Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نحظى بالرعاية الإلهية؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لابد أن نهيئ أنفسنا ليختارنا الله

إن الله سبحانه يعتني بالخواص والمتمزين من عباده. فإذا رأى أرضية التكامل في عبد من عباده الصالحين مهيئة؛ تكفله بنفسه وكانت عليه تربيته وتنشأته. إن نطفة الرجل تحتوي على الملايين من الحيومنات المنوية ولكنها من دون فائدة ما لم يتزوج للتلقح إحداها مع البويضة. هل رأيت إنسانا ينجب من دون زيجة؟ وتأمل في صنع الله سبحانه، كيف يحول هذه المادة القابلة إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى عظام ثم يكسي العظام لحماً، وإلى آخر ذلك. إن البذرة في المستودع لا تنبت؛ ولكنها عندما توضع في الأرض ويأتيها الماء، تكون كما قال سبحانه: (ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ)[١].

كن كهؤلاء لتحظى بالرعاية الإلهية

فإذا وجد رب العالمين نطفة ملقحة ينميها، وإذا وجد بذرة صالحة يستنبتها، وإذا وجد عبداً صالحا يربيه كما ربى من قبل الأنبياء والمرسلين والصالحين نساء ورجالا. فقد وجد امرأة صالحة باسم مريم قد أولدتها أم صالحة نذرت ما في بطنها محررا؛ فتقبلها. إن هذه المرأة الصالحة لم تكن تخرج من المحراب إلا قليلا ولم تكن تقتحم الرجال وتذهب إلى الأسواق لتشتري فاكهة مثلا، ولكن الله سبحانه يقول: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيۡهَا زَكَرِيَّا ٱلۡمِحۡرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقٗا)[٢]. فقد كانت الأم مميزة، والطعام مميز، والأستاد مميز وهو زكريا (ع)، فكان كذلك ما في جوفها مميزا وهو المسيح عيسى بن مريم (ع).

ولينبغي أن نسير على نهج هؤلاء ونقتفي آثارهم. دعك من الأنبياء والمرسلين إن كنت ترى أن بينك وبينهم بونا شاسعا، وعليك بلقمان الحكيم وفتية أهل الكهف الذين ذكرهم القرآن. لم يكن أهل الكهف ومريم (س) وأم موسى (س) ولقمان الحكيم والعبد الصالح الخضر إذا قلنا أنه لم يكن من الأنبياء فقد قال عنه سبحانه: (وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا)[٣]. فلا تتحير مهما كثرت من حولك الشهوات والشبهات. قد يتقاعس البعض في طريق العبودية والقرب، ويقول: إنني وُلدت في عصر الشهوات والشبهات، ولا يوجد لي معلم وأنا في بيئة غير صالحة، ولكنه غافل عن أن هذا الكلام هو تلقين إبليس.

كن صالحاً وهيئ الأرضية المناسبة؛ فعندها يجتبيك ربك وهو القائل: (ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ)[٤]. والطريق إلى ذلك أن تذكر اسم الله في جميع أمورك. تفتح باب الدابة أو تركب الطائرة أو تقص شريطا لافتتاح المحل أو تنام مع زوجتك أو تأكل الطعام، فتذكر الرحمن الرحيم، وقل: يا رب، تولاني برعايتك.

كيف ينمو جنين الروح؟

إن الجنين ينمو نمواً عجيبا ويتحول من صورة إلى صورة في بطن أمه من دون أن يكون لأحد في ذلك تدخل أو تصرف. إن الجنين يقول بلسان الحال: يا رب، إنني ضعيف وأنا نطفة أو علقة أو مضغة ولا يد لي ولا رجل ولا مخ ولا عصب، فيقول رب العالمين: أنا أنميك وأقلبك حالا بعد حال إلى أن ينتهي به إلى تمام الصورة. إلا أن هذا الجنين عندما يولد ويكون طفلا صغيرا، يقول والديه: نحن نتولى تربيته، ورب العالمين يقول: خذاه. وعندما تكبر تقول: أنا رجل وأنا بالغ وأنا مالك متصرف وتظن أنك مستقل أو بإمكانك أن تفعل شيئا من نفسك وهنا يقول رب العالمين: اذهب حيث شئت. إنك عندما كنت جنيناً وكنت فقيرا تُظهر عجزك بلسان الحال، والآن تظن أنك مستغن عني؟ ولهذا رب العالمين يوكل البعض إلى نفسه، وقد أمرنا أن ندعو: (اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا).

إن الله سبحانه لو أوكل أمر هذا الجنين إلى نفسه لما تحول من طور إلى طور ولخرج كما هو نطفة أو علقة ولكنه سبحانه تولى أمر نموها وتربيتها إلى أن أخرجها خلقا سويا. لا بأس أن يناجي أحدنا في جوف الليل ربه مناجاة شاعرية بعد أن يقرأ الأدعية المأثورة بلهجة شعبية أو بلغة الفطرة كما يُقال، ويقول: يا رب، توليت تربية الجنين، وحولت النطفة الملقحة بعد تسعة أشهر قضتها في الظلمات إلى طفل ذات جمال أخاذ، فيا رب كما أكملت بدني، وحولت هذه القطعة اللحمية ذي المنظر البشع إلى بشر سوي وطورتها خلقاً من بعد خلق، وكما قلت: (وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا)[٥]، فأريد أن تُعمل هذه القدرة الفاعلة التي أعملتها في الجنين في روحي.

إن جنين الروح غير جميل؛ فكما يكون الجنين في البداية قبيحا؛ فكذلك الروح التي لم تسر في طريق الكمال؛ بل تميل إلى الحرام تكون روح قبيحة. إن الروح التي تأنس الحرام؛ هي بمثابة العلقة في عالم الأجنة. قل: يا رب، أخرجني خلقاً سوياً في عالم الأرواح، يا من تولاني في الظلمات الثلاث، تولاني في ظلمات الأرواح. فإن قمت بهذه المناجاة في مواطن الاستجابة عند الحطيم مثلا أو في الحائر أو في روضة النبي (ص)، فسوف ترى في نفسك تغيراً وأنت لا تشعر. ولذلك يأتيني الشاب العاصي أحيانا ويقول لي من باب المشورة: لقد رأيت دفعة واحدة نوراً في قلبي؛ فهجرت المعاصي، وتوجهت إلى عالم الغيب وأصبحت إنساناً آخر. ترى أن الله سبحانه قد تولى تربية روحه من أجل موقف معين أو مجاهدة لهوى النفس أو عمل صالح قام به في ليلة قدر أو في حجة أو في عمرة أو في زيارة.

إن كنت تبحث عن الرحمة الإلهية

من أراد أن تشمله الرحمة الإلهية الغامرة؛ فليكن رحيماً بخلقه. ارحم تُرحم، وارحم من في الأرض يرحمك من في السماء. أو تعلم أن من كبار العاصين من انفتحت كوةٌ في قلبه إلى عالم الغيب، وانقدح نور في قلبه بعد إحسان بليغ أو إيثار عظيم قام به؟ إن قاسي القلب أو غليظ القلب والفض الذي لا يتأثر بآلام الآخرين؛ بعيد عن الرحمة، وكما قال سبحانه: (إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ)[٦].

[١] سورة فصلت: ٣٩.
[٢] سورة آل عمران: ٣٧.
[٣] سورة الكهف: ٦٥.
[٤] سورة الشورى: ١٣.
[٥] سورة نوح: ١٤.
[٦] سورة الأعراف: ٥٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • من أراد أن تشمله الرحمة الإلهية الغامرة؛ فليكن رحيماً بخلقه. أو تعلم أن من كبار العاصين من انفتحت كوةٌ في قلبه إلى عالم الغيب، وانقدح نور في قلبه بعد إحسان بليغ أو إيثار عظيم قام به؟ إن قاسي القلب أو غليظ القلب والفض الذي لا يتأثر بآلام الآخرين؛ بعيد عن الرحمة.
  • كما يكون الجنين في البداية قبيحا؛ فكذلك الروح التي لم تسر في طريق الكمال؛ بل تميل إلى الحرام تكون روح قبيحة. إن الروح التي تأنس الحرام؛ هي بمثابة العلقة في عالم الأجنة. قل: يا رب، أخرجني خلقاً سوياً في عالم الأرواح، يا من تولاني في الظلمات الثلاث.
Layer-5.png