Search
Close this search box.
  • كيف كان الإمام الباقر (عليه السلام) يذكر الله سبحانه؟ – وصية ليوم عرفة
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف كان الإمام الباقر (عليه السلام) يذكر الله سبحانه؟ – وصية ليوم عرفة

بسم الله الرحمن الرحيم

ما منا إلا مقتول أو مسموم

لقد ورد عن أئمة أهل البيت (ع) قولهم: (مَا مِنَّا إِلاَّ مَسْمُومٌ أَوْ مَقْتُولٌ)[١]؛ فيتبين لنا من هذه الرواية الشريفة أن أئمتنا (ع) كلهم شهداء. ومن الأئمة الذي قضوا بالسم إمامنا الباقر (ع)، وكان قد شهد واقعة كربلاء مع جده الحسين (ع) حيث روي عنه: (قُتل جدّي الحسين عليه السلام ولي أربع سنين, وإنّي لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت)[٢]. ولا شك أنه كان في خلواته يبكي الحسين (ع) بتألم كما كان يبكيه علي بن الحسين (ع)؛ فكلاهما قد عاين تلك المأساة والأحداث العظيمة، ولك أن تتصور حجم الأسى والأذى البليغ الذي تتركه مثل هذه المأساة في نفس طفل في أربع سنوات.

قدم النساء والصبيان بين يدي دعائك

إن الحديث عن الإمام الباقر (ع) وكل إمام من أئمة (ع)، حديث ذو شجون، ولا نُعطي أي إمام حقه مهما أطلنا في الكلام، ولكن نشير إلى بعض خصاله لعلنا ننتفع بها وتكون دافعا لنا للتأسي بهم. من هذه الخصال، كيفية دعائه (ع)؛ فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَبِي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِذَا حَزَنَهُ أَمْرٌ جَمَعَ اَلنِّسَاءَ وَاَلصِّبْيَانَ ثُمَّ دَعَا وَأَمَّنُوا)[٣]. إننا عندما ندعوا لأنفسنا نذهب إلى مشهد الحسين (ع) مثلا لندعوا الله تحت قبته الشريفة؛ ولكن بالإضافة إلى ذلك ومن موجبات الاستجابة؛ أن تجمع النساء والصبيان كما ورد في هذه الرواية الشريفة.

لا تحتقر أولادك…! إن هذا الولد غير البالغ هو خير منك، فكم عصيت الله منذ بلوغك؟ إن هذا الطفل البريء، معصوم عما ارتكتبه وأقرب إلى السماء منك إليها. فاطلب من النساء والصبيان أن يؤمّنوا على دعائك عند طلب الحاجة من ربك. وأمّنوا؛ أي قالوا: آمين، ويعني ذلك: اللهم استجب. وقد ورد في الحديث: (اَلدَّاعِي وَاَلْمُؤَمِّنُ فِي اَلْأَجْرِ شَرِيكَانِ)[٤].

فرصة للاستجابة لا تقدر بثمن

هنالك فرصة للاستجابة لا تقدر بثمن نفوتها في اليوم مرتين، وهي الساعات التي نجلس فيها على المائدة. إن الزوجة تعمل في المنزل أحيانا على إعداد الطعام في الجو الحار وتتصبب عرقاً من الصباح إلى الزوال، ثم تأتي أنت من العمل لتجلس على المائدة وقد تبدأ بالأكل من دون سلام ولا كلام ولا بسملة، ثم تنتهي وتقوم من دون أن تشكر هذه الزوجة وتقدر لها معروفها التطوعي هذا؛ إذ ليس من واجبها إعداد الطعام لك وإنما تفعل ذلك حبا واحتراما. فينبغي – على الأقل –أن ترفع يديك إلى السماء في ختام المائدة وتدعو بدعاء المائدة، فإن الدعاء مستجاب، وادع قبل كل شيء لفرج وليك ولصلاح ذريتك قائلا: (وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَٱجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا)[٥]، أو: (رَبِّ ٱجۡعَلۡنِي مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِيۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَآءِ)[٦]، فهي أدعية تناسب الجمع. ثم ادع لها بالسلامة والعافية لتكون ممن يُقدر لها جهدها وتعبها.

كيف يدعو الإنسان وبطنه ملآن؟!

قد يسأل سائل فيقول: كيف تكون الساعة بعد تناول الطعام؛ ساعة استجابة، والحال أن البطن قد امتلأت من الدسومة مثلا وليس ثمة مزاج للدعاء، بخلاف وقت الليل أو الأوقات التي يُقيم فيها المؤمن المفروضات من الصلوات؟ إن اجابة تحتاج إلى تدبر وتفصيل ولكننا يُمكننا القول: إنك جلبت ما تحتاجه الزوجة من معدات وحاجات للطبخ وقد عملت على ذلك وأعدت لك طعاما فتناوله في تلك الساعة. وهنا يقول الرب سبحانه: لقد بلغت من الزوجة ما تريد وقد أعدت لك الطعام وشبعت؛ فما الذي تُريده مني؟

إنك لو ذهبت إلى قصر السلطان وقام خادم السلطان بإعطائك مبلغا معينا؛ أترى يصبر على هذا السلطان أم أنه يقول: هل يُمكن لخادمي أن يكون في العطاء أفضل مني؟ خذ أضعاف ما أعطاك الخادم أو الوزير. وإذا دعيت إلى مائدة رجل ثري وأكلت عنده، يقول الرب سبحانه: أطعمك عبدي، فكيف لا أطمعك وأعطيك؟ سلني لأعطيك؟ لقد أعطاك طعاما خبزاً أو لحماً وأكلته وانتهى؛ ولكن اطلب مني المقامات الباقية. ويا حسرة علينا أن فوتنا آلاف الفرص التي جلسنا وأكلنا وسربنا ولم ندع الله عز وجل فيها. لقد كان أحدهم يدعو الله سبحانه بعد كل طعام وقد نسي أن يدعو يوما ولم يتذكر إلا بعد أن تفرق الجميع، فداعهم إلى أن يجتمعوا مرة أخرى للدعاء…! وحري بنا فعل ذلك، فالحياة فرص قد تنتهي ولا تعود. إن كنت جالسا على المائدة ورأيت الجميع يتجاذبون أطراف الحديث ويعلو صوت ضحكهم، فقل لهم: اسكتوا جميعا لندعوا الله عز وجل. إنها وقفة جميلة، وفرملة في محلها إن صح التعبير.

ومن الدروس التي نتعلهما من سيرة الإمام الباقر (ع) ما روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَبِي عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ كَثِيرَ اَلذِّكْرِ لَقَدْ كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ وَإِنَّهُ لَيَذْكُرُ اَللَّهَ وَآكُلُ مَعَهُ اَلطَّعَامَ وَإِنَّهُ لَيَذْكُرُ اَللَّهَ وَلَقَدْ كَانَ يُحَدِّثُ اَلْقَوْمَ وَمَا يَشْغَلُهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اَللَّهِ وَكُنْتُ أَرَى لِسَانَهُ لاَزِقاً بِحَنَكِهِ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ)[٧]. قد يسافر الرجل من البصرة إلى كربلاء المقدسة ولا يذكر الله في الطريق على طول مدته، فتضيع الساعات من عمره وهو ينظر بذهول يمينا وشمالا. هذا وبإمكانه أن يقرأ زيارة عاشوراء بلعنها وسلامها إلى أن يصل إلى كربلاء مثلا أو أن يصلي على النبي وآله إلى أن يصل إلى المقام. أليست هذه فرص الحياة التي احترقت؟ تصور إنسانا يُعطيك صكا موقعاً من البنك المركزي؛ فتأخذ الورقة وتحرقها؟ ماذا يقول الناس عنك وأنت تحرق رصيدا من مال؟ فكيف بمن يحرق رصيد العمر الذي لا يُعوض؟ أليست يوم القيامة يوم الحسرة؟ إننا جميعنا سنتحسر في ذلك اليوم؛ حتى كبار العلماء والمراجع. لو قام المرجع بوظيفته مئة في المئة لكان معصوماً.

إننا نفرط كثيرا من أيام عمرنا خصوا الأيام التي تلي البلوغ؛ فعادة ما تكون السنوات الخمس أو العشر بعد البلوغ، سنوات التفريط لأغلب الناس، فلا يلتزم الكثير بالصلاة والصيام وسائر الواجبات في تلك السنوات، خصوصا لمن كان يفتقر إلى مرشد يرشده كأيام النظام البائد. أي بنت كانت تصوم في التاسعة من عمرها؟ لابد وأن ينظر كل واحد منا إلى ماضيه أو إلى أيام الجاهلية وإن كانت أيامه مشرقة اليوم، لكي يستغفر ربه ولا يعود إلى سالف عهده من التقصير والإسراف على نفسه وكما روي: (لَوْ تَكَاشَفْتُمْ مَا تَدَافَنْتُمْ)[٨].

لديك عشرات الدوانم ولك نهر يجري في الوسط؛ ولكن أرض العمر أرض قاحلة…! لا تكن أعمارنا أرض جرداء، بل لنكن كإمامنا الباقر (ع) الذي يمشي وذكر ويأكل الطعام ويذكر. لقد رأيت أحد مراجعنا كان يُسمي على كل لقمة يتناولها. وكان لنا أستاذا يسكت أثناء الدرس دقيقة أو دقيقتين، فيتسائل الطلاب عن سر سكوته ولا يسألونه مهابة منه. وهو لم يُفصح عن ذلك ولكننا علمنا أنه كان يغفل عن ذكر الله عز وجل أثناء التدريس، فكان يعيد المياه إلى مجاريها بذكر الله في تلك الأثناء.

يذكر الله ولسانه لاصق بحنكه…!

إن إمامنا الصادق (ع) يضف أباه فيقول: (وَكُنْتُ أَرَى لِسَانَهُ لاَزِقاً بِحَنَكِهِ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ)؛ أي أن لسانه ملتصق بسقف الحلق أو الحنك. والتحنيك بماء الفرات أو بتربة الحسين (ع) من المستحبات. إن ذكر الإمام (ع) كان التهليل. دع الأذكار التي تجدها في المنتديات الروحانية أو الكتب الأخلاقية الروحية التي لا تجد لها أثرا عند أئمة أهل البيت (ع)، واضرب به عرض الجدار. إن الذكر والورد لابد وأن يكون صادرا عن معصوم، فما لي وكلمات فلان وفلان؟ إن التهليل هو الذكر الوحيد الذي لا يُمكن أن ترائي به، فإذا سبحت الله أو حمدته علم بذلك الرائي، ولكن في التهليل لا يعلم بك إلا الله سبحانه.

أطبق فمك وأنت في الأعراس والناس يضحكون ويمرحون فهلل الله سبحانه، فهو سيد الأذكار، والتزم به في الطريق ذهاباً وإياباً. لو نطق بهذا الذكر بالإضافة إلى الإقرار بنبوة النبي محمد (ع) يهودي أو نصراني ثم أصيب بجلطة من فوره لذهب إلى الجنة وبقي فيها أبد الآبدين. إنه لم يصلي ولم يصم ولم يقم بأي فرض من فروض الشريعة ولكنه أسلم وقد جب ما قبله الإسلام، فاستحق بهذا اللفظ سعادة الأبد. وهذه قوة التهليل التي لا ينبغي للمؤمن أن يكون غافلا عنه في حال من الأحوال كما لم يكن كذلك إمامه الباقر (ع). إن هذا الذكر ليرفع غير المسلم؛ فكيف بالمسلم لو التزم به؟

ماذا نطلب من الله في يوم عرفة؟

قد يكون المؤمن في يوم عرفة في مشهد الحسين (ع) ومع ذلك لا تجري عبرته ولا يرق قلبه؛ فأقول لهؤلاء: لا تيأس إن لم تبك طوال الوقت، فتكفيك دمعة في دقيقة من دقائق تلك الساعات، فرب العالمين أكرم الأكرمين. ومثاله الحسي جهاز التلحيم؛ إن الحداد يُعلق قطعة من الحديد تزن طنا في السقف من خلال نقطة هنا وأخرى هناك. ابحث عن هذا التلحيم في حرم الإمام (ع) وقل: يا مولاي، اجعل قلوبنا معلقة بالعرش. سل الله في يوم عرفة أن يعطيك هذه النفحة. وإن استمريت ساعة؛ فأنت على ألف خير ولكن تكفيك هذه الدقائق.

اصطحب عطاء الحسين (عليه السلام) معك

ثم لا تنغش بهذا العطاء وأنت في الحرم؛ فهذه ضيافة الإمام (ع) لك. إنما الفخر كل الفخر أن ترجع إلى الوطن وتستفزك الزوجة أو ترى منظراً مثيرا فيمنعك خوفك من الله عز وجل. فإذا خفت الله عز وجل ورق قلبك؛ فلا زلت في الحرم. إن هذا الحرم يتسع للبعض ويتجاوز كربلاء والعراق؛ فأينما ذهبت تكون في محضر الربوبية وبين يدي الله عز وجل. إننا نسلم على الحسين (ع) قائلين: السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، وقد فسر البعض الأرواح التي تحل بفنائه، بزوار الحسين (ع). فليكن طلبك من الإمام أن يصيرك من همه وأن يدخلك في حزبه وأن يذكرني عند ربه.

[١] بحار الأنوار  ج٢٧ ص٢١٧.
[٢] اليعقوبيّ: تاريخ اليعقوبيّ ج ٢ ص٣٢٠.
[٣] الکافي  ج٢ ص٤٨٧.
[٤] الکافي  ج٢ ص٤٨٧.
[٥] الفرقان: ٧٤.
[٦] إبراهيم: ٤٠.
[٧] الکافي  ج٢ ص٤٩٨.
[٨] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٤٤٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لا تنغش بعطاء الحسين (ع) وأنت في الحرم؛ فهذه ضيافة الإمام (ع) لك. إنما الفخر كل الفخر أن ترجع إلى الوطن وتستفزك الزوجة أو ترى منظراً مثيرا فيمنعك خوفك من الله عز وجل. فإذا خفت الله عز وجل ورق قلبك؛ فلا زلت في الحرم. إن هذا الحرم يتسع للبعض ويتجاوز كربلاء والعراق.
  • قد يكون المؤمن في يوم عرفة في مشهد الحسين (ع) فلا تجري عبرته، فأقول لهؤلاء: لا تيأس إن لم تبك طوال الوقت، فتكفيك دمعة في دقيقة، فرب العالمين أكرم الأكرمين. ومثاله الحسي جهاز التلحيم؛ إن الحداد يُعلق قطعة من الحديد تزن طنا في السقف من خلال نقطة هنا وأخرى هناك.
  • قد يسافر الرجل من البصرة إلى كربلاء ولا يذكر الله في الطريق أبدا، فتضيع الساعات من عمره وهو ينظر بذهول يمينا وشمالا. هذا وبإمكانه أن يقرأ زيارة عاشوراء بلعنها وسلامها إلى أن يصل إلى كربلاء مثلا أو أن يصلي على النبي وآله إلى أن يصل إلى المقام. أليست هذه فرص الحياة التي احترقت؟
Layer-5.png