كيف تستجلب محبة إمام زمانك؟

بسم الله الرحمن الرحيم

هل تأملت في هذه العبارة العجيبة من دعاء كميل؟

هنالك فقرة في دعاء كميل تستوجب منا الوقوف عندها والتأمل في مضمونها؛ فقراءة الدعاء غير تدبره. لقد ورد في هذا الدعاء: (يَا حَبِيبَ قُلُوبِ اَلصَّادِقِينَ)[١]. هل رب العالمين حبيب كل الناس؟ بالتأكيد لا. إن الله سبحانه يقول: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِ)[٢]؛ فدينهم دنانيرهم، وكعبتهم دنياهم.

إن الصادق في محبته، هو الذي يرتبط بالله عز وجل برابط المحبة، وأرقى علاقة بين الرب وعبده هي علاقة المحبة. ولولا المحبة لما تزوج أحد، ولولا المحبة لما أرضعت أم ولدها ولا سهرت عليه عند مرضه. ومن لا يعيش هذه المحبة الباطنية تجاه إمام زمانه (عج) لا يُمكنه الارتباط به والدعاء له إلا أن يذكره مذكر، ويطلب منه أن يلهج له بالدعاء في قنوته أو عُقيب صلواته، أو يطلب منه زيارة آبائه (ع).

ما هي مرتبة الحب الإلهي؟

لو أن الانسان نال مرتبة من الحب الإلهي، لوجدناه مستغرقا في صلاته وكان مصداق قوله سبحانه: (ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ)[٣]؛ فهو له علاقة بالله دائمة وقوية وإنما تشتد هذه العلاقة بالله سبحانه عند كل صلاة، بخلاف الغافلين الذين تكون الصلاة لهم مذكر ليس إلا. لولا هذه الصلاة ولولا ما افترضه الله على العباد من الصيام والحج غيرها لما بقيت للإنسان علاقة بربه وإنما كانت علاقة باهتة ضعيفة لا ترقى إلى المستوى المطلوب. لابد أن يصل العبد إلى درجة لا يغفل عن ذكر الله عز وجل طرفة عين، ولذلك روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله، وبعده ومعه)[٤].

هل يمكن أن يصل العبد إلى درجة الذكر المستمر أو الغالب؟

إن العبد ليصل إلى درجة الذكر المستمر مع بشر مثله. لو أن الشاب عشق فتاة لرأيت كيف تملك عليه خواطره وتغلب عليه ذكرها حتى لا يذكر أحدا سواها، ولا تغيب صورتها عن ذهنه، فكيف لو تجلى لك جمال الخالق؟ إن هذا الحب البشري يقل شيئا فشيئا بعد الزواج وقد يختفي الحب أحيانا، ولكن الأمر ليس كذلك في الحب الإلهي الذي يزداد توقدا مع مرور الأيام وكرور الليالي.

من أين يأتي الحب المهدوي؟

وينقدح من الحب الإلهي؛ الحب النبوي ومنه الحب العلوي والفاطمي إلى أن نصل إلى الحب المهدوي. من أحب الله عز وجل بهذا المعنى الملازم أو الغالب الدائم، فمن الطبيعي ألا يستهويه في الأرض إلى المثال الكامل والتجلي الأعظم لهذا الحب وهو إمام زمانه. ولهذا نندبه قائلين: (عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى اَلْخَلْقَ وَ لاَ تُرَى). هب أنك رأيت كل العالم بنسائهم ورجالهم فما الجديد فيهم؟ هب أنك رأيت الطبيعة بكل جمالها جبالاً وغابات ووديانا؛ فما دامت النفس لم تطلع على صاحب الجمال الأعظم، ولم تطلع على قلب الإمام (عج) الذي تجلى فيه رب العالمين، الذي هو أقرب القلوب إليه وأجمل الوجوه وأجمل النفوس، فهو لم يرى شيئا من الجمال.

كان السيد ابن طاووس أحد علمائنا الذائبين في الحب المهدوي من السلف الصالح وكان معروفاً بشدة مراقبته حتى سمي بسيد المراقبين. كان يقول عندما يصل إلى هذه العبارة (وقتلاً في سبيلك فوفق لنا): كن صادقاً عندما تطلب من الله عز وجل أن يرزقك القتل في سبيل إمام زمانك. لا تطلب القتل وأنت غير مستعد للقتل في سبيله وأنت متعلق بالأهل والعيال، ومتشبث بالأرض وما عليها من الزينة. لا تطلب الشهادة وأنت ممن قال الله عنهم: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ)[٥]. وهذا يشبه قولنا: إياك نعبد ونحن نعبد غيره ونستعين بمن هو دونه، وأشار إلى ذلك صاحب المنظومة الفقهية بقوله:

إياك من قول به تفند
فأنت عبد لهواك تعبد

تلهج في إياك نستعين
وأنت غير الله تستعين

لو حاسبنا الله عز وجل بعدله لكن له الحق أن يعاتبنا ويقول: كيف تدعي أن عبادتك واستعانتك منحصرة بي وأنت تستعين بكل أحد سواي؟ كذلك عندما تطلب الفرج وتقول: اجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه وأمثال هذه الأدعية متعارفة في أوساط المنتظرين؛ كن صادقا وتمنها من صميم قلبك.