- ThePlus Audio
كيف نتدارك ما فرط من صلاتنا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
من محاسن السيطرة على الوهم والخيال
إن المؤمن إذا كان في آخر صلاته وكان قد قصر في أدائها لما فرط منه في السيطرة على طائر الخيال والوهم؛ ينبغي أن يتدارك التقصير في الركعة الأخيرة منها. قال بعضهم: إن من آخر مراحل الكمال، سيطرة الإنسان على الوهم والخيال. إن الذي يتمكن من السيطرة على الوهم والخيال في الصلاة؛ فإن هذه القدرة على السيطرة، تنفعه حتى في علاقته مع زوجته. فهو يريد أن يغضب عليها، ولكنه يُبعد عن ذهنه تفكيراً سوداوياً، ويحملها على الأحسن.
ويُحسن كذلك علاقته مع الأرحام؛ لأنه يسيطر على وهمه وخياله ولا يسيء بهم الظن. وهناك الكثير من الناس يقرأ عشرات الكتب، ولكنه لا يستطيع أن يتذكر منها شيئا وكأنما يتبخر كل ما يقرأه، وما ذلك إلا لأنه موزع البال، مشتت الذهن لا يستطيع أن يسيطر على وهمه وخياله عند القراءة وبعدها. إن النفس الأمارة، والشيطان يوسوسان للإنسان ولكن قرارات الإنسان هي تابعة لوهمه وخياله. فالوهم يجعله يسيء الظن بأرحامه، فيدعوه ذلك إلى اتخاذ موقف عملي وهو القطيعة.
محورية الصلاة في حياة المؤمن
لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (وَاِعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ)[١]؛ فلابد أن تكون هذه الصلاة في غاية الإتقان، لما له من تأثير على سائر الأعمال. فإذا ما قصر المؤمن في صلاته، تدارك ذلك في الركعة الأخيرة كما أشرنا آنفا. إن الذي يشارك في سباق العدو ولا يبذل قصارى جهده في تلك المسابقة؛ قد يتحفز إذا رأى أنه أوشك على الوصول إلى الجائزة عندما يكون في المئة متر الأخيرة. وإن لم تستطع أن تدارك التقصير في السجدتين الأخيرتين؛ فتدارك الأمر في التشهد والتسليم.
فإذا ما كنت مشغولا في الصلاة بأمر ثم انتهيت منه في آخر الصلاة؛ تدارك في تلك اللحظة ما فات. إن من المصلين من يسافر في أول الصلاة خيالاً، ويرجع عند التسليم إلى أرض الوطن؛ فهو لم يكن يصلي أبداً. وهذا منشأ الشك بين الثانية والرابعة، وبين الثانية والثالثة، وبين الأولى والرابعة حتى عند من يهذب عميقا من خياله؛ فهو لا يعلم في أي الركعات أصبح الآن.
كبر الله على خجل…!
إن أول فعل مستحب تؤديه بعد التسليم، وهو التكبير ثلاثا؛ فأنت قد بدأت الصلاة بالتكبيرة الواجبة، وختمتها بالتكبيرة المستحبة، و وهذا المستحب نقوم به تلقائياً ومن دون توجه. ونعني بذلك: أن الله سبحانه أكبر من أن يوصف، ولا قيمة لصلاتنا هذه، ولا ترقى لأن تكون عبادة له؛ فهو سبحانه أجل وأكبر من ذلك. فكبر الله ثلاثا على خجل ووجل.
من الجفاء للزهراء (سلام الله عليها) إهمال تسبيحاتها
ثم اعلم أنه من الجفاء لأهل البيت (ع) عموما ومن الجفاء خصوصا لمولاتك فاطمة (س) التي تبكي عليها في أيام استشهادها، وتدعي حبها وحب ذريتها وتصلي عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، والتي هي المحور في حديث الكساء؛ أن تسلم ولا تُسبح الله بتسبيحات الزهراء (س).
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (تَسْبِيحُ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ (س) مِنَ اَلذِّكْرِ اَلْكَثِيرِ اَلَّذِي قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «اُذْكُرُوا اَللّٰهَ ذِكْراً كَثِيراً»)[٢]. هل سألت نفسك يوما: هل أنت من أهل الذكر الكثير؟ هل ركعتين في الصباح تنسى الله عز وجل بعدهما فتأكل وتتنام وتحدث الأهل والعيال إلى الظهرين ذكر كثير؟ وعلى أحسن التقادير تصليهما في المسجد ثم انتهت العلاقة مع رب العالمين الظهرين وهكذا الأمر بين الظهرين والعشائين. ولكن الله سبحانه جعل تسبيحات الزهراء (س) بمثابة الذكر الكثير. إن رجال الفضاء لا يأكلون طبقاً كبيراً، وإنما يُعطى كل واحد منهم حبة صغيرة تشبعه يوماً كاملا؛ وكذلك الأمر في تسبيحات الزهراء (ع)، فهي غذاء مركز للأرواح.
إنها قد تدعو للمسبحين بتسبيحاتها…!
إنني أعتقد – والله العالم – أن الزهراء (س) كانت في أيام حياتها والآن في عالم البرزخ تدعو لكل من يلهج بتسبيحاتها؛ لأنها نحلة رسول الله (ص) لها. فهي كانت قد طلبت منه (ص) خادمة لها؛ فعوضها النبي (ص) بهذه التسبيحات التي كأنها هي ملكها. فمن يتشبه بها في تسبيحاتها؛ كأني بها (س) تقول: يا رب، تقبل منه ذكرى رسول الله (ص) لي. وإنني أعتقد أن هذه العناية تتضاعف لمن يلهج بتسبيحاتها ويذكر ظلامتها ويدها التي مجلت بطحن الرحى لتعد الخبز لأمير المؤمنين (ع) ولأولادها، ويذكر ثيابها الداكنة من الدخان الذي كان يتصاعد من التنور. وإن ذكرها في مثل هذه الحال وأنت تلهج بالتسبيحات؛ لمما يتقربك إليها وإلى أبيها وبعلها وبنيها.
ثم لا تكن ممن يسبح الله بهذه التسبيحات وهو يحاول أن يتخلص منها، فيأتي بها سريعا حتى لو سمعته عند تسبيحه لم تسمع إلا حرفا واحدا وسرعان ما ينتهي منها. اكذر الله بتأن، واستمتع بتسبيحات فاطمة (س)؛ كما تستمتع بالطعام والحلوى الذي تأخذ منها قطعة تلو قطعة وتلوكها وأنت مستمتع بها. لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (يَا أَبَا هَارُونَ إِنَّا نَأْمُرُ صِبْيَانَنَا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ كَمَا نَأْمُرُهُمْ بِالصَّلاَةِ فَالْزَمْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ)[٣]، والصبيان هم الأطفال دون البلوغ. ويؤكد الإمام (ع) على حقيقية وهي: أن هذه التسبيحات هي عجينة مع الصلاة.
أغلى جوهرة في هذا الوجود
واعلم أنه من موجبات السعادة؛ الالتزام بهذه التسبيحة. فقد روي عن الإمام أبي جعفر (ع) أنه قال: (مَا عُبِدَ اَللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ اَلتَّحْمِيدِ أَفْضَلَ مِنْ تَسْبِيحِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْهُ لَنَحَلَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ»). إن كنوز الأرض وخزائنها هي بيد النبي (ص)، وقد اختار (ص) من بين جواهر الوجود هذه التسبيحات.
هذا ما رضيت به مولاتك فاطمة (سلام الله عليها)
لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (تَسْبِيحُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلاَةِ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ)[٤]. أيهما أحب إليك؛ صلاة ألف ركعة، أم تسبيحات فاطمة (س)؟ لو أن المؤمن أحيا ثمان مئة شهر؛ لا ينال ثواب ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ فلا تستغرب أن يجعل تسبيحات فاطمة (س) خيراً من ألف ركعة. ألا يشعر المؤمن بالندم في قبره عندما يتذكر الصلوات التي أضاع فرص التسبيح فيها؟ وبإمكانك أن تأتي بهذه التسبيحات وأنت تتوجه إلى رحلة تخاف أن تفوتك بعد أن صليت على عجالة. ولا تنس قول الزهراء (س) عندما أعطاها النبي (ص) هذه التسبيحات: (رَضِيتُ عَنِ اَللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ رَضِيتُ عَنِ اَللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ)[٥]. ولا تنس أيضا، أن هذه التسبيحات هي ما أكد عليها النبي (صلى الله عليه وآله) وجميع الأئمة (عليهم السلام).
خلاصة المحاضرة
- لقد ورد في بعض الروايات أن تسبيحات فاطمة (س) هي أحب إلى الإمام الصادق (ع) من ألف ركعة. أيهما أحب إليك؛ صلاة ألف ركعة، أم تسبيحات فاطمة (س)؟ لو أن المؤمن أحيا ثمان مئة شهر؛ لا ينال ثواب ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ فلا تستغرب أن يجعل تسبيحات فاطمة (س) خيراً من ألف ركعة.