أهمية الدعاء..
إن الدعاء ضروري في حياة العبد، فهو سلاحهُ، كما ورد في الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وآله-: (الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السماوات والأرض)؛ فالمؤمن يحتاجُ إلى هذا السلاح دائماً وأبداً.. وهو أيضاً مخ العبادة، فعن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أنه قال: (الدعاء مخُّ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد)؛ فهذان الحديثان يظهران قيمة الدعاء وأهميته في الحياة.. وما يدل على أهميته أيضاً وروده في سورة الفاتحة، فكما هو معلوم أن الصلاة عمود الدين، وأهمّ ما في الصلاة الفاتحة، يقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}، فقد جعلت السبع المثاني في مقابل القرآن الكريم، وقد سميت بالسبع المثاني؛ لأنها سبع آيات، وتُقرأ في الصلاة مرتين.. ومن امتيازات هذه السورة، أنه “لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب”، وهي تعلمنا كيف نخاطب رب العالمين، حيث بدأت بالحمد والثناء على الله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وانتهت بالدعاء {اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.. فهذا الدعاء من أهم الأدعية وأنفعها، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو به في كل ركعة، فرب العالمين جعله معلماً ثابتاً في الصلوات اليومية.. وبالتالي، فإن الدعاء يتكرر على لسان المؤمن، كلما وقف للصلاة بين يدي الله عز وجل.
أوقات الدعاء..
إن هُنالكَ فترات تَمرّ على الإنسان، يحتاجُ فيها إلى دُعاءٍ بليغ، فإذا لم يغتنم فيها الفرصة، فإن الكنوز تفوته!.. مثلاً: في ليالي القَدرِ هناك سويعات محدودة، من الغروب إلى الفجر.. وفي عَصر عرفة، سويعات من الزوالِ إلى المغرب.. وهناك أيضاً ساعات يستجاب فيها الدعاء كما روي عن أمير المؤمنين -عليه السلام- أنّه قال: «تفتّح أبواب السماء عند نزول الغيث، وعند الزحف، وعند الأَذان، وعند قراءة القرآن، ومع زوال الشمس، وعند طلوع الفجر»؛ كُل هذهِ فُرص لها مُدة قصيرة، وهُناكَ أيضاً وَقتٌ للاستجابة، غير مقيد بزمان أو مكان، وهو عندما يَرقُ القلب، وتجري الدمعة.. ومن الأوقات أيضاً:
١. ليلة الجمعة.. قال الباقر -عليه السلام-: (إنّ الله -تعالى- ليأمر ملكاً فينادي كلّ ليلة جمعة من فوق عرشه من أول الليل إلى آخره: أَلاَ عبدٌ مؤمنٌ يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر؛ فأجيبه؟.. أَلاَ عبدٌ مؤمنٌ يتوب إليَّ من ذنوبه قبل طلوع الفجر؛ فأتوب إليه؟.. أَلاَ عبدٌ مؤمنٌ قد قتّرت عليه رزقه، فيسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر؛ فأزيده وأوسّع عليه؟.. أَلاَ عبدٌ مؤمنٌ سقيمٌ، فيسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر؛ فأُعافيه؟.. أَلاَ عبدٌ مؤمنٌ مغمومٌ محبوسٌ، يسألني أن أطلقه من حبسه وأفرّج عنه قبل طلوع الفجر؛ فأُطلقه وأُخلّي سبيله؟.. أَلاَ عبدٌ مؤمنٌ مظلومٌ، يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر؛ فأنتصر له وآخذ بظلامته؟.. قال: فلا يزال ينادي حتى يطلع الفجر).
٢. نهار الجمعة.. قالت فاطمة -عليها السلام-: (سمعت النبي -صلى الله عليه وآله- يقول: إنّ في الجمعة لساعةٌ لا يوافقها رجلٌ مسلمٌ يسأل الله -عزّ وجل-ّ فيها خيراً إلا أعطاه إياه.. فقلت: يا رسول الله!.. أي ساعة هي؟.. قال -صلى الله عليه وآله-: إذا تدلّى نصف عين الشمس للغروب).
٣. بين الأذان والإقامة.. قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة).
٤. في السجود.. قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد).
٥. جوف الليل.. قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (وإنّ العبد إذا تخلّى بسيّده في جوف الليل المظلم، وناجاه؛ أثبت الله النور في قلبه.. فإذا قال: يا ربّ!.. يا ربّ!.. ناداه الجليل جلّ جلاله: لبيّك عبدي سلني أُعطك، وتوكّل عليّ أكفك.. ثم يقول -جلّ جلاله- لملائكته: يا ملائكتي!.. انظروا إلى عبدي قد تخلّى في جوف هذا الليل المظلم، والبطّالون لاهون، والغافلون نيام، اشهدوا أني قد غفرت له)!..
٦. السحر.. قال الباقر -عليه السلام-: (إنّ الله -عزّ وجلّ- يحبّ من عباده المؤمنين كلّ دعّاء، فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس؛ فإنّها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وتهبّ الرياح، وتُقسم فيها الأرزاق، وتُقضى فيها الحوائج العظام).
فإذن، إن المؤمن صياد الفرص، يغتنم كل الأزمنة وكل الأمكنة وكل الحالات، ويلجأ إلى الله تعالى؛ كي يفتح له الأبواب المغلقة.
ما هيَّ حقيقة الدُعاء؟..
إن القُرآن الكريم كتابٌ عَجيب، في كلمة واحدة يَذكر أعلى حقائق الوجود!.. مثلاً في هذا الجزء من الآية {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} هناك كلمة، تعطينا فلسفة الدعاء، والدعاء المستجاب، وهي كلمة {ادْعُونِي}.. حيث أنه يفهم من هذه الكلمة، أنه لابد من تحقق شرطين لاستجابة الدعاء:
١. الدعاء.. لم يقل: أقرؤوا الدُعاء، بل قال: {ادْعُونِي}.. فالقراءة المجردة، لا ينطبق عليها مفهوم الدعاء.. إذ أن الدعاء حركة قلبية: فيها طلب، وفيها التجاء، وفيها إنابة.. وهو كباقي الأمور القلبية، لا تَصُنعَ فيها ولا تلقين!.. والدعاء يكون في الحالات التالية:
أ- الإحساس بالحاجة: الإنسان يدعو عندما يكون مُحتاجاً!.. فالإنسان الذي ليسَّ عندهُ مرض، وليسَّ عندهُ حاجة، لو ذهبَ إلى الحَطيم، أو عند الحائر الحُسيني، وقال: “اللهم، داوني بدوائك، وشافني بشفائك”!.. فإنه يقولها لفظاً، ولا يطلب الشفاء حقيقةً؛ لأنهُ لا يعاني من ألم.
ب- الإحساس بقدرة المدعو: أن يعلم الداعي أنَّ الذي يدعوهُ قادرٌ على الإجابة.. مثلاً: لو أنَ هناك مريضاً، طلب من إنسان غير مختص أن يعالجه، لكان طلبه في غير محله!.. بخلاف ما لو رأى طَبيباً وطلب منه وَصفةً دوائية؛ هنا الأمرُ معقولٌ جداً؛ لأنهُ في مظان القدرة على الإجابة.
فإذن، إن أراد الإنسان أن يدعو؛ فلابدَ أن يعيش هذين العنصرين (الإحساس بالحاجة، وبقدرة المدعو على الإجابة).. وخاصة عندما يصل الأمر إلى القضايا المعنوية، حيث أنه لا ينبغي للإنسان أن يدعو لشفاء آلامه الجسدية، كما يدعو لشفاء قلبه.. لأن صاحب القلب المريض هو الذي يكون في غفلة عن الدعاء في عَرفة بينما الناس يضجون بالبكاء (فإليك عجّت الأصوات بصنوف اللغات)!.. وهو الذي يذهب إلى كربلاء الحُسينِ -عليهِ السلام- ولا يجد في قلبه تفاعلاً ولا بُكاء!.. وهنا المصيبة أخطر!.. وتستدعي توجهاً أكبر!..
٢. الجهة المدعوة.. عندما يقول عز وجل: {ادْعُونِي}؛ أي هُناكَ مَدعو.. والإنسان الذي لا يَعرفُ رَبهُ، كيفَ يدعوه؟!.. إن هناك حقيقتين يطأطئ لهما رأس الإنسان خَجلاً:
أ- الذكر الخالص: إن القليلين في هذهِ الدُنيا ذكروا اللهَ -عَزَ وجل- ذِكراَ قَلبياً حَقيقياً.. هل هناك من يتذكر اللهَ -عزَ وجل- دقيقة واحدة، لا يأتي في باله سواه؟.. نعم، الكثيرون يذكرونه ألف مرة بالتسبيح والتهليل، أما أن يذكرونهُ كما يَذَكرُون أحبتهم الذين غابوا عنهم فترة من الزمن، فقلّ من مَرَّ عليهِ ذلك طوال عُمره!.. فلو تذكر الإنسان ربه هكذا تَذكر لكان على ألفِ خَير!..
ب- معرفة المدعو: نحن ندعو اللهَ -عَز وجل- ولكن الكثيرين إلى الآن يجهلون معنى لفظ الجلالة!.. لا يعرفون الفرق بين الإله وبين الله!.. ولا الفرق بينَ هذهِ الكلمة المُقدسة الدالة على صفات الجلالِ والكمال، وبينَ كلمة الرب!.. نَحنُ إلى الآن لم نعلم ما معنى كلمة الله، المعنى مُبهم لدينا؛ فكيفَ بالحقيقة العُظمى؟!.. فندعو من لا نَعرفه إلا إقراراً باللسان، ولكن أينَ هذا من المَعرفة الحقيقية؟.. أحدنا يموت على الإسلام، وعلى التَوحيد، ولكن لم يَعرف رَبهُ طَرفة عين!.. والمَعرفة التي نُريدها هي التي ذكرها القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}؛ فأينَ نَحنُ من وَجل القلب؟.. قد يقرأ أحدنا القُرآن الكريم، ويمر على ذكر شجرة الزقوم، فيقرأها وهو يَضحكُ بملءُ فيه، بينما المؤمن ليسَ هكذا!..
فإذن، {ادْعُونِي}؛ هي عبارة عن حَركة في الفؤاد، ومَعرفة بالرب.. فقد روي عن أبي عبد الله -عليه السلام- أنه قال: (جاء حبر إلى أمير المؤمنين -عليه السلام- فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك حين عبدته؟.. فقال: ويلك، ما كنت أعبد رباً لم أره، وقال: كيف رأيته؟.. قال: ويلك لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان).. والمؤمن يحتاج إلى أن يعمل في هذا الحقل، لأنه سيعيشُ في كَنفِ ربه، في مقعد الصدق عندما يموت، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إذا مات ابن آدم؛ فقد قامت قيامته).. عندئذٍ كيفَ سيواجه رباً لم يعرفهُ طوال عُمره، إنما كان يقرّ له بالوحدانية، كإقرار الصغار بوحدانية الله عزَ وجل؟!..
لماذا نَدعو فلا يُستجاب لنا؟..
ليس هناك أي فاصل، ولا أي شرط بينَ كلمتي: {ادْعُونِي} وبين {أَسْتَجِبْ}!.. يقول تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} انتهى الأمر، وقُضيَ القضاء!.. ولكن الآية لم تقل: أدعوني؛ أعطكم ما تُريدون، فالآية دقيقة؛ فيها وعد بالإجابة لا بالعطاء.. حيث أن هناك عدة أسباب لعدم الاستجابة، منها:
١. لمصلحة الإنسان: لو أن طفلاً طلب من أبيه ديناراً واحداً فقط؛ فإنه لا يُعطيه طلبه فَوراً!.. إنما ينظر فيه: فإن وجده لمصلحته أعطاه ما يريد؛ وإن لم يكن كذلك، حجبه عنه، حتى لو أدى ذلك إلى بكاء الطفل ليلاً ونهاراً؟!.. لا بُخلاً، ولا عَجزاً!.. ولكنه يعلم أنه لو أعطاهُ المال الآن؛ فإنه سيشتري بهِ طعاماً يَضره!.. وكذلك بالنسبة إلى الإنسان: فإن الله -عز وجل- هو العالم بحاله، وقد يؤخر إجابة دعائه لمصلحته، ألا نقرأ في دعاء الافتتاح: (ولعل الذي أبطأ عني هو خيرٌ لي، لعلمك بعاقبة الأمور)؟!..
٢. الإجابة كما يريد الله: لقد جاء في الحديث القدسي: (عبدي!.. أنت تريد وأنا أريد، ولا يكون إلا ما أريد.. فإن سلمت لي فيما أريد؛ كفيتك ما تريد.. وإن لم تسلم لي فيما أريد؛ أتعبتك فيما تريد، ولا يكون إلا ما أريد)!.. فعطفاً على المثال السابق: لو أن ذاك الأب الذي لم يستجب لطلب طفله، ولم يعطه الدينار الذي طلبه؛ ذهب إلى المصرف، وجعل في حسابهِ ألفَ دينار.. وعندما بلغ الصبي رشدهُ، قال له: عندما طلبت مني الدينار، لم أعطك كي لا تشتري به ما يضرك؛ إنما جعلتُ في حسابكَ ألفاً كي تستفيد منها عندما تكبر.. فإذن، هو استجابَ لَهُ، ورَتبَ الأثر على كلامه؛ ولكن لا على نحوِ ما يُريدُ الطفل؛ بل كما رأى الوالد ما فيه من مصلحة لطفله.
٣. التعويض: إن ربّ العالمين حكيم كريم!.. فالعبد الذي يدعو في الدنيا؛ ولا يستجاب دعاؤه؛ يعطيه رب العالمين يوم القيامة ما لا يخطر بباله من العطاء!.. عن الصادق -عليه السلام-: (يتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا؛ مما يرى من حسن الثواب).
٤. التقصير: قيل للصادق -عليه السلام-: جُعلت فداك!.. إنّ الله يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فإنّا ندعو فلا يُستجاب لنا، قال: (لأنّكم لا تَفُونَ لله بعهده، وإنّ الله يقول: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} والله لو وفيتم له؛ لوفى الله لكم).
٥. محبة الله للعبد: عن الصادق -عليه السلام-: (إن العبد ليدعو فيقول الله -عزّ وجلّ- للملكين: قد استجبت له، ولكن احبسوه بحاجته، فإني اُحب أن أسمع صوته.. وإن العبد ليدعو، فيقول الله -تبارك وتعالى-: عجلوا له حاجته؛ فإني أبغض صوته).
فإذن، هناك فرق شاسع بين استجابة الدعاء وبين قضاء الحاجة.. فالمؤمن عندما يدعو؛ الله -عز وجل- يستجيب دعاءه؛ ولكن قد يؤخره لحكمةٍ هو يعلمها!.. فهل هُناكَ دَعوة أعظم من دعوة الحُسينِ -عليهِ السلام- في يومِ عاشوراء؟!.. هذه الدَعوة تخرق الحُجب، لأنه دعا على قاتليه وظالميه، وهو في ميدان القتال، والدماء تَنزفُ منه!.. أما كانَ بإمكان رب العالمين أن يُنزلَ صاعقةً على يزيد في الشام، فيحولهُ إلى رمادٍ يُذرى في الهواء؟.. ولكن لو أهلكَ اللهُ -عَزّ وجل- يَزيدَ في ساعته؛ هل كانت لتصلنا رسالة الحُسين -عليهِ السلام-؟.. وهل كنا لنسمع الخُطب الزينبية التي ألقتها في طريقها إلى الشام؟.. وهل كان ليصلنا خطاب الإمام زين العابدين -عليه السلام- في مسجدِ دمشق؟!.. كل ذلك ما كان ليصل إلينا، ولانتهى الأمر بهلاكِ يزيد!..
موجبات الاستجابة..
١. طيب المطعم والمكسب: إن من موجبات الاستجابة، أن يكون مكسب الإنسان ومأكله ومشربه حلالاً طيباً، يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (من أحب أن يستجاب دعاؤه؛ فليطيب مطعمه ومكسبه).. قد يكون الكسبُ حلالاً، ولكنّ الطعام حرام!.. بعض الناس يجعل الاحتياط كالحكم الشَرعي، فما يؤخذ من أسواق المُسلمين محكومٌ بالحلّية، لا أحد يتجرأ أن يقول بحرمته.. والذي يُحرّم حلال المُسلمين؛ هذا الإنسان مُفترٍ.. ولكن هُنالكَ مُشتبهات في حد الحرام، فالإنسان في بعض الحالات يكادُ يقطع -ولو قطع انتهى الأمر، وأصبح حراماً- بأنَ بعض هذا الذي يُباع ويؤكل في أسواق المسلمين؛ لم يُسمَّ عليه!.. ومع ذلك هُنالكَ مساحةٌ محللة، فبعض أصحاب المطاعم: يصلونَ مع جماعة المُسلمين، ويؤدّونَ حَقوقَ أموالهم.. فلمّ يترك الإنسان طعام أمثال هؤلاء، ويشتري من أناسٍ يُشكُ في أمرهم، وقد يُشكّ في إسلامهم؟!.. عن الحسن -عليه السلام- قال: (حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: دع ما يريبك، إلى ما لا يريبك).
٢. التوجه: إن الإنسان الذي يدعو أثناء الطواف بهذا الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}؛ وهو يعبث برأسهِ ولحيته، أو يدعو وهو ينظرُ إلى النساء المُسلمات، وهن يطفنَ حولَ البيت؛ هذا الإنسان هل تستجابُ دعوته؟!.. فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافلٍ لاهٍ)؛ لأن الداعي هو القلب لا اللسان.. ولكن لا يمكن أن نقول: أن الذي يدعو عن قَلبٍ غافل؛ لا شَيءَ لَه.. فرَب العالمين أكرم الأكرمين!.. قد يُعطيه شيئاً؛ ولكن لا يتوقع أن يُستجابَ له دُعاءَه في دُعاء كُميل، وهو يقول: (واجعلني من أحسن عبيدك نصيباً عندك، وأقربهم منزلة منك، وأخصهم زلفة لديك).. فهذا المقام الراقي، هو من الهبات العُظمى، ورب العالمين لا يعطي هذه الهبات بلقلقةٍ لا معنى لها.
٣. عيادة المريض: المؤمن يغتنم الفُرص!.. ومن هذه الفرص، عيادة المريض.. قال الصادق -عليه السلام-: (من عاد مريضاً في الله، لم يسأل المريض للعايد شيئاً؛ إلاّ استجاب الله له).. وكذلك عند إعطاء المالَ للفقير، المؤمن يستمهله، ويطلب منه الدعاء له.
٤. التعميم في الدعاء: حَرفٌ واحد في اللغة العربية، ينقُل الإنسان إلى أعلى عليين!.. ما عليه إلا أن يعوّد لسانه على الدعاء بصيغة الجمع بدل المفرد!.. فيضيف حرف النون إلى دُعائه؛ فيحوز بذلك على أعلى الدرجات في جنان الخُلد، مثلاً: بدل أن يقول: اللهمَ اغفر لي، يقول: اللهم اغفر لنا!.. فإذن، التعميم في الدُعاء مستحب، وذلك لقول الرسول -صلى الله عليه وآله-: (إذا دعا أحدكم فليعمم؛ فإنه أوجب للدعاء)!.. وعن الإمام الصادق عليه السلام: (من قدّم أربعين رجلاً من أخوته قبل أن يدعو لنفسه؛ استجيب له فيهم وفي نفسه).. وفاطمة -عليها السلام- كانت تقف في المحراب حتى تتورم قدماها وهي تدعو لجيرانها، فعن الإمام الحسن -عليه السلام- أنه قال: (رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح.. وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم، وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء.. فقلت لها: يا أماه!.. لم لا تدعين لنفسك، كما تدعين لغيرك؟.. فقالت: يا بني!.. الجار قبل الدار).
٥. البدء بالصلاة على النبي: قال الصادق -عليه السلام-: (إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل الله شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة، حتى يبدأ بالثناء على الله -عز وجل- والمدحة له، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ثم يسأل حوائجه).. وعنه -عليه السلام-: (لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلي على محمد وآل محمد).
٦. الختم بالصلاة على النبي: قال الصادق -عليه السلام-: (من كانت له إلى الله حاجة، فليبدأ بالصلاة على محمد وآل محمد، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد؛ فإن الله -عز وجل- أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط، إذ كانت الصلاة على محمد وآله لا تحجب عنه).
٧. الدعاء لولي الأمر: إن المؤمن لا ينسى الدعاء لولي أمره بالفرج في ساعة الاستجابة، وفي مواطن الرحمة الإلهية، وخاصة بهذا الدعاء: (اللهم!.. كن لوليك الحجة بن الحسن -صلواتك عليه وعلى آبائه- في هذه الساعة، وفي كل ساعة: ولياً، وحافظاً، وقائداً، وناصراً، ودليلاً، وعيناً؛ حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلا).. فالذي يدعو لإمامه بحرقة، ويلتزم بدعاء العَهدِ أربعينَ صباحاً؛ الإمام يردّ له ذلك، ويدعو له بالفرج من كل همّ وغمّ؛ فهنيئاً لمن دعا له إمام زمانه بالفرج أيضاً!.. والذي يفتتحُ عِيدهُ بندبةِ إمامِ زمانهِ (بنفسي أنت من مغيب لم يخلُّ منا، بنفسي أنت من نازحٍ ما نزح عنا)؛ هذا إنسان يحزُ في قلبهِ أن يرى الخلقَ ولا يرى إمامه؛ فهل هذا الإنسان يهملهُ الإمام؟..
أثر الدعاء..
١. رد القضاء: إن الدُعاء يدفع البلاء وقد أُبرمَ إبراماً، فالذي جَعلَ البلاء؛ هو الذي يَرفعه!.. روى زرارة عن أبي جعفر الباقر -عليه السلام-، قال: قال لي: (ألا أدلّك على شيءٍ لم يستثنِ فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-)؟.. قلتُ: بلى، قال: (الدعاء يردُّ القضاء وقد أبرم إبراماً)، وضمّ أصابعه.
٢. تهذيب النفس: عن أمير المؤمنين -عليه السلام-: (الدعاء مفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح).
٣. شفاء من كل داء: عن الصادق -عليه السلام-: (عليك بالدعاء؛ فإنه شفاء من كل داء).
٤. نزول الرحمة الإلهية: عن الإمام الصادق -عليه السلام-: (عليكم بالدعاء، فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم، بأفضل من الدعاء والرغبة إليه، والتضرع إلى الله والمسألة.. فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله إلى ما دعاكم؛ لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله).
٥. دفع الفقر: يقول تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.
فإذن، هنيئاً لمن كانَ أنسهُ بالدُعاء، في السراء والضراء!..
الخلاصة:
١. أن الدعاء ضروري في حياة العبد، فهو سلاحهُ، وهو أيضاً مخ العبادة، وما يدل على أهميته أيضاً وروده في سورة الفاتحة، التي جعلها رب العالمين معلما ثابتا في الصلوات اليومية.
٢. أن هُنالكَ فترات تَمرّ على الإنسان، يحتاجُ فيها إلى دُعاءٍ بليغ، منها: ليالي القَدرِ ، عصر يوم عرفة، ليلة الجمعة ونهارها،بين الآذان والإقامة، حال السجود، وفي جوف الليل، وعندما يرق القلب وتجري الدمعة، فإذا لم يغتنم فيها الفرصة، فإن الكنوز تفوته!.
٣. أن الدعاء حركة قلبية: فيها طلب، وفيها التجاء، وفيها إنابة، فلا تَصُنعَ فيها ولا تلقين، أما القراءة المجردة للكلمات فلا ينطبق عليها مفهوم الدعاء.
٤. أن الإنسان إذا أراد أن يدعو؛ فلابدَ أن يعيش هذين العنصرين (الإحساس بالحاجة، وبقدرة المدعو على الإجابة) وخاصة عندما يصل الأمر إلى القضايا المعنوية.
٥. أن عبارة {ادْعُونِي}؛ تعني حَركة في الفؤاد، ومَعرفة بالرب، فالذي لا يَعرفُ رَبهُ، كيفَ يدعوه؟!.
٦. أن أحدنا يموت على الإسلام، وعلى التَوحيد، ولكن لم يَعرف رَبهُ طَرفة عين، فالمراد بالمَعرفة ما ذكره القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}؛ فأينَ نَحنُ من وَجل القلب؟.
٧. أن آية {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} من الآيات الدقيقة، فالوعد فيها بالإجابة لا بالعطاء، وموانع العطاء كثيرة منها: مصلحة الإنسان، والإجابة كما يريد الله جل وعلا، والتعويض في الآخرة، ومحبة الله لعبده، وأيضا تقصير العبد نفسه.
٨. أن من موجبات الاستجابة: حلية المطعم والمكسب، والتوجه القلبي، والدعاء لصاحب الأمر (عج) ، والتعميم في الدعاء، وبدؤه وختمه بالصلاة على النبي وآله عليه وعليهم الصلاة والسلام.
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.