س١/ ونحن نعيش بداية هذه الأجواء المباركة، حيث شهر رجب الأصب، ومن ثم شعبان، ورمضان.. لماذا هذا التأكيد على هذه الأشهر الثلاثة في كيفية إحياء مواسم الدعاء؟..
أولاً أبارك مناسبات متعددة، منها: ميلاد إمامنا الباقر (ع) في هذا اليوم، وعلى راوية هذه الليـلة ميلاد إمامنا الهادي (ع)، وكذلك حلول شهر رجب الأصب.. حيث الرحمة الإلهية الغامرة تصب على العباد صباً، فهو شهر الله الأكبر.. وشهر شعبان، شهر النبي الأكرم (ص).. وشهر رمضان شهر الأمة.
إن شهر رجب وشعبان، شهران تمهيديان للدخول في شهر رمضان المبارك، فإذا أردنا أن نصل إلى إحياء متميز في شهر رمضان -كما أراده الله عز وجل- ونصل إلى ملكوت ليالي القدر، والليالي المباركة في هذه الأشهر الثلاث المباركة.. فإن نقطة الانطلاق للمكاسب الكبرى، هي أول ليلة من شهر رجب.. فإذن، إن العملية تراكمية، وعلينا أن نتابع في هذه المواقف، لنصل إلى المراد.
إن شهر رجب شهر منتسب إلى الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن الشيء إذا انتسب إلى الله عز وجل، اكتسب الشرافة الكبرى.. ومن هنا فإن ما يعطى في هذه الأشهر، ليس من باب الأجور على الأعمال، وإنما من باب العطية والهبة.. فالكريم عندما يعطي عطية، فإن عطاياه لا تحكمها القوانين العادية.. فلا ينبغي الاستغراب، أو الاستعظام من الأجور المنقولة مثلاً كالتي تأخذ تعبير: خروج العبد من الذنوب كيوم ولدته أمه، كما هو وارد في راويات كثيرة لأهل البيت مقابل أعمال يسيرة.
س٢/ بلا شك أنه من اللازم على المؤمن الارتباط بربه في كل الأوقات، ولكن ما هي فلسفة تركيز الدعاء في هذه الأشهر المباركة؟..
لعل الفلسفة من ذلك -والله العالم- أن طبيعة بني آدم، هي طبيعة تثاقلية، كما يعبر القرآن الكريم، بقوله تعالى: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}.. بمثابة الأجسام التي تخضع لقانون الجاذبية الأرضية، فتميل إلى الأسفل إذا لم تُمسك من الأعلى.. والنفس الإنسانية -كذلك – تتجاذبها عوامل الهوى والميل إلى الشهوات إلى الأرض.
ومن هنا فرب العالمين رأفة بعباده، جعل لهم مواسم عبادية معينة: كما في الحج، وشهر رمضان.. لتعويض هذا التكاسل، وحتى يستفرغ العبد وسعه في هذه الأيام والليالي.
ومن الملاحظ أنه في عالم النبات، فصل الربيع عبارة عن ثلاثة أشهر.. فأيضاً ربيع القلوب ثلاثة أشهر، فالذين يريدون استنبات البذور الكامنة في أنفسهم، عليهم أن يركزوا جهودهم في هذه الليالي.. فإن لكل يوم، ولكل ليلة زهرتها التي ينبغي متابعتها، والوقوف عندها، واستشمامها.. وإلا لأخذها الذبول، ومن ثم الانحلال حيث لا عودة أبدا.
س٣/ كيف يمكن للمؤمن أن يوفِق بين مشاكل وهموم الحياة، وعدم تفويت هذه الفرص الذهبية من عمره في هذه الأشهر المباركة؟..
أنا أدعو إلى مراجعة الكتب الدعائية، والاطلاع على الكنوز المودعة في مثل هذه الأيام والليالي.. فإن الجهل بهذه المزايا، من موجبات عدم التوفيق العملي.. إذ من الطبيعي أنه في حال العلم المسبق، أن يبرمج الإنسان نفسه قبل ذلك.. ولأحد العلماء كتاب جيد باسم: (فضائل الأشهر الثلاث) يحسن التوقف عنده، ومطالعة تفاصيل بركات هذه الأشهر المباركة.
س٤/ عند مطالعة أكثر المحطات العبادية خلال السنة، نلاحظ أنه من الأعمال العبادية المشتركة: الغسل، والصلاة، والزيارة.. لماذا التركيز بالخصوص على هذه الأعمال؟..
إن ما ذكرته صحيح من حيث تكرر هذه الأعمال في معظم المناسبات المباركة..
فأما عن مسألة الغسل: فإنه من موجبات انتعاش البدن، ومعلوم أن هنالك ترابطا بين الانتعاش البدني والروحي.. ثم أنه بالإمكان للإنسان أن يغتسل دائماً وأبدا، إما بعنوان غسل التوبة، أو بعنوان غسل النشاط للعبادة.. وبإمكانه أيضاً أن ينويهما، إذا لم يكن عليه غسل واجب، أو لم يكن في يوم جمعة.
وأما عن مسألة الزيارة: كزيارة الحسين (ع)، التي هي من أكثر المستحبات وروداً، كاليوم الأول من رجب، وفي النصف من شعبان، وليالي القدر، وغيره.. أعتقد أنه تسجيل عرفاني جميل لهذا الإمام، الذي بدمائه الطاهرة استقام الدين، وبقيت معالمه ببناء متكامل بأصوله وفروعه وواجباته ومستحباته، ومن لم يشكر المخلوق، لم يشكر الخالق.. ومن المعلوم أن أغلب الزيارة مناجاة بليغة مع الله عز وجل.
وأما الصلاة: فهي خير موضوع بين عمل بدني كالغسل، وتوسل بأهل البيت (ع) كالزيارات المأثورة، فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر.
فإذن، إن هنالك معجونا توحيديا ولائيا توسليا التجائيا إلى الله عز وجل، مكتنف في المحطات العبادية في هذه الأيام والليالي.
س٥/ من الأعمال العامة في هذه الأشهر المباركة: الاستغفار، فكيف يمكن أن يكون الاستغفار مؤثراً في حياة الإنسان؟..
نحن نعتقد من خلال الراويات المختلفة أن الاستغفار، هو ورد المؤمن الدائم، عن النبي (ص) أنه قال: (إنّه ليُغان على قلبي حتّى أستغفر في اليوم مائة مرّة ).. ومن الجدير بالذكر أن أحد علماء اللغة سئل في تفسير كلمة (يغان)، فاستنكف عن ذلك بقوله: أنه لا يعلم ما الذي يعتري قلب رسول الله (ص) حتى يفسر معناها.. وقد روي أن النبي (ص): (كان لا يقوم من مجلسٍ -وإن خفّ- حتّى يستغفر الله خمساً وعشرين مرّة ).. ولا وجه للغرابة في ذلك، وإنما نحن البشر غير المتكاملين، أو غير المتوغلين في عالم العبودية، حيث حياتنا بين شهوة وغفلة، حتى في وقت الطاعة -وهي الصلاة بين يدي الله عز وجل- نفكر في كل شيء، ما عدا الحديث مع رب العالمين.. ولو أنه يكشف للإنسان الغطاء، لرأى مدى تقصيره في عبادة المولى جل وعلا.. فإذن، إن هذه الحالة الشعورية من الخجل والحياء، هي حالة طبيعة جداً لها منشؤها.. ومن هنا نجد أن أئمة أهل البيت (ع) وعلى رأسهم النبي الأكرم (ص) بالغوا في العبادة وغير ذلك، حتى نقل عنهم هذا الأثر: (إلهي!.. ما عبدناك حق عبادتك، وما عرفناك حقّ معرفتك).
إن هنالك محطتين للاستغفار في اليوم والليلة، من الجميل للمؤمن أن يلزم نفسه بها:
الأولى: هي بعد صلاة العصر.. حيث يستحب الاستغفار سبعين مرة.
والثانية: في جوف الليل.. عندما يقوم لصلاة الليل.
ولاشك بأن هاتين المحطتين من الاستغفار النهاري والليلي، من موجبات إعادة الأمور إلى نصابها.
وفي خصوص شهر رجب، يستحب الإكثار من هذا الاستغفار المطلق: (أستغفر الله، وأسأله التوبة).. ومن المعلوم أن التخلية مقدمة للتجلية.. فالتخلية في هذه الأشهر المباركة، هي مقدمة للتجلية الكبرى في شهر رمضان المبارك، بحيث يدخل الإنسان ذلك الشهر، وهو في كامل الطهارة والقرب من مولاه.
إن الاستغفار من صيغ الاستفعال، ومعلوم بأن هذه الصيغة متضمنة للطلب.. والطلب عمل قلبي، وليس عمل جوارجي.. فإذن، إن الاستغفار هو طلب من أعمال القلب، لا من أعمال اللسان.. وهذا ما يشير إليه إمامنا السجاد (ع) في مناجاة التائبين: (إِلهِي إِنْ كانَ النَّدَمُ عَلى الذَّنْبِ تَوْبَةٌ فَإنِّي وَعَزَّتُكَ مِنْ النَّادِمِينَ !.. وَإِنْ كانَ الاسَتِغْفارُ مِنْ الخَطِيئَةِ حِطَّةً فَإنِّي لَكَ مِنَ المُسْتَغْفِرِينَ!..).
ثم إن الاستغفار، هو عزم على عدم العود للمعصية.. والإنسان المستغفر، إنسان يعيش حقيقة قبح ما كان يقوم به، مثله كإنسان كان يستمتع بأكل الحشرات القذرة في الظلام، وهو يظن أنه يأكل لحماً لذيذاً.. فإذا ما فتحت الأنوار، وإذا به يبصر حقيقة ما هو عليه من الواقع المقزز، الذي تنفر منه الطباع السليمة.. عندئذ من الطبيعي أن نفسه ستشمئز من هذه الحركة، ولا يعاود ذلك مرة أخرى.. فإذن، إن الذي يصل إلى مرحلة استقذار المنكر ورؤيته قبيحاً، فقد حقق معنى الاستغفار، وهذا الذي نفهمه من قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}.
س٦/ هنالك دعوة في الراويات بالجمع بين شرف الزمان والمكان.. فما هو المغزى من ذلك؟..
إن طبيعة علاقة الإنسان مع ربه، علاقة متوترة.. وهذا ما تشير إليه آيات مختلفة في القرآن الكريم، حيث يفهم منها حالة العتاب الإلهي الشديد للإنسان: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}، {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}، {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.. ومن هنا فرب العالمين برأفته ولطفه، جعل مواطن مخصوصة منتسبة إليه، وكأن من دخل هذه المواطن، خرج من دائرة العتاب الإلهي.. كالذي يدخل قصر السلطان -مثلاً- في يوم مميز عنده، فإنه يشمله العفو، ويظفر بالجوائز القيمة.. ومثله أيضاً كما هو المتعارف عليه في الدول -هذه الأيام- في عيد التحرير أو ما شابه ذلك، من إطلاق سراح المساجين.. وقد يكون -في بعض الحالات- محكوماً عليهم بالإعدام، أو بالقضاء في السجن لسنوات طويلة.
إن المؤمن عليه أن يستغل هذه الفرص الزمانية والمكانية، لاستجلاب الرحمة الإلهية.. ومن المناسب أن نذكر هذه الراوية الجميلة: عن ثابت البناني قال: كنت حاجّاً وجماعةَ عٌبَّاد البصرة، مثل أيوب السجستاني، وصالح المري، وعتبة الغلام، وحبيب الفارسي، ومالك بن دينار.. فلما أن دخلنا مكة، رأينا الماء ضيقاً، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث.. ففزع إلينا أهل مكة والحجاج، يسألونا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها، ثم سألنا اللـه خاضعين متضرعين بها، فَمُنعنا الإجابة.. فبينما نحن كذلك، إذا نحن بفتىً قد أقبل، قد أكربته أحزانُه، وأقلقته أشجانُه، فطاف بالكعبة أشواطاً، ثم أقبل علينا فقال: يا مالك بن دينار، ويا ثابت البناني، ويا أيوب السجستاني، ويا صالح المري، ويا عتبة الغلام، ويا حبيب الفارسي، ويا سعد، ويا عمر، ويا صالح الأعمى، ويا رابعة، ويا سعدانة، ويا جعفر بن سليمان!.. فقلنا: لَبَّيك وسعدَيك يا فتى. فقال: أما فيكم أحد يحبه الرحمان؟.. فقلنا: يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة. فقال: ابعدوا من الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمان لأجابه.. ثم أتى الكعبة، فخر ساجداً، فسمعته يقول في سجوده: سيدي!.. بحبك لي إلاّ سقيتهم الغيث، قال: فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه الْقُرَب، فقلت: يا فتى، من أين علمت أنه يحبك؟.. قال: لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمتُ أنّه يحبني، فسألتُه بحبه لي فأجابني.
* فإذن، إن الفائدة التي نخرج منها: أن الزيارة دعوة، والذي يذهب إلى أي من المشاهد المشرفة، فليعلم بأن هنالك كرامة وضيافة في البين.
س٧/ تفضلتم بذكر أن رجب وشعبان مقدمة لشهر الصوم -شهر رمضان المبارك- فلماذا إذن ورد استحباب صوم هذين الشهرين؟..
إن لكل حركة استحبابية موقعا من مواقع تهذيب النفس، فلا ينبغي أن نكتفي بحركة من الحركات.. بمثابة إنسان مبتلً بأمراض مختلفة -الضغط، والسكر، وغيره- فهو لا يعطى علاجاً واحدا، بل لكل مرض علاجه الخاص.
إن الغاية المرجوة من الصوم، أنه علاج لحالة اشتعال عنصر الغرائز والشهوات، والميل الزائد لمواد الدنيا.. ومن هنا فإن الذي يعيش حالة الولع بالنساء، ولا يستطيع كف نفسه عن الحرام، فعليه بالصوم، كما ورد عن النبي (ص) هذا القول: (يا معشر الشباب!.. من استطاع منكم الباه فليتزوج، ومن لم يستطعها فليدمن الصوم، فإنه له وجاءٌ).. والأمر كذلك بالنسبة للطعام والشراب، فالإنسان يمرن نفسه على ضبط الإرادة من خلال الصوم حتى في غير شهر رمضان، ثم إن الذي يصوم في شهر رجب، فإن نفسه تكون مقبلة على العبادة أكثر من سائر الأيام الأخرى.
وهنالك تعويض لمن لم يستطع الصوم في هذا الشهر، بأن يكرر هذا الذكر عن كل يوم لم يصمه مئة مرة: (سبحان الإله الجليل، سبحان من لا ينبغي التسبيحُ إلا له، سبحان الأعزِّ الأكْرم، سبحان من لَبِسَ العز وهو له أهل).
س٨/ من المعلوم كثرة الأعمال الواردة في هذه الليالي والأيام المباركة.. فكيف يمكن للإنسان أن يقوم بكل هذه الأعمال؟..
أنا أدعو إلى القراءة التدبرية للدعاء، فذلك خير من التلاوة لمجرد التلاوة -ولو كانت خاشعة- فإن بعض المضامين الدعائية التي لو استوعبها الإنسان، لكانت من موجبات تغيير مسيرته في الحياة.. فمثلاً: في المناجاة الشعبانية، لو تأملنا في هذه العبارة: (إلهي!.. هب لي كمال الانقطاع إليك).. لفتحت لنا أبواب المعرفة التي لا حدود لها.. أو في هذا المضمون الجميل -الذي يقول عنه العلماء، بأنه من المضامين المفتاحية للحركة التكاملية-: (ولقد علمت أن الراحل إليك قريب المسافة، وأنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن تحجبهم الأعمال دونك).. أو كما في مناجاة شهر رجب، حيث يسأل الإنسان ربه بتعبير جميل جامع لقضاء الحوائج: (أعطني بمسألتي إياك؛ جميع خير الدنيا، وجميع خير الآخرة.. واصرف عني بمسألتي إياك؛ جميع شر الدنيا، وشر الآخرة).
ويحسن بالمؤمن أن يلزم نفسه بما يطيق ويشتهي من الدعاء، فإن العبرة بالكيف، وليست بالكم.. وقد روي أن رسول الله (ص) سئل عن قوله تعالى: {ورتّل القرآن ترتيلاً}.. فقال (ص): (بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمّل، ولا تهذَّه هذَّ الشعر.. قفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب.. ولا يكون همُّ أحدكم آخر السورة).
س٩/ ما هي علامة قبول الأعمال والدعاء في هذه الأشهر المباركة؟..
إن من أفضل علامات قبول الأعمال، أن يخرج الإنسان من الموسم العبادي -بهذه الأشهر الثلاث المباركة، أو من أماكن الطاعة- بتغيير جوهري، وكأنه إنسان آخر.. وليست هي العلامات الظنية، التي يعول عليها العوام -هذه الأيام- من المنامات، والمكاشفات، وغير ذلك من الأمور التي لا يفيد العلم بها شيئا.
فليقف كل واحد منا مع نفسه، ليرى ما الذي كان عليه في رجب ١٤٢٥هـ ، وما هو عليه الآن من التغيير في السلوك، والرؤى، والأفكار، ودرجة القرب من الله عز وجل.. فمن المعلوم بأن الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره!..
س١٠/ ماذا يفعل الشخص الأمي الذي لا يجيد القراءة في كتب الأدعية؟..
إن الأمي لا يقرأ، لكنه يسمع ويفهم!.. ومن المعلوم في تاريخ الشعراء الفطاحل، كان هناك شعراء أميون لا يقرؤون ولا يكتبون.. أضف إلى أنه يمكن أن يناجي الإنسان ربه مناجاة فطرية بليغة، وقد يستجاب له قبل أن يستجاب لمن يدعو بالأدعية المأثورة.
س١١/ هل هناك أوقات معينة لاستجابة الدعاء؟..
هناك أوقات ثابتة معروفة، منها: عند الزوال، وفي صلاة الجمعة، وعند نزول المطر، وعند هبوب الرياح، وعند التقاء الصفين في جبهة القتال مع المشركين، وعند زيارة المريض، وفي ساعات السحر.
وهنالك وقت غير مدون -ولكن أعتقد بأنه من أفضل الأوقات أيضاً- : وهو ساعة انكسار القلب (أنا عند المنكسرة قلوبهم)، (إذا رق القلب، وجرى الدمع.. فدونك!.. دونك!.. فقد قصد قصدك).
س١٢/ هل أن استخدام أشرطة الدعاء يغني عن قراءة الدعاء؟..
عندي شكوى من استخدام أشرطة العزاء والدعاء بشكل مبالغ في هذه الأيام، وفي حالة لهو وغير التفات.. ولا يخفى ما لذلك من تأثير على قساوة القلب، حيث يألف السمع هذه الأصوات والنغمات -والتي قد تكون في بعض الأوقات تصويرا لوقائع مفجعة- وبالتالي، فإنه لا يعود يتفاعل معها.. فلابد من مراعاة حرمة الاستماع للدعاء، والقرآن الكريم، وغير ذلك.
س١٣/ ما هي أفضل الأعمال في شهر رجب؟..
إن أفضل الأعمال في شهر رجب، هو أفضل الأعمال في شهر رمضان؛ أي الورع عن محارم الله، كما ورد عن النبي الأكرم (ص).. إلا أنه مع الأسف نلاحظ بأن البعض يكلف نفسه عناء صيام هذه الأشهر الثلاثة، في حين أنه مستعد بعد أن يفطر، أن يرتكب أكبر الموبقات!.. ومن هنا فإنه لابد أن يتعدى تأثير العبادات من الجوارح، ويتغلغل في أعماق الروح.. فليس الصوم مجرد كف عن الطعام والشراب فحسب!.. فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء!..
س١٤/ ما هي المسؤولية التي تقع على عاتق المجاورين للمشاهد المشرفة؟..
إن مجاورة أهل البيت (ع) هي مسؤولية وليست بمزية!.. ومن هنا فإنه وارد في كتب الفقه، كراهة السكنى في مكة المكرمة، رغم أنها قبلة المسلمين.. والسبب في ذلك: هو خشية عدم إعطاء المقام حقه.
فإذن، إن المجاورين قد يكونون من أعظم الناس حسرة يوم القيامة، فحالهم كما يقول الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** والماء فوق رؤوسها محمول!..
س١٥/ هل يثاب من يلبي دعوة المؤمن فيفطر، وهل يحصل على ثواب الصوم؟..
نعم، فهذا من الأمور الواردة في كتبنا الفقهية، أنه يستحب إجابة دعوة المؤمن في الصيام المستحب، وفي هذا إعطاء صورة لحالة المودة والأنس الاجتماعي بالنسبة للإنسان المؤمن، وإدخال السرور على أخيه المؤمن.. ولا شك بأن رب العالمين يرضى لذلك، برغم كون الصيام مستحباً مرضياً عنده عز وجل.
ولكن هنالك بحث فقهي جزئي: أن المراد بدعوة المؤمن، هل هي وجبة طعام: كالغذاء، أو الفطور.. أو هل أن ذلك ينطبق على فاكهة، أو حلوى من الحلويات.. والبعض من العلماء المجتهدين، يميل إلى أنه حتى لو لم يكن وجبة طعام.
والأفضل للصائم عندما يأكل، ألا يخبر من دعاه إلى تناول الطعام بأنه كان صائماً، حتى لا يمنّ عليه بأنه قد أبطل صومه.
س١٦/ بالنسبة للعمرة في شهر رجب، هل هناك تفاوت بين يوم المبعث وغيره من الأيام؟..
إن العمرة الرجبية -كما هو وارد في الراويات- تالية للحج من حيث الفضيلة والأجر، وليس هنالك تحديد في الراويات.. ولكن بلا شك بأن ليلة المبعث، ويوم المبعث، محطة متميزة في شهر رجب، وقطعاً بأن الجمع بين شرف الزمان وشرف المكان، أبلغ في الأجر.
وهنالك بحث جانبي: أنه أيهما أفضل: أن يكون المؤمن عند النبي الأكرم (ص) في العمرة الرجبية، حيث أنه صاحب المبعث، أو أنه يكون في مكان مبعثه أي في مكة المكرمة؟!..
فالذي يمكنه الجمع بأن يكون في ليلة المبعث عند الرسول (ص)، ويوم المبعث عند البيت، أو العكس.. فقد يكون هذا هو الجمع المطلوب.
س١٧/ هل يجوز في حال النيابة في العمرة الرجبية، أن تكون صلاة طواف النساء نيابة عن الشخص المتوفى، أو عن الشخص الذي ينوب عنه؟..
طواف النساء -سواء كان في الحج، أو في العمرة- إذا كان نيابة عن الغير، فيؤتى به أيضاً نيابة عن الغير: صلاة، وطوافاً.. والبعض يقول: أنه من باب الاحتياط، بإمكان الذي ينوب أن ينوي عما في ذمته، على أمل العمل بالتكليف الواقعي.
س١٨/ هل هنالك استحباب وارد في زيارة الإمام الرضا في شهر رجب؟..
زيارة الإمام الرضا (ع)، كما ينقلها الشيخ القمي -رحمه الله- في كتابه مفاتيح الجنان من أعمال شهر رجب، هو ينسبها إلى ما ورد في بعض الكتب، ولم ينقل رواية بعينها.. وعليه، فإن زيارة أئمة أهل البيت (ع)، إذا كانت في طريق ترويج رسالتهم، والدعوة إليهم، وتكريم المثل التي من أجلها ضحوا بحياتهم؛ راجحة ومستحبة في أي فصل من فصول السنة.
س١٩/ ما هو حكم من يقتل مسلماً سواء كان سنياً أو شيعياً؟..
إن من بديهيات الإسلام، بإجماع العلماء والفقهاء: أن من تلفظ بالشهادتين، يكون محقون الدم، والعرض، والمال -ولو لم يعمل بفرع من فروع الدين- أضف إلى أنه في فقه أهل البيت (ع): أنه حتى لو شككنا في نواياه، ولم يشترطوا شرط الولاية في ذلك.. ولكن -مع الأسف- صرنا في زمان، لا يعمل فيه بما ورد عن فقه أهل البيت (ع) في حق أتباعه.. نسأل الله -عز وجل- أن يعجل في فرج ذلك الذي يعيد الحق إلى نصابه!..
س٢٠/ هل يتضاعف أجر الدعاء والأعمال في شهر رجب؟..
بلا شك، ولهذا فإن علماءنا يقولون: بأن الأفضل والأنسب لمن عليه قضاء الصيام الفائت، أن يقضي صومه في شهر رجب وشعبان، فهو إذا نوى بذلك: قضاء عما في ذمته، وحيازة أجر الصوم في شهر رجب.. فرب العالمين يعطيه عن هذه النية، إما الأجر كاملاً أو غالبه.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.