Search
Close this search box.
  • كيف نتزود من شهري محرم وصفر؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نتزود من شهري محرم وصفر؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الشخصية التي غيرت معالم التاريخ

إن الحسين (ع) هو من الشخصيات التي غيرت معالم التأريخ. إن التأريخ يُكتب بأيد إلهية؛ وإلا ما هو حجم الفراعنة والقياصرة والأكاسرة؟ وما هو دورهم في عالم الوجود؟ هناك الكثير من الحضارات التي سادت ثم بادت؛ إلا أن الذي يرسم خط الأبدية هم أولياء الله المتمثلون في أنبيائه وأوصياء أنبيائه (ع).

شهر التزود الباطني

إن شهر رمضان المبارك هو شهر التزود الباطني في علاقتنا بالله عز وجل، والذي نصل في ليالي القدر المباركة إلى قمة هذا التزود. لماذا يُستحب لنا في كل فريضة أن نقرأ سورة القدر؟ إن ليلة القدر هي ليلة واحدة مرددة بين ثلاث ليال في السنة؛ فلماذا أحدنا يلتزم بسورة القدر في كل فريضة؟ والله العالم أنك عندما تقرأ سورة القدر؛ تذكر نفسك بتلك الليلة، وكم كنت فيها متفاعلاً. أنت اليوم متكاسل متناعس، فقل لنفسك: أين أنت من تألقك في ليلة القدر؟ لقد كنت من الغروب إلى مطلع الفجر بين دعاء ومناجاة وصلاة، وأنت أنت لم تغير فيك شيء.

شهر التزود الولائي

أما في شهري محرم وصفر وأيام الأربعين بالذات؛ يجدد الإنسان العهد والعلاقة بهذه الذوات المقدسة. إن اقامة عزاء الحسين (ع) يدخل السرور على العرش، وعلى قلب رسول الله (ص). إنه أول المفجوعين بالحسين (ع)، وأول الباكين عليه. فعندما ولد الحسين (ع) بكى عليه النبي وأمير المؤمنين والزهراء (ع). إن العادة في المولود الجديد أن يفرح الأهل لا أن يحزنوا ويبكوا؛ ولكن الزهراء (ع) تمسح على عنقه وهو صبي صغير وتتذكر موضع السيوف. ثم إن ولي أمرنا صاحب الأمر (عج) هو من أكثر الباكين على سيد الشهداء (ع) صباحاً ومساءاً.

إن هذه الأيام هي أيام التزود والشحن الروحي، وهي أيام يُظهر فيها الإنسان ولائه العملي لأهل البيت (ع). وقد قال سبحانه: (قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ)[١]. وكلما زدت قرباً من هؤلاء، كلما زادت حرقتك عليهم. فهذه المودة ليست مودة ثابتة. ولهذا لو أكثرت من البكاء على سيد الشهداء (ع) في هذا العام؛ لا تكتفي بذلك وابحث عن الترقي وعن الدرجات العليا.

الخطيب الحسيني الذي عجز عن ارتقاء المنبر كمدا وحزنا

لقد اتصل بي ذات يوم خطيب حسيني من الذين اكتووا بنار الحسين (ع)، وكان يبحث عني من بلد إلى بلد. قلت له ماذا تريد؟ قال لدي مشكلة أنني مدعو للخطابة في هذه السنة في مجلس حسيني؛ ولكني في حالة قد غلب علي فيها الحزن. فأنا أبكي عليه طوال يومي وليلي. إن أردت أن أنام أتذكر مصاب الحسين (ع)، وإن أردت أن أصعد المنبر منعني البكاء من الكلام. فقلت في نفسي: هنيئاً لك. إن الإنسان يصل إلى هذه الدرجة التي يتنغص فيها عيشه عندما يهل هلال محرم. إن لهذا الإنسان شيء جديد في عالم القرب من أهل البيت (ع) في كل عام.

فحاول أن تبحث في شهر رمضان وفي شهري محرم وصفر، وفي الحج والعمرة عن الجديد، ولا تجعل حياتك نسخة متكررة لما سبقها. لا تكون العلاقة بسيد الشهداء (ع) بالحضور في المجالس هنا وهناك، والأكل من زاد الحسين في يوم العاشر، ثم الانقطاع عنها إلى الأربعين.

الجمع بين القرب من الله والقرب من الحسين (ع)

لا تجعل لله عز وجل حساباً مستقلاً عن الحسين (ع)؛ فليست هنالك ندية أبداً. إن من أراد أن يتقرب إلى الحسين (ع)؛ عليه أن يتقرب إلى الله عز وجل. فلا تخفف من صلاتك، ومن طاعتك، ومن مراقبتك؛ كونك ممن لبست السواد أو لطمت على الحسين (ع) أو بكيت على الحسين (ع). إنها وإن كانت كلها من موجبات المغفرة والترقي؛ ولكن لا تنسى هذه الآية في القرآن الكريم، واجعلها نُصب عينيك؛ فكتاب الله عز وجل هو كلمة الفصل، وكان الحسين (ع) وهو على الرمح يتلو القرآن بل كان القرآن شعاره، والآية هي: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ)[٢].

إن المصلي الخاشع هو المحب لله عز وجل، ومن أحب الله عز وجل أحب حبيبه المصطفى محمد (ص). فقد قال سبحانه: (أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ)[٣]. ومن أحب المصطفى (ص) أحب بضعته، وأحب من كان منه: (حُسَيْنٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنِ)[٤]. فكما أنه لا توجد اثنينية بين الله ورسوله، ومن أطاع الله أطاع الرسول؛ فكذلك لا توجد اثنينية بين الله عز وجل وبين أوليائه من حيث الطاعة. فمن أراد الله بدأ بهم (ع). وهم قد أجمعوا بين التوحيد والولاية. فكما يصلي أحدنا صلاة خاشعة؛ يذرف الدموع السخية إذا صعد الخطيب المنبر على سيد الشهداء (ع).

عبادة الحسين (عليه السلام) وأصحابه في يوم العاشر

وقد كان للحسين وأصحابه في ليلة العاشر دوي كدوي النحل من الصلاة بين يدي الله عز وجل؛ فقد كانوا في عالم القرب الربوبي وكذلك كانوا في زوال يوم العاشر. وتأكد أن صلاة الحسين (ع) في يوم العاشر لم تختلف عن صلاته في اليوم التاسع ولا في اليوم الأول. إن الحسين هو الحسين، وصلاته هي الصلاة؛ ولكن بفارق وهو أنه عندما صلى صلاة الزوال كان جسمه الشريف ينزف دماً؛ فبعض السهام لعلها وصلت إليه قبل الصلاة أو حين الصلاة.

ثم بعد ذلك قدم القرابين تلو القرابين. لو كان الحسين (ع) في الحج في منى؛ لقدم الأضاحي؛ ولكن شاء الله أن يحج في كربلاء، وأن يقدم الأضاحي في تلك الأرض المقدسة. لقد قدم حتى طفله الرضيع الذي نعنيه بدعائنا عندما نقول: بدم المظلوم.

[١] سورة الشورى: ٢٣.
[٢] سورة آل عمران: ٣١.
[٣] سورة آل عمران: ٣٢.
[٤]كشف الغمة  ج٢ ص٦١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لا تجعل لله عز وجل حساباً مستقلاً عن الحسين (ع)؛ فليست هنالك ندية أبداً. إن من أراد أن يتقرب إلى الحسين (ع)؛ عليه أن يتقرب إلى الله عز وجل. فلا تخفف من صلاتك، ومن طاعتك، ومن مراقبتك؛ كونك ممن لبست السواد أو لطمت على الحسين (ع) أو بكيت على الحسين (ع).
Layer-5.png