Search
Close this search box.
  • كيف تحقق تقوى القلوب من إقامة الشعائر؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف تحقق تقوى القلوب من إقامة الشعائر؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لماذا نفرح باكتظاظ المجالس الحسينية؟

يفرح المؤمن باكتظاظ المجالس الحسينية وحضور الشباب فيها من مختلف الأعمار، فكيف بإمامنا صاحب العصر والزمان (عج) صاحب هذه المجالس؟ وليس الذي يحضر في هذه المجالس عاطل عن العمل أو فارغ لا عمل له؛ بل إن المؤمن يحضر في هذا المجلس وهو قد يكون مشغولا بترتيب مقدمات زواجه، أو يأتي أحدهم مرهق من عمله ليجد راحته في هذه المجالس ويأتي المريض وهو يكابد مرضا قد ألم بجسمه، ولكنه لا يبالي فهو يجد عزاءه في هذه المجالس وهلم جرا. إن هذه المجالس كالمغناطيس تجذب قلوب المؤمن إليها وتجمعهم حول مائدة الحسين (ع).

قد يستثمر البعض هذه المجالس استثماراً شخصياً، فيخاطب الداخلين عند الباب: انتبه إن الإمام (عج) واقف بالباب…! نحن لا نجزم بهذه الطريقة وإنما نعتقد أن للإمام (عج) عناية بهذه المجالس وبروادها. ولا ينبغي أن يكون هم المؤمن اللقاء الحسي وإنما ينبغي أن يبحث عن العناية والالتفاتة المهدوية. لو أنك ترى أباك كل يوم ما كان ينفعك هذا اللقاء وهو غاضب عليك؟ ألا تُفضل أن تكون بعيدا عنه ولكن تجزم برضاه؟

المحرم الحرام أيام المصالحة مع صاحب الزمان (عجل الله فرجه)

إن أيام المحرم هي أيام المصالحة مع إمامك ولا يستطيع أحد أن يجزم برضى إمامه (عج). لو أوقفوني عند ضريح العباس (ع) حيث معروف التحليف عند قمر العشيرة؛ وقالوا لي: هل تحلف بالعباس (ع) أن الإمام راض عنك؟ فأقول: كلا، لأنني أخشى من نفسي ألا تكون صادقة. فإذا لم يستطع أحدنا أن يُقسم؛ فهذا يدل على شكه في الرضى وهذا أمر مخيف. لو أن الزوجة شكت في رضى زوجها عليها لباتت قلقة خائفة ولقالت: لعله يحرمني النفقة، أو لعله لا تأتيني من الآن فصاعدا ولعله يطردني وغير ذلك من الأفكار التي تضطرب في ذهنها.

هذه الأيام فرصتك لترضي إمام زمانك

إنني أعتقد أن جلب رضى الإمام (عج) في هذه الأيام، أسهل من سائر أيام السنة. لو أن أحدهم أقام مجلس عزاء لقتل ولده وهو يطلبك مالاً كثيرا أو حتى دماً؛ فإذا جئته معزياً هل تظن أنه سيقول: هذه فرصة جيدة، خذوه إلى الشرطة؟ ألا يلومه الناس على ذلك قائلين: الآن وقد جائك معزياً تطالبه بالأموال؟ ألا تعفو عنه وقد جائك برجله؟ إننا بحضورنا في مجالس الحسين (ع) نكون من المعزين لإمام زماننا (عج) ونطلب منه ألا يؤاخذنا بما اقترفنا من الذنوب وما اركتكبنا من المعاصي، ونقول له بلسان الحال: (قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِـِٔينَ)[١].

ومن الأمور التي ينبغي أن يلتفت إليها الحاضرون في المجالس الحسينية؛ الإنصات عند تلاوة القرآن الكريم. يرى البعض للأسف الشديد أن التلاوة في هذه المجالس أمر هامشي وروتين درج عليه أصحاب المجالس؛ والحال أنه أهم البرامج. إن المؤمن لا يتململ إذا طالت مدة التلاوة بل يقول في نفسه للقارئ: بارك الله فيه، فقد شرفنا بسماع كلام الله، فأين كلامي من كلام الله ومن الاستماع إلى مواعظه وقصصه؟ وهو قوله سبحانه: (وَإِذَا قُرِئَ ٱلۡقُرۡءَانُ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ)[٢].

من مظان نزول الرحمة الإلهية؛ إنصاتك لكلام الله عز وجل. عندما تسمع تلاوة القرآن الكريم في مجلس بصورة مباشرة أو من خلال تسجيل، اطلب من الله عز وجل: أن يخاطبك ويوجه لك الكلام مباشرة. فقد تستمع إلى آية تجد فيها علاج مشكلتك وحل معضلتك.

لا يحدك الزمان والمكان في إقامة ذكر الحسين (عليه السلام)

ثم إن الهدف من حضور هذه المجالس ولبس السواد ورفع الأعلام وما شابه ذلك من إقامة الشعائر؛ ما وصفه القرآن الكريم بقوله: تقوى القلوب. إننا نلاحظ بعد انتهاء العاشر من محرم لا نرى في المجالس الحضور الذي كنا نراه في العاشر وما قبله، ويتقلص عدد الحضور في الثاني والثالث عشر كثيرا. أما إذا صار القلب حسينياً، فلا يختلف الموسم عند المؤمن عن غيره ولا يختلف عنده الحرم عن غيره؛ فهو في عزاء ومصيبة وذكر للحسين (ع) لا ينقطع أبدا.

كان أحد أساتذتنا يقول: ليس الفخر أن تهذب إلى الحرم، فأنت تدفع الأجرة وتنقلك السيارة إلى كربلاء؛ ولكن الفخر كل الفخر أن يأتي إليك الحرم، وأن يسكن الإمام (ع) في قلبك. فإن تيسرت الأمور وسنحت لك فرصة الحضور، فنور على نور؛ تذهب إلى زيارة الإمام (ع). ولكن إن حالت الأحوال ولم تستطع الحضور في مشهده (ع)، فإن كربلاء حاضرة في قلبك والحسين (ع) لا يُفارقك ذكره.

لقد ورد في دعاء سيد الشهداء (ع) في يوم عرفة: (مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ)[٣]؟ إن هذا الإيمان هو إيمان شهودي لا يحتاج فيه المؤمن إلى إقامة الاستدلال على وجود الله سبحانه. ولقد سُئِلَتْ امرأة بدويّة كانت تغزل الصوف بمغزل صغير عن دليلها على وجود الله تعالى ، فأمسكت عن تحريك المغزل حتّى توقّف فقالت : دليلي هو هذا التوقف. قالوا : وكيف ذلك ؟ فأجابت: إذا كان مغزل صغير لا يتحرّك إلاّ بوجود محرِّك، فهل يمكن أن يتحرّك هذا الفلك الدوّار الكبير بلا محرّك له؟ ابحث عن هذا الإيمان الشهودي بالله سبحانه وبالحسين (ع).

كن هادفا في حياتك

من موجبات تقوى القلب؛ أن تكون هادفا في حياتك. من لا هدف له في الحياة يتعثر، ومن لا يعلم إلى أين؟ لا يجد في السير. شاهد ياق الخيول وانظر كيف يبدأ الحصان السير ببطئ؛ ولكنه عندما يصل إلى نهاية الحلبة يُسرع ويقفز والحال أنه حيوان لا يعقل وبهيمة من البهائم. حيوان ولكنه يعلم أن الهدف أصبح قريبا. إن الهدف يحفز الإنسان على السير بجدية للوصول إليه. والهدف هو أن نعيش الأبدية بسعادة.

من منا لا يحب أن يكون سعيداً؟

إنني سافرت إلى بلاد الغرب والشرق، وكنت أقول للكثير ممن يسكن في تلك البلاد: أنتم تبحثون عن السعادة في المخدرات وفي الخمر وفي الليالي الحمراء، وهي سعادة وهمية سرعان ما تزول. إن هؤلاء كمن يعاني من مرض مستعص ثم بدل أن يعالج نفسه يتناول المسكنات ويلجأ إلى المخدرات لتخفيف تلك الأوجاع. لقد تحدثت إلى فتاة ذات يوم تشكو إلي إدمانها على بعض أنواع المخدرات وكان إلى جانبي طبيب فوجئ بأسماء تلك المخدرات قائلا: إنها مواد شديدة التخدير نستعملها في المستشفى لتخدير المريض قبل العملية. وكانت هذه الفتاة من طلاب الدراسات العليا ولكنها أصيبت بهذه الآفة التي ينبغي أن نحذر منها أشد الحذر.

تحذير من انتشار المخدرات أو الابتلاء بها

إنني أخاطب الجهات الرسمية لاتخاذ خطوات جادة في مواجهة هذه الكارثة التي حلت بشبابنا اليوم. فقد دخلت هذه المواد المخدرة إلى المدارس والجامعات. ثم إنني أخاطب البعض ممن ابتلي بهذه المخدرات ألا ييأسوا. إن مجالس الحسين (ع) مجالس تصمع الإعجاز، فما عليك إلا الحضور فيها والطلب من الإمام (ع) تخليصك من ورطتك. كنت أعرف شابا مبتلى قال لي: لقد دعوت الله بلهفة وتوسلت إليه بالحسين (ع) وقد من الله علي بالشفاء العاجل حتى تعجب طبيبه قائلا: إنها معجزة فمن النادر أن يتعافى الإنسان بهذه السهولة وقد أدمن على المخدرات فترة طويلة. إن مجلس الحسين (ع) هو مستشفى الحسين (ع)؛ حيث يداوي جميع الأمراض من الإدمان والأمراض وفتنة النساء وما شابه ذلك.

ما هو هدفك في هذه الحياة؟

إن الهدف من هذه الحياة أن نعيش السعادة الأبدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر. هل من الهين أن تكون مع النبي وآله (ص) إلى الأبد؟ إن أحدنا يتمنى في الدنيا زيارة الحسين (ع) ليطوف حول قبره الشريف ويُقبل ذلك الضريح المنصوب على القبر؛ ولكنه يوم القيامة عند الحسين (ع) يحدثه.

حداث الحسين (عليه السلام) يوم القيامة

لقد ورد في بعض الروايات الشريفة أن الباكين على الحسين (ع) هم حداثه يوم القيامة: (اَلْخَلْقُ يُعْرَضُونَ وَهُمْ حُدَّاثُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَحْتَ اَلْعَرْشِ وَفِي ظِلِّ اَلْعَرْشِ لاَ يَخَافُونَ سُوءَ يَوْمِ اَلْحِسَابِ يُقَالُ لَهُمُ اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ فَيَأْبَوْنَ وَيَخْتَارُونَ مَجْلِسَهُ وَحَدِيثَهُ وَإِنَّ اَلْحُورَ لَتُرْسِلُ إِلَيْهِمْ إِنَّا قَدِ اِشْتَقْنَاكُمْ مَعَ اَلْوِلْدَانِ اَلْمُخَلَّدِينَ فَمَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَيْهِمْ لِمَا يَرَوْنَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ اَلسُّرُورِ وَاَلْكَرَامَةِ اَلْخَبَرَ)[٤] .

إن أهل المحشر ينظرون إلى الجمال الإلهي وذلك قوله عز وجل: (وُجُوهࣱ يَوۡمَئِذࣲ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ)[٥]. وهؤلاء هم الذين كانوا في الدنيا يقيمون الليل ويبكون من خشية الله سبحانه وهم معروفون في هذه الدنيا قبل الآخرة. فقد سُئل الإمام السجاد (ع): (ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟ لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره)[٦].فهو نو لا يخفى على الفاسق حتى.

رضوان من الله أم حور وقصور وجنان؟

إن هؤلاء ينظرون إلى الحسين (ع) ولا يستطيعون مفارقته، وهنا يأتي تفسير قوله تعالى: (وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًا)[٧]، فالسوق إنما يكون للمجرمين الذين يكرهون الدنو من النار، فكيف يساق المؤمنون مع حبهم للجنان؟ إنما تبين لنا هذه الرواية ممَّ يُساق المؤمن ومن أي حال يُنتقل. لو أن حورية تجلت لأهل الدنيا لصعقوا من جمالها ولكنهم مع ذلك لا يفارقون الجمال الحسيني. وفي الجنة طريقان: طريق الحور والقصور وأمثال هذه المتع، وطريق يأخذك إلى جوار النبي وآله (ص)؛ فاحرص في الدنيا على أن تسلك طريقا ينتهي بك إلى جوارهم وتنظر في كل يوم إلى نور الزهراء (س).

قد يقول قائل: فلماذا نقرأ في دعاء الافتتاح: ومن الحور العين فزوجنا ومن لحوم الطير فأطعمنا، ومن لباس السندس والحرير فألبسنا؟ إن هذا لعامة الناس ورضوان من الله أكبر هو للخواص؛ فابحث عما يبحث عنه الخواص من الناس ومن أيسر الطرق الحضور في هذه المجالس وتحويل الشعائر إلى شعور وإدخالها إلى القلب لتحصيل تقوى القلوب.

[١] سورة يوسف: ٩٧.
[٢] سورة يالأعراف: ٢٠٤.
[٣] مفاتیح الجنان.
[٤] مستدرك الوسائل  ج١٠ ص٣١٣.
[٥] سورة يالقيامة: ٢٢-٢٣.
[٦] ميزان الحكمة ج ص١٦٥٥.
[٧] سورة يالزمر: ٧٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إنني أعتقد أن جلب رضى الإمام (عج) في أيام المحرم، أسهل من سائر أيام السنة. لو أن أحدهم أقام مجلس عزاء لقتل ولده وهو يطلبك مالاً كثيرا أو حتى دماً؛ فإذا جئته معزياً هل تظن أنه سيقول: هذه فرصة جيدة، خذوه إلى الشرطة؟ أم يعفو عنه ويتغاضى عما فعله وقد أتاه بنفسه؟
Layer-5.png