.

هل كبحت شهوة عارمة كيوسف (ع)؟

هل كظمت غيظك في موقف غضب لوجه الله عز وجل؟ هل قدمت لله مالاً يُعتد به؟ لقد رأيت أحد المؤمنين كانت قد صارت له نقلة في حياته فقلت له: يا فلان، لم تكن متميزاً سابقا، والآن أرى فيك بعض التميز من كلام موزون ومن هبات إلهية؟ فذكر لي أنه في يوم صائف رأيت إنساناً على قارعة الطريق؛ فرق قلبي له، وأركبته دابتي، وعلمت أنه محتاج؛ فأخرجت كل ما في جيبي من الأموال من دون أن أعدها – وكان صاحبنا هذا ميسور الحال، وعادة يكون في جيبه مال يُعتد به – وقدمتها له. عندما نزل؛ دعى لي دعوة بليغة استجيب بحقي. حاول أن تقدم لله شيئا مما ذكرنا؛ فصلاتك الرتيبة في مكان مكيف ومريح، وصومك شهر رمضان وأنت تنام من الصباح إلى العصر، شيء متعارف. ابحث عن قربان تقدمه بين يدي الله عز وجل.

وأي قربان قدمه الحسين (ع)؟

وقد انجلى عن مكة وهو ابنها
وبه تشرفت الحطيم وزمزم

مثل ابن فاطمة يبيت مشردا
ويزيد في لذاته متنعم

لقد قدم الحجاج الأضاحي في تلك السنة التي قتل فيها الحسين (ع)؛ وقدم الحسين (ع) في يوم عاشوراء الأضاحي التي كانت من جنس آخر تماما. لقد كان ينظر تارة إلى ولده علي الأكبر ويقول: (يَا بُنَيَّ، عَلَى اَلدُّنْيَا بَعْدَكَ اَلْعَفَا)[٢]. إنها مصيبة ثقلت عليه؛ ولهذا إذا ذهبت إلى كربلاء، ووقفت عند قبر الحسين (ع)؛ اقرأ مصيبة ولده، وقل: يا أبا عبدالله جئتك راثياً، واذكر مصائب أهل البيت (ع). وكان تارة ينظر إلى أبي الفضل العباس (ع)، وتارة إلى طفل رضيع ظامئ غارت عيناه وهو لا يريد إلا شربة ماء.

[١] سورة الفرقان: ٧٤.
[٢] مصباح الزائر  ج١ ص٢٧٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • يشعر الكثير منا بتقصير تجاه إمام زمانه (عج) ولا يستطيع أحد أن يدعي أن إمامه راض عنه تماما. إلا أن هناك من الأمور ما يعلم أنها تقربه من إمام زمانه وتعينه على جلب رضاه والتقرب من مولاه فلا يتوانى في القيام بها والاجتهاد فيها. من هذه الأعمال استثمار المجالس الحسينية ومواسم العزاء.
  • لقد كان الإمام الحسن (ع) ريحانة رسول الله (ص) وهو إمام قام أو قعد كما وصفه رسول الله (ص) ومعظم روايات المدح يشترك فيها هو والحسين (ع)؛ إلا أن الله سبحانه ميز الحسين (ع) بأن جعل التسعة من ذريته، والشفاء في تربته، والإجابة تحت قبته؛ وما ذلك إلا لأنه قدم لله قرباناً متميزا.
  • لقد كانت سيرة أئمتنا (ع) أن يقسموا أوقاتهم في الليل إلى قسيمن: قسم للمناجات مع رب العزة والجلال، وقسم يطرقون فيه بيوت المساكين. تأسى بإمامك، وبدل أن تشعر بالحاجة إلى الانعزال عن الناس؛ انظر إليهم على أنهم عيال الله عز وجل.
Layer-5.png