- ThePlus Audio
كيف تجلب المحبة الإلهية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
عالمنا هذا عالم الأسباب
إننا مأمورون بالأخذ بالأسباب،و أبى الله إلا أن يُجري الأمور بأسبابها. فلا زرع بلا زراعة، ولا كسب بلا تكسب. وإن حدث شيء خارق للعادة والسنن؛ فذلك استثناء من الله سبحانه تقتضيه بعض المواقف، كإحراق إبراهيم وإغراق فرعون وعدم إغراق موسى (ع). وبالإضافة إلى الأنبياء؛ فإن موالينا (ع) لهم هذا الحق أن يستثنوا من القوانين ما يرونهم مناسبا. فنحن نقرأ في زيارة الحسين (ع): (إِرَادَةُ اَلرَّبِّ فِي مَقَادِيرِ أُمُورِهِ تَهْبِطُ إِلَيْكُمْ وَ تَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ)[١]. أي أن هذا الحرم الحسيني يمثل العرش، وإرادة الله التي تخرج منه. فإذا ما أراد الحسين (ع) شيئا؛ أراد رب العالمين، وإذا أراد رب العالمين؛ أراد الإمام الحسين (ع).
ولكننا لا نعول على هذا لنترك العمل ونترك الأخذ بالأسباب. فالطالب الكسول لا يتوقع النجاح، والمهمل لا يتوقع كسب المال. إننا نهيئ أسباب الكمال ونتوسل بهم (ع). يأتينا أحدهم ويقول: إنني ولسنوات أحاول ولكنني لم أصل إلى أي درجة. لا تيأس بشرط حسن النية. إنني أقول لأصحاب المعاصي المتوغلون منهم، ممن يبحثون عن التوبة؛ إن من مواطن التوبة زيارة قبر الحر، لأنه مظهر التوبة.
بم امتاز الحر حتى قبل الحسين (عليه السلام) توبته؟
إن للحر صفة امتاز بها وهي أنه كان خجلاً إمام الحسين (ع)، وقال له: هل لي من توبة؟ وهذه الكلمة لو صدرت من الشمر؛ لقبلها الإمام (ع) منه كما قبل الحر، ولكن الحر حر كما ولدته أمه. جاء الحسين (ع) وعليه أمارات الذل والانكسار وكان قد وضع حذائه على عنقه. وكان من قبل ذلك عندما وقف إمام الحسين (ع) قبل كربلاء؛ بدرت منه بادرة طيبة، وهي احترامه للزهراء (ع). زر الحسين (ع) وقل: إنني اليوم أغض بصري، فأعني على ذلك، وسيأخذ الإمام (ع) بيدك. إننا لا ندعي أن الأئمة (ع) يمشون على حافة القوانين الطبيعية؛ بل نقول: إن لهم الحق في خرق هذه القوانين متى ما رأوا المصلحة لذلك.
دور المسجد في تطهير الإنسان
لقد ذكرنا أن الله سبحانه يحب المتطهرين، وقد قال في محكم الكتاب: (لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ)[٢]. فابن أنت بنيانك على التقوى، بخلاف مسجد ضرار الذي أسس للإضرار بالمؤمنين. قل: يا رب، أتمم لي بنائي، ثم أظهر حسن النية. فمن يريد المقامات يؤسس شيئاً، ويبدأ من وضع حجارة ثم ترتفع الجدران ويأتي السقف والقبة والمنارة، والمدد من الله عز وجل. أما الذي لا يؤسس شيئا؛ لا يرتفع له بناء.
كيف نعلم أن الله عز وجل يُحبنا؟
إن علامة رض الزوج عن زوجته؛ أن يقدم لها هدية ويلطف بها ويظهر لها حبها، وكما روي عن النبي (ص): (قَوْلُ اَلرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُحِبُّكِ لاَ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أَبَداً)[٣]؛ فهو كالمسمار الذي ينفذ إلى الأعماق. وينغبي للمؤمن أن يخبر أخاه المؤمن بحبه له، ويقول له: إني أحبك. وأخبره أنك تدعو له ليدعو لك هو أيضا. ولكن كيف يُظهر رب العالمين حبه؟ إن الرجل إذا لم يعلم أنه محبوب أو مبغوض، فهو بين احتمالين بعيدين.
كيف يشعر الإنسان المدان بجريمة قتل إمام القاضي الذي بيده القلم، وهو لا يدري: هل يُصدر حُكم الإعدام، أو حكم إطلاق السراح؟ فأين الإعدام من إطلاق السراح؟ إننا لا يُمكننا الجزم بمحبة الله سبحانه، ولا نعرف ذلك حقيقة المعرفة إلا بعد أن يُكشف الغطاء، كما قال سبحانه: (فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ)[٤]، وكما روي: (مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ)[٥]. فبمجرد أن نموت؛ نعلم كل شيء، وكل واحد منا سيكون آية الله وكاشف الغطاء بعد الموت ولكن لا فائدة من ذلك، فقد جرى القضاء.
رقة القلب
من علامات الحب الإلهي رقة القلب. ترى الرجل يدخل إلى الحرم بالبكاء ويقف إمام الضريح وهو يبكي، وإلى أن يخرج من الحرم لا تتوقف دموعه من الانسكاب، وهذه الرقة لم تأت من فراغ وإنما هي علامة الحب. إن رب العالمين إذا أحب عبداً رقق قلبه. ولهذا نطلب من الله عز وجل في دعاء زمان الغيبة؛ أن يرقق قلوبنا بوليه. ولابد أن تستمر هذه الرقة؛ فهناك من المؤمنين من يزور الحسين (ع) كل يوم، وفي كل زيارة يرق قلبه وتجري دمعته. وينبغي أن تصاحبنا هذه الرقة في كل صلاة. والرقة لا تلازم جريان الدمع بالضرورة. والارتباط بالإمام (عج) مما يساعد على اكتساب هذه الرقة حيث نقول: (وَأَحْيِ بِهِ اَلْقُلُوبَ اَلْمَيِّتَةَ)[٦].
الإقبال في الصلاة من دون تكلف
العلامة الأخرى؛ الإقبال في الصلاة من دون تكلف. تارة يرقق الإنسان قلبه بالمجاهدة، وتارة يقول: الله أكبر فيرى قلبه منخلعاً مقبلاً، وهذه علامة الحب الإلهي لك. إن قلب المؤمن كالبوصلة التي تتحرك لوحدها لتجد لك الوجهة التي تريد من دون أن تتلاعب بها. دع قلبك يتجه إلى جهة القبلة الباطنية.
تغيير الذائقة والمزاج
من علامات الحب الإلهي تغيير الذائقة والمزاج. ويعني ذلك أن تشعر بمرارة الحرام في وجودك. هل رأيت من يقول لأحدهم: لا تأكل الحشرات؟ يقول له: إن اسم الحشرة يُنفرني، فكيف بأكلها؟ إن مزاجي لا يلائم هذا الأكل. والبعض يصل إلى درجة لا يحتاج إلى زجر؛ فإذا علم ان الغيبة حرام وأنها أكل لحم الميتة، انتهى الأمر. لقد سمعت أن أحدهم سمع غيبة ذات يوم، فلما انتهت الغيبة، شعر بمرارة في فمه من أكل الميتة.
وإذا رأى امرأة في الطريق في زي غير شرعي، أعرض بوجهه قهريا، فهو لا يحتاج إلى مجاهدة. إن هذه المرأة الجميلة قد هتكت آية الحجاب بقصد أو بغير قصد، ولذلك هي قبيحة في نظره. لو أن امرأة مزقت هذه الآية: (وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَا)[٧]، ووضعتها تحت أرجلها؛ ماذا كنت تصنع بها؟ هل تغريك بعدها؟ إنها في مقام العمل لا في مقام الاعتقاد؛ قد فعلت ذلك. فكيف تبقى فاتنة وجميلة في نظرك؟ أي جمال هذا؟ إنها أقبح النساء.
نحن نذهب إلى بلاد الغرب ونرى في المطار المشروبات والطعام المحرم؛ فيمشي أحدنا سريعاً لأنه يشمئز من هذا المنظر. لماذا؟ لأنه لم يخالط لحمنا ودمنا. إن علامة الحب الإلهي أن تصل إلى درجة ترى فيها ملكوت الحرام. وقد ذكر القرآن ملكوت بعض المحرمات كأكل أموال اليتامى، فقال: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗا)[٨]، والغيبة ذكرها على أنها أكل لحم الأخ ميتا، والمرابي ممسوس كالمجنون، (يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ)[٩]. فالذين يأكلون الربا لا عقل لهم وإن كانوا من أثرى الأثرياء.
الصلاة تكشف عن المحبة الإلهية
إذا ادعى أحدهم أنه يعرف الوزير الفلاني، وأخذ بيدك إلى باب الوزير، ثم قال الوزير: اطردوه، فأنا لا أعرفه ألا تقول: يا فلان، لم تكذب علي؟ إن حقيقة الصلاة لقاء الله، وأنت في مواجهة المولى. فإذا قلت: الله أكبر، فمال قلبك ونفر إلى كل مكان من التفكير في الزوجة والولد وطعام الليلة، وغير ذلك؛ فكيف تدعي عندها المحبة الإلهية؟ إن رب العالمين لم يفتح لك الباب. ولهذا نعرف عن بعض الأولياء أنه إذا صلى صلاة بغير إقبال؛ يبكي بعدها، ويقول: يا رب، لم طردتني اليوم؟ إن صلاتي اليوم لا طعم لها. وإذا دخل الحرم الحسيني ولم يرق قلبه قال: يا أبا عبدالله لعلك ساخط علي؟ إن زرت الإمام ولم تر في قلبك إقبالاً؛ لا تمر مرور الكرام، وفكر في علة هذا الإدبار. فكر في نفسك وقل: لماذا أقبلت أمس ولم أقبل اليوم؟ إن العالم هو عالم الأسباب، ولكل شيء سببه.
ولهذا نرى أن بعض المؤمنين لا يذهب إلى كل مجلس، ويقول: إنني أخاف أن أذهب إلى المجلس الفلاني، فلا تجري دمعتي، فأصاب بتوتر عصبي. ترى الرجل يجلس في مجلس الحسين (ع) ويقرأ فيه الخطيب المقتل والمصيبة، وهو كأنه يسمع نشرة الأخبار. ولهذا يخاف المؤمن من قسوة القلب في مثل هذه المجالس.
ما الحل؟
الحل هو تأسى بالحر. إن الحر لازال حياً مروزقاً، والإمام (ع) حي مرزوق كذلك ولم يتغير شيء. إن الإمام كان على الأرض والآن هو في العرش حيث قال عز وجل: (فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي * وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي)[١٠]. فذات الإمام (ع) هي هي، وروحه باقية. توسل بالإمام (ع)، واطلب منه مقام رقة القلب ومقام القرب الإلهي. قل: يا أبا عبدالله، أريد أن أصلي لك ركعتين، وتقول في النهاية: هاتان الركعتان هدية مني إلى مولاي الحسين (ع). ثم قل: إنها هدية تالفة رخيصة لا تليق بك، ولكن يا مولاي، هذا هو جهدي. وحاول أن تُقبل فيهما أشد الإقبال؛ فإذا قبلها هدية منك فأنت من الفائزين. وقل: يا مولاي، علامة قبولك لي إقبالي فيهما. إنني صليت صلاتي كما ترى بلا توجه؛ فإن أقبلت في ركعتي الزيارة، علمت أنها علامة القبول.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن للحر صفة امتاز بها وهي أنه كان خجلاً إمام الحسين (ع)، وقال له: هل لي من توبة؟ جاء الحسين (ع) وعليه أمارات الذل والانكسار وكان قد وضع حذائه على عنقه. وكان من قبل ذلك عندما وقف أمام الحسين (ع) قبل واقعة كربلاء؛ بدرت منه بادرة طيبة، وهي احترامه للزهراء (ع).
- بعض الأولياء إذا صلى صلاة بغير إقبال يبكي بعدها، ويقول: يا رب، لم طردتني اليوم؟ وإذا دخل الحرم ولم يرق قلبه قال: يا أبا عبدالله لعلك ساخط علي؟ إن زرت الإمام ولم تر في قلبك إقبالاً؛ لا تمر مرور الكرام، وفكر في علة هذا الإدبار. فكر في نفسك وقل: لماذا أقبلت أمس ولم أقبل اليوم؟